الأربعاء ديسمبر 11, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (20)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدِنا محمد طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَنْ تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين

فضلُ التحذيرِ من أهلِ الضلال

قال الإمام الهرري رضي اللهُ عنه: الذي يحذّرُ منْ أهلِ الضلالِ ثوابُه عند الله مثلُ المجاهدِ الذي يجاهدُ الكفارَ بالسيف، مثلُهُ، بل يكونُ في بعضِ الحالات أعظمَ ثوابًا منْ ذلك المجاهد.

بعضُ السلفِ الذين كانوا في أولِ القرنِ الثاني الهجري قال “قتلُ هذا –يعني غَيلانَ الدمشقي- أفضلُ مِنْ قتلِ ألفِ كافرٍ روميٍّ وتركيّ، الأتراكُ كانوا كفارًا في ذلك الزمن ما دخلَهم الفتحُ الإسلاميُّ وحقيقةً هو الأمرُ هكذا الكافرُ المُعلن لا ينتسبُ إلى الإسلام إذا تحدّثَ مع المسلمين، المسلمونَ لا يأخذونَ كلامَهُ في أمرِ الدين أما هذا يقرأُ قرآنًا ويُرِدُ آياتٍ، هذا تأثيرُه سريع.

(قال فضيلة الشيخ جميل: هنا عدة فوائد الأولى أنَّ ثوابَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثواب إدخال الكفار في الإسلام وثواب التحذير من أهلِ الضلال الذين يهدمونَ على الإسلام ويحاربونَ الإسلام ويُشَوِّشونَ عقائدَ المسلمين، هؤلاء التحذير منهم وفضحُهم بالدليل بالبرهان بالأدلة النقلية والعقلية ثوابُه عظيمٌ عند الله كثوابِ المجاهدين كثواب الشهداء، وأحيانًا يزيدُ على ثوابِ المجاهد لأنّ هذا الذي يُدخلُ الكفارَ في الإسلام أو يفضحُ رأسًا من رؤوسِ الكفر الذي يشوِّش عقائدَ المسلمين ويعيش بينَهم ويُموِّه عليهم بالآيات والأحاديث والناسُ ينزلِقونَ بسببِه إلى الكفر، ففضَحهم إنسانٌ بالعلمِ والدليل أو أدخلَ ناسًا كافرينَ في الإسلام هذا منْ حيثُ الثواب ثوابُهُ أعظم مِنْ مجردِ ثوابِ المجاهد الذي يقتلُ كافرًا في المعركة، هذا تعرفونَ الفوائد المترتبة عليه، ذاك قتلَهُ أما هذا أنقذَ أناسًا من الكفر وأدخلَهم في الإسلام أو أنقذَ المسلمين من شرِّ دجال خبيث يعلّم الكفر والضلال ويُفسد عقائد الناس يشوّش عقائد الناس ففضحَه بالأدلة، هذا ثوابُه عظيمٌ عند اللهِ تعالى.

لذلك قال هذا العالم الذي ذكرَه الشيخ هنا قال “أحد علماء السلف” هذا كان من المجتهدين قاضيًا مجتهدًا مستشارًا عند الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، هو رجاء بنُ حَيوى رضي الله عنه، هو الذي قال “قتلُ هذا –غيلان القدري- أفضل من قتلِ ألفِ كافرٍ تركيٍّ وروميّ”، وهنا يتكلم عن الأتراك الذين لم يُسلِموا في ذلك الوقت ليس على الأتراك الذين أسلموا وآمنوا، ذلك الزمان أي زمان عمر بن عبد العزيز زمان بعيد جدًّا، وكذلك الروم يعني بهم الذين لم يُسلموا، الرومي والتركي يعني هنا الذين لم يدخلوا في الإسلامِ بعد، لأنه قال أفضلُ من قتلِ ألفِ تركيٍّ وروميٍّ يعني من غيرِ المسلمين أما قتلُ مسلمٍ واحد ظلمًا وعدوانًا بغيرِ حقٍّ ذنبٌ عظيمٌ وجريمةٌ كبيرة بل قتلُ المسلم الواحد عربي أو أعجمي كان هذا المسلم وقُتلَ بغير حق هذا الذنب أعظمُ عند الله منْ هدمِ الكعبة، هذا أعظم الذنوبِ بعد الكفر والعياذُ بالله تعالى.

رجاء بن حيوى كان من الصالحين، مرة كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه مجتمِعًا بالخضر عليه السلام يقظة وبعدَما انتهى أراد الخضر أنْ يخرج فخرجَ مُتَّكِئًا على يدِ عمر بن عبد العزيز ثم ودّعَه وانصرفَ الخضر عليه السلام، فقال له رجاء رحمةُ الله عليه: مَنْ هذا الذي كنتَ تُماشيه؟ قال: رأيتَه؟ قال: نعم، قال: هذا الخضر ما أراكَ إلا صالحًا.

كان رجاء من كبار الأئمة العلماء المجتهدين الفقهاء، روى عنه هذا القول هذا الحافظ بن عساكر في كتابِه تاريخ دمشق.

أما هذا غيلان القدري الذي قال عنه رجاء “قتلُ هذا” هذا كان من زعماء المعتزلة القدرية الذين يُكذّبونَ بالقدر ويقولون إنّ الإنسانَ  يخلقُ أعمالَ نفسِه الاختيارية وليس الله يخلقُهُا، هؤلاء المعتزلة الذين يقولون بهذه المقالة هم مكذّبونَ لله مكذّبونَ للقرآن لأنّ اللهَ قال {واللهُ خلقَكم وما تعملون}[الصافات/٩٦] وقال {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] وقال {هل منْ خالقٍ غيرُ الله}[فاطر/٣] وقال {منْ شرِّ ما خلق}[الفلق/٢] آياتٌ كثيرة.

والرسولُ صلى الله عليه وسلم عندَما سُئلَ عن الإيمانِ كما في حديثِ جبريل المشهور ما الإيمان؟ قال [الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ وملآئكتِه وكتبهِ ورسلِه وباليومِ الآخرِ وبالقدرِ خيرِه وشرّه] هذا من أصولِ الإيمان، الإيمان بالقدر يعني الاعتقاد أنّ ما قدَّرَهُ اللهُ في الأزل كائن وأنّ تقديرَ اللهِ لا يتغيّر وأنه لا يحصُل شىء في هذا الكون والعالم إلا بخلقِ الله وقضائِه وقدرِه، هذا الاعتقاد أصلٌ منْ أصولِ الدين من أصلٌ من أصولِ الإسلام، مَن كذّبَه فليس من المسلمين.

هذا الحديث صحيح في مسلم وهو من الأحاديث المشهورة.

وقال صلى الله عليه وسلم [لكلِّ أمةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولون لا قَدر] وقال [صِنفانِ منْ أمتي لا نصيبَ لهما في الإسلام المُرجِئةُ والقدرية]

وهذا أبو شكور السالمي الفقيهُ الحنفي في كتابِه “التمهيد” وهذا منذ ألف سنة ينقل الإجماع على كفرِ هؤلاء القدرية الذين يقولون بأنّ الإنسانَ هو يخلقُ أعمالَه الاختيارية وليس الله يخلقُها.

وهذا عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما قال  “كلامُ القدريةِ كفرٌ”

وهذا سيدُنا أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه على المنبر قال “ليس منا مَنْ لم يؤمنْ بالقدرِ خيرِه وشرِّه”، هنا في هذا الموضع “ليس منا” يعني ليس من المسلمين مَنْ لم يؤمن بالقدرِ خيرِه وشرِّه.

وهذا الإمام الأوزاعي المجتهد والإمام الحسن البصري الذي هو من التابعين وأخذ العلمَ عن بعضِ الصحابةِ ويُقال إنه كان تلميذًا لسيّدِنا عليّ أيضًا، قالا –الأوزاعي والحسن البصري- “مَنْ كذّبَ بالقدر فقد كفر”

وهذا الإمام أبو منصور البغدادي في كتابِه تفسير الأسماء والصفات أيضًا ينقل الإجماعَ على كفرِ هؤلاء القدرية الذين ذكرْناهم.

هذا غيْلان أبو مروان القدريّ الدمشقي كان من زعماء المعتزلة القدرية.

وأذكرُ لكم شيئًا ممّا يتعلقُ به لأجلِ أنْ لا تتعجّبوا ولا تستغربوا عندما يُحذّر من إنسان هيئتُه هئيةُ شيخِ أو صورتُهُ صورة شيخٍ أو داعية ويدعو للكفر والضلال، هذا غيلان القدري كان عبدًا مملوكًا لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسيدُنا عثمان أعْتقَه حرَّرَه.

 وزيادةً على ذلك هذا غيلان كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب، هؤلاء الخوارج هكذا أيضًا كالمعتزلة يحفظونَ القرآن ويتلونَه في الليل والنهار لكنّه خصمهم يومَ القيامة والقرآنُ يلعنُهم لأنهم جعلوا لله شركاء وكذّبوا الله.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال في صفة الخوارج الذين هم في هذه الناحية كالمعتزلة يُكفِّرونَ المسلمين ويستبيحونَ دماءهم وكانوا يحفظون القرآن، قال فيهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم في البخاري وعند غيرِه قال [حُدَثاءُ الأسنان سُفَهاءُ الأحلام يقولون منْ قولِ خيرِ البَريّة يقرأونَ القرآن لا يُجاوزُ تراقِيَهم] يعني لا يصل إلى قلوبِهم إنما بألسِنَتِهم يقرأونَه، لا يجاوزُ حناجرَهم، [لئِنْ أدرَكْتُهم لأقتُلَنّهم قتلَ عاد] وفي روايةٍ [قتلَ ثمود]

وقال [هم شرُّ الخلقِ والخليقة هم أبغضُ الخلقِ إلى الله] وقال للصحابة [يَحْقِرُ أحدُكم صلاتَه إلى صلاتِهم وصيامَهُ إلى صيامِهم] يحقرُ هنا يعني يراها شيئًا قليلًا من حيثُ العدد ليس مِنْ حيثُ التحقير لا، الصحابي لا يَحقرُ الصلاة والصيام إنما منْ حيثُ العدد يراها شيئًا قليلًا بالنسبةِ لما يعمل الخوارج.

انظروا لهذه الصفات التي وصفَهم بها الرسولُ صلى الله عليه وسلم. من هذه الأحاديث بعضُ العلماء كفّرَهم بالإطلاق وبعضُ العلماء فصّلَ قال: في العقائد التي وصلوا فيها إلى تكذيب القرآن أو الإسلام أو الرسول هم كفار، ومَن لم يصل منهم إلى العقائد الكفرية فهو فاسقٌ ضالٌّ بدعيٌّ منْ أهلِ الكبائر.

هؤلاء أيضًا كانوا يقرأون القرآن فلا تنخدعوا ولا تنغشوا أليس قال الصحابيُّ الجليل أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم “ربَّ تالٍ للقرآنِ والقرآنُ يلعنُه”

بعضُ الناسِ القرآن يكونُ خصمَهم لهم وحجةً عليهم في القيامةِ.

إذًا هذا غيلان القدري كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب لكنْ ما نفعَه وهو يُكذّب القرآن وهو عدوّ القرآن والقرآن خصمُه يومَ القيامة.

غيلان القدري كان مولًى لعثمان بن عفان رضي الله عنه وكان عثمان أعْتقَه حرّرَهُ، وكان غيلان يحفظ القرآن وله مجلسُ وعظٍ في مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، مع ذلك بعد أنْ ماتَ عثمان رضي الله عنه وأرضاه هذا غيلان القدري في زمن هشام بن عبد الملك أعلنَ دعوَتَه الكفرية، أعلنَ عقيدةَ الاعتزالِ المكَذّبة للقرآن.

فهذا غيلان القدري كان بلغَ خبرُه إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، عمر طلبَه وردّ عليه بآياتِ القرآن وقال لغيلان: بلغَني عنك أنك تقول كذا وكذا –من عقيدة المعتزلة القدرية- فهذا غيلان فزِعَ، قال لا يا أميرَ المؤمنين ما قلتُ إنما يكذبونَ عليَّ، عثمان بن عفان كان حسّنَ به الظن، والآن عمر بن عبد العزيز يُحسِّن به الظن ويبني على الشرع يريد الشهود الثقات العدول أو على اعترافِه، هو أنكر، ولكن عمر كان كُشفَ له ولمْ يبنِ على الكشف لأنُّ يريد أنْ يحكمَ على حسبِ الحكمِ الشرعي وما وردَ في الحديث [أنتم شهداءُ اللهِ في الأرض] فعمر قال له “إنْ كذبْتَ عليَّ أذاقَك اللهُ حرَّ السيف”

ثم هذا غيلان سكت إلى زمنِ هشام بن عبد الملك وأعلن دعوتَه الكفرية وعقيدتَه الشركية، هشام لم يكن هيِّنًا كان رئيس المسلمين في الأرض وكان خليفة، فجلَبهُ وناظرَه ردّ عليه بآياتِ الفاتحة وردّ عليه بآيات من سورة يس وصار يقول له اقرأ هنا واقرأ هنا ويقيم عليه الحُجَج، كسرَهُ هشام بالقرآن.

ثم قال هذا الخبيث غيلان: يا أميرَ المؤمنين قدِّمْ لي إنسانًا منْ جماعتِكَ يُناظرُني فإنْ كسرَني فهذه رقَبتي وإنْ كسرتُهُ تفعل به ما تفعل بي، فقال هشام بن عبد الملك: مَن لهذا القدري؟ قال الناس: الأوزاعي، والأوزاعي كان هنا في بيروت فطلبَه الخليفة في دمشق، طلع الأوزاعي فناظرَه في مجلس الخليفة وكسرَه وأقامَ عليه الحجج من أولِ مسئلة، ثم قال الخليفة هشام للإمام المجتهد الكبير الأوزاعي: ماذا تقولُ فيه يا أوزاعي؟ قال: كافرٌ وربِّ الكعبةِ يا أميرَ المؤمنين، اقتلْهُ ودمُهُ في عُنقي.

لماذا أفتى الأوزاعي هذه الفتوى؟  لأنّ غيلان عقيدتُه تكذّب القرآن ويدعو الناس  للإشراكِ باللهِ تعالى، فهشام نفّذَ لأنّ الشهودَ جاءوا وسمعوا، والخليفة سمع هو أولًا ناظرَه ثم جاء الأوزاعي فناظرهَ، والناسُ سمعوا منه ما بقي  له مهرب، فنفّذ عليه الخليفة أحكام المرتدين فقطعَ خمسَتَه يعني رأسَهُ ويديْهِ ورجليْه ثم علّقَه على باب مدينةِ دمشق ليكونَ عبرةً للمُعتبِرين.

ثم بعدَ أيام وصل الخبر إلى رجاء بن حيوى الإمام المجتهد التقي الصالح أنّ هشام كأنه فزِعَ مما فعل –من قتلِ غيلان- فكتبَ إليه يقول فيه “يا أميرَ المؤمنين قتلُ هذا أفضل من قتلِ ألفِ كافر مُعلِن” لأنّ الكافرَ المُعلِنَ الناس يعرفونَ أنه كافر فلا يأخذونَ منه ولا يتشوّشونَ بأقوالِهم، أما هذا كان متسَتِّرًا بين المسلمين يقرأ القرآن ويحفظه يعظ الناس في المسجد النبوي وكان عبدًا مملوكًا لعثمان بن عفان.

لذلك اليوم التحذير من أهلِ الضلالِ وفضحِهم بالعلم، نحن اليوم لسنا حكّامًا، لا أنت هشام بن عبد الملِك ولا هو عمر بن عبد العزيز ولا أنا رجاء بن حَيوى، نحن دعاة من عامة المسلمين، نبيّنُ الحكم الشرعي أما تنفيذ الحكم ليس لك ليس لنا ليس لهم ليس للعامة ليس للشيخ الفلاني اليوم، لأنّ هذا يؤدّي إلى مَقتَلة وإلى مفسَدة وإلى سفكِ دماءِ الناسِ بعضِهم لبعض، أما الحاكم عندَما هو ينفّذ مَنْ يتجرأ عليه؟

لذلك هذا التنفيذ للرؤساء للحكام للملوك للخلفاء للأمراء للقضاة ليس لي ولكم.

وهذه الحكاية بتفاصيلِها على أوسع مما ذكرتُ أنا رواه الإمامُ الحافظ بن عساكر في كتابِه “تاريخ دمشق” ثمانون مجلد، في المجلد 48 في حرف الغين غيلان أبو مروان الدمشقي القدري، ذكرَ هذه القصة بتفاصيلِها).

صحيفة 136

 

 

وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: إهانةُ المُبتدِعِ في العقيدةِ جهاد.

(هذا المُبتدِع في العقيدة يعني الذي عنده عقيدة كفرية تكذّب القرآن، تكذّب عقيدة الأنبياء تكذّب عقيدة أهلِ السنةِ والجماعة، هذه العقيدة البدعية الكفرية عقيدة فاسدة مُعارضة للقرآن مكذّبة للقرآن مكذّبة للإسلام، لذلك قال الإمام مالك رضي الله عنه وأرضاه “أرى في أهلِ الأهواء أنْ يُعرَضوا على السيف” –يعني هؤلاء الذين هم على عقائد كفرية تكذّب القرآن- يقال لهم أصحاب العقائد البدعية أو أصحاب الأهواء، هذا للذم والتحقير والإهانة.

أهل الأهواء يعني التي استحدثَوها واتّبَعوها وهي مكذّبة للعقيدة الإسلامية للقرآن. الإمام مالك يقول فيهم “أرى في أهلِ الأهواء أنْ يُعرَضوا على السيف فإنْ رجَعوا وإلا قُتلوا” مَنْ يعني؟ الخليفة الحاكم ينفّذ ذلك كما شرحنا وبيّنا الآن، هذا لمثلِ أبي بكرٍ الصديق مثل عمر عثمان علي والحسن بن علي وعمر بن عبد العزيز مثل الخلفاء الذين حكموا الملوك الأمراء السلاطين، هم الذين ينفِّذونَ هذا أما نحنُ علينا البيان باللسان، نحن علينا ببيان العلم، أما بإقامة هذه الأحكام على المرتدين وما شابه فهذا للحكام للرؤساء.

ثم هؤلاء أهل الأهواء يعني أصحاب العقائد البدعية الكفرية المُكذبة للإسلام ورد أيضًا فيهم ما رواه الحافظ عبد الرؤوف المُناوي والحافظ السيوطي قال صلى الله عليه وسلم [أبَى اللهُ أنْ يقبلَ عملَ ذي بدعةٍ حتى يدَعَ بدعَتَهُ] يعني الذي وصل إلى حدِّ الكفر بعقيدتِه الفاسدة كعقيدةِ التشبيه التجسيم الحلول عقيدة القول بخلقِ أفعالِ العباد أو الإنكار لصفاتِ الله تعالى الثلاث عشرةَ، هؤلاء كذّبوا الله وقد نقلَ الإجماعَ على كفرِ مَنْ يُنكر صفة من صفاتِ الله الثلاث عشرة أو يشك فيها الفقيه ابن بطال في شرحِه على البخاري.

لذلك هؤلاء أهل البدع يعني العقائد الكفرية الفاسدة، وهذا الحديث [أبَى اللهُ أنْ يقبلَ عملَ ذي بدعةٍ حتى يدَعَ بدعتَه] لأنهم على عقيدةٍ تخالفُ عقيدةِ الرسول صلى الله عليه وسلم وتخالف عقيدة أهل السنة والجماعة.

ثم ما معنى إهانة أهل البدع في الاعتقاد جهاد؟ يعني بفضحِهم بالعلم بالأدلة بإظهارِ دجلِهم تحريفِهم بإظهار أنهم يُدلِّسونَ على الناس ليَجُرّوهم إلى الكفر، لا يُسكت لهم لا يُداهَنون لا يُراعى لهم خاطر على حساب الشريعة، إنما يُراعى جانب الشريعة على خواطِرهم.

وليس معنى “إهانة” أنْ تسبَّ أمَّه لأنّ أمَّها  لا دخلَ لها قد تكون أمُّه ولية صالحة، لا أنْ تسبَّ أختَه لا أنْ تسبَّ أولادَه ليس هذا معنى “إهانة”، إنما بفضحِه بتعْرِيَتِه بالعلم بالأدلة بالبراهين بإظهار أنه كذاب دجال خبيث زنديق مُحرِّف متذبذِب متلَوِّن محرِّف، هذا معنى “إهانة”.

ليس شرطًا إذا كان هو عندَه عقيدة كفرية أنْ يكونَ أهله مثله، قد يكون أهله يحذِّرونَ منه وأمه غاضبة عليه.

أخبرَنا مشايخ دمشق عن ناصر الدين الألباني المتمَحدِث شيخ المشبهة المجسمة بعض مشايخ دمشق أخبرونا أنّ والدَه الشيخ نوح كان غاضبًا عليه يرفع يديه ويدعو ويتغضب عليه، والدُه كان فقيه حنفي، هو كان اسمُه نجاتي  قبل أنْ يسميَ نفسهَ ناصر الدين، والمشايخ الذين يعرفونَهم وعاشروهم وجاوروهم في الأحياء هم أخبرونا، وبعضُهم ما زال على قيد الحياة واحد منهم الآن دكتور باحث شيخ في دمشق.

سيّدنا نوح نبيّ رسول ابنُه كنعان مات على الكفر، قال {يا بُنيَّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين* قال سآوي إلى جبلٍ يعصمُني من المآء قال لا عاصمَ اليومَ منْ أمرِ الله إلا مَنْ رحِم وحالَ بينَهما الموجُ فكان منَ المُغرَقين}[هود/٤٢/٤٣] يعني أسلِم واركب معنا في السفينة.

مثالٌ آخر سيدُنا لوط زوجتُه ماتت كافرة، سيدُنا نوح زوجتُه ماتت كافرة، في القرآن في سورة التحريم ورد في زوجة نوح ولوط {وقيلَ ادخُلا النارَ مع الداخلين}[التحريم/١٠]

الإنسان هو مسؤولٌ عن عملِه. الآن إذا رأيتَ إنسانًا بدعيًّا كافرًا وأهلُه يساعدونَه يشجّعونَه على بدعتِه عند ذلك تقول هؤلاء وهو سواء إنْ كانوا معه على كفرِه، لكنْ هذه ليست قاعدة على كلِّ البدعيين.

سيدُنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام نبيٌّ رسول أفضل العالمين بعد محمد عليهما الصلاة والسلام كان والدُه كافرًا، اللهُ قال في القرآن {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيهِ إلا عنْ مَوْعِدةٍ وَعَدها إيّاه فلما تبيَّنَ له أنهُ عدوٌّ لله تبرّأَ منه}[التوبة/١١٤] هنا كان وعدَه بأنْ يدعوَ له بالاهتداء ليُسلمَ ليتشهّدَ ليتركَ الكفر ليدخلَ في الإسلام فيُغفَر له بالإسلام، ما كان يقبَل ولا اهتَدى ومات على الكفر.

إذًا هذه المسائل ينبغي أنْ يُتَنبَّه لها، أحيانًا يكون شخص وليّ ابنُه رأس من رؤوس الكفر، وقد يكون نبيًّا وابنُه كافرًا، أو العكس يكون إنسانٌ كافرًا يطلع ابنُه وليّ من الصالحين وهذا موجود بين المشايخ وبكثرة

فإذًا هذا معنى “إهانة أهلِ البدع الاعتقادية جهاد”)

وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: نحن نؤدي الواجب الذي أوجبَهُ الله منَ التحذيرِ منْ دُعاةِ الضلال لأنّ هؤلاء لا يُميّزونَ بين الخيرِ والشر لذلك أحبّوهم –أي مشايخَهم- على الضلال، فإذا حُذِّرَ منهم يقولون غاروا منا.

(هؤلاء لا ميزان ولا مقياس ولا فهم عندهم، إذا واحد شيخ من أهلِ الضلال حذّرتَ منه قيامًا بالواجب يقولون غار منه، كيف هذا الكلام؟ هذا موجود، بعضُ الناس يقولون لماذا تتكلمون في فلان لماذا تطعنون في فلان لماذا تحذّرونَ من فلان تغارونَ منه؟ من أيِّ شىءٍ نغار؟ من جهلِه من سوء اعتقادِه من مخالفتِه للقرآن من تكذيبِه للإسلام؟  من زندقتِه؟ من دجلِه؟ من أيِّ شىءٍ نغار؟

الإنسان يغار ممّن عنده صفات حميدة طيبة على معنى الغِبطة يَغْبِطُهُ فيقتدي به ويعمل لا يحاربُه ولا يفتري عليه ولا يكيد له ولا يظلمُهُ ولا يرَكّب له الإشاعات، هذا شىء والتحذير من أهلِ الضلال شىءٌ آخر، التحذير من أهل الضلال ليس غيرةً منهم بل صوْنًا للأمة وحفظًا للإسلام وصيانةً لشبابِ وشابات الأمةِ منْ أنْ ينجرِفوا إلى أهلِ الضلال وهذا ليس غَيرةً منهم بل هذا قيامًا بالواجب لأنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال [ليس منا مَنْ لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر] يعني ليس منْ أتقيائِنا ليس على طريقتِنا الكاملة.

وبعضُ الجهال يقولون المشايخ يغارون منْ بعضِهم كالتيوس، على زعمِهم لا يُؤخَذ بقولِ المشايخ بعضُهم في بعض، هذا كلام باطل لأنّ العبرةَ بما ووافق الحق ليست العبرةُ بما يظنُّه الجهال ليست العبرة بما يقولوُه الأغبياء بل العبرة بما يقولُه العلماء والأولياء، العبرةُ بما جاء في الشرع بما جاء في الدين، لو كان المردود عليه من الظاهرين البارزين والرادّ تلميذًا ضعيفًا مُبتدِئًا ليس له شهرة لكنْ الحقّ مع الراد نأخذ من الراد والمردود عليه إنْ كان من البارزين المشهورين وكان مُعارضًا مخالفًا للدين فنحنُ لا نأخذ بقولِه لو كانت له شهرة.

فليست المسئلة مسئلة غَيرة مَنْ لحيتُه أطول ومَنْ لفَّتُه أعرض ومَنْ جبتُه أعرض ومَنْ رصيدُه في البنك أكبر، لا ليست هذه المعايير والمقاييس، بل المقياسُ والمِعيارُ ما قالَه سيدُنا الإمامُ الغوثُ الرفاعيُّ الكبيرُ رضي الله عنه وأرضاه “سلِّمْ للقومِ أحوالَهم ما لم يُخالفوا الشرعَ فإذا خالفوا الشرعَ فاترُكهم واتَّبِع الشرع”

هذا المقياس والمعيار، وما قاله سيّدنا الغوث الجِيلاني رضي الله عنه وأرضاه “إذا رأى المُريدُ منْ شيخِه خطأً فلْيُنَبِّههُ فإنْ قبِلَ الشيخُ فذاكَ الأمر وإلا فلْيَتْرُكْه ولْيَتِّبِع الشرع”، فالذي يحكُمُنا هو الشرع.

سيدُنا الإمام مالك رضي اللهُ عنه وأرضاه صاحب المذهب المشهور قال وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عند القبر الشريف في المسجد النبوي المبارك الشريف الأعطر الأنور الأزهر العظيم قال “ما منّا مِنْ أحد –يعني نفسَه والعلماء والأئمة والفقهاء والحفاظ وهو في زمن السلف وكان في الإسناد قريبًا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبعض العلماء يقول هو صاحبُ السلسلة الذهبية في الحديث، وبعضُ العلماء قال إذا ذُكرَ الحديثُ فمالكٌ النجم، بعضُ طرقِ الحديث بين مالك والرسول صلى الله عليه وسلم قريبٌ جدًّا مالك عن نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بنِ عمر عن رسولِ الله، شخصين بينَه وبين الرسول- هذا الإمام مالك يقول “ما منا إلا ورادٌّ ومردودٌ عليه” وفي بعض الألفاظ “إلا يؤخَذُ منْ قولِه ويُرَدّ عليه إلا صاحب هذا القبر”، هذا الإمام مالك، فمَنْ أنت أيها الشيخ إذا أخطأتَ وحرّفْتَ وزوَّرْتَ وبدّلتَ وغيّرْتَ وخرجتَ عن عقيدةِ أهلِ السنة تريد من الناس أنْ يقدِّموا لك السمعَ والطاعة وأنْ لا يُعترَضَ ولا يُنكَرَ عليك ولا يُحذَّر منك؟؟؟

أليس روى الطبراني أنّ الأثر الذي فيه “إذا ظهرَت البدَع وسكتَ العالِمُ لعنَه الله”؟

وفي حديث الطبراني قال صلى الله عليه وسلم رواه الحافظ العراقي وحسّنه ونقل الحافظ الزبيدي تحسين العراقي له في إتحاف السادة المتقين ورواه الطبراني في المعجم الكبير، [ما مِنْ أحدٍ إلا ويُؤخَذُ منه ويُدَع غيرَ رسولِ الله]

فمَنْ أخطأ وحرّف الدين وكذّبَ الشريعة سيُحَذَّر منه، ليست المسئلة مسئلة غَيْرة، بعضُهم إذا حذَّرْنا منهم أتْباعُهم الجهال يقولون يغارونَ منهم.

ثم اليوم الجهال يُعجبُهم الشيخ الذي لا يقول هذا حرام لا يقول لهم هذا اسكتوا عنه وهذا لا تقولوه وهكذا ما صحّ الوضوء وهكذا ما صحّت الصلاة ويجبُ عليك أنْ تعيدَ الحج، لا يُعجبُهم هذا بل يُعجبُهم المُتلوِّن المُتذَبذِب الذي يُمَشّي لهم كيفما اتفق على الجهل والضلال ليُسهِّلَ عليهم بزعمِه، هذا يفرحونَ منه.

إذا تكلموا بالحرام وبالكفر ويضحك لهم ويُمَشّي لهم يفرحونَ منه أما الذي يقول لهم هذا حرام وهذا اسكتوا وهذا اتّقوا الله وهذا لا يُقال وهذا كفر تشهّد لا يُعجِبُهم، يُعجبُهم مَنْ يُمَشّي لهم ويُسهّل لهم ولا يعلِّمُهم الشرع كما ينبغي.

لذلك ليست المسئلة بمجرد المظاهر ولا كما يقول الجهال يغارون من بعض، المسئلة حسب ما ورد في الشرع بدليل كل هذه الأدلة التي أوْرَدْناها الآن.

والحمد لله رب العالمين