مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” -72
اغتنام الأوقات -2
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمامُ الهرريُّ رضي اللهُ عنه: تضييعُ الأوقاتِ عن المهم عن الاستفادةِ في الأمورِ المهمة خسارةٌ فاغتنموا أوقاتكم لا تضَيِّعوها باللهوِ واللعب.
)ينصحُنا رضي اللهُ عنه ويدلُّنا على ما ينفعُنا ويُرشِدُنا إلى ما فيه خيرٌ لنا في الدنيا والآخرة، يُحذِّرُنا من تضييعِ الأوقات. وقد سبقَ لنا تكلّمْنا عن أهميةِ الوقت وحفظِ الوقت ومَلئِه بالنافع والمفيد. وقلتُ يومئذٍ من المهم والنافع أنْ تجعلَ لكلِّ وقتٍ عملًا كي تظهرَ بركةُ الوقتِ، وقلنا يومَها منْ لحظة أنْ تستيقظَ إلى أنْ تنامَ اعملْ لنفسِكَ هذا البرنامج ولا تضيِّعْ وقتَك وأنفاسَك فيما لا ينفع، هذا تكلّمنا عنه.
هنا أيضًا يؤكد علينا أنْ لا نُضَيِّعَ أوقاتَنا وأنْ لا نستعملَ هذه الأوقات باللهوِ واللعب لأنّنا بذلك نُضَيِّع على أنفسِنا الفوائد الكثيرة، وأنه ينبغي أنْ نصرفَ أوقاتَنا بالاستفادة بالأمورِ النافعة المهمة من حفظِ كتابِ اللهِ عزّ وجل حفظ القرآن والاشتغال بتلاوتِهِ بعدَ تحصيلِه بالتلقي على أهل العلم، فكمْ وكم منْ أولياءِ اللهِ تعالى كانوا يشغَلونَ أوقاتَهم بتلاوةِ كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ في الليلِ والنهار، كم وكم منَ الأولياء والعلماء كانوا يشغَلونَ أوقاتَهم بالصلاة النوافل في الليلِ والنهار، كم وكم من الأوقات صرفوها بالمنافع والفوائد التي تعود عليهم بالنور والبركة والأجر والخير وفي القبر يجدونَ جزاء وثواب هذا العمل وفي القيامة يجدونَ ذلك، وفي الجنة يحصُلونَ على تلكَ المراتب العليّة، هذا شأنُ الأولياءِ أنهم لا يُضيِّعونَ أوقاتَهم.
اليوم للأسف بسببِ الغفلة التي وصلَ إليها الناس، بسبب الغفلة التي وقَعْنا فيها صار بعضُ الناسِ يقول عندي وقت أريدُ أنْ أُضَيِّعَه، كيف هذا؟ الوقت هذا إنْ عرَفتَ كيف تنتفع منه ترْقَى في المقامات وتعلو في الدرجات.
هذا أبو حنيفة رضي الله عنه الإمام العظيم الذي هو صاحب المذهب المُعتبَر المشهور في الدنيا والذي كان بلغَ درجةَ الاجتهادِ المُطلَق وكان إمامًا في العلوم وإمامًا في التقوى والصلاح رضي اللهُ عنه وأرضاه مع كونِه كان مُنشغِلًا بالعلم وبتحصيلِه وبنشرِه بين الطلَبة كان يقومُ الليل يصلي يتهجّد يُحيي الليل إلى الفجر.
واسمعوا يا إخواني ويا أخواتي، قد يقول لك الشيطان قد يقول لبعضِنا أنت اليوم درَّسْتَ أعطيتَ درسًا تعبْتَ الآن ارتاح، فيترك التهجد ويترك قيام الليل، وهذه من حيَلِ الشيطان، الذي يريدُ الأعلى يُقَدِّم الأكثر يُعطي أكثر ليَحصُل على الأكثر وعلى الأعلى، يعني ينظر إلى علُوِّ مقامِه في الآخرة لا إلى حظِّ نفسِه في الدنيا من الراحةِ والكسل.
هذه الراحة والكسل في الدنيا ليست حظّاً نافعًا في الآخرة بل هذا حظ الكُسالى في الدنيا، أما طلّابُ الآخرة يعملونَ على قدْرِ هِمَمِهم، طلاب الجنة طلاب المقامات ليس درسًا يُعطيه في اليوم، ربّما يُعطي عشَرة دروس ويخطُب الجمعة ويدَرِّس هنا وهناك ويُعَزّي ويعود المرضى ويصل أرحامَه ويخرج في قضاءِ حاجاتِ الناس والمسلمين ويعتني بشؤونِهم ويُخالطُهم في المصائبِ يخَفِّف عنهم ثم في الليل يتفرّغ للتهجّد لقيامِ الليل لقراءةِ القرءان للذكر للعبادات للدعاء، قيامِ الليل يحصُلُ بأيِّ طاعة بأيِّ عبادة.
فانظروا أبو حنيفة رضي الله عنه هذا البحر في العلوم، الإمام المجتهد رضي الله عنه وأرضاه أربعين سنة وهو يصلي الفجر بوضوء العشاء، ما معنى هذا الكلام؟ يعني لا ينام في الليل يعني بعدَما يُنهي الدعوة والتعليم والدروس والمصالح وحاجات الناس لأنه رضي الله عنه كان عرِفَ بقضاء حوائجِ الناس، كان إذا قُصِدَ لغرَضٍ لحاجة لمساعدة يعطي رضي الله عنه، فبعدَما يُنهي كلّ هذه المصالح في الليل يتفرّغ لقيامِ الليل أو للتهجد.
تخيّلوا معي هذا العمر اليوم يمكن بعض الناس لا يتجاوز عمرهم الثلاثون سنة مثلًا يقول تعبتُ من ماذا تعبتَ؟ أبو حنيفة أربعين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء يعني لا ينام في الليل، جيرانُه أحيانًا كانوا يُشفقونَ عليه إذا جاء رضي الله عنه في تلاوتِه لبعضِ الآيات ويكون فيها ذكرُ العذاب والأهوال والقيامة يأخذُه البكاء فيقف عند هذه الآية ولا يستطيع من كثرةِ التأثّر والحزن والبكاء لا يستطيع أنْ يتجاوزَ الآية التي بعدَها، يقف عندَها ويأخذُه البكاء، وهذا مع الصدق والإخلاص والاستحضار والتأمل والتدبُّر والتفكر كلّ هذا العمر يصلي الفجر بوضوء العشاء. هكذا كان مع أنه إمام ومجتهد وعالم رضي الله عنه وأرضاه.
لو نظرْنا مثلًا في سيرةِ الجنَيد البغدادي رضي الله عنه شيخ الطائفة الصوفية بلا مُنازع الذي كان قد فتحَ اللهُ عليه بكلِّ علم من العلومِ التي أعطاها للعلماء والأولياء والمشايخ.
كان رضي الله عنه في كلِّ علمٍ كلَّمْتَهُ فيه تقول هذا بحرٌ في هذا العلم وإذا تكلّمَ في هذا العلم تقول هو بحر في هذا العلم وهكذا، اللهُ أعطاهُ هذه العلوم وفتحَ عليه.
هذا الجُنيد البغدادي تعرفونَ في النهار ليس في الليل وليس في البيت وفي السوق وفي الدكان وفي محل العمل يصلي أربعمائة ركعةٍ من السنة، هذا الإمام الجُنيد البغدادي رضي الله عنه دفين بغداد العراق، هذا الإمام الذي هو مَرجِع للأولياء والعلماء وما كان وليًّا مُشتغلًا بالزهد والذكرِ والعبادة على جهل حاشى، بل قال هو وبعض مَنْ تتلْمَذَ على يديه وأخذَ عنه كأبي عليٍّ الروذباريّ رضي الله عنه أيضًا، كانوا يقولون: طريقُنا هذا مضبوطٌ بالكتابِ والسنة، يعني عمل على علم، عمل مع التطبيق بحسَب العلم.
تخيّلوا معي كان له دكان صغير يصنع فيه القوارير ويَبيعها لأجلِ أنْ لا يمُدَّ يدَهُ للناس وهذا لا يُنافي التوكل على الله ولا يتعارض مع الزهد لأنه رضي الله عنه لو جاءَه شىء من المال يصرفُهُ في النفقات وفي الطاعات والعبادات ويقضي حاجتَه لا يتوسّع في ملَذّاتِ الدنيا وهذا للحاجات الضرورية هذا مهم، أما تحصيل النفقة الواجبة فواجب وهذا دليل أنّ مَنْ يدّعي الولاية ويكونُ عالةً على الناس ويمدّ يدَه وهو ليس أهلًا وقادر على العمل أو له مال أو حرفة ويُوهِمُهم أنه ولي وبالولاية يأكل أموالَ الناس وهو لا يستحقُّ ذلك يكونُ أكلَ نارًا في بطنِه.
هذا شأن الأولياء هذا شيخ الأولياء سيّد الأولياء شيخُ الطائفةِ الصوفيةِ بلا مُنازع الجُنيد البغدادي، هذا هو حالُ الأولياء وفي غيرِ العمل يزْهدون يتعبَّدون يشتغلونَ بنشرِ الإسلام بنشرِ العلم وترَوْنَهم في ساحات الجهاد مع المقاتلين مع الجيوش، هذا حالُهم ليس الكسل ليس أكل أموالِ الناس بالباطل ليس الدعوة الفارغة ليس التمثيل على الناس.
بعض الناس من الدجاجلة الشياطين يدّعي الولايةَ لتَكثُرَ عليه الهدايا، هذا شيطان دجال يوهِمُ الناسَ أنه وليّ ليُغْدِقوا أموالَهم عليه ليُغرِقوه بالهدايا، هذا يأكل النار في بطنِه يكون أكلَ ما لا يستحق.
كان منْ شدةِ ورعِ شيخِنا رحمه الله رحمةً واسعة مع ما عُرفَ فيه من الصدق ومن التقوى والورَع والزهد والعبادة والذكر وقيام الليل، مع ما عُرفَ به من مُراعاةِ أحكامِ الشريعة وما رُؤيَ له من كرامات وخوارق رضي الله عنه مع ذلك كان في بعضِ الأحيان تأتيهِ هدية من بعضِ الناس يقول هذه الهدية من فلانة لأنها تعتقد فيّ الولاية وأنا لستُ كذلك، هو هكذا يقول في نفسِه من تواضعِه، يقول رُدّوها لها لا يأكل هذه الهدية.
حصلتْ حادثة مرةً مع الحاجة والدة النائب الدكتور عدنان طرابلسي وهذه المرأة الطيبة هي أرادت أنْ تُكرِمَ الشيخ بطبق من الطعام ما أحضَرَتْ له سيارة من الذهب والمجوهرات ولا قدّمَتْ له قصر ولا حتى سيارة عادية، أرسلَتْ له صحن طعام ما أكلَه الشيخ وضعَه على جنب ثم بعد أنْ مضى ساعة أو أكثر قال رُدّوه لها وقولوا لها أنا لستُ كما تظنّين كيف آكلُهُ؟
هي تعتقد فيه الصلاح والولاية هو من تواضعِه لا يعتقد ذلك من نفسِه، ردّهُ لها ما قبِلَ أنْ يأكلَ هذا الطعام.
وفي المدينةِ المنورة مرةً أحد المُحبين دعاه أيضًا جاء الشيخ ثم عند الباب لعله تذكر أنّ هذا دعاني بهذه النية فكلّمَه الشيخ قال له: إنْ كنتَ تظنّ أنني من الأولياء لأجلِ ذلك دعوْتَني إلى بيتِك أنا لا أدخل، الشيخ على الباب كان يشارطُه، قال له: أنا أفرح إنْ دخلتَ ويدخل السرور إلى قلبي وأنت رجل تخدم الدين تعلّم الناس أنت منْ مشايخ وعلماء المسلمين، يعني ما قال له الرجل اعتقادي فيك الولاية إنما هذا الكلام العام.
أنا مرةً كنتُ حاضرًا عندَه أيضًا جاءَه أحد تجار بيروت أنا أعرفُه من الميسورين وله أعمال ضخمة مشهورة في البلد، جاءه بشىء من الزيت وبشىء من السمك هذا يُعتبَر بالنسبةِ لهؤلاء كلا شىء، الشيخ رحمه الله ما قبِلَه قال لأيِّ نيةٍ يُعطيني قد يظنّ فيَّ الصلاح إنما إذا أراد أشتريه منه، ما كان يقبل أنْ يأخذَ هذا الطعام من الناس على أنه من الأولياء ولا يُوافق على ذلك معهم.
وآخر أيضًا من تجار بيروت المشاهير مرةً جاء بشىء من المال قال لي أعطِ هذا للشيخ لأجلِ أنْ يوزِّعَه، الشيخ رحمه الله قال لي ردَّهُ وقل له يقول العلماء أنت إنْ وزّعتَ بيدِكَ توصلُهُ إلى مَنْ تعرف أنه من المُستحِقين ثم هؤلاء يدْعونَ لك أنت يعني يعرفونَ أنّ هذا هو صاحبُ المال فيَدعون له مباشرةً. انظروا إلى أيِّ حدٍّ كان يُراقبُ نفسَه رحمه الله.
أما بعضُ الدجاجلةِ اليوم أكلوا أموالَ الناس وأكلوا البيوت والحجارة والأثاث وربما أكلوا الناس أيضًا معنويًّا، هؤلاء الدجاجلة يُمَوِّهونَ على الناس يقولون أنا أشتغل كيف؟ أنا أنفع الناس بالإمدادات بالأنظار، هذا يكون من الدجالين لأنه إذا رأى أنّ العملَ صفة عيب في الولي فماذا يقول في الجنيد البغدادي؟
وهذا مولانا الرواس رضي الله عنه وأرضاه الذي هو من سادات مشايخِ الطريقةِ الرفاعية، محمد بهاء الدين الرواس رضي الله عنه صاحب المقامات العليّة والأحوال السّنية والخوارق والعجائب وكان كثيرًا ما يجتمع بالخضِر يقظة عليه السلام، وله العجائب والغرائب.
سمّيَ بالرواس لأنه كان يشتغل برؤوس الغنم ينظِّفُها يُهَيِّؤُها ثم يطبُخُها ويبيعُها للناس، هذا الإمام الرواس.
وقبل الرواس وقبل الجنيد وقبل فلان وفلان وفلان أليس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان فيهم الخياط والنجار ومَنْ عملَ في التجارة؟ فإذًا هذا لا يقدَح في منصبِ النبوة ولا في الأولياء ولا في الزهد ولا في التوكل على الله.
هذا الجنيد البغدادي كان مع وظيفتِه في دكانِه الصغير في السوق يشتغل بصناعة القوارير يصلي أربعائة ركعة في النهار، كان يُسدِلُ الستار في الدكان ويشتغل بالصلاة في مكان العمل في دكانِه، أما لو كان أجيرًا عند أحد وأصحاب العمل لا يرضَوْنَ بهذا الوقت أنْ يصرفَه في غيرِ العلم هذا موضوعٌ آخر، هذا دكانُه يستطيع أنْ يفعل ذلك.
الحاصل هذا حال الأولياء، أحد الأولياء الصلحَاء كان في الليل يقوم الليل إلى الفجر بالصلاة بقراءة القرآن بالدعاء يعني يُنوِّع إلى أنْ يدخلَ الفجر، وهذا يُقال له صفوان بن سُلَيم رضي الله عنه كان منْ ساداتِ الأولياء من عليّةِ القوم وكان رضي اللهُ عنه يصلي على سطح البيت إلى الفجر وبنت الجيران كانت تراه في الظلام، ترى شيئًا هذا منتصِبًا قائمًا على سطح بيتِ الجيران، فلما مات صفوان رضي الله عنه هذه البنت الصغيرة قالت لأمِّها أين ذاكَ العمود الذي كنا نراه هنا؟ قالت يا بُنية هذا ليس عمودًا هذا صفوان رضي الله عنه وقد مات يقوم الليل يبقى قائمًا إلى الفجر.
حتى إنه قال فيه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه: ينزلُ القَطرُ بذكرِه- يعني المطر- يعني يُتوسَّل ويُستغاث به.
وماذا يقول المشبهة المجسمة الذين يزعمونَ أنهم على مذهب الإمام أحمد ويحرِّمونَ التوسل والتبرك والاستغاثة، والإمام أحمد يقول عن صفوان “ينزلُ القَطر بذكره” يعني ينزل المطر بالتوسل والتبركِ به، يُتوسَّلُ به إلى الله في الدعاء في الاستسقاء، هذا الإمام أحمد يقول في صفوان هذا الكلام.
انظروا كيف كان يقوم هذا الوقت من بعدِ العشاء إلى الفجر يصلي الليل يقومُهُ بين قراءة ودعاء وركوع وسجود وقيام هذا كان حالُه، العاقل يغتنم هذه الأوقات.
لو نظرْنا في سيَرِ الأنبياء والأولياءِ رضي الله عنهم كيف كانوا يصرفونَ هذا الوقت وكيف تغيّرَت الحال اليوم للأسف كيف صار اليوم تضييع الوقت هو هدف، بدلَ أنْ يكونَ الهدف اغتنام الوقت وملءِ الوقت بالنافع والمفيد صار تضييع الوقت اليوم صارَ هدفًا عن بعض الناس.
بعضُهم يقول لبعض لنذهب إلى القهوة نضيّع وقت نلعب أتاري نضيّع وقت نلعب شدة نلعب زهر نشرب أركيلة تلات أربع ساعات يشرب أركيلة، بعضُهم يقعد على هذه الألعاب سبع ساعات وعلى التلفزيونات سبع ساعات ماذا تركوا لقبوِهم؟ ماذا تركوا لتنويرِ قلوبِهم؟
الحال تغيّر، العلماء كانوا يقولون لو قيل لصفوان الآن تقومُ القيامة ما كان عندَه فراغ في وقتِه ليزيدَ فيه شيئًا من الطاعات، ما كان سيقول عندي نصف ساعة فراغ أملؤُها بالصلاة، لا ما كان عندَه نصف ساعة.
للأسف اليوم تغيّر الفهم تغيّرَت المعايير(
*قال رضي اللهُ عنه وأرضاه: تضييعُ الأوقاتِ عن المهم عن الاستفادةِ في الأمورِ المهمة خسارةٌ فاغتنموا أوقاتَكم.
)ينبغي أنْ تعرف ما هي الأمور المهمة، ليست مثلًا تأخذ رفقاءَك وتصعد إلى منطقة في جبال لبنان وتجلسون لتنظروا على الوديان والشجر وتلتقطوا الصور فقط لتضييع الوقت، أو لنذهب إلى المطعم يقعد ساعتين ثلاثة لا ليس هكذا، إنما تنظر في الأمور المهمة هل تعلّمتَ الفرضَ العيني؟ إنْ كان نعم هل طبقتَ كلّ ما يجبُ عليك؟
لأنّ هناك أناسًا يتعلمونَ الفرضَ العينيّ لكنْ هناك فرائض هي الآن لا تلزَمُهم كالمريض الذي لا يستطيع أنْ يصوم ويشقّ عليه الصيام ويُؤذيه ويَضرُّه هذا لو دخلَ رمضان وهو بهذه الصفة لا يجبُ عليه أنْ يصوم، هناك تفصيل، إنْ كان يُرجَى بُرؤُه إن كان لا يُرْجَى بُرؤُه، إن كان يقضي مع الفدية إنْ كان يقضي ولا يَفدي إنْ كان يَفدي ولا يَقضي، تفصيل، لكنْ هو بهذه الصفة الآن ينضَرّ من الصيام يتأذّى تلحقُهُ المشقة الشديدة، هذا لا يجبُ عليه الآن وهو على هذه الصفة.
الزكاة، الفقير ما عنده مال ما اكتملَ عندَهُ نصاب ولا الشروط ولا حالَ الحَوْل، هذا لا نقول فرضٌ عليه أنْ يزَكّيَ زكاةَ المال لا، لأنه ما عندَه مالٌ أصلًا بلغَ نصابًا.
فرضٌ ثالث على بعضِ الناس كالحجِّ، واحد لا يستطيع ولا يجد ما يتمكنّ بالذهابِ به إلى الحج لا يقدر بالمرة، اللهُ قال {مَن استطاعَ إليه سبيلًا}[آل عمران/٩٧] وهكذا في الحديث، وهو لا يستطيع عاجز بالمرة، قد يكونُ مثلًا ليس معه ما يُطعِمُ أولادَه ولو كان غيرَ متزوِّج لكنْ ما معه مال ليأكل هو أو ليس معه ليُطعِمَ والدَيْه الفقيريْن المسلمين، ما عندَه بالمرة ولا يتمكن ولا يستطيع ولا يجد، هذا نقول فرضٌ عليه الآنَ أنْ يحُجّ؟ لا.
فإذًا تعلّمْتَ الفرضَ العيني الواجبات التي تلزَمُكَ أنتَ هل أدّيتَها هل قمتَ بها؟ إنْ كان نعم سلْ نفسَك فإنّ مِنْ هذه الواجبات أنْ أُعلِّمَ غيري، فهل تعمل على تعليمِ غيرِك لتكونَ قُمتَ بالواجبات؟
لأنّه في أصلِ الحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر من فروضِ الكفاية، لكنْ اليوم الكفاية بعدُ ما حصلَت في مُعظَمِ البلاد وربما نستطيع أنْ نقولَ في كلِّها، إذا كان في بيروت فيما نعلم إذا قلنا عندَنا ألفي مدرّس ومدرّسة مثلًا من إخوانِنا طلاب وطالبات الشيخ، قد يكون عندَنا أكثر، من باب المثال، لكنْ هل حصلَتْ الكفاية؟
الشيخ يقول في بيروت بعدُ ما حصلت الكفاية فكيفَ في بلادٍ كبيرة وضخمة وواسعة وشاسعة ليس فيها مَنْ يقومُ بنشرِ مذهبِ أهلِ السنة ولا بتأييدِ عقيدةِ أهلِ السنة، فهل تكونُ حصلَتْ الكفاية؟ لا
لماذا قال الشيخُ رحمه الله إن استطعتم أنْ توصلوا الدعوة إلى بقعة لم تصل إليها الدعوة فافعلوا؟
لأنّ الكفايةَ بعدُ ما حصلَتْ.
يا أخي أنت تعلمتَ الفرضَ العينيّ هل علّمتَ أهلَك أقرباءَك، ابدأ بالعائلة الأصغر مثلًا إنْ كنتَ متزوِّجًا ابدأ بزوجتِك وأولادِك، نوسَّع أكثر ثم أمك وأبوك وإخوتك، ثم زوجتك وأولادك ووالديكَ وإخوتك وزوجاتهم وأولادهم وأهل زوجتك وأصهارها وأقرباؤُها هل دخلتَ عليهم؟
لنوَسِّع أكثر، مع كلِّ هؤلاء الجيران هل دخلتَ عليهم؟
كم شخصًا تدرّس؟ كم عمركَ ستون سنة سبعونَ سنة أربعون ثلاثون؟ سلْ نفسَك كم مِنْ إنسانٍ علّمْتُه أو جلَبْتُه ليتعلّمَ الفرضَ العيني؟
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأئمة الأعلام هل قعدوا في بيوتِهم واقتصروا على ذلك وانتظروا الناس والطلبة أنْ يأتوا إليهم وإلى بيوتِهم؟ لا.
يقول الشيخ رحمه الله: الداعية إنْ جاءَه الطالبُ إلى بيتِه درّسَه وإنْ لم يكن هو يخرج للناس، يعني أنت عندَك مثلًا من الخامسة فجرًا إلى السابعة صباحًا –وقت الضحى- طلاب العلم هم يأتونَ إليك تدرّسهُم توَجِّهُهم تعلّمُهم تحذِّرُهم تمكِّنُهم ثم بعد ذلك لا يأتي إليك أحد من الطلاب، من ال7 صباحًا لل12 ليلا ماذا تفعل؟ هذا الوقت كلُّه من ال7 لل12 ليلًا بماذا تشغلُه؟ كيف تقول لي أدرّس؟ مَنْ كان قادرًا على إعطاءِ عشر دروس في اليوم كيف يجرُؤ أنْ يقتصرَ على درسٍ واحد؟
من كان قادرًا على إعطاء عشر دروس كيف يعطي خمسة دروس ويقعد؟ وهو قادر أنْ يعطي أكثر.
انتبهوا نتكلم عن الفرض العيني وليس هناك غيرك ليُعلِّم، لا أنتَ علّمته ولا سلّمته لغيرِك يعلِّمُه ماذا تكون عملت؟ تركتَ الفرض قصّرْتَ في الواجب.
الأمور المهمة هذه التي تُقَدَّم(
قال رحمه الله: أوقاتُكم اصرفوها في الواجبات بدلَ أن تصرفوها في النوافل.
)هنا عندَنا إيضاح آخر وهو أنّ الشيخ هنا لا يحثُّنا على تركِ النوافل ولا يقول لنا لا تصلّوا النوافل واتركوها لا، يقول قدّموا الواجبات اشتغلوا بالواجبات املأوا أوقاتَكم بالأوْلَى فالأوْلَى، عمر الإنسان قصير وهو يسير ولا يسَع لكلِّ شىء فلْيُقدِم الأوْلى فالأوْلى.
أنت اليوم عندما تقدِّم الواجبات وتقوم بكل ما يجب عليك في هذا اليوم من الفجر إلى أنْ تنام، صلّيتَ النفل السنة إنْ كان عندَك فراغ وقت هذا زيادةُ خير ونفع وثواب وأجر، لكن الآن تعالَوا لنتكلّمَ بمسئلةٍ فقهيةٍ لو أنك أدّيْتَ الواجبات وملأتَ وقتَكَ بالتعليم ونشرِ العقيدة والتوحيد والأحكام الضرورية من الفقهِ والعبادات والمعاملات إنْ كانت مُتَعيِّنة على بعضِ الناس مثلًا وأنتَ أعطيتَهم، أو ليكونَ الفرض الكفائي قائم في البلد فاشتغلتَ على ذلك هذا لك أجرٌ عظيمٌ عليه، أنا لا أقولُ لك لا تصلي سنّة اشغَلْ أوقاتَك بالواجبات بالفرائض ثم في وقتِ الفراغ اشغلْهُ بما شئتَ من السنن، أما إذا متَّ وكنتَ تاركًا للواجبات للفرائض لو صليْتَ ألفَ ركعةٍ من السنةِ في اليوم فأنت يومَ القيامةِ مُعرَّضٌ لعذابِ الله لغضبِ الله لسخط الله، لأنك كنتَ مُضيِّعًا للواجبات مُهمِلًا للفرائض وتصلّي ألف ركعة من السنة في اليوم، مثالُك كمثالِ الإنسان الذي عليه حقوق لبني آدم ألف دينار مثلًا وقد حلَّ الأجل والناس في كلّ طريق ومجلس ومسجد يطالبونَه وينتظرونَه على باب بيتِه ويُلاحقونَه، جاءَه ألف دينار فاشترى فيها نوعًا من الطعام وأمورًا هي للتفكّه أو للتسلي أو للتحلّي يعني أشياء ليست لإنقاذِ المُضطرين، وألف دينار في ذمّتِه وحلّ الأجل والناسُ لا يرضَوْنَ ويُطالبونَه في كلِّ وقت، اشترى غزلَ البنات ووزّعَه على الناس، هل هذا فيه إنقاذ للناس من المهالك؟ يضيّع الألف دينار والناس يطالبونَه الآن بها ولا يرضَوْنَ ولا يأذَنون، هل هذا يكونُ فعل حكيم؟ هل هذا يعرفُ الاولويات؟ هل هذا اتّقى اللهَ في الناس وفي مال الناس وفي نفسِه؟ هذا ضيّعَ الواجب، في ذمّتِه، مطالَبٌ أنْ يرُدَّ الألف دينار للناس، وهذا الذي ترك الفرائض والواجبات ذمّتُهُ مشغولةٌ يُطالَبُ بذلك يومَ القيامة لو صلّى في اليوم عشرين ألف ركعة من السنة، تركَ الفرض واشتغلَ بالسنن. فهذا مع كثرةِ السنن وتضييع الفرائض ليس تقيًّا ليس صالحًا وليس ناجيًا في الآخرة.
رأيتُم هذه المسئلة الفقهية، هذا الذي الشيخ يحذّر منه، قدِّموا الواجب الفرض اشتغلوا بتعليم العقيدةِ والضروريات من الأحكام حذِّروا من أهلِ الضلال ممّنْ يقولُ بالحلول والاتحاد والتشبيه والتجسيم أينما قعدتُم أينما وصلتُم، حذّروا ممّن ينشر عقيدة المعتزلة كمحمد راتب النابلسي هذا الدكتور السوري الذي في الفضائيات والفيس بوك والمواضع التي تُنشَر له ونزل في الفيس بوك مقاطع بصوتِه يقول إنّ الشر ليس له خالق وكلامُه والعياذُ بالله تكذيبٌ للقرآن {منْ شرِّ ما خلق}[الفلق/٢] {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] {هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله}[فاطر/٣]
والإجماع على أنّ اللهَ خالق كلِّ شىء والأحاديث، والإجماع على تكفير مَنْ قال ذلك لأنه جعل للهِ شرَكاء، مثل هؤلاء مَنْ يحذّر منهم اليوم؟
مثل هؤلاء الذين يقولون بعقيدةِ الحلولِ والاتحاد ويقولون الله حلَّ فيهم الله دخلَ فيهم أو يقولون الله حلّ في مشايخِهم، مَنْ يحَذِّر من هؤلاء اليوم؟
تقتصرونَ على الأوراد والسنن وتتركون هذه العقائد الكفرية والعياذ بالله تأكل الناس؟ تستشري في الناس؟ تغزو الناس؟ تنتشر في العامة؟ أيُّ هلاكٍ هذا؟ مَنْ يحذّر من المشبهة المجسمة الذين يقولون الله جسم وجسد وقاعد على العرش وجالس بذاتِه وحقيقةً على العرش وفي السماء وهذا كفرٌ بالإجماع، {لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوًا أحد}[الإخلاص/٣-٤] {ليس كمثلِه شىء}[الشورى/١١] {فلا تضربوا لله الأمثال}[النحل/٧٤] هذه عقيدةُ أهلِ الإسلام
اليوم يأتي واحد يعمل نفسَه شيخ الأولياء وعقيدتُه عقيدة الحلول هذا كافر، السيوطي نقل الإجماعَ على مَنْ يقول بالاتحاد والحلول، يأتي واحد يسمى نفسهَ الشيخ العلّامة القارىء الدكتور المُقرىء الشيخ الذي يُبكي الناسَ عند الكعبة وهو يقول الله جالس على العرش، هذا عدوُّ الله هذا عدو الكعبة وعدو القرآن لو بكَى عند الكعبة. وليست العبرة أنْ يكونَ عند الكعبة، أبو جهل أين كان؟ أبو لهب أين كان؟ عُقبة بن أبي مُعَيط أين كان؟ صناديد قريش الذين كذّبوا اللهَ والرسول والقرآن وكادوا للرسولِ وأرادوا قتلَه وتآمَروا على قتلِه أينَ كانوا؟ عند الكعبة وفي مكة مع ذلك اللهُ تعالى قال في القرآن في نُصرةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم {إلّا تنصروهُ فقد نصرَه الله} ]التوبة/٤٠]
قال في هؤلاء {تبّتْ يدَا أبي لهب وتب}[المسد/١] وكان عمّ الرسول وقرَشي وعربي وعند الكعبة ويلبَس العِمامة، ليست العبرة أنه قاعدٌ بمكة العبرةُ بإصابةِ الحق أينما كان الإنسان.
فهؤلاء المجسمة لو بكوا عند الكعبة الخوارج كانوا يبكونَ ويحفظونَ القرآنَ عن ظهرِ قلب ويصومونَ بزعمِهم ويصلون الليلَ كلَّه والرسولُ قال فيهم [شرُّ الخلقِ والخَليقة] وقال [أبغضُ الخلقِ إلى الله] قال [يَمرُقونَ من الإسلامِ كما يمرُقُ السهمُ من الرميةِ ثم لا يعودونَ فيه لئِنْ أدركْتهم لأقتُلَنَّهم قتلَ عاد] قال [لئِنْ أدركتهم لأقتُلَنَّهم قتلَ ثمود] قال [إنْ مرضوا فلا تعودوهم وإنْ ماتوا فلا تشهدوا جنائزَهم] وكانوا يقرأونَ القرآن كما قال الرسول عنهم [يخرجُ قومٌ حُدَثاءُ الأسنان سُفهاءُ الأحلام يقولونَ مِنْ قولِ خيرِ البرِية يقرأونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تَراقِيَهم –يعني لا يصل إلى قلوبِهم يقرؤونه بألسنتِهم لا يجاوزُ حناجرَهم- هم أبغضُ الخلقِ إلى الله]
مجرد أنْ قرءوا القرآن أو مجرد أنْ كان هؤلاء الكفَرة عند الكعبة، صناديد قريش، هذا وحدَه لا يكفي لا يخلِّص.
فاليوم المشبهة المجسمة لو كان منهم مَنْ يحفظ القرآن مَنْ كان جميلَ الصوت ولو كان منهم مَنْ له شهرة في الفيس بوك والواتساب والتلفزيون، كل هذا ليس هو الحجة وليس هو العبرة، كل مَنْ يقول الله جسد وجالس وقاعد ليس منَ المسلمين.
هذا إمامُ أهلِ السنةِ والجماعة محمد بن إدريس الشافعي سيّدنا الإمامُ القدوة رضي الله عنه الذي فيه فُسِّرَ حديث الترمذي [لا تسبوا قريشًا فإنّ عالمَها يملأُ طباقَ الأرضِ علمًا] هذا اللفظ هو الأكثر في كتبِ العلماء وعند بعضِهم زيادة وهي [يملأُ طباقَ الأرضِ علمًا ونورًا]
العلماء نظروا مَنْ مِنْ علماءِ قريش الذي انتشرَ عملُه في الدنيا وانتفعَتْ به الخلائق ولا زال علمُه إلى اليوم وينتفع به الملايين نظروا فلم يجدوا ذلك إلا في الشافعي رضي اللهُ عنه.
الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات بعدمَا تكلّما عن سيرة سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم بدأ بترجمةِ الإمام الشافعي احتجّ بهذا الحديث على أنه في الشافعي وأنه منْ قريش وعلمُه انتفعَ به الخلائق.
فالحاصل هذا الإمام الذي هو منْ أئمةِ السلف بل وهو موثوقٌ عند كلِّ طبقاتِ الناس يعرفونَ مَنْ هو الإمامُ الشافعي رضيَ اللهُ عنه، هذا الإمام عقيدتُه التنزيهُ والتوحيد والتأويل وصرفُ الأخبارِ المتشابهة عن ظواهرِها والتصريح بتكفيرِ المجسمة المشبهة.
تعالَوا معي لننظر ماذا قال سيدُنا الشافعي، إمامُنا قدوتُنا رضي الله عنه وأرضاه الذي هو منْ أئمة السلف
هذا الكتاب للفقيه محمد بن أحمد بن الرفعة الشافعي يعني أبو العباس نجم الدين، يقول المؤلف في ذكرِ اسمِه هو الفقيه نجم الدين أحمد بن محمد بنُ الرفعة أبو العباس المُتوفّى سنة 710 للهجرة في كتابِه كفاية النبيه شرح التنبيه في المجلد الرابع كتاب الصلاة في باب صفةِ الأئمة عن القاضي حسين عن نصّ الشافعي
ابن الرفعة يقول “ولا تجوزُ الصلاةُ خلفَ كافر لأنه لا صلاةَ له فكيفَ يُقتدَى به”
هذا إذا كان كافر مُعلِن أو مجسم يدّعي الإسلام، “وهذا يُنظَم مَنْ كفرُهُ مُجمَعٌ عليه ومَنْ كفّرْناه منْ أهلِ القِبلة كالقائلينَ بخلقِ القرآن –يعني بأنّ الكلامَ الذاتي مخلوق- وبأنه لا يعلم المعلومات قبلَ وجودِها –وهذا كافرٌ بالإجماع، الذي يقول اللهُ لا يعلم المعلومات قبل وجودِها جعلَ اللهَ جاهلًا وهذا كافرٌ بالإجماع- ومَنْ لا يؤمنُ بالقدر –وهذا يقولُ إنه كافرٌ بالإجماع- وكذا مَنْ يعتقد أنّ اللهَ جالسٌ على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نصِّ الشافعي”
احفظوا هذه العبارة، هذا الإمام الفقيه الشافعي أحمد بن محمد بن الرفعة أبو العباس نجمُ الدين في كتابِه كفاية النبيه شرح التنبيه المجلد الرابع كتاب الصلاة باب صفة الأئمة صحيفة 24 في النسخة المطبوعة عن القاضي حسين عن نصّ الشافعي “مَن اعتقدَ أنّ اللهَ جالسٌ على العرشِ فهو كافر” وقال في البداية إنّ هذا إجماع.
هذا الذي عليه الإمام الشافعي، وكم مِنْ إمام وحافظ وقاضي ومفسّر ومفتي وفقيه وسلطان وخليفة وأمير وإمام ووليّ وصالح هم أتباع للشافعي، هم على مذهبِ الشافعي، هم يقتدونَ بالشافعي، إذًا بيّنَ أنّ هذا إجماع.
اليوم هذا الذي يُقَدَّم أنْ يُعلَّمَ الناس أنّ اللهَ ليس جسمًا ليس حجمًا لا يشبهُ المخلوقات ولا بصفةٍ من الصفات، وأنّ مَنْ وصفَه بصفةٍ من صفاتِ خلقِه فليس منَ المسلمين كما قال الإمام ذي النون المصري رضي الله عنه وأرضاه “مهما تصوّرتَ ببالك فاللهُ لا بخلافِ ذلك” يعني لا يشبه ذلك.
وكما نقلَ الإجماعَ الطحاوي على التنزيه والتوحيد وأنّ اللهَ ليس جسمًا ومنزَّهًا عن كلِّ صفاتِ المخلوقين ونقلَ الإجماعَ على كفرِ مَن شبَّهَهُ بخلقِه ولو بصفةٍ فقال “ومنْ وصفَ اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر”
عرَفتم ما معنى تقديمِ المهمات والأوْلى فالأوْلى؟
إذًا فلْنَنْتبِه المشايخ الدعاة الأساتذة الأئمة الخُطباء، مَنْ كانَ منهم غافلًا عن هذا فلْيَنْتبِه ولْيعلَم أنه سيقفُ يومَ القيامةِ للسؤالِ والحساب.
عمّ الجهل كثُرَ الفساد نامَ أكثرُ المشايخ ونحنُ لا يسعُنا أنْ ننامَ معهم، الساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرس. إلى ديّانِ يومِ الدينِ نمضي وعند اللهِ تجتمعُ الخصومُ. والحمد لله رب العالمين