الجمعة مارس 29, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (57)

 

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

 

قال رضي الله عنه: اليومَ مَنْ يسَّر اللهُ له علمَ أهلِ السنةِ والعملَ به والثباتَ عليه والدفاعَ عنه وتحذيرَ الناسِ ممّا يخالفُ عقيدةَ أهلِ السنةِ فلْيَحمدِ اللهَ تعالى ولْيَسْتَبْشْر بما وعدَ اللهُ تباركَ وتعالى لفاعِلهِ منْ درجةِ الشهادة (يعني درجة تشبه درجة الشهادة)

ذلك الشهيد بذلَ نفسَهُ للهِ تعالى وهذا يموتُ على فراشِهِ وينالُ درجةَ ذلك الشهيد الذي بذَلَ مُهجَتَه (يعني روحَهُ) لإرضاءِ اللهِ تعالى ونُصرةِ دينِهِ فعليكم باغْتِنامِ هذا الفضل العظيم.

(هذه الفوائد وهذه النصائح والدرر والجواهر والإرشادات ينبغي أنْ نتوقّفَ عندَها ونفهَمَ معناها.

الشيخ رحمه الله ورضي عنه يقول إنّ الإنسان الذي يسّرَ اللهُ له في هذا العصر في هذا الزمن، لماذا يؤكد على هذا العصر وعلى هذا الزمن؟ لأنّ الذي يغلِبُ فيه وعليه الفساد.

أنتم تخيّلوا إذا كان هذا الزمان غلبَ عليه الفساد وأنتم وغيرُكم – لا أعني أنتم بأعيانِكم فقط – الحمدُ لله اليوم يقال أنّ عددَ المسلمين في الأرض أكثر منْ  مليار ونصف لكنْ هل الكل يقوم بهذا العمل؟ هل الكل يقوم بنشر الدين والتوحيد والعقيدة؟ هل الكل تعلّم؟ هل الكل يعمل بهذا العلم؟ هل الكل يأمر بالمعروف وينهَى عنِ المنكر؟ هل الكل يُحذّر من أهلِ الضلال؟ لا

فإذًا مَنْ يسَّرَ اللهُ له علمَ أهلِ السنة، يعني يتعلم العلمَ الصحيحَ منْ أهلِ العلم بالتلقي بالطريقةِ الصحيحة المقبولة ثم يعمل  بهذا العلم ويعمل على نشرِهِ ويُكافح الضلالات قال هذا لو مات في بيتِه على فراشِهِ له درجة ذلك الشهيد الذي بذل مُهجَتُه، قدّمَ روحَه إرضاءً لله تعالى، يعني قُتلَ في سبيلِ الله في أرضِ المعركة نُصرةً للإسلام دفاعًا عنِ الدين إرضاءً لله تعالى.

فانظروا إلى هذه المقارنة وإلى هذا التشبيه كم يكون لكم منَ الأجر يُشبه أجر ذلك الشهيد الذي قُتلَ في سبيلِ الله، الذي قدّمَ روحَهُ في سبيلِ الله إرضاءً لله عزّ وجل.

ثم اعلموا يا إخواني ويا أخواتي أنكم أنتم بتحصيلِ العلمِ وبالتمكُّنِ فيه وفهمِه لا تجدونَ المشقة التي يجدُها المجاهد، لا تجدونَ التعب الذي يحصُل للمجاهد ولا التعب الذي يحصُل للشهيد من السهر وأحيانًا السفر والانتظار والحر والبرد وربّما تعرّضَ للأسر ربّما عُذّبَ ربّما قُطِّعَتْ أعضاؤُه ثم قُتل، وأنتم لا يحصلُ لكم ذلك كلّ ما يحصل لكم شىء خفيف منَ التعب بأنْ تقومَ منْ بيتِكَ إلى المسجد إلى المصلى إلى الدرس وربما كان الدرسُ في بيتِكَ أو في نفسِ البناء، أيُّ تعبٍ هذا؟ أيُّ مشقةٍ هذه؟

أنا أتعجّب من بعضِ الناسِ الذين يقولون أنا مُتعَب ولوْ دُعيَ ليذهب منْ بيروت إلى طرابلس لياكلَ سندويش السمكة الحرة يذهب ركضًا، أما على درس الدين بنفس الشارع يقول مُتعَب، يذهب منْ بيروت لصيدا ليشرب هذا المسمى برميل كوكتيل عصير شقف البارد وما شابه، يذهب منْ بيروت للبقاع ليقعدَ في المطعم ويدخّن النارجيلة، أما لأجلِ الدرس ومجلس العلم وربما كان في نفس الحيّ أو في نفس الشارع أو في نفس البناء يقول متعَب، مستعد أنْ يذهبَ مشوار سبع ساعات إلى محافظةٍ أخرى مع زحمة السير والانتظار وقطع المسافات البعيدة ليأكل في المطعم ساعتين ليرجع ثلاث ساعات ولا ينزل على الدرس نصف ساعة، هذا فوّتَ على نفسِهِ الخير.

كم منَ الناس اليوم مستعد يقعد على الواتساب والفيس بوك والتلفزيون والأفلام سبع ساعات عرض متواصل انزل على المسجد ساعة لا ينزل، احضر الدرس ساعة لا يحضر، شىءٌ عجيب، تعرفونَ ما السبب؟ الدنيا استولتْ على القلوب قسَت القلوب وقلّ مَنْ يتّعظ وقلّ مَنْ يعتبر وقلَّ مَنْ يتحرك لإصلاحِ نفسِهِ ولإنقاذِها وإكرامِها في الآخرة.

لذلك يا إخواني ويا أخواتي انظروا ما للشهيدِ عند الله منْ كرامة، من الدرجات العالية، أنت بهذا الذي قدّمْناه تتعلم وتلتزم وتطبّق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتنشر العقيدة وتنشر الإسلام والتوحيد والتنزيه وتحذّر منَ الكفر ومنْ أهلِ الكفرِ والضلال تعمل بشريعةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لوْ مِتَّ في بيتِكَ على فراشِكَ كان لك منَ الأجر ما يشبهُ أجرَ ذلك المجاهد الشهيد الذي أعدَّ اللهُ له في الجنةِ مائةَ درجة.

وردَ في الصحيح أنّ الشهيد أعدَّ اللهُ  له في الجنةِ مائة درجة ما بين درجةٍ ودرجة خمسُمائة عام، تتخيّلونَ هذه المساحة في الجنة دار الكرامة؟ الجنة سلعة الله الغالية كما وردَ في الحديث [ألا إنّ سلعةَ اللهِ غالية ألا إنّ سلعةَ اللهِ الجنة] ليس في واشنطن ليس في فرنسا ليس في سويسرا ليس في تركيا ليس في بيروت لا، في الجنة، مسافة خمسين ألف سنة للشهيد. لأنّه إذا مائة درجة ما بين درجةٍ ودرجة مسافة مائة سنة كم يطلع مجموعها؟ هذا للشهيد. وموضع سوْطٍ في الجنة (الكرباج) أحيانًا يكون قدر ذراع، خيرٌ من الدنيا وما فيها، بل موضعُ شبرٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها.

تخيّلوا هذا الشهيد كم له منَ المسافة والمساحة في الجنة، هذا الذي قام بما ذكرْناه منْ حمايةِ الدينِ والعقيدة والتحذيرِ منْ أهلِ الكفرِ والضلال له منَ الأجر ما يشبه أجر ذلك الشهيد.

ثم هنا عندما نقول الشهيد المراد به هو شهيد المعركة هو الذي له هذه الدرجة. وشهيد المعركة له مزايا وله خصائص منها أنّ جسدَهُ لا يَبلى فلو دُفِنَ ثم انهدمَ قبرُهُ بعدَ مثلًا مائة سنة جسدُهُ يكون كما هو.

 وقد حصل فيما مضى في عددٍ منَ البلاد والأزمنة أنّ عددًا منَ الشهداء انهدَمت قبورُهم فرأوْهم كما دفنوهم لا بلِيَتْ أجسادُهم ولا جيَّفَتْ ولا دوّدَتْ  ولا انتفخَتْ ولا طلعَتْ منها روائح كريهة بل كما هي كأنها دُفِنَت الآن وحصلَ ذلك بكثرة، بل إنّ من العلماء مَنْ  ذكرَ ذلك في مؤلَّفاتِهم.

ثم شهيد المعركة عندما يُقتَل في أرض المعركة لوْ قُطِعَ بالسيف أو ضُربَ مثلًا بصاروخ بقذيفة أوْ أُلْقِيَتْ عليه القنبلة ما يجدُهُ عند الموت كالقرصة. لو أنّك قُرِصْتَ ما الذي يحصُل لك؟ هذا الذي يجدُهُ شهيد المعركة عند القتل.

ثم اسمعْ ماذا له أيضًا هذا شهيد المعركة عندما يصاب ويقع دمُهُ على الأرض هذه أول دفعة منَ الدم عندما تنكبّ على الأرض تُغفَر له ذنوبُه خطاياه، ثم هذه الإصابة هذا الجُرح يوم القيامة يخرجُ منه رائحة كرائحة المسك ويكون هذا بالنسبةِ له علامة على شهادتِه، أما عند دخولِ الجنة لا يكونُ جسدُهُ مُصابًا أو ناقصَ الأعضاء إنما يكونُ كاملَ الجسدِ في الجنة.

وأيضًا شهيد المعركة منْ جملةِ الأشياء التي له تاجٌ في الجنة منَ الدرِّ والياقوت، الدرة التي فيه خيرٌ منَ الدنيا وما فيها.

ثم اللهُ يمَكِّنُهُ مِنْ أنْ يشفعَ في عددٍ منْ أقربائه المسلمين العصاة أهل الكبائر، في بعض الروايات سبعين شخص منْ أهلِهِ وأقربائِهِ هو يشفع لهم، اللهُ يُشَفِّعُهُ فيهم فيُنقِذُهم منَ العذاب وهذا لإظهارِ شرفِهِ وما له منَ الرتبةِ يوم القيامة التي نالَها بسببِ شهادةِ المعركة.

وشهيد المعركة لا يُصلّى عليه عند جمهور العلماء لأنّ اللهَ قدْ غفرَ له تلكَ الذنوب التي كانت عليه مُحيَت عنه.

ثم الشهادةُ أنواع، أعلى مراتب الشهادة الشهادةُ في سبيلِ الله وهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمّةٌ مرحومةٌ لها منَ الخيرات والبشائر الكثير.

منْ جملةِ هذه البشائر أنواع الشهادات الكثيرة. المسلم بأيِّ نوعٍ من أنواعِ الشهادات يموت لا يُعذّبُهُ الله لا في القبر ولا في مواقفِ القيامة ولا يدخل النار.

يعني مَنْ كان مسلمًا وماتَ بنوعٍ منْ أنواعِ الشهادات لو كان هذا المسلمُ فاسقًا عاصيًا منْ أهلِ الكبائر ونال الشهادة اللهُ يُنَجّيِه منَ العذاب، نعم ليس بدرجةِ الأولياء والأتقياء، التقيُّ والولي أفضل الصالحُ أفضل لأنه أتقى لله، هذا الشىء الذي حصّلَهُ الشهادة في سبيل الله. ثم الشهيدُ إذا كان تقيًّا فمرتبَتُهُ أعلى منَ الشهيد الغير تقيّ.

يعني هذه المراتب تتفاوت شهيدٌ وليٌّ هذا أعلى منَ الشهيد التقيّ الغير وليّ، شهيدٌ تقيٌّ هذا أعلى منَ الشهيد الغير تقيّ، يعني إذا جمعَ بين الشهادةِ والولاية شهادتُهُ أعلى مرتبَتُهُ أكبر بسبب الولاية.

ثم الولايةُ لا تُنالُ بنفسِ القتل، يعني بعضُ الناس يقول فلان بقتلِهِ صار وليًّا، ليس هكذا، العلماء عرّفوا الولايةَ بالاستقامة والاستقامة تكون قبلَ الموت، تكونُ بالعمل والعمل قبل الموت.

ثم الإنسان إذا مات وكانَ شهيدًا بأيِّ نوعٍ منْ أنواعِ الشهادات قلنا لا يعذِّبُهُ الله لا في القبر ولا في مواقف القيامة ولا يُدخلُهُ النار.

لكنْ إذا نالَ شهادةَ المعركة فالمرتبةُ أعلى، يعني صفة وعلوّ درجة الشهادة هي الأعلى.

ثم هذا المسلم إذا نالَ نوعًا منْ أنواعِ الشهادات وكانت عليه ذنوب كبيرة اللهُ عزّ وجل يُنَجّيه مِنَ العذاب فلا يُعذّبُهُ في النار ولا في القبر.

الشهاداتُ بكلِّ أنواعِها لا تكون إلا للمسلم، قال العلماء والفقهاء كالحافظ ابن دقيق العيد مثلًا هذا إمامٌ حافظٌ فقيه عالمٌ وليٌّ صالحٌ مرجِعٌ، هذا الإمام وغيرُهُ ليس هو وحده قالوا: الشهيد مَنْ شهِدَ اللهُ له بالجنة, أو الشهيد مَنْ شهِدَتْ له الملائكة بالجنة، وهل هذا يكونُ لكافر، لا، إذًا كل مراتبِ الشهادةِ هي للمسلمين.

واحفظوا هذه العبارة: الشهادةُ منْ خصائصِ المسلم.

ثم إنّ هذه الشهادات في أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة لأنّ أمةَ محمد أمة مرحومة. منْ جملةِ أنواعِ الشهاداتِ في أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم ما وردَ في الحديث [مَنْ قُتِلَ دونَ مالِهِ فهو شهيد مَنْ قُتلَ دونَ عرضِهِ فهوَ شهيد مَنْ قُتِلَ دونَ أرضِهِ فهو شهيد مَنْ قُتلَ دونَ دينِهِ فهو شهيد]

مسلم وهو في بيتِهِ دخلَ عليه اللصوص يريدونَ أخذَ مالِهِ فحاولَ منعَهم فقتلوهُ يكونُ شهيدًا لأنهُ قُتلَ دونَ مالِه، مَنْ قُتلَ دونَ عرضِهِ مثلًا جاء إنسان ليَعْتديَ له على زوجتِهِ ليَزْنِيَ بها أو على أختِهِ مثلًا فحاولَ حمايتَها أنْ يصونَ عرضَها أنْ يدفعَ عنها، فقُتلَ يكونُ شهيدًا، منْ قُتلَ دونَ أرضِهِ يكونُ شهيدًا كهؤلاء الذين يُقتَلون في بورما مثلًا لأنهم الإسلام وهذا المعتَدي بوذي مجوسي هندوسي سيخي وثني جاء قتلَهُ  لأنه مسلم إما لأنه يريد أنْ يأخذَ أرضَهُ أو لأنه يريدُ أنْ يأخذَ دكانَهُ أو بستانَهُ أو ما شابه فهذا المقتولُ المسلم يكونُ شهيدًا، وإنْ قتلَهُ لأجلِ دينِهِ فدرجةُ شهادتِهِ أعلى يعني هذا الإنسان المسلم الديّن الملُتزم بدينِه ذاكَ الملعون النجس الكافر بُغضًا بالإسلام جاءَ فقتلَ هذا المسلم، هذا الكافر ازداد كفرًا وهذا المسلم الذي قُتِلَ لأجلِ دينِهِ نالَ الشهادة فلا يُعذِّبُهُ الله بل يُكرِمُهُ الله.

فالمسلم الذي يُقتَلُ في فلسطين لأجلِ الأرض لأجلِ الدين الإسلام لأجلِ العرض هذا شهيدٌ عند الله وليس كما قال بعض أدعياء العلم في هذا الزمان منَ الفاسدين الضالّين المُضلّين المُحرِّفين لشريعةِ الله قال هذا المُعتدي على دينِ الله: الذين قُتلوا في الضفة الغربية ليسوا شهداء كان عليهم أنْ يخرجوا منها ويُسَلِّموها لليهود.

ألا لعنةُ اللهِ عليه وعلى مَنْ أخذَ بفَتْواه، لعنةُ اللهِ عليك وعلى أمثالِك، يعتبر هؤلاء الذين كانوا متَمسِّكين بالإسلام وبأرضِهم وبدينِهم وبعرضِهم قُتلوا ظلمًا على أيدي الصهاينة قال هؤلاء ليسوا شهداء كان عليهم أنْ يخرجوا من الضفة وأنْ يسلّموها لليهود، وهذا يدّعي أنه محَدِّث ويدّعي المشيخة والعالِمية لكنْ هذا منْ عمى القلب وفسادِه.

 الرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول [مَنْ قُتِلَ دونَ أرضِهِ فهو شهيد] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول [مَنْ قُتلَ دونَ دينِهِ فهو شهيد]

وأيضًا هناك أنواع كثيرة فمثلًا في الحديث الذي رواه الضياءُ المقدسي والحافظ السيوطي قال صلى الله عليه وسلم [موتُ الغريبِ شهادة]

*لاحظوا في كلّ أنواعِ الشهاداتِ نقول للمسلم، ارجعوا إلى تعريف الشهيد الذي بيّنتُهُ وإلى القاعدة التي قلتُ لكم احفظوها وهي “الشهادةُ منْ خصائص المسلم”

المسلم الغريب، يعني مثلًا قد يكون سافر للتجارة للدراسة، قد يكون هاجر للقلةِ والفقر وماتَ في الغربة في الطريق أو في بلدِ الغربة، هذا شهيد شرط أنْ يكونَ مسلمًا.

لماذا يكونُ شهيدًا؟ لأنه عند الموت يشعرُ في قلبِهِ حسرةً شديدةً أنه يموتُ بعيدًا عنْ أهلِهِ وعنْ أرضِهِ وديارِه فيجدُ حسرةً قلبُهُ يتمزّق على هذه الحسرة وهو يموت، عند مفارقةِ الروحِ الجسد، اللهُ أكرم الأكرمين أرحم الراحمين يعوِّضُهُ الشهادة عنْ تلكَ الحسرة جعلَهُ شهيدًا وءامِنًا وناجيًا منْ عذاب القبرِ، جعلَهُ ناجيًا منَ العذابِ في مواقفِ القيامة ولا يُدخِلُهُ النار بل يُدخلُهُ الجنةَ بلا سابقِ عذاب.

وأيضًا وردَ في الحديثِ ما قالَهُ صلى الله عليه وسلم [الحريقُ شهادة والغرقُ شهادة والترَدي شهادة والردمُ شهادة]

ما معنى الحرق والغرقُ والترَدّي والهدم؟ يعني مَنْ مات بشىءٍ منْ هذه الأسباب يكونُ شهيدًا.

يعني المسلم كان في نهر في بحر في بركة يسبح فغرِقَ ومات، عند الموت عند الغرق يختنق وهذا شىءٌ صعب، الله يعوِّضُهُ الشهادة فلا يُعذِّبُهُ.

فالمسلم إذا ماتَ غرَقًا اللهُ عزّ وجلّ يُعفِيهِ منَ العذاب. والمسلم إذا مات حرقًا وهذا أمرٌ صعبٌ وشديد الإنسان منا يعرف لو احترقَ مثلًا إصبَعَهُ فكم يكونُ الألمُ شديدًا؟ فكيفَ إذا احترقَ فماتَ حرْقًا؟ شىءٌ عجيبٌ هذا في الألم، اللهُ يُعطيهِ الشهادة، كلّ ذلك للمسلم.

المسلمُ الذي يقع يترَدّى ماتَ مُتَردّيًا منْ جبل منْ تلة وقع عنْ سطح بناء سطح البيت جدار شجرة عمود، قد يكون شخص يعمل بالكهرباء وهو على عمودِ الكهرباء ليشتغل بإصلاح الأعطال يقع فيموت، ليس هو رمى بنفسِهِ لا، وقعَ بغيرِ قصدٍ منه.

واحد على الشرفة يريد أنْ يحصل ماذا يحصل في الشارع ترَدّى وقع بغيرِ قصدٍ منه هذا يكونُ شهيدًا.

وكذلك المسلمُ إذا ماتَ بالردمِ يعني انهدمَ عليه البيت، وقعَ عليه مثلًا الجبل، وقعتْ عليه الصخرة وقع عليه جدار فمات، أو كان مثلًا في مستودع يعمل فتهدّم وقعَ عليه فمات يكونُ شهيدًا.

كذلك منْ أنواعِ الشهادات ما وردَ في الحديث، وكل هذه الشهادات أوردَها السيوطي في كتابٍ أفرَدَهُ  لأنواعِ الشهادات، منها أنْ يموتَ المسلمُ بمرضٍ في بطنِهِ، فقال الرسولُ عليه الصلاة والسلام [مَنْ قتلَهُ بطنُهُ فهو شهيد]

ووردَ في حديثٍ آخَر [المطعونُ شهيد] هنا المطعون يعني الذي يموتُ بالطاعون، آلاف منَ الصحابة ومن التابعين ماتوا بالطاعون نالوا الشهادة. الذين في عَمواس وهي قرية في نواحي فلسطين وامتدّ إلى الأردن إلى لبنان وإلى سوريا، مات الآلاف حتى بعضُ المؤرّخين يقول سبعين ألف، صحابة وغيرُهم.

هذا الإنسان المسلم الذي يموتُ بالطاعون يكونُ شهيدًا. اليوم كم يخافونَ من الطاعون؟ الطاعونُ رحمة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وموتُ الصالحين، كمْ منَ الأولياء ماتوا بالطاعون؟ كم منَ الصلَحاء كم منْ أكابر الصحابة ماتوا بالطاعون وهذه شهادةٌ أيضًا.

تخيّلوا أنهم أولياء وصالحونَ ونالوا نوعًا منْ أنواعِ الشهادة، كل هذا منَ الشهادات.

كذلك المرأةُ تموتُ بجُمْعٍ، يعني بسببِ آلامِ الولادة، وهي تلد ماتت أو نزَل الولد بسبب هذه الولادة ماتت، تكونُ مسلمة.

هنا مطلوب الأولاد الشباب البنات يستحضرون ينتبهوا هذه الأم أيّ مرتبةٍ نالتْها وهي تلد هذا الولد إذا ماتت وكثير من الشباب اليوم والشابات للأسف لا يحترمونَ أمهاتهم ولا آباءهم ولا يعملونَ على برّهِم بل (يتوَقْحَنون) بإيذاء أمهاتِهم وآبائِهم إلا مَنْ حفظَهُ اللهُ وسلَّمَه يتمادَوْنَ في إيذاءِ الأمهات والآباء وفي إحراقِ قلوبِهم.

هؤلاء خبثاء شباب وشابات ملاعين، هذا العاق لأمِّهِ العاقة لأمها خبثاء ملاعين.

اسمعوا معي أيها العَقَقة ماذا ورد منَ الناس الذين يُعجِّلُ اللهُ له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة العاقُّ لوالديْه، هذا يُنتَقَم منه في الدنيا قبل الآخرة وكم مِنْ أناسٍ ساءت أحوالُهم وانتُقِمَ منهم وابْتُلوا بالفقر والأمراض والحوادث الخطيرة بشؤمِ عقوقِ الوالدين، العاقُّ لوالديه عاقبتُهُ وخيمة سيّئة.

وقال شيخُنا رحمه الله: الذي يموتُ وكان عاقًّا لوالديه وهذا حالُهُ ولمْ يتُبْ ولمْ يندَمْ وماتَ على ذلك اللهُ لا يباركُ فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة.

الذي أرادَ أنْ تكونَ عاقبتُهُ طيبة مباركة حميدة حسنة فلْيتَمادى في برِّ أبويه وليُبالِغ في إكرامِهما والإحسانِ إليهما والعطفِ عليهما وإرضائِهِما في الليل والنهار.

بعض السلف من الأولياء الصالحين ما كان ينام في الليل لأيّ شىء؟ قال: إنّي أخافُ إذا نمتُ أنْ تستيقظَ أمي وهي عَطشى وتريد أنْ تشربَ فلا تستطيع أنْ تصلَ إلى الماء.

يبقى عندَها يسهر إذا استيقظَتْ ولها حاجة ليَقضيَها لها.

برُّ الآباء والأمهات بركةٌ في الدنيا والآخرة. تخيّل أمك المسلمة إذا ماتت وهي تلدُك تكونُ شهيدة، يعني لا تعَذّب لا في القبر ولا في الآخرة.

أيضًا وردَ في الحديث [الذي يموتُ بمرضِ ذاتِ الجَنبِ شهيد] مرضٌ يحصلُ في جنبِ الإنسان يحصل معه إسهال شديد وقىء ثم تورُّمات، لو موضوع الإسهال وحدَهُ نرجِع إلى حديث [مَنْ قتلَهُ بطنُه فهو شهيد]

الإمام الغوث السيد أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه وأرضاه يقال أنه مات بالإسهال، يعني مات شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه.

كم هذه الأمة أمة مرحومة. وأعلى مراتب الشهادات كما قلنا وبيّنا شهادة المعركة في سبيل الله تعالى)

وقال رحمه الله: الجهادُ اليومَ جهادُ العصر كشفُ الضالين وإحقاقُ الحقِّ وكشفُ الضالينَ هذا جهادُ العصر.

(يعني منْ جملةِ أنواعِ الجهادِ أنْ تحذّرَ منْ أهلِ الضلال الضالين الذين ينشرونَ الفساد والكفر والتشبيهَ والتجسيم أو ينشرونَ عقيدةَ الاعتزال أو عقيدة الإرجاء أو عقيدةَ الإباحية، هؤلاء كلّهم ضالين مُضلين كافرين.

ما هو جهادُكَ؟ العلم، البيان، البراهين والأدلة. فأنتَ إذا قمتَ بكشفِهم ومنهم مَنْ يلبس اللفات ولهم لِحى ويلبسون جُبّات ويحاضرونَ في الجامعات ومنهم على المنابر في المساجد، أنتَ إذا قمتَ بفضحِهم وبكشفِهم، أنا لا أقول لك اضربْهم أقول بالعلم بالدليل بالبرهان بسلاحِ العلم، وظيفتُك مهِمّتُك أنْ تقومَ بتأييدِ الدينِ والحق بنُصرةِ الحق والعقيدة الإسلامية بنصرةِ الشريعة المحمدية، بأنْ تُحِقَّ الحقَّ وتُبطِلَ الباطلَ، هذا جهادك.

ولا يخْدَعَنّكَ الشيطان ويقول لك أنت لستَ عالمًا ولست مُفتيًا ولستَ قاضيًا ولستَ شيخًا وهذه وظيفة العلماء والمشايخ، لا ليس صحيحًا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منْ فروض الكفاية، إحقاق الحق وإبطال الباطل ليس خاصًّا بالمفاتي.

اليوم هناك مفاتي يُحذَّر منهم، اليوم يوجدَ قضاة كما وردَ في الحديث [ قاضٍ في الجنة وقاضيانِ في النار] العبرة بالوظيفة؟ يأكل أموالَ الأيتام والوقف والزكاة ويلعب بأعراض المسلمين ويعمل نفسَهُ شيخًا ومفتيًا ونقيب الأشراف والشيخ والدكتور والإمام والعلّامة والخطيب والداعية والمحاضر؟ لا، هذه الألقاب كلّها ليست هي العذر يومَ القيامة، العذر أنْ تقومَ حقيقةً بما يجبُ عليك، العذر تكون قدّمته لقبرِك وآخرتِك بأنْ تُحامي عنْ دينِ الله، بالعلم والبرهان تفضح المنافقين والضالين وتكشف الذين تستّروا بلَبوسِ أهلِ الإسلام، تستروا باسم العلم والعلماء، أليس الرسولُ صلى الله عليه وسلم كما روى الحاكم وغيرُه بألفاظٍ مُتقاربة [حتى متى ترِعونَ عنْ ذكرِ الفاجر اذكروهُ بما فيه كي يحذرَهُ الناس]

أليس في الحديث [إذا رأيتَ أمتي تهابُ الظالمَ أنْ تقولَ له يا ظالم فقدْ تُوُدِّعَ منهم] يعني رفعَ اللهُ معونتَهُ عنهم، تركهم اللهُ بلا نصر.

وردَ في الحديث الصحيح منْ حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: يا رسولَ الله إنَّ أبا جهمٍ ومعاوية خطباني – هي تستنصح الرسول صلى الله عليه وسلم – وتعريفُ النصيحة حيازةُ الخيرِ للمنصوح، تنصحُه بدينِهِ وبدنياه، ترفع عنه الضر بدينه ودنياه، تدفع عنه الضرر بمالهِ وجسدِه، تدفع عنه الضرر بأولادِهِ بأهلِهِ بعرضِهِ، بدينِهِ بآخرِتِه، الدينُ النصيحة حيازةُ الخيرِ للمنصوح.

هذه المرأة الصحابية جاءت عند الرسول صلى الله عليه وسلم قالت يا رسولَ الله إنّ أبا جهمٍ ومعاوية خطباني (يعني تسأل النبي مَن آخذ أبو جهم أم معاوية) هل سألتْهُ عنْ دينِهما وعقيدتِهما؟ لا، قال لها الرسول: أبو جهم ضرّابٌ للنساء لا يضع العصا عنْ عاتقه.

يعني كثيرًا ما يضرب النساء بغير سبب عادته، قال لها: أما معاوية فهو صعلوكٌ لا مالَ له.

الرسول لا يحذّرُها منه لأنهُ لا يستطيع أنْ يهيىء لها البحبوحة وسَعة العيش، يتكلم عن القدْرِ الواجب على الزوج لزوجتِه يعني في النفقة الواجبة. وهذا كان في أولِ أمرِ معاوية، هو أسلمَ قبل موتِ الرسول عليه الصلاة والسلام بنحو ثلاث سنوات وبعض الشرّاح يقولون هذا ليس معاوية بن أبي سفيان، بلى هو معاوية بن أبي سفيان والدليل على ذلك أّنّ الرواية التي في سننِ أبي داود صرّحتْ باسمِه كاملًا معاوية بن أبي سفيان، رواية سنن أبي داود تشرح رواية صحيح مسلم أنّ المقصودَ بمعاوية معاوية بن أبي سفيان.

قال لها الرسول: إنْكِحي أسامة. هنيئًا لأسامة بشهادةِ الرسولِ له، قالت فنَكْحتُهُ وحصلَ لي به الخير الكثير.

انظروا بسبب هذا الأمر الذي يتعلق بالزواج حذّرَها من أبي جهم ومنْ معاوية وأرشدَها على ثالث هو أسامة، إنكحي أسامة. إذا كان في مثلِ هذا يُحذَّر من الشخص كيف إذا كان الأمر أخطر؟ كيف إذا كان يتعلق بالدين والعقيدة؟ كيف إذا كان الشخص يحرِّف الدين العقيدة ضالٌّ مضلٌّ يتستّر بالعِمامة بالمشيَخة بالولاية بالطريقة بالإرشاد بالتسليك وهو شيطان يلبَس لفة.

كشف الضالين بالعلم والدليل هذا جهاد العصر. وكذلك ورد في الحديث في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان مارًّا في الطريق في بعضِ أسواقِ المدينة فرأى طعامًا وهذا الطعام فُسِّرَ بالبُرّ يعني القمح، فوضعَ يدَهُ الشريفة فيه فوجَدَهُ مُبْتَلًّا منْ أسفل، أصابه الماء منَ الأسفل، فقال الرسول للبائع [ما هذا يا بائعَ الطعام ألا جعلْتَهُ فوق ليراه المُشتري مَنْ غشَّنا فليس منا]  ليس منا هنا يعني ليس منْ أتقيائِنا، كيف الذي يتعلق بأمر الدين والعقيدة والتوحيد والإسلام والمشيخة والإرشاد والتسليك وهو شيطانٌ دجال إما ملحد وإما مشبّه مجسم وإما حلولي وإما إباحي وإما قدري معتزلي وإما وإما… فرق الضلالة كثُر نسألُ اللهَ السلامة.

تحتاج للجرأة للعلم للقيام بالواجب لتسلَمَ هذه يوم القيامة، رقبتك، ليسلمَ رأسكَ يومَ القيامة، عليك القيام بالواجب ولا تقل لست شيخًا لست قاضيًا، اللهُ يقول {كنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناس تأمرونَ بالمعروفِ وتنهَونَ عن المنكروتؤمنونَ بالله}[آل عمران/١١٠] ما قال أيها القضاة كنتم خير أمةٍ ما قال أيها المفاتي

لا تتحجج أنك لستَ قاضيًا لستَ شيخًا لستَ إمامًا لستَ خطيبًا ألستَ تعرف الدليل؟ أقل الأمر هذا دجال هذا ضال هذا محرّف هذا محتال يلعب على دين الناس لو ما عندَك الأدلة تحذّر منه وتأتي بأحد منْ أهلِ العلمِ يفضحوه بالعلم والدليل والبرهان، هذا جهادُ العصر.

لا تجلس ببيتِك لا تقعدي  ببيتِكِ  لا تتكاسلوا لا تكونوا شياطان خُرس، نحن لا نريد أنْ نكونَ لا شيطان أخرس ولا شيطان متكلم، نريدُ القيامَ بالواجب لنسلَمَ يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامة.

روى القشيريُّ رحمه الله عنْ أبي عليٍّ الدقاق وهو من مشاهير الأولياء والصوفية “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.

والحمدُ لله رب العالمين