الجمعة أكتوبر 18, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (45)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسم محمد طه الأمين وعلى آلِ بيتِه ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين (صحيفة 176)

 

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم [إذا فسدَ أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم] معناه الخيرُ يصيرُ قليلًا. أكثرُ الناسِ اليومَ لا يُميِّزون إذا سمعوا إنسانًا يخطُبُ في مسجد أو غيرِهِ وحرَّفَ الشريعةَ ويسكتون ولوْ لمْ يُعجِبْهُمْ ذلك الكلام لأنّهم لا يعلمونَ عُظْمَ خطرِهِ.

بعضُ الناسِ يقولون المطلوبُ توْحيدُ الصفِّ، يُقالُ لهم توحيدُ الصفِّ مطلوب بطريقةٍ ليس فيها ضررٌ على الدين، أمّا بالطريقةِ التي فيها ضررٌ على الدين فهذا إفسادٌ ليسَ توحيدًا للصف.

)شىءٌ عجيبٌ وغريب، بعضُ الناسِ يعرفونَ أنَّ هناك جماعات وأطراف متطرِّفة تُكفِّر الأمة وتسْتَبيح دماء الأمة، تقتل الكبار والصغار تُكفّر الكل ثم يقولون توحيد الصف، يعني بعض الذين يُسّمونَ أنفسَهم أنا حيادي وأنا على حدة وأنا لستُ مع أحد يقول لماذا لا توَحِّدونَ الصف مع الكل مع الجميع؟ السؤال هنا الكبير العريض كيف يكونُ توحيدًا للصف مع منْ يشتُمُ الله؟ وكيف يكونُ توحيدًا للصف مع من يُشبِّه اللهَ بخلقِه وينسبُ له القعود والجلوس والجسم والحدوث والتطوّر والاحتياج والضَّعف والزوال؟ كيف يكون توحيد الصف مع من يحتقر الأنبياء ويُكفِّر الأمة ويُكفِّر المسلمين؟ كيف يكونُ توحيدًا للصف مع منْ يستبيح دماءَكم ودماءَنا ويقتل الكبار والصغار؟ كيف يكون توحيدًا للصف مع من يعمل لخرابِ ودمارِ الأمة في الليلِ والنهار؟ أيُّ توحيد للصفّ هذا؟

هذا الذي يقول توحيد للصف مع هؤلاء كأنه يقول اشرب السمّ وكلْ لعله لا يصيبُكَ ضرر، فكيف توحّد الصف مع منْ يشْحَذونَ السّكين في الليل والنهار لذبْحِكَ؟ أتشرب السمّ وتقول لعلي لا أتأذّى؟ تنام مع الأفاعي والثعابين والشياطين والعفاريت وتقول لعلي أنام نوْمةً هنيئةً؟ كيف هذا؟

لذلك علينا أنْ ننْتبه، الإنسان إذا رأى طريقًا فيه مَنْ يقتل الناس لا يقول أنا سأمشي لأنّني أريدُ أنْ أوحِّدَ الصف معه، هو يريدُ قتلَك إنْ برَزْتَ للشارعِ سيقْتُلُكَ فكيف يكونُ توحيدًا للصف؟

وهؤلاء الذين يشتغلون ويعملونَ في الليلِ والنهارِ على تشويهِ سُمْعةِ الإسلام والمسلمين ونشرِ العقائدِ الفاسدة والتشبيه والتجسيم والعقائد الكفرية، هؤلاء إنّما ظاهرًا يتسَترونَ باسمِ الإسلامِ والقرآنِ أمامَ الناس. أليسَ كلُّنا يعرف ما وردَ في الأحاديثِ الصحيحة عند البخاريِّ وغيرِه ما قالَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الخوارج؟

قال [يَمرُقونَ منَ الدينِ مروقَ السهمِ منَ الرّمية ثم لا يعودونَ فيه أبدًا] وقال [لئِنْ أدرَكْتُهم لأقتُلَنَّهمْ قتلَ عاد] وفي روايةٍ [قتلَ ثمود] وقال [يقرءونَ القرآن لا يُجاوزُ تَراقِيَهمْ] يعني فقط بألسِنتِهم لا يصل إلى قلوبِهم، وقال [هم شرُّ الخَلقِ والخَليقة يَمْرُقونَ منَ الإسلام مروقَ السهمِ منَ الرّميةِ ثم لا يعودونَ فيه] وهؤلاءِ يتشهّدونَ ظاهرًا ويقرءونَ القرءان.

وانظروا إلى هذه الأوصاف التي وصفَهم الرسولُ بها، وهؤلاء المشبهة المجسمة الذين يُكفِّرونَ المتوسِّلين والمُسْتغيثين وأهلِ الطرقِ والذين يمْدَحونَ الرسول بالتوسل، والذين يقرأونَ القرآنَ لأمواتِ المسلمين وللذين يُجيزونَ السفر معَ شدِّ الرحالِ بقصدِ التبرك بقبرِ النبيِّ، يُكفِّرونَ كلّ هذه الأمة هؤلاء المشبهة المجسمة يُكفِّرونَ كلّ هذه الأصناف الذين ذكَرْناهمْ منَ الناسِ منْ أهلِ السنةِ والجماعةِ أشاعرة ماتريدية شافعية حنفية مالكية صوفية رفاعية قادرية نقشبندية بدوية، يكفِّرونَ المتوسّلين المُستغيثينَ المُتبرِّكينَ المُحتفِلينَ بالمولد، الذين يقرءونَ القرآنَ على الأمواتِ المسلمين، يكَفِّرونَ الذين يسافرون مع شدِّ الرحالِ بقصدِ التبرك بقبرِ النبي، ما تركوا أحدًا.

هؤلاء كيف يُوَحَّد معهم الصف؟ شىءٌ عجيب. هؤلاء كما قال سيّدُنا عبدُ اللهِ بن عمر رضي اللهُ عنهما في الخوارج وينطبِق على هؤلاء المشبهة المجسمة قال “انطلقوا إلى آياتٍ نزلتْ في المشركين فحمَلوها على المؤمنين” – على المسلمين –

هؤلاء المشبهة هكذا حمَلوا كلّ الآيات التي جاءت في القرآن في المشركين وفي الوثنيين فحملوها على المتوسلينَ وزوّارِ القبور. كلّ الآيات التي نزلتْ في عُبّادِ الأصنامِ والأوثانِ، كلّ الآيات التي نزلت في المشركين فحملوها على المسلمين الذين يزورونَ القبور ويتوسلون بالأنبياء والأولياء والصالحين.

 

هذا شىءٌ عجيبٌ وغريب، كيف يُقال وحّدوا الصف مع هؤلاء؟ إذا كانوا يكفِّرون الأئمة والأمة والصحابة كيف يُقال وحِّدوا الصفَّ معهم؟ شىءٌ عجيبٌ وغريب.

وأمّا القسمُ الأولُ ممّا قُرىءَ [إذا فسدَ أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم] هذا شرحْتُه في أولِ مجلس كنا بدأنا بهذا الدرس(

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: الوهابيةُ كيفَ يُسكَتُ لهم وحزبُ التحريرِ وحزبُ الإخوانِ؟

)ويوجَد مع هؤلاء أيضًا القاديانية الأحمدية، جماعة في الهند وباكستان وفي إنكلترا يُقال لهم القاديانية الأحمدية أتْباع ميرزا غلام أحمد القادياني الذين يدّعونَ النُّبوةَ والرسالةَ لزعيمِهم ميرزا غلام أحمد القادياني ثم لابنِهِ ثم لحفيدِهِ، ويقولون لا مسيحَ ولا مهدي إلا هو – يعني هذا القادياني – وهو نفسُهُ كتبُه مليئة بالتشبيهِ والتجسيم والعياذُ باللهِ، حتى إنه قال إنّ اللهَ ينزلُ في قاديان، وعلى زعمِهِ يقول إنّ اللهَ يسْتحِي منه هو، يقول إنّ اللهَ يُعاملُهُ على أنه كولدِهِ والعياذُ بالله، يعني هذا صارَ أخو اليهود. اليهود يقولون عزير ابنُ الله وهذا يقولُ عنْ نفسِهِ أنا ولدُ الله، هذا غلام أحمد القادياني.

هؤلاء لهم مراكز في أوروبا وفي الغربِ ولا يجوزُ أنْ يُصلى عليهم ولا معهم ولا وراءهم لأنهم ليسوا منَ المسلمين ولا يجوزُ أنْ يُزوَّجوا مسلمةً ولا أنْ يتزوجَ المسلمُ منهم لأنهم كفارٌ بالله كفارٌ بالقرآن كفارٌ بالنبيّ كفارٌ بالإسلام.

فهؤلاء القاديانيةِ الأحمدية والبهائية كذلك هناك فِرَق وجماعات كثيرة تتستّر باسمِ الدين والإسلام والإسلام منهم براء(

وقال رضي الله عنه: الرسولُ عليه الصلاة والسلام يقول [إذا رأيتَ أمّتي تَهابُ الظالمَ أنْ تقولَ له يا ظالم فقدْ تُوُدِّعَ منهم] معناه قلَّ الخيرُ فيهم.

)فقدْ توُدِّعَ منهم معناه أنّ اللهَ سبحانه وتعالى يرفَعُ مَعونَتَهُ عنهم يعني يترُكُهم بلا نصر(

وهذا الحديث ليس في الذي كفرَ فقط بل فيمَنْ هو أقلُّ ذنبًا أيضًا. الذي لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينْهى عن المُنكرِ شيطانٌ أخرس لو كانَ هو في حدِّ ذاتِهِ عالِمًا فهو شيطانٌ أخرس.

 

)قدْ يقولُ البعض كيف تقولون عن العالِم شيطان أخرس؟ هو رضيَ لنفسِهِ نحنُ ماذا نفعل؟ إذا كان هو حفِظَ العلم لكنّه لا يعمل بما تعلّم ولا بما حفظ، أليس في الأثر”رُبَّ تالٍ للقرآنِ والقرآنُ يلعَنُهُ”؟  أليس هكذا قال مولانا وسيّدُنا أنس خادم الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه “ربَّ تالٍ  للقرآنِ والقرآنُ يلعنُهُ” القرآنُ يكونُ خَصْمَهُ يكونُ حجّة عليه. فهذا الذي يحفظُ العلم لو حفظَ متونًا وشروحًا عنْ ظهرِ قلب لكنّه لا يطبِّق الشريعة هل يكونُ صارَ تقيًّا؟ لا، كيف يكونُ العالمُ ربّانيًّا ؟ بأنْ يكونَ عاملًا بعلمِهِ، عاملًا بالواجباتِ مُجتنِبًا للمحرّمات متَّقِيًا لله مخلصًا لربِّه، هذا هو العالمُ التقيُّ، هذا هو العالمُ الربانيُّ. وعندما يُقال عالمٌ رباني يعني عالمٌ صالحٌ تقيٌّ عاملٌ بعلمِهِ.

أمّا بمجردِ حفظِ المعلوماتِ منْ غيرِ تطبيقٍ ومنْ غيرِ عمل فلا يكون صار الشيخُ أو الدكتور أو الخطيب فقيهًا، لا يكون بمجردِ حفظ المعلومات تقيًّا صالحًا.

إذًا الأستاذ والدكتور والخطيب والدارسُ والذي يريدُ أنْ يحفظ بمجردِ حفظِ العلمِ لا يصيرُ تقيًّا، إنما يصيرُ تقيًّا بتطبيقِ العلم يعني بالعمل بما تعلّمَ يطبِّق، هذا الذي وردَ عنْ نبيِّ اللهِ عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام أليس قال فيما رواه عنه الإمام الحافظُ أبو نُعَيم في الحليةِ قال في وصفِ علماءِ أمّةِ محمد – انتبهوا عندما يرِدُ مدح للعلماء المراد به العلماء الأتقياء – قال “علماء بررَةٌ أتقياء” هذا القيد، هذا وصفُ عيسى عليه الصلاة والسلام لعلماء أمةِ محمدٍ الذين يعملونَ بعملِهم، يعني للأتقياءِ منهم، قال “علماءُ حُلَماء بررةٌ أتقياء كأنّهم منَ الفقهِ أنبياء”.

لا يقول عنهم أنبياء إنما شبَّههُم بقوّتِهِم في العلم بقوةِ الأنبياءِ في العلم لا يقولُ عنهم أنبياء. أمّا حديث علماء أمتي كأنبياءِ بني إسرائيل، فهو مكذوبٌ وباطلٌ وموضوعٌ ومُفتَرى على الرسول.

الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال علماءُ أمتي كأنبياءِ بني إسرائيل، إنما الذي قالَهُ عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام رسولُ اللهِ نبيُّ اللهِ في وصفِ الأتقياءِ منَ العلماء “علماءُ حُلَماء بررةٌ أتقياء منَ الفقهِ كأنهم أنبياء” هذا الذي وردَ في وصفِهم وهذا الذي رواه الحافظُ أبو نُعَيم في الحِلية.

كذلك الذي وردَ فيهم “مَنْ علمَ وعمِلَ بما علِمَ وعلّمَ يُدعَى في ملَكوتِ السماءِ عظيمًا.

لأنَّ نشرَ العلمِ هو تطبيقٌ له ونشرُ العلم منْ جملةِ العمل بالعلمِ، لذلك هذا يُروى في بعضِ الأخبار في بعضِ الأحاديث.

فإذا قلتَ هنا كيف يُقال عالمٌ وهو شيطان أخرس؟ عالِمٌ هو حفظ العلم لكنْ لا يطبّق فكان منْ هؤلاءِ الشياطين، والشياطين اليوم كثُر شيطان أخرس شيطان مُتكلّم شيطان بعِمامة شيطان ببِذلة شيطان على الفضائية شيطان في موقعِ التواصل شيطان في الجامعة شيطان هنا وهناك، الشياطينُ كثُر .

يعني كما قال بعضُ العلماء والصحابة “في الإنس شياطين كما في الجنِّ شياطين فنعوذُ باللهِ منهم”.

إذًا هذا شيطان، نحنُ ماذا نفعل إن اختارَ لنفسِهِ أنْ يكونَ شيطانًا. وهذا القول مشهورٌ جدًّا عند العلماء وفي طبقة عليا في الأولياءِ رجلٌ يقال له أبو عليٍّ الدقاق رحمه الله هذا له شهرة بين الأولياء، روى عنه الإمام القُشيري في الرسالة أنهُ قال “الساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرس”.

ثم وردَ في الأثرِ أيضًا احفظوه لأجلِ أنْ لا تُؤخَذوا بالمظاهر ولا تتأثروا بالأشكال، وردَ في الأثر “إذا ظهرت البِدَعُ وسكتَ العالِمُ لعنَهُ الله” عالمٌ ملعونٌ عند الله.

أليس يُؤتَى يومَ القيامةِ بالقارىءِ والعالم والمُقاتل فيُرمَوْنَ في جهنم فيُقال يا رب قاتلْتُ فيك فيُقال له كذَبْتَ قاتلْتَ لِيُقال فيك جرِىء فيُؤمَرْ فيه إلى النار، وذاك يقول يا رب قرأتُ القرآنَ لأجلِكَ فيقال له كذبْتَ إنما قرأتَ ليُقال قارىء وقد قيل – يعني كنتَ مُرائيًا – فيُؤمَر به إلى النار، والعالم يقول يا رب علّمْتُ العلمَ في سبيلِكَ لأجلِكَ فيُقال له كذبتَ إنما علّمتَ ليُقال عالم وقدْ قيل فيُؤمَر به إلى النار”

إذًا ليست العبرة بالألقاب ليست العبرة بالألفاظ أو بالأشكال أو بالمظاهر، العبرةُ بملازمةِ الشريعةِ باطنًا وظاهرًا، هذا هو التقوى العمل بالشريعة العمل بالأحكام الوقوف عند حدِّ الشرع.

فهذا شيطان أخرس نعم وشيطان متكلم لأنه ضيَّعَ الحقَّ والواجب وسكتَ عن انتشار الكفر والمنكرات والضلال والباطل وكان قادرًا على الإنكار وسكتَ بلا عذر.

إذًا احفظوا ما وردَ في الأثر “إذا ظهرت البدع – يعني العقائد الفاسدة  المخالفة لعقيدةِ أهلِ السنة – وسكت العالِم لعنَهُ الله”)

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: فإنْ قال بعضُ الناسِ هؤلاء الوهابية لوْلا أنّهم على حقّ ما مكّنَهم اللهُ منَ الحكمِ في مكةَ والمدينة، يُقالُ لهم اليهودُ يَحكمونَ بيتَ المقدس فهل يدُلُّ ذلك على أنهم على الحق؟ أحدُ أصحابِ  رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لأخيه وهو صحابيٌّ آخَر (هذا قالَهُ بعض أهل هذا العصر منَ الحَمقى والمغفّلين قالوا أليسوا يحكمونَ مكة والمدينة وهم الظاهرونَ فيهما؟ أليست الكعبة تحتَهم والمسجد النبوي؟ إذًا هم على حقّ

ماذا يقال لهذا الذي لا يعرف الحقّ منَ الباطل؟ يُقال له لو كانَ بزعمِكَ لمجردِ أنهم سيطروا على هذه البقعةِ الشريفة صاروا هم أهل الحقّ فماذا تقول في حكمِ أبي جهل وأبي لهب وعُقبة بن أبي مُعَيط عندما كانوا مُسيطرون على مكة وعلى الكعبة؟ القرامطة عندما سيطروا على الكعبة وأخذوا الحجرَ الأسود وسرقوه كانوا على حقّ؟ وهكذا اليهود كم مضى لهم وهم مسيطرونَ على المسجد الأقصى وفلسطين هم على حقّ بزعمِك؟

إذًا لا، أليسَ اللهُ سلّطَ الكفارَ على الأنبياءِ فقتلوهم؟ هل يكونُ الكفار على حقّ؟ حاشى، أليس اللهُ قال {وقتْلَهُمُ الأنبياء}[آل عمران/١٨١]؟ الكفار قتلوا الأنبياء فهل يكونُ الكافر الذي قتل نبيًّا على زعمِكَ على حقّ والعياذُ باللهِ تعالى؟ هذا لا يقولُهُ مسلم لا يقولُهُ عاقل. إنما هذه الحياة الدنيا هذا حالُها، الدنيا لا قيمةَ لها عندَ الله، العبرة في الآخرة العبرة بما عندَ الله.

فإذًا ليست العبرة أنَّ هذا يحكمُ هنا وذاكَ يحكمُ هناك لا، إنما العبرة بموافقةِ الحق. الرسولُ أشرف خلقِ اللهِ وأطهر العالمين وأفضل الأنبياء والمرسلين مع ذلك أُخرِجَ منْ مكة، أخرَجَهُ عَبَدةَ الأوثان منْ مكة، هل يكون الرسول على باطل؟ حاشى، هل يكون عبَدة الأوثان على حق لأنهم حكموا مكة وأخرجوا النبيّ صلى الله عليه وسلم منْ مكة؟ حاشى.

إذًا العبرة بما عندَ اللهِ عزّ وجلّ(

قال الإمام رضي الله عنه: أحدُ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لأخيه وهو صحابي آخر “لا يُقَدِّسُ الرجل بلدُهُ إنّما يقدِّسُهُ عملُه”

الرجلُ قد يكونُ في أفضل بلادِ اللهِ عائشًا في مكة أو المدينة ثم يكونُ على حالةٍ سيئة، وقدْ يكونُ الرجلُ في المغرب ويكون على حالةٍ طيبة، هذا معنى كلامِ الصحابي.

)سلمان رضي اللهُ عنه هو الذي قال “الأرضُ لا تُقَدِّسُ أحدًا وإنما يقَدِّسُ الإنسان عملُهُ”)

وقال الإمام رضي الله عنه: يوجد في مكة والمدينة أناسٌ أعمى اللهُ قلوبَهم عقائدُهم فاسدة، المهديُّ مَنْ هَدى اللهُ أينما كان. ثم الإنسانُ لا يولَدُ عالِمًا بل لا بدَّ أنْ يتعلّم، أمّا أنْ يقول أنا منْ أبوَيْنِ مسلمين ويعتمدَ على ذلك ولا يتعلم فهذا هلاكٌ وأيُّ هلاك.

كذلك كَوْنُ الرجلِ ابنَ عالمٍ لا يُقَدِّسُه، قد يكونُ الأب عالِمًا تقيًّا وليًّا والابنُ كافرًا ملحدًا ولا يعرفُ أنه كافرٌ ملحد لأنه ما تعلّمَ ما يُميِّزُ به بينَ الإيمانِ والكفر ما تعلّم ما يُعرَفُ به الحقُّ منَ الباطلِ كهذا الذي يُقالُ له محمد الخزْنَويّ الذي قال الطريقةُ فرض، الذي يقدِّسُهُ قسمٌ كبيرٌ منَ الأكراد ويعتبرونَهُ أفضلَ أولياءِ عصرِهِ وهو كافرٌ جاهلٌ باسمِ أبيهِ صاروا يُقَدِّسونَهُ لأنَّ والدَهُ كان عالِمًا طيبًأ، لا ينفعُ الرجل كوْنَهُ ابنَ عالمٍ أو ولي بدونِ معرفةِ التنزيه.

فالمطلوبُ منا أنْ نتكلّمَ في أمرِ الدينِ ولا سيّما في التنزيه في كلِّ موْطِنٍ نرجو فيه حصولَ الفائدة.

عليكم بتعلُّمِ علمِ أهلِ السنة المُتوارِثِ خلَفًا عنْ سلفٍ إلى الصحابة وإلا تَجْرُفْكمْ هذه الفرق الضالة كحزبِ الإخوانِ والوهابية وحزب التحرير، فلا نجاةَ إلا بتعلُّمِ علمِ أهلِ السنة ليس بالقانونِ يَعزُّ الإسلام بل بعلمِ الدين.

حكامُ المسلمين إذا تعلّموا علمَ الدين يُعزُّهمُ اللهُ بالإسلام الإنسانُ لا يولَدُ عالِمًا إنما يتعلّمُ بعدَ أنْ يولَدَ أما إنْ لمْ يتعلمْ منْ أهلِ المعرفة فقدْ أضاعَ نفسَهُ. قال العلماء “تعلّمْ فليسَ المرءُ يولَدُ عالِمًا”

وقال رضي الله عنه: بعضُ الجهالِ يقولونَ عن الوهابية لوْلا أنهم على حقٍّ ما حكموا مكة والمدينة.

)هذا الذي كان يقول هذا الكلام الآن هو نفسُهُ صارَ يُهاجمُهم ويطعن فيهم ويقدحُ فيهم وهم ما زالوا هناك لأنّ السياسة تغيّرت. كيف كانوا بنظرِكِ أيها المغفّل على حقّ لأنهم في مكة والمدينة والآن أنتَ تسبُّهم وتطعن فيهم لأنّ السياسة فرّقَتْكمْ؟ هو منْ مشايخهم، السياسة فرّقَتهم وفضحَتْهُم، إذًا ليست المسئلة مسئلة عقيدة ودين على زعمِهم(

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: هذا جهلٌ فظيعٌ، مكةُ قبلَ أنْ يدعوَ الرسولُ إلى الإسلام أهلُ مكةَ كلُّهم كانوا مشركين كانوا يعلِّقون الأوثانَ حولَ الكعبة ثلاثمائة وستين صنمًا وضعوا حولَ الكعبة وكانوا يطوفون بالكعبةِ وهم يقولون: لبيكَ لا شريكَ لكَ إلا شريكًا هو لك تملِكُهُ وما ملَك.

مئات السنينَ وهم على الشرك وهم جيران الكعبة. ليس العبرةُ بالبلد، البلدُ لا يُقَدِّسُ الشخص، الشخصُ يقدِّسُهُ إيمانُهُ، أينما كان الشخصُ عائشًا ساكنًأ إنْ كانت عقيدتُهُ فاسدة (عائشًا يعني يعيش هناك ليس شخصًا اسمُهُ عائشًا لا) المكانُ الذي يسكنُهُ لا يقدِّسُهُ إنما الذي عقيدتُهُ صحيحة لو كان في أقصى الشرق أو في أقصى الغرب بينَ الكفارِ عائشًا فهو على خيرٍ ما دامَ مُحافظًا على دينِه بل قدْ يكونُ وليًّا لله لا يقدِّسُ الشخصَ كونُ أبيهِ عالمًا كونُ جدِّهِ عالمًا إذا لمْ يتعلمْ علمَ أهلِ السنةِ والجماعة.

)نعم أليس كلُّنا يعرف أنّ كنعان ماتَ على الكفرِ وأبوهُ نبيٌّ رسول؟ نوح عليه الصلاة والسلام نبيٌّ رسولٌ عظيمٌ كريمٌ جليلٌ منْ أفضلِ الأنبياءِ والرسل منْ أولي العزم، وابنُهُ كنعان ماتَ على الكفرِ، قال يا بُنيَّ اركب معنا ولا تكنْ معَ الكافرين، معناه أسلِمْ آمِنْ ثم اركبْ معنا في السفينة ليس معناه تعالَ وأنتَ على الكفرِ فاركبْ معنا لا، نوح لا يُركِب في السفينةِ مَنْ كانَ على الكفرِ لأنهُ أُمِرَ أنْ يُصعِدَ إليها مَنْ كانَ على الإيمان. فهذا معناهُ أسلِمْ آمِنْ ثم تعالَ فاركبْ معنا في السفينة، قال يا بُنيّ اركب معنا ولا تكنْ مع الكافرين قال سآوي إلى جبلٍ يَعْصِمُني منَ الماء، كنعان، ردَّ عليه نوح عليه السلام قال لا عاصِمَ اليومَ منْ أمرِ اللهِ إلا مَنْ رَحِمَ وحالَ بينَهُما الموجُ فكانَ منَ المُغرَفين.

هذا نبيٌّ رسولٌ وابنُهُ ماتَ على الكفر فكيفَ يتجرأ بعض الجهَلة يقولونَ هذا أبوه شيخ أبوه عالم أبوه ولي ثم يلْحَقونَهُ على الجهل والغباوة والحماقة، يقولون جدُّهُ ولي.

إذا كان جدُّهُ ولي وهو غبي ماذا تفعلونَ به هو؟ جدُّهُ منَ الأولياءِ على الرأس والعين أمّا هو ماذا؟ إذًا العبرة أنْ يكونَ الإنسانُ هو تقيًّا صالحًا ليُؤْخَذَ به ومنه ولِنَكونَ معه(

وقال رضي الله عنه: روى البخاريُّ عن عمرَ ابن الخطاب رضي اللهُ عنه أنه قال “تفقَّهوا قبلَ أنْ تُسَوَّدوا” (يعني قبلَ أنْ تصيروا سادةً لأنَّ الناس في الغالب منْ شأنِهم إذا صاروا سادةً وقادةً انشغلوا عنْ تحصيلِ العلم إلا مَنْ وفَّقَهُ الله ومنْ حفظَهُ اللهُ ومَنْ يسّرَ له الخير كهذا الرجل العظيم المبارك التقي النقي الولي الصالح المجاهد السلطان العادل صلاح الدين الأيوبي مع كثرةِ غزواتِهِ وجِهادِهِ وفتوحاتِهِ وكان سلطانًا حاكمًا عادلًا وكانَ كثيرَ الأمراض مع ذلك لمْ ينقطعْ عنْ تحصيلِ العلمِ وسماعِهِ وطلبِ العلمِ ومشاركةِ العلماء في مجالسِهم.

أما مِنْ حيثُ الغالب إذا صارَ الإنسانُ منَ السادةِ أو القادة ينقطع عن مجالسِ العلمِ فيُضيِّع على نفسِهِ حيثُ لمْ يتعلّمْ في صِغَرِهِ. فإذا تمكّنَ في صِغرِهِ وتقَوّى وتبَحّرَ ووصلَ في العلمِ إلى حدٍّ كبيرٍ بعدَ ذلك إذا صار رئيسًا أميرًا قاضيًا زعيمًا ملِكًا سلطانًا يكونُ تحصَّنَ بالعلمِ الذي حصّلَهُ في صِغَرِهِ وشبابِه وإلا يكونُ ضيَّعَ على نفسِهِ وضاع(

وقال رضي الله عنه: أبو عُبَيد “تعلموا العلمَ ما دمتمْ صغارًا قبل أنْ تصيروا سادةً رؤساء مَنظورًا إليهم فإنْ لمْ تتعلموا قبلَ ذلك اسْتَحْيَيْتُمْ أنْ تتعلموا بعد الكِبَر فبَقِيتُمْ جُهّالًا تأخذونَه منَ الأصاغرِ فيُزْري ذلك بكم” وهذا شبيهٌ بحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمر (هنا مرادُهُ بالأصاغر في القَدرِ والشأن ليس طعنًا في التقيّ الصالح الذي كان صغيرَ السن لا، فهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كان منْ حيثُ السن صغيرًا وكان مِنْ ساداتِ العلماءِ في عصرِهِ.

كان منْ ساداتِ العلماء والأولياء والأتقياء والصُّلَحاء فهنا المراد أصاغر القَدر والشأن والفَهم وليس السن مع التقوى والعلم لأنّ الإنسانَ لو كان صغيرَ السنِّ وكان تقيًّا كان صادقًا عالِمًا هذا يؤْخَذُ منه بكلِّ فرحٍ واعتزاز ومحبة مع التشرُّفِ بذلك(

وقال رضي الله عنه: وهذا شبيهٌ بحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما “لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العلمَ عنْ أكابِرِهم فإذا أتاهمْ مِنْ أصاغِرِهِمْ فقدْ هلَكوا” والأكابرُ أي الأكابرُ في العلمِ ليس منَ الأكابرِ في السن، والمرادُ بالأصاغر الذين لا يُحسِنونَ العلم.

مُعاذُ بنُ جبلٍ ماتَ وعُمُره ثلاثٌ وثلاثونَ سنة والرسولُ صلى الله عليه وسلم أرسلَهُ لِيُعلِّمَ أهلَ اليمنِ مع أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنهما, وكان في الصحابةِ مَنْ هو أكبرُ منه لكنْ لعلمِهِ أرسَلَهُ لقوّةِ فَهمِه، الاستماعُ يكفي لتَعلُّمِ علمِ الدين.

*في هامش الكتاب: وليس هذا الأمرُ متناقضًا معَ قولِنا العلمُ صيدٌ والكتابةُ قيْدُهُ، إذْ إنَّ كثيرًا منَ الصحابةِ كانَ لا يُجيدُ الكتابةَ وانتشرَ العلمُ والإسلامُ في أنحاءِ الأرض، فالتعلُّمُ يكفي لمجرَّدِ سَماعِ الأصل، أمّا مَن يُجيدُ الكتابةَ فإنْ كتبَ فهذا خير وذلك لأنهُ إنْ نسي فإنهُ يرجِعُ إلى مطالعةِ ما كتبَ فيتذكّر.

قال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه: لتَعَلُّمِ علمِ الدين الاستماعُ يكفي، (مرادُهُ رحمه الله الاستماع مع الفَهمِ السليم. وردَ في حديثٍ صحيحٍ أخرجَهُ الحافظُ الترمذيُّ رحمه الله في جامِعِ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم [نضّرَ اللهُ امرَءًا سمِعَ مقالتي فوَعاها] هذا شرطُهُ، بهذا القيد.

[نضّرَ اللهُ امرءًا] يدعو لهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بأنْ يكونَ فرِحًا مسرورًا مُشرِقَ الوجِهِ مُنَوَّرَ الوجهِ يومَ القيامةِ على منبرٍ منْ نور في ظلِّ العرش، لكنْ هذا لِمَنْ هذه صفتُهُ [نضّرَ اللهُ امرءًا سمِعَ مقالتي فوَعاها فأدّاها كما سمِعَها] طبَّقَ مع الإخلاص علّمَ منْ غيرِ تحريفٍ ولا تزويرٍ، هذا فهِمَ فهمًا سليمًا صحيحًا. أمّا أنْ يسمعَ لكنْ لا يفهم كيف ينقل؟ كيف يعلّم؟ كيف يطبِّق؟ كيف يباشر؟ كيف يوضِح لغيرِه؟ كيف يؤتَمَنْ عليه منْ أنْ لا ينْزَلِق إلى الفتوى بغيرِ علم؟

إذًا مرادُهُ معَ الفهمِ السليم، فالأصلُ هو السَّماع مع الفهمِ السليم وأمّا سوءُ الفهمِ فبَليَّةٌ منَ البَلايا. ومِنْ هنا انزلَقَ بعضُ المشاهير معَ قوّتِهم في الحفظ وكثرةِ محفوظاتِهِم  لكنْ فهمُمْ سقيم وسيّء فضَلّوا وأضَلُّوا وزاغوا وانحرَفوا وزَلُّوا وكانوا والعياذُ باللهِ سببًا في هلاكِ وضلالِ آلافٍ منَ البشر(

وقال رضي الله عنه: كمْ مِنْ أناسٍ أولياء لا يعرفونَ الخط تلَقَّوا بالسَّماعِ منْ أفواهِ أهلِ العلم، تلَقَّوا علمَ الدينِ وعمِلوا به فصاروا أولياء, والصحابةُ أكثرُهم ما كانوا يعرِفونَ الخطّ إنّما كانوا يستمعونَ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم يسمعونَ كلامَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم اللهُ نوَّرَ قلوبَهم فصاروا علماءَ حكماءَ، العبرةُ بفَهْمِ القلب.

سيدُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ما تعلّمَ الخط، اللهُ تعالى أفاضَ عليه علمَ الأولينَ والآخِرين.

)بعضُ الملاحدةِ اليوم والزنادقة ممّن في حاشيةِ الملاحدة يقولون محمد كان يكتب ويقرأ قبل أنْ ينزلَ عليه الوحي وهو الذي كتبَ القرآن هو الذي ألَّفَهُ، هؤلاء زنادقة وملاحدة، هؤلاء كذّبوا اللهَ والرسول والقرآن والإجماع. الواقع يكَذِّبُهم، أولًا أليس اللهُ يقول {هو الذي بعثَ في الأمّيينَ رسولًا منهم}[الجمعة/٢]؟

قال بعضُ زنادقةِ العصر الأميين نسبةً إلى أمِّ القرى مكة، انظروا إلى التحريف.

الرسولُ عليه الصلاة والسلام ما كانَ يكتب ولا يقرأ المكتوب، وأمّيةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم دليلُ نبوَّتِهِ لأنه معَ أمّيتِهِ صلى الله عليه وسلم وشرَّفَ وبارَك وعظّمَ كانَ قدْ أحاطَ بهذه العلوم وبهذه الفيوضات الغريبة العجيبة البحار منَ العلم معَ أميّتِهِ جمَعَ علمَ الأولينَ والآخرين، فأمّيتُهُ مدحٌ له، وأميّةُ النبيِّ دليلُ نبُوَّتِه.

واسمعْ إلى قولِ اللهِ في سورةِ العنكبوت {وما كنتَ تتلو مِنْ قبلِهِ منْ كتابٍ ولا تَخُطُّهُ بيمينِك}[العنكبوت/٤٨] يعني كان قبل القرآنِ لا يكتب ولا يقرأ المكتوب.

ثم يقول هؤلاء الزنادقة هو الذي كتبَ القرآن، القرآن ليس منْ عندِ الله، فيقال لهم: لو كان هكذا على زعمِكمْ أيها الزنادقة الملاحدة فكمْ كان في العربِ منْ شعراء وفُصحاء وبُلَغاء ممّنْ يُضرَب بهم المثَل في قوّتِهِم في النحوِ واللغة والحفظ والأشعار والإنشاء، كثيرٌ جدًّا في العرب، فلماذا لمْ يأتِ منهم واحد إلى الآن مَنْ يأتي بمِثلِ ما أتى به محمد عليه الصلاة والسلام على زعمِكُمْ، لو كان كما تزعُمونَ – وهو النبيُّ لا يُعرَفُ بالشعر ولا بالكهانة ولا بالسحر بل برّأهُ اللهُ منْ كلِّ ذلك، اللهُ قال لهُ {إنّا كفَيْناكَ المُسْتَهْزِئين}[النحل/٩٥] – ولو كان كما زعمتُم  لجاءَ مَنْ شُهِرَ وعرِفَ في العربِ بالفصاحةِ والبلاغةِ وقوةِ الشعر والنحوِ وغيرِ ذلك بمِثلِ ما جاءَ به محمد ليَرُدَّ على ما جاءَ به محمد، لكنْ هل استطاعوا؟ لا ولنْ يستطيعوا ولو انتظروا إلى قيامِ الساعة وإلى ءاخر ساعةٍ منْ هذه الدنيا لنْ يقدِروا، اللهُ قال {فإنْ لمْ تفعلوا ولنْ تفعلوا} ]البقرة/٢٤]

إذًا الرسولُ صلى الله عليه وسلم لا كان يكتبُ المكتوب ولا كانَ يقرأُه لا قبلَ القرآن ولا بعدَ أنْ نزلَ القرآن ولا حتى قبلَ أنْ يموتَ تعلَّم الخط أو فكَّ الخط بلْ بقيَ إلى أنْ ماتَ لا يكتبُ ولا يقرأُ المكتوب.

هؤلاء يعرفون الآن في متاحف الدنيا يقولون هذه الرسالة منذ ثلاثة آلاف سنة لفلان، هذه الورقة فيها كلمة كتبَا الملك الفلاني منذ خمسة آلاف سنة، يعملونَها تاريخًا وتتناقلُهُ الكتب والأمم والشعوب بزعمِهم. أمّا  لو كان هناك ورقة واحدة كتب الرسولُ صلى الله عليه كلمةً فيها لطارَ خبرُها في الدنيا ولعَرَف ذلك كلَّ البشر ولَتناقَلَتْها الكاميرات والتلفزيونات والمؤتمرات والشاشات ولَعُرِفَتْ بينَ الكبار والصغار، ولَاعْتَنى بها الملوكُ والأمراء لكنْ أينَ هي؟ ورقة واحدة كلمة واحدة بخطِّ النبيِّ محمد على زعمِكمْ لا يوجَد لأنّهُ لا يكتب ولا يقرأ، لماذا إلى الآن الأمة تعتني بمصحفِ عثمان رضي الله عنه؟ برسالةِ أبي عبيدة التي كتبَها بخطِّ يدِهِ؟ برسالةِ عليٍّ رضي الله عنه، فلو كان النبيُّ كتب فأينَ هذا الذي كتبَهُ بزعمِكُمْ؟

إذًا الرسولُ لا يكتبُ المكتوب ولا يقرأُهُ وهذه الآية وحدَها تكفي {وما كنتَ تتلو منْ قبلِهِ منْ كتابٍ ولا تخُطُّهُ بيمينِك}]العنكبوت/٤٨]

إذًا أمّيةُ النبيِّ دليلُ نبوَّتِهِ لأنّهُ معَ أميَّتِهِ صلى الله عليه وسلم جمعَ علمَ الأولينَ والآخرين

والحمدُ لله ربِّ العالمين