مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول رقم 42” لفضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا محمدٍ طه الأمين وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِه الطيبين الطاهرين
صحيفة 169
يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى: قال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه الذي يُحلِّلُ ويُحرِّمُ بغيرِ دليلٍ شرعي له الويْلُ في الآخرة في ذلك اليوم الذي يُسالُ العبدُ عن المالِ مِنْ أينَ أخذَه وفيما صرَفه، فإنْ أخذَهُ بطريقٍ أحلَّهُ الله وصرَفَه بطريقٍ أحلَّهُ الله سلِمَ ونَجا وإلا فهو مستحقٌّ لعذابِ الله.
وردَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّ العبدَ يُسالُ يومَ القيامةِ مِنْ قِبَلِ اللهِ ألَمْ أُصِحَّ جسمَك وأُرْوِكَ منَ الماءِ الباردِ، هذا مِنْ جملةِ نِعمِ الله. هذا الماءُ الباردُ يُنْتَفَعُ بشربِهِ، وصحةُ الجسمِ مِنْ نِعَمِ الله التي يُسألُ عنها العبدُ يومَ القيامة، فإنْ كان يُسألُ عن هذا ففي ما هو أكبرُ مِنْ هذا السؤالِ أوْلى، المسؤوليةُ عنْ ذلك أوْلى.
(اللهُ سبحانه وتعالى هو الذي يُحاسبُ العبادَ يومَ القيامةِ ويسألُهُمْ إنْ كان الإنسانُ والعياذُ باللهِ تعالى مُضَيِّعًا للواجبات مُرتَكِبًا للموبِقات يأكل الحرام ويرتكب الظلم والفسوق والفُجور اللهُ تعالى يُحاسبُهُ على ذلك. الإنسانُ يُسالُ ويُحاسَبُ عن اعتقاداتِهِ وعنْ أقوالِهِ وعنْ أعمالِه. واللهُ تعالى يسألُ العبادَ فيُسْمِعُهم كلامَهُ الذي ليس ككلامِ المخلوقين، يُسمِعُهم كلامَه الذي ليس بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغة، ويفهَمونَ مِنْ هذا الكلام الذي لا يشبِهُ كلامَ الإنسِ ولا الجن ولا الملائكة يفهمونَ منه أنّ اللهَ يسالُهم عنْ كذا لمَ فعلتَ كذا لمَ اعتقدتَ كذا لمَ تركْتَ الواجبات ألَمْ أُعطِكَ كذا وكذا منَ النِّعَمِ ألَمْ أُعطِكَ المال ألَمْ أُعْطِكَ الصحة ألَمْ أعطِكَ العافية والأولاد لَمَ تركْتَ الصلاة لمَ زنَيْتَ لمَ شربْتَ الخمر لمَ ظلمْت، يُسألُ العبدُ عن اعتقاداتِهِ. الذين اعتقدوا عقائدَ فاسدة كفرية مُكَذِّبة للقرآنِ اللهُ تعالى يُحاسِبُهم على ذلك ويُوَبَّخونَ على ذلك ويَفهمونَ منْ كلامِ الله الذي ليس بفم ولا لسان ولا اصتِكاكِ أجرام ولا انْسِلالِ هواء ولا مخارجِ حروف، ليس مُبتَدَأً ليس مُخْتَتَمًا ليس باللغةِ العربية ولا العِبرية ولا السريانية والذي لا يتَخَلَّلُهُ انْقِطاع، يفهمونَ منه أنَّ اللهَ يُحاسبُهم لِمَ اعتقَدْتَ هذه العقيدةَ الفاسدة لمَ اعتقدتَ هذه العقيدة المُكَذِّبة للقرآنِ، اللهُ تعالى يُحاسِبُهُمْ ويفهمونَ منْ كلامِهِ أنهُ سبحانه غاضبٌ ساخطٌ عليهم فيمْتَلئونَ فزعًا ويمْتَلئونَ خوفًا ويمْتَلِئونَ قلقًا واضطرابًا وفزعًا، نسألُ اللهَ السلامة اللهُ يتوبُ علينا اللهُ يُصلِحُنا اللهُ يُسامِحُنا.
الأمرُ ذلك اليوم ليس شيئًا هيِّنًا ليس شيئًا سهلًا، الأمرُ مُخيفٌ الأمرُ مُرعِب اللهُ يقول {وَقِفوهمْ إنّهمْ مسؤولون}[الصافات/٢٤]
اللهُ يقول {فوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهمْ أجمعين* عمّا كانوا يعملون}[النحل/٩٢-٩٣] إذا كان يُسألُ الإنسانُ عنْ هذا المال الحرام الذي أكلَه أو جمَعَهُ بالحرام، إذا كانَ الإنسانُ يُسال عن الماءِ الباردِ إنْ أدّى شُكرَهُ. هذا الماء البارد نِعمة منَ النِّعم ليس تَنعُّمًا، يعني الإنسانُ إذا شربَ الماء البارد هذه نِعمة مِنْ نِعَمِ الله عليه فلا يكونُ الإنسان في غفلة بل ينبغي أنْ يُكثِرَ منْ شكرِ الله. فيُسألُ الإنسان هل أدّيْتَ شكرَ هذه النّعمة.
بعضُ الأمورِ ما كانَ ترْكًا للواجباتِ ما كان ارتِكابًا للمُحرَّماتِ يكونُ تأنيبًا وتوبيخًا وتعذيبًا ببعضِ القضايا، أما ما كانَ منْ هذا النوع فيُسأل عنْ شُكرِها، يعني هذه نعمة، اللهُ أنعمَ عليك بهذه النعمة هل شكرْتَهُ عليها؟ فلذلك ينبغي أن لا نَغفَل.
يُسألُ الإنسانُ عن الصحة اللهُ يُحاسبُهُ يسألُهُ لمَ اسْتعْمَلْتَ بدنَكَ في معصيةِ الله، لمَ استَعمَلْتَ بدنَكَ في الظلم وقتلِ الناس عُدوانًا في الزنا في شربِ الخمرِ في عقوقِ الوالدين، وهكذا الإنسان يُسأل.
هذا البدن نِعمة اللهُ أعطانا إياها وهذه الصحة والعافية نعمة اللهُ أنعمَ بها علينا، فنُسألُ عن هذه النِّعَم كما وردَ في هذا الحديث أنَّ الإنسانَ يُسأل عن الصحة وعنِ الماءِ الباردِ يومَ القيامة. إذا كان عنْ هذه النعمة يُسأل فكيف بما هو أكثر وأعظم منْ ذلك.
لذلك لا ينبغي أنْ نغفَل عن السؤال وعن الحساب وينبغي أنْ نستعد منَ الآن لا ننتظر إلى أنْ نموت، لا، نحاسب أنفسَنا الآن أهوَن منْ أنْ نُحاسَبَ يومَ القيامة .
أنا إنْ ظلمْتُ إنْ أسأتُ إنْ عصَيْتُ إنْ وقعْتُ في مُحرّم أتوبُ وأندمُ وأرجِع وأعزِم على أنْ لا أعودَ إلى هذه المعصية، أسْتَسْمِح ممّنْ ظلَمْتُه أؤَدّي الحقوق إلى أصحابِها، هذا أهوَن بكثير وأسهل بكثير مِنْ أنْ أحاسبَ يومَ القيامة، لأنَّ بعضَ الأمورِ إذا عُذّبَ عليها الإنسان كالظلمِ مثلًا كتَركِ الصلاة كأكلِ أموالِ الناسِ بالباطل إذا عُذِّبَ على ذلك ماذا سيفعل؟ منْ أين سيرُدُّ المظالِم يومَ القيامة؟ إنْ كانَ بالدينار والدرهم في الدنيا سهل أما يوم القيامة القِصاص ليس بالدينار والدرهم إنما بالحسناتِ والسيئات.
إذًا الآن الأمر في الدنيا سهل أما في الآخرة ماذا نفعل؟ اللهُ يتوبُ علينا بكرامةِ وجهِ محمد بحقِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وبِحُرمةِ القرآنِ العظيم اللهُ يُسامحُنا ويُصْلِحُنا ويغفرُ لنا ويتوبُ علينا.
صدِّقوا يا إخواني لو الواحد منّا ظلمَ إنسانًا يذهب إليه لوْ قبّلَ له يديْهِ ورِجليْهِ يسْتَسْمِح منه هذا سهل، أما في الآخرة ماذا يفعل؟
الحسابُ يومَ القيامةِ والسؤال ليس بالشىءِ السهل اللهُ هو الذي يُحاسِبُ العباد. أليسَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [ما منْكمْ مِنْ أحدٍ إلا وسَيُكَلِّمُهُ ربُّهُ يومَ القيامةِ ليس بينَه وبينَه تَرجُمان]
الإنسُ والجنُّ يسمعونَ كلامَ الله يُحاسِبُهم على الاعتقادات والأعمال والأفعال والأقوال، إذًا فلْنَتّقِ اللهَ تعالى.
وكما شرَحْنا كلامُهُ سبحانه ليس ككلامِ العالمين.
واللهُ يقولُ في القرآنِ {وهو أسرعُ الحاسبين}[الأنعام/٦٢] وفي آية {سريعُ الحساب}[البقرة/٢٠٢] فاللهُ تعالى هو الذي يُحاسبُ العبادَ يومَ القيامة فلْنسْتعِدّ قبلَ فواتِ الأوان.
أما الذي يأكلُ الحرام ويعتقدُهُ حلالًا هذا أمرُهُ أخطر، أعظمُ، أشد، لأنَّ الإنسانَ إذا أحلَّ ما حرَّمَ الله وكان معلومًا منَ الدينِ بالضرورة أو كان هو يعرِفُ أنَّ هذا الشىء في الإسلامِ مُحرَّمًا فأحَلَّهُ صارَ منَ الكافرين، هذا أمرُهُ أعظم وأخطر منْ لو أكلَ جبالًا منْ ذهب بالحرام وهو يعتقِدُها حرامًا، لأنه يكونُ ضمن المعصية الكبيرة ارتكبَ كبيرةً، أمّا إذا كذّبَ الشريعةَ صارَ كافرًا خارجًا منَ الإسلام، عندَما يعرف أنَّ هذه المسئلة في الإسلامِ حرام ثم يأتي فيقول هي حلال، ماذا يكونُ فعل؟ عاندَ الدين، عاندَ الشريعة، صار منَ الكافرين.
بعضُ الناسِ اليوم والعياذُ باللهِ تعالى منْ فسادهِم وجهلِهم وبعدِهم عنِ الدين يأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطل بالحِيلة بالتزوير بالتدليس بالغَش بالكذِب، فتقول له هذا حرام يقول لك أنا عندي هذا حلال، هذا صارَ منَ الكافرين. هذا معروفٌ بينَ الناسِ أنْ يأكلَ أموالَ الناسِ بالباطل كيفَ يسْتَحِلُّه؟ فهذا أمرُهُ أخطر وأعظم لأنَّ الذي يُكَذِّبُ الشريعةَ ويموت على ذلك منْ غيرِ أنْ يرجِعَ إلى الإسلامِ بالشهادتين هذا يُخَلَّد في نارِ جهنم إلى أبدِ الآبدين لأنهُ ماتَ على الكفرِ.
فالويلُ كلَّ الويل لِمَنْ أحلَّ ما حرَّمَ الله، والويل كلَّ الويل لِمَنْ حرّمَ ما أحلَّ الله. هذا الإنسان الذي حرَّمَ ما أحلَّ الله أو أحلَّ ما حرّمَ الله عرَّضَ نفسَهُ للهلاكِ ولسَخَطِ الله. فالذي يُكَذِّب شريعةَ اللهِ ويموتُ على ذلك يُخلَّدُ في جهنم.
أما لو أكلَ أموالَ اليتامى وأكلَ أموالَ المساجد سرقَها وهو يقول حرام ظلم لا يجوز فسق كبيرة هذا لا يَكفُر، هذا المرَتكِب للكبيرة لا يكونُ كافرًا، أما مَنْ كذّبَ اللهَ كذّبَ القرآنَ كذّبَ الإسلامَ صار منَ الكافرين، فإنْ ماتَ على ذلك يُخَلَّد في نارِ جهنم والعياذُ باللهِ تعالى).
وقال رضي الله عنه: الذي يتسَرَّعُ في التحريم يهلِك والذي يتسرَّعُ في الإيجاب كذلك يهلِك.
طلبُ العلم
قال الإمامُ الهرريُّ رضي اللهُ عنه : عليكم بالثباتِ على طلبِ العلمِ. وردَ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال [لا يشبَعُ مؤمنٌ منْ خيرٍ يسْمَعُهُ حتى يكونَ مُنْتَهاهُ الجنة]
(هذه صفةُ المؤمن الكامل، هذا الحديث في بيانِ حالِ المؤمنِ الكامل يعني التقي الصالح الولي لا يشبعُ منَ الخير فلا يشبعُ منَ العلم يعني يبقى مُتَعَطِّشًا لِسماعِ وتحصيلِ العلمِ.
شيخُنا رحمه الله ماتَ وعمرُه أكثر منْ مائة سنة، كان مِنْ شدةِ انشغالِهِ بالعلم ومِنْ حبِّهِ للعلمِ يُطالِعُ في المخطوطاتِ القديمة وبخطٍّ ردىء أحيانًا وصغير دقيق وأسطُر مُتَداخِلة إلى ما بعدَ منتَصَفِ الليل، وأحيانًا إلى الفجر. ومرةً قال لو كنتُ أعرِفُ مَنْ يُجيبُني على أسئلتي ولو في الهندِ لرَحَلْتُ إليه، وهو المُتَبَحِّرُ في العلومِ. كانَ رحمهُ الله يُرى عليه شدة شوقِهِ للعلم والمطالعة والمُباحَثة وطلب المخطوطات منَ البلادِ البعيدة والقراءة والمُتابعة هذا حالُ المؤمنِ الكامل. فالتقي والصالحُ والوليُّ لا يشبَعُ منَ العلم كما أنَّ أهلَ الدنيا لا يشبَعونَ منَ الدنيا فينبغي على طالبِ الآخرة ألا يشبع منَ العلم لأنّك بالعلم يتوسَّع فهمُكَ وتنضُج وبالعلمِ تعرفُ كيف تعمل أكثر وكيف تنتقي الأولويات، أما بغيرِ علمٍ فهلاك.
إذًا هذا الحديث الشريف [لا يشبعُ مؤمنٌ منْ خيرٍ يسمعُه حتى يكونَ مُنْتهاهُ الجنة] هذه صفةُ التقيِّ الصالح.
ثمّ لاحظوا في هذا الحديث قال يسمعُه، وهناك رواية ثانية بدونِ روايةِ يسمعُه، يعني منْ غيرِ لفظ يسمَعُه. هذه التي فيها يسمعُه هي خاصة بطلبِ العلم لأهميةِ العلم،ِ والرواية الثانية التي ليس فيها يسمعُهُ وهي [لا يشبعُ مؤمنٌ منْ خيرٍ حتى يكونَ مُنْتَهاهُ الجنة] هذه عامّة في أبوابِ الخيرات ويدخلُ فيها العلم لكنّها شاملة عامّة لكلِّ أبوابِ الخيرات. وتلكَ الرواية جاءتْ بلفظِ “يسمعُه” تأكيدًا على أهميةِ العلم وإظهارًا لشأنِ العلم، لذلك قال “يسمعُه”.
فأنتم لا تشبَعوا منَ العلم يا إخواني ويا أخواتي لا تشبعوا منَ العلم بل دائمًا اشتغلوا بالعلم وبتحصيلِ العلم.
قال رضي الله عنه: وردَ عنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال [لا يشبَعُ مؤمنٌ منْ خيرٍ يسمعُهُ حتى يكونَ منتَهاهُ الجنة] معناه المؤمن ينبغي أنْ لا يشبعَ منَ العلم لا ينبغي أنْ يقولَ أنا تعلمتُ كذا وكذا ويتركَ طلبَ المزيد، ثم علمُ الدينِ يُؤخَذُ منْ أفواهِ العلماء ليس بمُطالعةِ الكتبِ كما يفعلُ كثيرٌ منْ أهلِ هذا الزمن، علومُ الدنيا يتلَقّونَها مِنْ أفواهِ العارفينَ بها وعلمُ الدين أوْلى بأنْ يؤخذَ منْ أفواهِ العلماء للأمنِ منَ الغلطِ والتحريف
بارك اللهُ بكم.
(هذا الأصل عندَ أهلِ الفَهمِ وعندَ العلماء وطريقةِ العلماءِ الحُكماء وطريقة الصحابة رضوانُ اللهِ عليهم العلم بالتلَقي يؤخَذُ منْ أفواهِ العلماء، الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم أخذوا العلمَ منْ فمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام أخذَ العلمَ منْ جبريل. وهكذا مَنْ بعدَ الصحابةِ منَ التابعين أخذوا العلمَ منَ الصحابة، وهكذا بالتسلسلِ إلى أنْ وصلَ إلينا.
لذلك قال الإمامُ الفقيهُ الحافظُ الخطيبُ البغداديُّ في كتابِه ” الفقيهُ والمُتَفَقِّهُ “: إنّما يؤخَذُ العلمُ منْ أفواهِ العلماء.
علمُ الدينِ لا يؤخَذ بمُطالعةِ الأنترنت والمواقع والكتب والصحف هكذا كيفَ ما اتّفَقَتْ وكيف ما جاءَت وكيف ما حرِّفَتْ وكيفَ ما طُبِعَت، هذا لا يكونُ تلَقِّيًا معْتَبَرًا ولا يكونُ تحصيلًا للعلم لأنَّ الكتابَ قدْ يدخلُهُ أخطاء مطبعية وأحيانًا بعض الكتبِ يدخلُها تحريف. فالإنسان إنْ لمْ يتلَقَّ كيفَ يضمَن أنَّ المعلومات التي حصّلَها صحيحة؟
إذا كان يأخذ على عالِم العالِمُ يشرحُ له والعالمُ يضبِطُ له ويشرحُ له العبارات الغامضة, وإذا كان في الكتاب منْ تحريف مطبعيّ أو سقط أو زيادة العالِم يسْتدرِك ويُبيّن ويُنَبِّه ويُحَذِّر.
إذًا العلم يؤخَذ بالتلَقي، أنتم كلّ واحدٍ منكم يعرف لو أنَّ إنسانًا في البلد قرأَ كتبَ الطبِّ وحدَه الجراحة لكنْ لمْ يُمارِس لا دخلَ الكلّيات ولا المعاهد ولا الجامعات ولا حضَرَ على الدكاترة والأطباء، لا دكاترة الجامعات تلَقِّيًا ولا الأطباء عند تعليمِهِ الجراحة والتدرُّج والتدريب في المستشفيات، كلّ هذا ما حصّلَهُ ما أخذَهُ ولمْ يتخرَّجْ منْ جامعة وليس له جهة رسمية تشهد له ولا معه شهادة موثوقة تشهد له إلا أنه حصّلَ كتبَ الجراحةِ منَ الأسواقِ والنت ودخلَ إلى العمليات الجراحية وحدَهُ على النت وحفِظَها، مَنْ منكمْ يأخذُ ولدَهُ إليه؟ مَنْ منكم؟ لا أحد، لو حفِظَ كلّ كتبِ الجراحة ولو حفظَ كل عمليات الجراحة التي على النت عنْ ظهرِ قلب مَنْ منكمْ يأخذ ولَدَه الطفل لهذا الإنسان ليُجريَ له الجراحة؟ ربَّما لا تسلِّمُهُ قدمَك، فكيف برأسِ ابنِك؟ هل تسلِّم هذا الإنسان رأسَ ابنِكَ؟
أو أنْ يفتحَ صدرَهُ ويعمَل له عملية قلب مفتوح، تقول لا لو كانَ يحفظ الكتب عن ظهرِ قلب.
إذًا في هذا الأمر لا تسلِّمونَهَ أنفُسَكُمْ ولا أبناءكم كيفَ في أمر الدينِ والعقيدةِ والحلال والحرام؟ كيف في الأمورِ التي في الآخرة تُدخِلُكمْ إلى الجنة أو إلى النار؟
فهنا الاحتياط أهم، هناك الاحتياط مهم وهنا الاحتياط أهم وأوْلى وأعلى ومُقَدَّمٌ على أمورِ الدنيا وعلى الجراحة. فكما أنكمْ تَعْتَنونَ في أمرِ العلاج وأمرِ الطبابة وأمرِ العمليات بأنْ تبحثوا عنِ المختص الناجح المشهور المشهودُ له لِتَذهبوا إليه أو لِتأخذوا أولادَكمْ إليه فكيفَ في أمورِ الدين كيف في العقيدة؟ كيف في كتابِ الله؟ كيف في سنّةِ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف بشرحِ معاني كلماتِ العلماء؟ كيف بالحلالِ والحرام كما بيّنا؟
منْ بابِ أوْلى أنْ تؤخَذَ عنِ العالِمِ العارفِ الثقةِ المُخْتصّ المعروف الذي لا يُفتي برأيِهِ ولا يُفتي بِهواه ولا يحكُمُ في الدينِ مِنْ عندِ نفسِه، إنّما أخذَ عنِ العلماء وتلَقّى عنِ العلماء وإذا سُئلَ عنِ الدليلِ يُبرِزُهُ، يُخرِجُهُ للناس، يعني لهُ مُستَنَدٌ منَ الأدلةِ الشرعية القرآنية والحديثية والإجماعية، هكذا ينبغي.
فإذًا في أمورِ الدين ينبغي أنْ تَحْطاطوا أكثر لا ينبغي أنْ تُقصّروا، لا تقل أنا سمِعْتُ إنسانًا يتكلم في التلفزيون فاعتقدْتُ، هذا لا يليق، ربَّما كان مُحَرِّفًا، أليسَ الآنَ في التلفزيون يطلُعُ منَ الناس الذين يلبَسونَ اللفات وهم ماسونيّة؟ هذا يمدح الكفر وهذا يُبيحُ الكفر وهذا يُبيحُ الخمر، مثل هذا الدكتور المصري الذي طلَعَ أباحَ الخمر والتجارة بالخمر واستيراد الخمر وبيع الخمر، هذا أيُّ شىءٍ له في الدين؟ أيُّ شىءٍ له في العلم؟ أيُّ شىءٍ له في المشْيَخة؟ وأيُّ شىءٍ له في الدكترة؟ أم أنّ هذه دال الدكتور صارتْ هي المِقياس؟ ليست هي المقياس لا يا إخواني إنما العبرةُ بما وافقَ دينَ الله. هذا يقول إنّ تجارةَ بيع وشراء الخمر حلال، واللهُ عزّ وجل قال في القرآنِ الكريم {ولا تَعاونوا على الإثمِ والعُدوان}[المائدة/٢] والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول [إنَّ اللهَ ورسولَهُ حرَّمَ الخمرَ وثمَنها] والإجماعُ الذي نقلَهُ الحافظُ النووي على تحريمِ الخمر وعلى تحريمِ ثمنِها، والقرآن أليس اللهُ تعالى قال {فاجْتَنِبوه}[المائدة/٩٠]؟ أليس قال {فهلْ أنتمْ مُنْتَهون}[المائدة/٩١] وهذا تهديدٌ ووعيدٌ، بعضُ العلماءِ يقول هذا أشد منْ لفظِ “حُرِّمَ” لأنَّ هذا فيه الأمر بالابتِعادِ وبِطَرحِهِ جانبًا وعدمِ الاقترابِ، يعني أنْ لا تُباشر شرب أو أكل أو بيع أو شراء هذه الخمر.
إذا قال لكم سفيهٌ وإذا قال لكم تافه وإذا قال لكم كافرٌ يُكَذِّب اللهَ والرسولَ ويعترض على الله قال لكم: أنا لا أُصدِّق ولا أؤمن حتى تأتوني بلفظِ “حُرِّمَتْ عليكم الخمر”، قولوا له: أليس اللهُ يقولُ في سورةِ البقرة{ يسألونَكَ عنِ الخمرِ والمَيْسِرِ قلْ فيهِما إثمٌ كبيرٌ}[البقرة/٢١٩] الإثم هنا يعني الضرر، والرسولُ يقولُ [لا ضررَ ولا ضِرار]
والقرآن سمّاها بهذه التسمية {يسالونَكَ عن الخمرِ والمَيْسِر قل فيهِما إثمٌ}[البقرة/٢١٩] يعني معصية يعني ضرر كبير،
في سورةِ الأعراف اللهُ قال {قلْ إنّما حرَّمَ ربيَّ الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بطَنَ والإثمَ}[الأعراف/٣٣] الإثم مُحرَّم بنَصَّ القرآن وفي سورة البقرة سُمّيَتْ الخمر بالإثم، إذًا هي محرَّمة بنصِّ القرآنِ. هذا مع الآياتِ الأولى التي ذكرْناها. كيف يقول هذا الدكتور المصري يجوز بيع الخمر وشراء الخمر والتجارة بالخمر واستيراد الخمر؟ هذا لو تسمّى باسمِ العالِم والعلّامة والدكتور والفقيه والألقاب الفارغة المُجَوَّفة ماذا ينفعُهُ؟ انظروا مثل هؤلاء أهلكوا الذين صدّقوهم، فإذا قلتَ هو قال، هو قال؟ الله قال الرسولُ قال الإجماعُ قال. مَنْ هذا أمامَ قولِ الله؟ مَنْ هذا التافه أمامَ قولِ رسولِ الله؟ صلى الله عليه وسلم، مَنْ هذا الجَهول أمام الإجماع؟
إذًا ماذا تعمل؟ فإن اعتقدْتَ ما قال تكون كذّبتَ ما قال الله، إن اعتقدْتَ ما قال هذا المُتَهَتِّك تكون كذّبتَ ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. ففي أيِّ صفٍّ أنت؟ في صفِّ هذا والشياطين والكافرين؟ أم في صفِّ الإجماعِ وصفِّ أهلِ الحقِّ الذين أيَّدَهُم القرآنُ والإجماعُ والسنّةُ النبوية؟ لذلك لا تقُل هو قال والإذاعة والتلفزيون والواتساب والفيس بوك والكتاب، لا بدّ منْ أخذَ العلمِ بالتلقي، عن العلماء، عن الثقاتِ عنِ العدولِ عن الأمَناء، عنِ الذينَ لا يتجرؤون على دينِ الله. كم منْ أصحابِ مناصب مشهورة في الدنيا اليوم وعندَ أهلِ الدنيا يُقام لها على زعمِهم وهم يطلعونَ في التلفزيونات يُكذِّبونَ الله، يُحِلّونَ ما حرَّمَ الله صراحةً، يُحِلونَ ما حرَّم القرآنَ صراحةً، أين الذين يرُدّونَ عليهم؟ لماذا لا يعترضُ هؤلاءِ عُميانِ القلوبِ عليهم؟ لماذا لا يركَّزونَ في التحذيرِ منهم وفي الطعنِ فيهم إنقاذًا للناسِ منْ كفريّاتِهم وضلالاتِهم كتكذيبِهِم للقرآن وتكذيبِهم للرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذًا لا تقل هو قال، أقولُ لك انظرْ ماذا وردَ في دينِ اللهِ وارجِعْ إلى أهلِ العلمِ لماذا قال الحافظ النوويُّ رحمه الله “لا يُستَفْتَى غيرُ الثقةِ العارف” منْ هذا يؤخَذ العلم ليس بمجردِ الألقاب وليس بمجرد الفضائيات والتلفزيونات والمواقع، لا، إنما العبرةُ بما وافقَ دينَ اللهِ عزّ وجلّ، ما وافقَ الشرع، ما وافقَ الدليل الشرعي).
وقال رضيَ اللهُ عنه: الاشتغالُ بطلب العلم أفضلُ منْ نوافلِ الطاعات لأنْ يغدوَ أحدُكم فيتعلّمَ آيةً منْ كتابِ اللهِ خيرٌ لهُ مِنْ أنْ يصليَ مائةَ ركعة – أي منَ التطوّع – ولَأنْ يغدُوَ فيتعلّمَ بابًا منَ العلم خيرٌ لهُ مِنْ أنْ يصليَ ألفَ رَكعةٍ منَ التطوّع. الخروجُ لِتَعلُّمِ بابٍ منَ العلمِ أفضل منَ الستمائةِ وتسعينَ بلْ أفضلُ منْ ألفِ ركعة، (يعني منَ السنّة، منْ صلاةِ السنن النوافل التي هي ليست واجبة) ثم علمُ الدينِ علمُ أهلِ السنّة فيه حِفظُ الإسلامِ، إحياءُ الإسلام، وإلا لَتلاعبَ هؤلاءِ المُنحرفونَ الشاذونَ الذين جاءوا بفكرٍ جديد.
وقال رضيَ اللهُ عنه: الذي يحضُرُ مجلسَ علمِ الدين ينبغي أنْ يكونَ قلبُهُ حاضرًا كجسدِهِ، ينبغي أنْ يكونَ حاضرَ القلبِ والجسدِ، حاضرَ القلبِ والجسم. بعضُ الناسِ يحضُرونَ مجالسَ العلمِ بلا قلب (وهذا خطر، أنْ يحضُرَ الإنسان في مجلسِ العلم لكنه مُنشَغِلَ الذهنِ بأمورٍ أخرى، جسدُهُ حضرَ في المجلس لكنْ قلبُه غاب، في مكانٍ آخَر يفكّر يشتغل يُهَيىء يُجَهِّز أمورًا شغَلَتْهُ عنْ فَهمِ ما يُقال في مجلس العلم. لذلك قال العلماء: مَنْ حضرَ بقلبِهِ ما غاب ومَنْ غابَ بقلبِهِ ما حضَر. طالبُ العلمِ ينبغي أنْ يكونَ واعيًا لا ينشغل في مجلس العلمِ بقيل وقال مع رفاقِهِ مع الحاضرين ولا بالهاتف ولا بالرسائل ولا بالمسجات ولا بما تأتي منْ أخبار عاجلة ولا غيرَ ذلك. بعضُ الناسِ يحضُرونَ في الدرس فيَفهمونَ خطأً لأنهم لمْ يلتَزِموا بصِفاتِ طالبِ العلمِ، حضورا بأجسادِهم لكنْ قلوبُهم غابَتْ، حضروا شوَّشوا على أنفسِهم وعلى غيرِهم فهِموا خطأً طلعوا منَ المجلس قالوا قال الشيخ، والشيخُ ما قال، قال الخطيب والخطيبُ ما قال، قال الأستاذ والأستاذ ما قال، قال المحاضر والمحاضرُ ما قال، إذًا مِنْ أينَ جئتَ بهذه التلفيقات؟ كان مُنشَغِلَ القلب والذهن، يقول أنا هكذا ظَنَنْتُ. ارجِعْ إلى التسجيل أو الفيديو أو الشهود الذين حضروا وكانوا بقلوبِهم ترى خِلافَ ما تقولُ أنتَ. إذًا هذا الضرر جذَبْتَه وجلَبْتَهُ لنفسِكَ ولغيرِكَ بسببِ تشويشِكَ على نفسِكَ وعلى غيرِكَ وعدمِ التزامِكَ بآدابِ مجلسِ العلم، مجلسُ العلمِ يُحافَظُ فيه على الهدوءِ والسَّكينةِ والأدب والاحترام والإنصات والتفرُّغ، تفرُّغ اليدين والذهن والاستماع لِما يُقال.
الصحابةُ الكرام رضوانُ اللهِ عليهم كيف كانت صفتُهم في مجلس رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ يقعدونَ عندَه وحوْلَهُ صلى الله عليه وسلم وكأنَّ الطيرَ على رؤوسِهم، ما معنى هذا؟ هذا يُعلِّمُنا أنَّ طالبَ العلمِ لا يتحرّك كثيرًا في المجلس لا يقوم ويقعد كل لحظة، لا يذهب ويجىء كلَّ لحظة لا يقوم ويقعد هنا وهناك يغيّر الأماكن، بل يقعد حيث انتهى به المجلس إذا دخلَ إلى مجلس العلمِ لا يُلقي السلام، لأجلِ ألا يشوِّش، المدرِّسُ يدرِّس الخطيبُ يتكلّم، المحاضرُ يتكلّم، تدخل وتجلس حيثُ انتهى بك المجلس مِنْ غيرِ أنْ تسلّم أو أنْ تتكلّمَ مع الناس، ثم تبقى في مكانِكِ الذي جلَسْتَ فيه ولا تتحرك ولا تُكثر منَ التلَفُّت، ولا تقوم وتقعد بغيرِ حاجة، تبقى في مكانِكَ مُنْتَبِهًا مُنْصِتًا مُقْبِلًا إلى أنْ يُنْهِيَ المُدَرِّس، هذا يكون مساعدًا لك على الفهم ومساعدًا لك على الاستيعابِ ويكونَ مساعدًا لك على حفظِ المعلومات. أما لو كنتَ في المجلس كما يقولُ بعضُ الناسِ لا يبقى في موضعٍ واحد أو لا يقعد في مكان ويستقرّ فيه بل يتنقل كل لحظة ويقوم ويقعد كلّ لحظة ويكلّم هذا ويتصل بذاك، هذا ما الذي سيفهَمُهُ منَ الدرس؟ أليس الرسولُ صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي عنه أنه قال [نضَّرَ اللهُ امرءًا سمِعَ مقالتي فوَعاها فأدّاها كما سمِعَها] هذه قواعد في آدابِ العلم وتحصيلِهِ وسماعِه وفهمِهِ ونقلِهِ وتبليغِه، مَن كان كذلك له بشرى. [نضّرَ اللهُ امرءًا] الرسولُ عليه الصلاة والسلام يدعو له بنضَارةِ الوجه يعني أنْ يكونَ مُشرقَ الوجهِ مُنَوَّرَ الوجهِ فرحًا مسرورًا في ظلِّ العرشِ يومَ القيامة، انظروا ما أجملَ وما أعظمَ وما أحلى وما أطيبَ وما أكبرَ هذه البشرى، فلماذا نُضَيِّع هذه الفوائد بالتشويش وتضييعِ صفاتِ طالبِ العلمِ. لذلك خطرٌ عظيمٌ أنْ يحضُرَ الإنسان في مجلس العلمِ بجسدِهِ وقلبُه غائب يُشَوِّش على نفسِهِ وعلى غيرِهِ، خطرٌ عظيمٌ وكبير قد يتسبّب منْ ذلك أنْ ينقُلَ ما لمْ يقُلْهُ المُدَرّس أو أنْ يقولَ الشيخُ مثلًا “كفى” بسببِ تشويشِه على نفسِهِ وعلى غيرِه هو قدْ يسمع أنّ الشيخ قال “كفر” الشيخ ما قال كفر قال كفى، انظروا الفرق. هذا سبب التشويش وعدم الانضباط وعدم الانتباه وعدم إقبال المستمِع بكلِّيّتِهِ إلى ما يقولُه المُدرِّس. إذًا خطرٌ كبيرٌ أنْ تحضُرَ بجسدِكَ وقلبُكُ غائبٌ، إياك!!!!!!! لأجلِ أنْ لا تُفوِّتَ على نفسِكَ الخير ولأجلِ أنْ لا تضُرَّ نفسَكَ ولأجلِ أنْ لا تضُرَّ غيرَك.
مرةً قال لنا الشيخ رحمه الله ” ينبغي أنْ يُعلَّمَ الصغار أنْ يقعدوا في مجلس العلم ويستمِعوا ولا يتحركوا إلا لفائدة، هذا الذي ينبغي في مجلس العلم).
وقال رضي الله عنه: كونوا واعين، مَنْ كان في مجلس علم فليَكنْ واعيًا مُقْبِلًا إلى هذا الدرس.
مَنْ أنِسَ بالجهلِ قدْ يفرُّ منَ العلم كما أنَّ الجُعَلَ يَفِرُّ منَ المسك ويألف القذر (من استأنسَ بالجهلِ وألِفَ الجهل واعتادَ الجهل وتربّى على الجَهلِ ونشأ على الجهل وصارَ الجهلُ له سِمة، هذا الإنسان إذا سَمِعَ العلم قدْ ينفِرُ منهُ وقد يهرُب وقد لا يستمع وقدْ يُشوِّش لأجلِ أنْ لا يسمع، صار بسببِ سوادِ القلب وقلةِ الفهمِ وقسوةِ القلبِ صارَ بعيدًا عنْ فَهمِ الحقّ، صار إذا صار الحق ينزعج يتكدّر ينفِر، كما ينفِرُ الجُعَل منْ رائحةِ المسك، أيُّ مثالٍ هذا ؟ الجُعل هذه الحشرة الصغيرة المعروفة في القرى والضيَع حول حُفَرِ الخلاء، يُقال لها الخُنفُساء، هذه الحشرة في الصيف تجمَعُ القذر بأنفِها تجرُّهُ تسوقُهُ تدفَعُهُ إلى وَكرِها لأجلِ أنْ تتقوَّتَهُ في الشتاء وصارت فيه ومعه وألِفَتْهُ، فإذا شمّت رائحةَ المسكِ أو الورد انزَعجَتْ، الجُعَلُ ينفِرُ منَ المسك، من الورد يهرب، وهكذا الجاهل ينفِرُ منَ العلم ويأنسُ بالجهلِ وهذا دليلُ عمى القلب. مَنْ وصلَ إلى حدّ أنه لا يريدُ أنْ يسمعَ العلم إذا قيل له قال اللهُ تعالى قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال الشافعي قال البيهقي قال الأوزاعي قال الليثُ بنُ سعد، يقولُ لك أنا رأيي كذا لا يريدُ منك أنْ تتكلم بل وينزعج وربما لا يستمع وربما هرب وربما أسْكَتَك، هذا فليَبْك على نفسِه إنْ لمْ يتدارَكْه فضلٌ منَ الله ويرجِع إلى الحالِ الحسن منَ التوبة والرغبة في العلم وتحصليه والإقبال إليه هذا أمرُهُ خطير يُخشى عليه مِنْ سوءِ الخاتمة لأنَّ هذه الحالة التي وصل إليها وهذه العلامة التي صار فيها دليل على عمى القلب وسوادِه).
وقال رضي الله عنه: تعلُّمُ علمِ الدينِ هو أفضلُ الأعمالِ ثم العلمُ الذي ينفعُ في الآخرة علمُ أهلِ السنّة. أهلُ السنّةِ هم الناس الذين وافقوا ما كان عليه الصحابة عقيدتُهم مُوافقةٌ لعقيدةِ الصحابة. الذي لم يتعلم عليه مُؤاخَذَتان مُؤاخَذةٌ لِعدمِ تعلُّمِهِ يُعاقَب، ويُعاقَب لعدمِ توفيقِ عملِهِ على الشريعة
(انظروا هذه العبارة، عبارة رائعة، قال: ثم العلمُ الذي ينفع في الآخرة علمُ أهلِ السنّة، لأنّه هو العلمُ المَبنيّ على الكتابِ والسنّةِ والإجماع المُؤيّد بالأدلة. أما الفئات والفرَق والجماعات الذين هم مِنْ أهلِ الأهواء، منْ أهلِ الآراء الكاسدة الفاسدة العقائد المُسْتَحْدَثة الجديدة، المُؤلَّفة المُبتَكَرة منذُ مثلًا سبعمائة سنة، منذ ثلاثمائة سنة، منذ مائة سنة. فهذه العقائد والأفكار المُبتكرة والمسْتحدَثة والمُبتَدَعة المَبْنية على آراء فاسدة وعقائد كاسدة هذه طريقُ الهلاك، طريق خرق الإجماع، طريق النار، طريق الويلات. أما مَنْ أرادَ السعادةَ الأخروية والسلامة في دينِه ودُنياه فعليه بعلمِ أهلِ السنة، علمُ أهلِ السنة مفتاحُ الجنة، علمُ أهلِ السنة طريقُ النجاة، دليلُ الفلاح، دليلُ الفوز، دليلُ النجاة والأمن والأمان. ثم قال رحمه الله: أهل السنّةِ هم الناس. ما معنى هم الناس؟ الذين هم على حقّ والذين يؤخَذ منهم العلم، أما أهلُ الأهواءِ والفِتَن والعقائد المُستحَدثة والآراء الكفرية والعقائد الضالة فهؤلاء لا يُعتبَروا ولا تُعتبَرُ أفكارُهم. أليس وردَ في الحديثِ قال صلى الله عليه وسلم [ستفْتَرِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلُّهم في النار إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي] وفي بعضِ الروايات [وهي السوادُ الأعظم، وبعض الروايات [الجمهور] يعني جمهور الأمةِ المحمدية. فهؤلاء هم الفئةُ الناجية كما بيّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث وإنْ طعَنَ فيه بعضُ المُغَفَّلين فلا عبرةَ به ولا بقولِهِ ولا برأيِه ولا يُعتمَدُ على كلامِهِ في الحديث لأنّ هذا الحديث منَ الأحاديثِ المشهورة، الحديث المشهور ما رواه منَ الصحابة ثلاثة فما فوق، هذا الحديث الذي أوردتُهُ الآن رواه أبو داود في سننِه [ستفترِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلُّهم في النارِ إلا واحدة وهي الجماعة] أو [ما أنا عليه وأصحابي] حديث مشهور يعني رواه منَ الصحابة عشَرة، إذا كان الحديث المشهور ما رواه ثلاثة فكيف بما رواه عشَرة منَ الصحابة؟ ثم هؤلاء الذين طعنوا في هذا الحديث ليَدْفَعوا عنْ جماعاتِهم الضالة الشاذة، لأجلِ أنْ يُحامُوا عن فِرقِهم وجماعاتِهم الشاذة لأنّ هذا الحديث يفضحُهم، دليلٌ واضحٌ صريحٌ يفهَمُهُ كلّ عاقل أنَّ الحقَّ في جانبِ أهل السنةِ والجماعة.
إذًا انظروا إلى هذه العبارة: أهلُ السنةِ هم الناس يعني ما خالفَ عقيدة القرآن وعقيدة الرسول والإجماع فلا يؤخَذ بقولِ مَنْ قالَهُ كائنًا مَنْ كان ولا يُعْبَأُ به ولا يُقامُ له وزنًا. العبرة بما ثبتَ في الدين في مصادر التشريع الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم على ذكرهذه العبارة الحلوة الجميلة جدًّا “أهلُ السنةِ هم الناس” له عبارة أيضًا حلوة جدًّا واحفظوها، يقول” في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ لا يكون إلا سنّي”
هذا الذي يكونُ في ظلِّ العرش مِصداقًا لحديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم [ كلُّهم في النارِ إلا واحدة وهي ما أنا عليه وأصحابي ].
ثبّتني اللهُ وإياكم على عقيدةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والحمد لله رب العالمين