مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (17)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد رسول الله وعلى آل بيتِه ومَنْ والاه
يقول جامعُ هذا الكتاب المبارك بإذن الله تبارك وتعالى فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم حفظه الله تعالى
قال الإمام الهرري رضي الله عنه: الذي لا يُنسِّقُ مع إخوانِه طرُقَ الدعوةِ إلى الله هذا غشَّ نفسَه وغشَّ غيرَه فإياكم والتنافر وإيثار المال على الآخرة، فأخلِصوا نيّاتِكم وآثِروا الآخرةَ على الدنيا حتى تحققوا هذا الأمرَ على الوجه التام.
(هذا من جملةِ الوصايا ومنْ جملة الإرشادات التي ينبغي على الدعاة وعلى طلبةِ العلمِ أنْ يُنسِّقوها فيما بينَهم لغرضٍ حسَن وهو تقويةُ العمل وتنظيم عمل الدعوة ليَقوى أكثر فأكثر، لأنّ الإنسانَ إذا خالفَ إخوانَه لأجلِ الانتصار لرأيِه هذا يسببُ ضعفًا في عمل الدعوة.
الإنسان منا قد يرى رأيًا وإخوانُه رأوا غيرَ هذا الرأي فلْيُطاوِعْ إخوانَهُ ما لم يكن في معصية، يقول رأيُهم أحسن منْ رأيي، إلا إنْ تحققَ له أنه في معصية عند ذلك لا يُطاوع لأنّه صلى الله عليه وسلم قال [إنما الطاعةُ في المعروف] يعني الإنسان لا يطيعُ إنسانًا آخر في محرّم في معصية في ذنب في باطل في مُنكَر، إنما يُطيعُه في طاعةِ اللهِ تعالى.
فأنت عندما تُخالف هواك وتكسر نفسَكَ لتكونَ ليِّنًا في يدِ إخوانِكَ في عملِ الدعوة في خدمة الدعوة في تنسيقِ أمور الدعوة لتنظيمِ عمل الدعوة وتقويتِه وتنشيطِه هذا يحبُّه الله لأنّ هذا من التواضع، والتواضع يذلّل الصعاب ويُقرّب البعيد.
والإنسان عندما يتواضع يترك رأيَه ويترك الانتصارَ لرأيِه ويعمل برأي إخوانِه لخدمةِ الدين يُطاوعُهم يكونُ هيّنًا ليّنًا سهلًا معهم في الخير هذا كسرَ نفسَه، فهذا الذي تواضع وكسرَ نفسَه في الحقيقة والوقع هو الذي يستفيد وينتفع.
بعض الناس يتشبّثونَ بآرائِهم وينتصرونَ لشهوةِ نفوسِهم فيقول إنْ كان رأيي لا يمشي فأنا أترك وأمشي، هذا يريد الدنيا لأنّ الصحابة فيما بينَهم كانوا متَطاوعين ما كان الواحد منهم يقاتِل لأجلِ رأيِه بل يقاتل ويدافع منْ أجل الدين والإسلام.
لذلك قال سيّدنا … أنا لا أقاتلُ من أجل عمر لكن أقاتل من أجل ربِّ عمر.
إذًا العاقل هو الذي يعمل بما يرضي الله ولو على أنْ يخالفَ رأيَه، يعني لا ينتصر لرأيِه إنما ينتصر للحق. أنا ما هو مرادي أنت ما هو مرادُك؟ أنْ تقوى الدعوة أنْ يقوى العلم أنْ يقوى الإسلام وينتشر، إذًا نتواضع فيما بينَنا كلُّ واحد منا ينكسر يتواضع لإخوانِه يُخالفُ هواه وهكذا يقوى العمل وينتظم ويكبُر ويتوسّع، أما إذا قاتلَ كلٌّ منا لأجلِ رأيِه فهذا والعياذُ بالله تعالى مؤَدّاهُ الخراب والدمار والفساد وضعف عمل الدعوة وضعف أهل الحق، وفي المقابل يقوَى أهلُ الباطلِ والضلال وهذا يُفرِحُهم أْنْ يضعُفَ أهل الحق ليَقْوَوْا هم وينشروا الضلال والفساد والعياذ بالله تعالى)
وقال رضي الله عنه: وردَ في بعضِ الكتبِ المنزّلة على العاقلِ أنْ يكونَ بصيرًا بزمانِه مُقبِلًا على شأنِه.
مطلوبٌ من المؤمن أنْ يعرفَ ما يصدرُ بالوقت حتى إذا علمَ بمنكر يحاولُ أنْ يُزيلَه وإنْ عرفَ بمعروفٍ يُبادر إلى أشاعتِه إظهارِه، هذا المعروف.
(هنا مُقبِلًا على شأنِه فيه الحثُّ والحضُّ على إصلاحِ أنفسِنا، يعني الإنسان منا ينبغي أنْ يعتنيَ بإصلاحِ نفسِه فينظر في عوراتِهِ يبدأ بإصلاحِها بزَلّاتِهِ بعيوبِه بذنوبِهِ بقبائِحه فيبدأ بمُداواةِ نفسِهِ وإصلاحِها ثم هذا ليس معناه أنْ لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا، إنما شأنُ المؤمن الكامل وحالُهُ أنه يشتغل بإصلاحِ نفسِه ويعمل على أنْ يتقي اللهَ تعالى وأنْ يضبِطَ نفسَهُ على حسبِ الشرعِ الشريف ويعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما إذا تركَ هذا وهو على نهجٍ فاسد نفسُهُ مريضة سقيمة لا يعمل على إصلاحِها ويريد أنْ ينظرَ إلى نفسِهِ بعينِ التعظيم والإجلال والكمال والتوقير والاحترام كيف يصل إلى المعالي؟
إذا كان في نفسِهِ زلَل خطأ عيب عوَر كيف يصلِحُهُ إنْ كان لا يعترف بهذا العوَر؟
أنا عندما أمرض أقول للطبيب أشكو من كذا وكذا وكذا وإلا إنْ كنتُ لستُ مُقتنِعًا أني مريض كيف سأعترف للطبيب بأني مريض؟ كيف سأعترف بالمرض ثم أستعمل الدواء؟ وهكذا الذي عنده زلّات وعيوب إنْ كان لا يرى نفسَه أنه يحتاجُ إلى إصلاحِها لا يرى نفسَه أنه يحتاج إلى معالجةِ نفسِه منْ هذه الزلّات والعيوب هذا كيف يترقّى؟ بل هذا يبقى في الحضيض ويتراجع أكثر لأنه يرى نفسَه كاملًا ويظنّ أنه لا يحتاج إلى إصلاحِ نفسِه وهذا خطرٌ عظيم ومفسَدة.
لذلك يا إخواني ويا أخواتي لا بد لكلّ واحدٍ منا أنْ يعترف بأنه مقصّر عندي زلّات عندي عيوب أخطاء ذنوب أحتاج لإصلاحِ نفسي وإلا كيف أترقّى وأعلو في المقامات؟ من هنا ينبغي على العاقل أنْ يكونَ مُقبِلًا على شأنِهِ.
يبدأ بإصلاحِ نفسِه يخرج من العيوب والزلل والعورات والذنوب التي هو فيها، يتوب إلى الله يُصلِح يتعلم يتمكن يلتزم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أما المُدّعي الفارغ الذي يظنّ في نفسِه القطبية والغوثية وهو فاسق يظنُّ في نفسِه أنه علّامةُ الزمان وهو لو عُرِضَتْ عليه مسئلة في الاستنجاء بتفاصيلِها لا يعرف، هذا كيف يتعلم وكيف يسعى إلى الكمالات وكيف يعمل على الخروجِ من الذنوب، كيف يعمل على إصلاحِ نفسِه وعلى أنْ يطهِّرَ نفسَهُ منَ الزلّاتِ والعورات؟
إذًا علينا أنْ نعترف وكلُّنا في قرارةِ نفسِه يعرف أنه ضعيف وأنه يُخطىء ويُذنب وأنه مقصِّر، كلّ واحد منا يعرف ذلك من نفسِهِ لذلك علينا أنْ نتوبَ إلى اللهِ تعالى من الذنوبِ التي وقعْنا فيها وأنْ نعملَ على إصلاحِ أنفسِنا ونبدأ بإصلاحِ العورات التي عندنا لا ننساها ونرى الغبار الصغير التي في عيون الناس، هذا لا يليق ولا ينبغي، بل نُصلح أنفسَنا وننصح إنْ كانت نصيحة، أما أنْ لا نرى العيوب التي فينا ونفتّش على عيوبِ الآخَرين فهذا ليس منْ خصالِ الكاملين.
لذلك ورد في هذا المعنى يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجِذعَ في عينِه، القذاة الذرة الصغيرة يراها في عين إخوانِه وأصدقائهِ وكما يقول البعض يفتش بالمنظار عنْ عوراتِهم وزلاتِهم وهو كلُّه عورات لا يرى هذه العورات في نفسِه، ولا يرى الجذعَ في عينِ نفسِه مع أنّ الجذع مؤلم في العين، وليس الجذع فقط ربما الغابة أحيانًا في أعينِنا لا نراها ونبحث ونفتش بالمكبر عن زلاتِ إخوانِنا والناس وهذا لا يليق، لذلك نبدأ بإصلاحِ أنفسِنا وعيوبِنا وننصح غيرَنا.
أما أنْ نتركَ نصيحة الغير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجةِ إصلاح النفس فهذا أيضًا غرورٌ وتركٌ للحُكمِ الشرعي، إنما نشتغل على هذا وعلى هذا.
وقال رضي الله عنه: الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيهَ ما يحبُّ لنفسِه من الخير]
وقال [مَنْ أحبَّ أنْ يُزَحزَحَ عن النار ويُدخَلَ الجنة فلْتأتِهِ منِيَّتُهُ وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِر وليأتِ إلى الناس ما يحبُّ أنْ يُؤتَى إليه] فعلينا أنْ نبذُلَ جهدَنا في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر، أعظمُ المُنكرات الكفر ونحنُ قائمونَ بالنهيِ عن الكفرِ في هذا الزمن الذي الناس تعوّدوا فيه المُداهَنة.
وقال رضي الله عنه: الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر لا يُقَدِّمُ أجلًا ولا يؤَخِّرُ رزقًا.
وقال رضي الله عنه: الذي لا يأمرُ بالمعروف ولا ينهى عن المنكر شيطانٌ أخرس لو كان هو في حدِّ ذاتِه عالِمًا فهو شيطانٌ أخرس.
(هنا في ما ورد في هذه العبارة [لا يؤمن] أي الإيمان الكامل يعني الإنسان الذي يترك القيام بالواجب كإنكار المنكرات ونشر الفرائض ونشر التوحيد ونشر الدين والعقيدة وتعليم الناس ضروريات العقائد والأحكام، ليس فقط العقائد بل وضروريات الأحكام لأنّ الناس بحاجة لمعرفةِ الضروريات منْ أحكامِ الوضوء من أحكام الغسل من أحكام الصلاة، الضروريات من أحكام الصيام وهكذا، فالذي لا يقوم بهذا الواجب هذا لا يكون خارجًا من الإسلام هنا [لا يؤمن] ليس معناه كافر خارج من الدين والإسلام لا، معناه لا يؤمنُ الإيمان الكامل يعني لا يكونُ تقيًّا لأنهُ تركَ واجبًا قصّرَ في الفرائض فلا يكونُ تقيًّا.
حالُ المؤمنِ الكامل أنه يؤدي الواجبات، وتعليم الناس الضروريات من الأحكام والعقائد هذا من أهم الواجبات والمهمات ومنْ أعلى الأمور والفرائض، لذلك مَنْ ضيَّعَها لا يكونُ تقيًّا لا يكونُ ءامنَ الإيمانَ الكامل إنما هو مؤمنٌ ناقص، مسلمٌ عاص).
وقال رضي الله عنه: ورد في الحديث [ألا لا يمنَعَنَّ أحدكم مخافةُ الناسِ أنْ يقولَ بالحقِّ إذا رءاه] رواه ابنُ حبان في صحيحه.
(هذا الحديث تأكيدٌ على مسئلةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني إذا رأيتَ منكَرًا هذا الأمر لا ينبغي أنْ تضيِّعَهُ وأنْ تسكت لأنك خفتَ من الناس إنما هنا مسئلة مهمة وهي أنك إنْ سكتتَ لمجردِ توهُّمِ الخوف ليس تحقق الضرر، هناك فرقٌ بين تحقق الضرر وتوهّم الخوف هنا يؤدّي إلى تضييعِ الفرض، وكم وكم من المشايخ والدعاةِ اليوم بسبب وهم الخوف من الناس والخوف من المدير ومن المسؤول ومن القيّم على هذه المؤسسة التي يعمل فيها أو مدير أو ناظر هذه المدرسة، فيُراعي خواطر هؤلاء على حساب الشريعة فيسكت على انتشار المنكرات ولا يُنكر، هذا لا عذرَ له، لأننا قلنا التوهّم ليس الضرر الفعلي الحقيقي، فكل واحد منا إذا أرادَ أنْ يقول قد يلحقني ضرر قد يحصل أذى فنسكت كلنا تصير مفسَدة عظيمة كبيرة، لذلك لا بدّ من إنكار المنكرات لكنْ بالحكمة والموعظة الحسنة ومن غيرِ حصولِ مفسَدةٍ أو منكر أعظم لأنكم تعرفون أنّ إنكارَ المنكر إنْ كان يؤدّي إلى منكرٍ أعظم عند ذلك تسكتون لأنكم تحقّقْتم منْ حصولِ الضرر الأكبر الأعظم ففي هذه الحال تسكت.
مثلًا رأيتَ إنسانًا يشرب الخمر أنت تعرف هذا ظالم قاتل مجرم هذا فاجر سافل منحط إنْ جئتَ إليه فقلتَ له يا أخي أنا أحب لك الخير أخاف عليك لا تشرب الخمر سيرفع المسدس ويقتلك، تعرف ذلك في هذه الحال مثلًا، هنا لأنك تعرف أنّ إنكارَ المنكر الذي هو شرب الخمر سيؤدي إلى منكرٍ أعظم وهو القتل ففي مثلِ هذه الحال تسكت.
مثال آخَر رأيتَ إنسانًا في الطريق يضربُ إنسانًا ظلمًا وعدوانًا يتسلط عليه يسبُّه يضربُه يدوس عليه برجلِه يضربُه في وجهِه، لكنك تعرف إنْ جئتَ وكلّمْتَهُ نصحْتَهُ نهَيْتَهُ حذّرْتَهُ خوّفْتَهُ من الله سيقع في الكفر سيسبّ الله أو النبي أو الإسلام أو القرآن، أنت تعرفُه وتعرف ما له منْ عادةٍ قبيحة خبيثة خسيسة، في مثلِ هذه الحال أيضًا لا تتكلم بل تسكت لأنّك تعرف أنّ إنكارَك للمنكر سيؤدّي إلى منكرٍ أعظم وهو مسبّةُ الله، حاشى.
فإذًا هذا الذي تحققَ تأكد هنا يسكت، أما لمجردِ الوهم لمجرد الظن من غير دلائل من غير قرائن من غير غلبةِ ظن مع المعرفة بالحال والواقع ليس للمشايخ والدعاة والأساتذة والأئمة والخطباء أنْ يسكتوا وليس للعامة لأنّ إنكار المنكر ليس متوقِّفًا على المشايخ. اليوم بعض المشايخ صارت المشيخة عندهم وظيفة، ليست المشيخة عندهم على معنى القيام بهذه المهام العظيمة بل وظيفة وراتب آخر الشهر للأسف، هذا من المعيب المخزي المُحزن أنْ ترى أُناسًا باسم المشيخة يتسترونَ بالمشيخة همُّهم الدنيا يسكتون عن المنكرات يضيِّعونَ الواجبات لا يعلّمون الناس ما يجبُ عليهم وهؤلاء ليسوا قدوة ولا عبرة، فإذا سكت هذا الشيخ المُتخاذل أنت أيها العامي وأنا معك نُنكرُ المنكر لكنْ بحكمة كما مرّ معنا في القواعد.
أُعيدُ وأذكرُكم، القاعدة التي نسلُكها ونمشي عليها عندَ إنكارِ المنكرات، اسمعوها واحفظوها، عليكم أنْ تسلكوا طريقَ المعروف عند النهي عن المنكر، انظروا إلى هذا الكلام إلى هذه القواعد الرائعة العظيمة الجميلة المفيدة السليمة المُنجِية، ليس كذاكَ الخسيس الكافر الذي جاء إلى البيت رأى زوجته تنظف أمام باب البيت لكنها كشفَتْ عنْ قدمِها، يعني ما تحتاج لكشفِه للدوْسِ على الماء عند التنظيف، سبَّ لها دينَها والعياذ بالله ثم قال لها فضَحتينا، انظروا ماذا فعل بدلَ أنْ يقولَ لها استري قدمَكِ ولا تخرجي كاشفةً للقدمِ أمام الدار أنا لا آذَن لا أرضى أنتِ عليكِ أنْ تستري، هكذا باللطف باللين بالحكمة ينصحُها لم يفعل هذا بل شتم لها دينَها الإسلام، هذا أهلكَ نفسَهُ صار صار سابًّا شاتِمًا لدينِ الإسلام.
إذًا كيف ننكر المنكر؟ بالحكمة بالموعظة الحسنة بالتي هي أحسن بما ترجو أنْ يُقبَل ويُسمَع منك وتحصل الثمرة الفائدة.
مرة في شارع من شوارع بيروت كان شيخُنا رحمه الله مارًّا في الطريق وكان في الطريق إشكال بين بعض الناس، واحد والعياذ بالله سبّ الله، انظروا إلى الحكمة ما مقصودُه ومرادُه ؟ أنْ يُرجِعَ الذي كفرَ إلى الإسلام، مرادُه النصيحة، فلم يدخلْ في الإشكال ولم يحوِّل المشكل إليه هو إنما انتظر مع جانب الطريق قريب الثلاثة أرباع الساعة، إلى أنْ حُلَّ الإشكال وانتهى وهدأت النفوس قطع الطريق وجاء إلى هذا الإنسان الذي سبّ الله، والشيخ تعرفون بحكمة الرجل الكبير والعالِم الرحيم المُشفق على الناس يكلِّمُهُ برحمة بهدوء بشفقة بلين، ذاك الرجل فورًا قبِلَ منه وتشهّد.
تخيّلوا معي المشهد لو دخل في الإشكال وهذا الرجل كان كالبركان المتفجر وكان في ثورتِه في الغضب، لو دخل الشيخ وقال له هذا كفر تشهّد، ربّما والعياذ بالله والله أعلم كان زاد في الكفر وربما كان تطاولَ على الشيخ، لكنْ انظروا إلى الحكمة والصبر ما هو مقصودُنا؟ النصيحة، إذًا تؤدي النصيحة في موضعِها في محلِّها حيثُ ترجو أنْ يُسمَعَ لك حيثُ ترجو أنْ يُقبَلَ منك، هكذا ينبغي وإلا الذي يُضيِّع هذه المسائل يكون من الهالكين يكون ممسوخ القلب، هذا الرجل سبَّ لها دينَها ليقولَ لها غطي قدمَكِ والعياذ بالله من الكفر.
إذًا عليكم أنْ تسلكوا طريقَ المعروف عند النهيِ عن المنكر هكذا مع زوجتِكَ وهكذا مع أبويك ومع جيرانِك ومع الناس في الشارع مع البعيد والقريب ومع الكبير والصغير بالتي هي أحسن.
قال عليه الصلاة والسلام [إنّ اللهَ يعطي على الرفقِ ما لا يعطي على العنف] لذلك لا تتركوا إنكارَ المنكرات لكنْ بالحسنى)
قال: رواه ابنُ حبانَ في صحيحِه من حديث أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه، فلا ينبغي للإنسان أنْ يسكتَ عن الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر مخافةَ الناس فالرزقُ مكتوبٌ والأجلُ مكتوب، إنما يسكتُ في حالةٍ واحدة وهي أنه إذا تكلمَ يزيدُ ذلك المنكر أما في غير هذه الحال فلا يسكت، شرطُ وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر أْنْ يكونَ يرجو القَبول، أما إنْ كان لا يرجو القبولَ فسكَت ما عليه إثم، مَنْ أمرَ بالمعروف فليأمرْ بالمعروف ومَنْ نهى عن المنكر فلْيَنْهَ بالمعروف لأنّ بعضَ الناس إذا كُلِّموا بالنهيِ عن المنكر يزيدونَ شرًّا.
وقال رضي الله عنه: وقد وردَ في الحديث الصحيح أنّ الذي يتمسكُ بالدين في زمانٍ يغلبُ فيه على الناس حبُّ الدنيا والاستبدادُ بالرأي وإعجابُ الشخصِ برأيِه واتّباعُ الهوى له أجرٌ عظيم. مَن ْتمسّكَ بالسنة أي الطريقةِ التي عليها الصحابة، الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابِه [أولئك لهم أجرُ خمسينَ منكم] لأنّ الصحابةَ رضوانُ اللهِ عليهم كانوا فيما بينَهم مُتَعاضِدين مُتباذلين مُتحابينَ كما أمرَ اللهُ تعالى مُتعاونينَ على الخير لا يلاقونَ فيما بينَهم ما نُقاسِيه اليوم. الآن أكثرُ الناسِ صاروا على خلافِ ذلك آثروا الدنيا على الآخرة من أجلِ مالٍ قليلٍ يكفرون منْ شدةِ تعلّق قلوبِهم بالدنيا وإعراضِهم عن الآخرة ابتعدوا عنْ سنةِ الصحابة إلى حدٍّ بعيد. لذلك في هذا الزمن المُتمسكُ بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابةُ رضوانُ الله عليهم له أجرُ خمسينَ من الصحابةِ في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر.
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [فإنّ مِنْ ورائكم أيامَ الصبر للمتمسكِ فيها بمثلِ الذي أنتم عليه أجرُ خمسين، قيل يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: بل منكم] هذا بالنسبة لثواب الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر والثباتِ على الحق، أما بالنسبة للأفضلية فكبارُ الصحابةِ أفضلُ هذه الأمة لا يأتي بمن هو أفضلُ منهم عند الله.
نحن الآنَ نعاني الكثير من المنحرفينَ عن عقيدةِ أهلِ السنة.
وقال رضي الله عنه: روى مسلمٌ من حديث تميمٍ بنِ أوسٍ الداري أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال [الدينُ النصيحة قلنا لِمَن؟ قال لله ولكتابهِ ولرسولِهِ ولأئمة المسلمين وعامَّتهم] معناه الدينُ يأمرُ بالنصيحة أي إخلاص الحق، أما النصيحةُ لله أي بالإيمانِ به وبصفاتِه، أما النصيحةُ للقرءان فهو تعظيمُهُ واعتقادُه، أما النصيحةُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم فهو باتّباعِه، والنصيحة أي إخلاص الحقِّ لعمومِ المسلمين فهو بإرشادِ جاهلِهم ومُعاونةِ عالِمهِم واتّباعِهم هذه هي النصيحة. ليس معنى النصيحةِ هنا كلامُ الشخصِ للشخصِ بما هو حقٌّ فقط
(هذا الحديث الدين النصيحة هو منْ أعظم الوصايا والنصائح والتوجيهات النبوية لأنّ النصيحة هي حيازةُ الخيرِ للمنصوح، فهذا ينبغي أنْ يكونَ بين المسلمين في أمورِهم إنْ كان في أمورِ الدنيا أو في أمور الدين لأنّ الغش أو مساعدة الغشاش على غشِّه أو السكوت على الغش هذا من الخيانة، فلذلك كان منْ إخلاص العمل لله ومنَ الصدقِ في العمل لله أنْ تكونَ ناصحًا لإخوانِك المؤمنين. لذلك يا إخواني هذا الحديث ليَكن من جملةِ القواعد التي تعملونَ بها وعليها [الدينُ النصيحة] عندما ترى إنسانًا يغش الناس في البيع والشراء كيف تسكت وأنت قادر على النصيحة قادر على الإنكار قادر على البيان؟ أليس الرسولُ صلى الله عليه وسلم جاء إلى بائع الطعام وهذا الطعام فُسِّر بالبُرّ بالحنطة بالقمح، قال وقد وضعَ يدَهُ فيه فوجَده مُبتلًّا من أسفل، قال [ما هذا يا بائعَ الطعام؟ قال أصابتْه السماء يا رسولَ الله – يعني المطر – قال عليه الصلاة والسلام: ألا جعلتَه فوق ليَراه المُشتري مَنْ غشَّنا فليس منا]
من غشّنا فليس منا يعني ليس منْ أتقيائِنا لأنّ هذا الغش يؤدّي إلى الضرر بهذا المسلم هو لا يرضى ويتأذّى كيف أنتَ تعطيه هذه البضاعة الفاسدة مثلًا ثم تأخذ منه مالَه على أنها بضاعة جيدة وهو لا يرضى بذلك، إذًا هذا ليس من عملِ الكاملين، فسكوتُكَ عنْ هذا الغش وقد علمتَ به عرفتَ به هذه خيانةٌ منك لأنك قادر على النصيحة وعلى الإنكار والبيان وسكتَ مساعدًا على الغش مُروِّجًا له، هذا أيضًا يحصل أحيانًا في المصانع والمؤسسات، يأتي الزبون يريد أنْ يشتري هذه البضاعة بصفات معيّنة بأوصافٍ محدّدة، هذا التاجر يغشُّه يُعطيه بضاعة فاسدة ثم يغيّر أحيانًا الأسماء والعناوين والتواريخ ويعطيه بدل الجلد الأصلي مثلًا حذاء من كرتون، هذا الزبون يريده من جلد أصلي، منَ يعرف الحقيقة؟ الموظف الصانع العامل لكن يسكت يقول إنْ تكلّمتُ أُطرَد من العمل، إذًا أيها الموظف أيها العامل أنت خائن لأنك سكتَ على غشّ صاحب العمل لهذا الزبون الذي جاء ليشتري بضاعةً بالصفة الفلانية وأعطاه الكرتون بدل الجلد مثلًا، وأنت تعرف كنتَ تستطيع أنْ تقول لهذا الزبون هذه البضاعة مغشوشة ماذا يصير؟ الرزاقُ هو الله.
وبعض الحمقى والمغفلين يقولون كيف أتكلم كيف أقول للزبائن قطعُ الأرزاق من قطع الأعناق، يحتجونَ بهذه العبارة لجهلِهم لسخافتِهم لأجلِ أنْ لا يُنكروا ولا يبيِّنوا ولا ينصحوا ولا يحذّروا من الغَش والغشاش، أين أنتم من حديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [حتى متى ترِعونَ عنْ ذكرِ الفاجر اذكروه بما فيه كي يحذرَه الناس مَنْ غشّنا فليس منا] فليس منا يعني ليس على طريقتِنا الكاملة، ليس من أتقيائِنا ليس على نهجِنا ليس على أخلاقِنا ليس على توجيهِنا ونصيحتِنا، هذا للذم.
ثم الرسولُ صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس رحمها الله قالت “يا رسولَ الله إنّ أبا جهمٍ ومعاوية خطباني، قال صلى الله عليه وسلم [أما أبو جهم فهو ضرّابٌ للنساء لا يضع العصا عن عاتقِه] ليس مرادُه أنّ العصا تبقى على عاتقِه في الليل والنهار عند الغسل وقضاء الحاجة وفي الخلاء وفي النوم وعند الطعام لا، إنما يضربُ النساء كثيرًا، هذا معنى لا يضع العصا عن عاتقِه، يعني يضرب النساء لغير سبب، وهذا لا يليق ولا ينبغي بل هذه تُعتبَر من العورات التي تُنصَح المرأة، وهي جاءت تطلب النصيحة في هذا الخاطب هنا الرسول بيّن لها قال لها [أما أبو جهم فهو ضرّابٌ للنساء لا يضع العصا عن عاتقِه وأما معاوية فهو صعلوكٌ لا مالَ له] معنى صعلوك لا يريد الرسول التحقير والذم لشخصِه إنما يريد بالصعلوك أي لا مالَ له، يعني لا يستطيع أنْ يؤمّنَ لزوجتِه ما يلزمُه من النفقة الواجبة لأن الكلام عن النفقة الواجبة وليس عن البُحبوحة، وهذا في وقتٍ من الأوقات لأنّ معاوية بعد ذلك صار من الأغنياء لكنْ في ذلك الوقت لم يكن له مال، فالحاصل أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم نصحَها وحذّرَها وبيَّنَ لها وقال [انكِحي أسامة] أرشدَها إلى ثالث يعني أعرِضي عن هذا وعن هذا وتزوجي أسامة.
هذه أيضًا شهادة الرسول في أسامة رضي الله عنه، الرسول يشهد له بالصدق في المعاملة في حسن الخلق في الأمانة في المحافظةِ على الواجبات في حفظ الزوجة، أيُّ شهادةٍ من رسولِ الله بأسامة رضي الله عنه وصلى الله على رسولِ الله وسلم؟
فإذا كان في مثلِ هذا الأمر الرسول ما سكت حذّر وبيّن وقال لها هذا يضرب النساء وهذا ليس معه ينفق عليك تزوجي أسامة، كيف فيما هو أكبر من ذلك؟ كيف فيما هو أعظم من ذلك؟
إذًا هذا الامر لا ينبغي أنْ يُترك الدين النصيحة النصيحةُ من الدين، الدينُ أمرَ بالنصيحة، النصيحةُ شأنُها عظيمٌ في الدين والنصيحةُ هي حيازةُ الخيرِ للمنصوح وهذا من خصالِ الكاملين فلا تضيّعوا النصيحة فيما بينَكم فإذا فُقِدَت النصيحة بينكم هلَكتُم.
لذلك لا ينبغي أنْ تضيعَ النصيحة، كلنا ينبغي أنْ يقبل النصيحة وبفرح وبسرور، مَنْ منا هذا الذي يدّعي أنه كامل؟ نحنُ على المنبر الواحد منا قد يحصل معه خطأ إنْ كان سبق لسان أو غير سبق لسان، الولد الصغير عنده الجرأة أنْ يطلع إلى هذا الخطيب يصعد إليه يقول له المسئلة كذا وكذا لأنّ الأصلَ هو قَبول النصيحة، أما الذي لا يقبل النصيحة هذا مغرورٌ مُتَهتّك مُنتفخ يلعب به الشيطان، أليس إبليس وصل إلى ما وصل إليه بسبب التكبر وعدم الانصياع والانقياد لأمر الله؟ هذا هو، التكبر والانتفاخ والتعجرف أوصلَ إبليس إلى ما أوصلَه، أما التواضع والانكسار والرجوع إلى الحق وقبول النصيحة هذا يوصل إلى المعالي إلى المكارم.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام [مَنْ تواضعَ رفعَه الله حتى يكونَ في أعلى عليين ومَنْ تكبرَ وضعَه الله حتى يكونَ في أسفلِ السافلين]، انظروا الفرق.
إنّ التواضعَ منْ خصالِ المُتّقي وبه التقيُّ إلى المعالي يرتَقي
لذلك فلنُعلّم أنفسَنا التواضع ليس فينا مَنْ يتجرأ أنْ يدّعي أنه كاملٌ لا يقبل النصيحة وهو لا يخطىء، هذا يدل والعياذ بالله على انتفاخ وتعجرف ومرض في النفس، كلّنا يقرّ أنه عبدٌ ضعيف يُخطىء قد يقع في الزلل فإذا اعترف بخطئِه وزَلَلِه ورجَع أنقذ نفسَه، ليس فينا مَنْ يتجرأ أنْ يدّعي أنه كامل بل نعترف بالنقص الذي فينا كلنا فينا هذا النقص هذا الزلل هذه العيوب نحن من عامة الناس ونحتاج للنصيحة، الكبير والصغير الرجل والمرأة كل واحد منكم عندَه كامل الجرأة والشجاعة والقوة والإقدام لينصحَنا كبارًا وصغارًا، والذي يُحجِمُ عنْ النصيحة هو خسرَ الخير والذي يرفض النصيحة أهلكَ نفسَه)
وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: في مثلِ هذا الوقت الذي يتمسكُ بمذهب أهلِ السنة له أجرُ خمسين وللنهي عن المنكر لأنه في زمانِهم كانوا يتعاضدون لكنْ اليوم الذي يقول الحقَّ مضطهَدٌ بين أهلِه وجيرانِه ومعارفِه، أهلُ الرجلِ يحاربوه أبوه وأمُّه، كثيرٌ من جماعتِنا يلقَوْنَ من أهالِيهم معارضات يريدُ الواحدُ أنْ يُنقِذَهم من عذاب الله يُعرِضون، يريدُ أنْ يقولَ لهم إذا سمع منهم فالأبُ يتكبّرُ وكذلك الأخُ كأنّ بيانَ كفرِ سابِّ الله كأنه شىءٌ مُنكَرٌ عندهم فهذا الزمن هو الذي قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [القابضُ فيه على دينِه كقابضٍ على جمر] لكثرةِ مَنْ يُعارضُ مَنْ يقولُ الحق.
(هذا له أمثلةٌ كثيرةٌ وعديدةٌ بعض الشباب والشابات عندما يبدأونَ في طلب العلم الواحد يكون بين أهلِه فيسمع من أبيه أحيانًا مسبة للدين الإسلامي مسبة الصلاة أو مسبة القرآن ومنهم مَن يسبُّ الله حاشى، هذا الولد يخاف على أهلِه يأتي إليهم يقول له يا أبي هذا كفر لا تسبّ الله، يقول له أنتَ تعلّمني أنا جبتك على الدنيا على زعمِه أنت ابني أنت تنصحني وتعلّمني، وبعضُهم يقول شو فيها كنا زعلانين غضبانين كنا نلعب كنا نمزح، لا يرى أنّ مسبةَ الله كفر، انظروا إلى الفساد والجهل إلى قسوةِ القلب والانغماس في الكفر لا يرى أنّ مسبةَ اللهِ مُخرِجٌ من الدينِ والإسلام، وبعضُهم يقول ما كفرنا نحن قلناها ونحن زعلانين ما نويْنا ما قصدْنا، وهذا لا عذرَ له، وقد تكلَّمْنا فيما مضى ونقلْنا الإجماعَ أنّ هذا كفرٌ لا يُحتاج فيه إلى نية وقصد وذكرْنا الآية من سورة التوبة {ولئِنْ سئلتَهم ليَقولُنَّ إنما كنا نخوضُ ونلعب قل أباللهِ وءاياتِهِ ورسولِه كنتم تستهزءون* لا تعتذروا قد كفرتمْ بعدَ إيمانِكم}[التوبة/٦٥-٦٦] وقد نقل الإجماع على هذه القضية القرطبي في التفسير في سورة التوبة، كذلك تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية، هذه مسئلة إجماعية مَنْ سبَّ الله مَنْ سبّ الإسلام مَنْ سبَّ القرءان مَنْ سبَّ نبيًّا مَنْ سبَّ ملَكًا مَن سبّ شهر رمضان، مَنْ شبّهَ اللهَ بخلقِهِ مَن اعتقدَ أنّ اللهَ بذاتِهِ على العرش أو أنّ اللهَ بذاتِه في السماء أو أنّ اللهَ جسم أو جسد أو شكل أو حجم أو صورة هذا ليس من المسلمين لأنّ اللهَ تعالى قال {فلا تضربوا لله الأمثال}[النحل/٧٤] وقال {ليس كمثلِه شىء}[الشورى/١١]
والرسولُ عليه الصلاة والسلام يقول [لا فكرةَ في الرب] فلا تلتفتوا لهؤلاء الذين يروْنَ مسبّةَ اللهِ كأنها والعياذُ باللهِ من المُباحات ولا تلتفتوا لهؤلاء المشبهة الذي يُنزِلون في المواقع في الصفحات فيديوهات على زعمِهم أنَّ اللهَ في السماء وبذاتِه على العرش ويعملون تسجيلات كثيرة ليُشوِّشوا على عقائد الناس لا تنظروا إليهم، يكفي في الردِّ عليهم هذه الآية {ليس كمثله شىء}[الشورى/١١] فإذا قالوا بذاتِه في السماء أو بذاتِه على العرش قولوا لهم مِنْ أينَ جئتُم بكلمةِ بذاتِه على العرش، بذاتِه في السماء على زعمِكم؟ لا وجودَ لها في القرآن ولا في السنة الثابتة ولا في إجماع الأمة، بل الذي عليه الإجماع أنّ اللهَ لا مكانَ له.
وفي درس البارحة عرضْتُ لكم كتابًا الفرق بين الفِرق لأبي منصور البغدادي ينقل فيه الإجماع على تنزيه الله عن المكان، هذا الكتاب منذ ألف سنة، وهناك كتب أخرى لعلّنا نُريكم كتابًا بعد كتاب في هذا الدرس على أنّ الكتبَ في هذا عندنا كثيرةٌ جدًّا لكنْ إجماع واحد يكفي، مَنْ هداهُ اللهُ ووفّقَهُ منْ آيةٍ وواحدةٍ يفهم أما الذي أقفلَ اللهُ قلبَه ماذا نفعل له؟ مَنْ أقفلَ اللهُ قلبَه لو قرأتَ له القرآن في أُذُنِه فهو مُقفَل القلب.
سيّدُنا عمر رضي الله عنه قال “مَنْ يفتح القلب إلا الذي أغلقَه”
اللهُ يقول في القرآنِ {أمْ على قلوبٍ أقفالُها}[محمد/٢٤]
إذًا هؤلاء يروْنَ أنّ التشبيهَ والتجسيمَ من الإيمان وهؤلاء يروْنَ أنّ مسبةَ اللهِ ليست كفرًا، فأبناؤُهم ينصحونَهم يُكلِّمونَهم فلا يقبلون يعترضون يغضبَون يضربونَ أبناءهم يسبّونَهم أحيانًا ويطردونَهم من البيت وأحيانًا يتبرأونَ منهم لأنّ ابنَه نصحَهُ يخاف عليه، هذا موجود لذلك انتبهوا وكونوا ممّن ينصحونَ ويُبيِّنونَ الحق ولا يسكتونَ عنْ إنكار المنكرات لكنْ بالتي هي أحسن.
والحمد لله ربّ العالمين