الأربعاء ديسمبر 11, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (16)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسمِ محمدٍ طه الأمين

أما بعد، يقول جامعُ هذا الكتاب المبارك بإذن الله الشيخ عماد الدين جميل حليم الحسيني حفظه الله تبارك وتعالى (صحيفة 129)

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: لا ينبغي للإنسانِ أنْ يسكتَ عن الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر مخافةَ الناس فالرزقُ مكتوب والأجلُ مكتوب، إنما يسكتُ في حالةٍ واحدة وهي أنه إذا تكلّمَ يزيدُ ذلك المنكر أما في غير هذه الحال فلا يسكت. شرطُ وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر أنْ يكونَ يرجو القَبول أما إنْ كان لا يرجو القَبول فسكتَ ما عليه إثم، مَن أمرَ بالمعروف فلْيأمرْ بالمعروف ومَنْ نهى عن المنكر فلينْهَ بالمعروف لأنّ بعضَ الناس إذا كُلِّموا في النهي عن المنكر يزيدونَ شرًّا.

(هذه الوظيفة وهذا العمل الزكي المبارك هذا الفرض المؤكد الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عملِ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن عمل الأولياء والعلماء. وللأسف الكثير من الناس حتى من المشايخ تركوا هذا الأمر فتفشّت المنكرات وعم الفساد والجهل، صار المقياسُ عند بعض الأشخاص من المشايخ وغيرِهم أنه يقول أنا لا أريد أنْ ينزعجَ مني أحد أريد أنْ أبقى صديقًا للكل فيسكت عن إنكار المنكرات مُراعاةً لخواطر الناس، ونسُوا أنّ الواجبَ هو القيام بهذا الفرض وأنّ المسألة هي مراعاة جانب الشريعة وليست مُراعاة خواطر الناس على حساب الشريعة.

فالذي يُراعي خواطر الناس على جانب الشريعة فيُضيِّع الواجب فيكون والعياذ بالله شيطانًا أخرس يكونُ من الهالكين. ولو نظرْنا في سيَر الأنبياء والأولياء والصالحين لماذا قاموا بهذا العمل المبارك وبهذه الوظيفة الجليلة إنكار المنكرات؟ لأنهم عرَفوا أنّ اللهَ فرضَ عليهم ذلك فإذًا إرضاءً لربِّ العالمين، عمِلوا بما يرضي الله قاموا بالواجب ولو غضبَ منهم الأقرباء ولو انزعجَ منهم الأصدقاء ولو تخلّى عنهم الأفرِقاء، العبرةُ بما يُرضي اللهَ عزّ وجل.

لذلك هذا العمل عملٌ مبارك مَنْ ضيّعَه أهلكَ نفسَهُ وعرّضَها لغضبِ الله. يقولُ ربُّنا جل وعز في القرآنِ الكريم {كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناس تأمرونَ بالمعروف وتنهَوْنَ عن المنكر وتؤمنونَ بالله}[آل عمران١١٠]

الله مدح هذه الأمة بهذه الخصلة مع أنّ الخِصال الشريفة والجليلة والحميدة والطيبة المباركة في أمةِ محمدٍ كثيرة، بأيِّ صفةٍ بأيٍّ خصلةٍ بأيِّ عملٍ مدحَهم؟ بالإيمان والأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر.

لعظيمِ وشرفِ هذا العمل وهذه الرتبة وهذا العمل الذي هو من وظيفة الأنبياء فالمسلم يتشرف بذلك، أما المداهن والمنافق والجبان والكذّاب والرّعديد والمُتلوِّن هذا يسكت ويُداهن ويُمرّر فيكون والعياذ بالله يلحَقُهُ من الذمّ والإهانة ما قالَه الصوفيُّ الشهير والوليُّ الكبير “الساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرس” كما رواه عنه القشيري رحمه الله.

واللهُ تعالى ذمّ مَنْ كان على هذه الخصال الذميمة التي هي ترك هذا الواجب وعدم القيام بهذا الفرض فكانوا لا ينهَون عن المنكرات ولا يأمرونَ بالمعروف مِنْ بني إسرائيل، قال فيهم ربُّنا ذمًّا لهم {كانوا لا يتَناهَوْنَ عن مُنكَرٍ فعَلوه}[المائدة/٧٩] هذا في معرِضِ الذم، لأنّه في أول الآية {لُعنَ الذين كفروا مِنْ بني إسرائيل على لسانِ داودَ وعيسى ابنِ مريم ذلك بما عصَوا وكانوا يعتَدون* كانوا لا يتناهَوْنَ عن منكَرٍ فعلوه}[المائدة/٧٨-٧٩]

العاقلُ الذكي هو الذي يعمل ليَكونَ من المرضيين عند الله لا يراعي خاطرَ الناس على جانب الشرع الشريف لا، الذي يراعي جانب الناس على جانب الشريعة هذا والعياذ بالله ميزانُه فاسد وعقلُهُ كاسد وطريقُهُ مُعوَجّ لأنّ الأصل هو إرضاءُ اللهِ سبحانه.

ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُقَدِّمُ أجلًا ولا يُؤخِّرُ رزقًا، فالإنسانُ لا يموت قبلَ انقضاءِ أجلِه ولا بلحظة ولن يبقى بعد انتهاءِ الأجل مهما عملَ له الناس ولا بلحظة، إذًا كلٌّ بأجلِهِ فلماذا الجُبن ولماذا السكوت ولماذا التخلي عن الواجب؟

بعضُ الناس صاروا يفكرونَ بالمال يقول أنا الآن إذا أمرتُ بالمعروف إذا قلتُ لهذا التاجر اتقِ الله لا تحتكر اتقِ الله لا تدَلِّس اتقِ الله لا تغش الناس اتقِ اللهِ أدِّ الزكاة اتقِ اللهَ ارحم الفقراء، بعض الناس يفكر هذا التاجر سينزعج مني وسيقطع عني المساعدة وما يصلني منه منْ عطايا وهدايا فيقول إذًا أسكت لأجلِ أنْ لا تنقطعَ الهدايا والعطايا، هذا خبيثٌ ملعونٌ هذا راعى جانبَ جيبِهِ على جانبِ الشريعة.

لذلك الحذرَ الحذرَ من هؤلاء الجبناء من مشايخ وغيرِهم ممّنْ ضيّعوا الأمرَ بالمعروف ممّن سكتوا عن المنكرات حتى تفشّتْ وذاعَتْ وانتشرت، هؤلاء عرّضوا أنفسَهم لغضب الله.

فالإنسانُ مهما كان جاهرًا بالحقِّ صادحًا به مهما قال وفعل منْ أنكارِ المنكرات لنْ يموتَ قبل انتهاء أجلِهِ.

أليس يقال عن بعض الصحابة من شدةِ جُرأتِهِ وإقدامِهِ وبسالتِه وهو يهجم على الجيوش في المعارك قيل فيه لا يُبالي أوقَعَ على الموت أو الموت وقعَ عليه، هذا معناه منْ شدةِ جرأتِهِ وشجاعتِه وحدَه يهجم على الكفار.

 أليس قيل في القعقاع بن عمر رضي الله عنه إنه فلقَ جيشَ الكفار وحدَه، شقَّ جيشَ المشركين وحدَه حتى قيل فيه لا يُغلَبُ جيشٌ فيه القعقاع.

انظروا كيف كانوا في الجرأة ما كانوا مثلَنا اليوم. اليوم غلبَ على الناس الجُبن إلا مَنْ رحمه ربي وغلبَ عليهم السكوت لأنّهم ركَنوا إلى الدنيا والملذات وإلى جمع الليرات والدولارات والأموال فصار يفكّر أنا الآن إنْ تصَدّيتُ لأهلِ الضلال يتعكّرُ عليَّ صفْو الملَذّات والطعام والشراب والزوجة والأولاد والنزهات والخروج إلى البَرّيات، هكذا بعضُ الناس يُفكّرون.

هذا البراء بن مالك رضي الله عنه كان وحدَه هجمَ على حصن للمرتدين جماعة مسيْلِمة في اليمامة وقفزَ منْ فوقِ السور بمساعدةِ الجيش والمقاتلين، جمعوا الدروع والسيوف ثم طلعَ فوق الدرع فقذفوه ونزلَ عليهم وهو يضرِبُهم يَمنةً ويسرة ويقاتلُهم إلى أنْ فتحَ بابَ الحصن فدخل الصحابة فكسروا هؤلاء الكفار، انظروا هذا واحد من الصحابة الكرام.

وذاك القعقاع ابن عمر، وهذا الإمام الباقلّاني وهذا أبو الحسن الأشعري وهذا الإمام مالك وهذا الإمام الشافعي والإمام أحمد وأبو حنيفة، كل هؤلاء أبطال اقتدوا بخالد بعلي بعمر الذي زلزلَ عروشَ الكافرين، هكذا ينبغي للإنسان أنْ يتوكل على الله يكون مِقْدامًا في نصرةِ الدين والحق يعتزّ بذلك لا يفكر بجيبِه لا يفكّر بالطعام في الحديقة، لا يفكّر بالخروج مع زوجتِهِ إلى النزهة.

اليوم غلبَ الجبن على الناس صاروا يفكّرونَ بالأموال والأولاد والأحفاد، كان بالأول قبل أنْ يتزوج نشيطًا له همة تزوّجَ بدأتْ همّتُهُ تتراجع، حمَلتْ زوجتُه ولدَت صارتْ همّتُهُ أضعف، صار يفكّر بالزوجة بالنفقة الآن بالولد، كبُر الولد تزوّجَ الولد صار له حفيد صار يفكّر بالزوجة والولد والحفيد، غرِقَ في الدنيا، مَنْ يحمي الدين؟ مَنْ يُحامي عن الشريعة؟ مَنْ يُناضل عن الدين؟

 فانتبهوا يا إخواني ويا أخواتي، هذه خولة بنت الأزور رضي الله عنها شابة صحابية قاتلت الكفار حتى كُسِرَ السيف في يدِها، شقّتْ جيشَ الكفار ودخلت إلى معسكراتِهم وخلّصت مَنْ كان في مخيّمِهم منْ أسرى المسلمين ثم قاتلتْ حتى كُسِرَ السيف في يدِها، خالد بن الوليد من بعيد ظنّها فارسًا قال مَنْ هذا الفارس؟ قالوا هذه خولة بنت الأزور، ويُقال إنّ خالدًا رضي اللهُ عنه ألقَى إليها بسيفِهِ عندما انكسرَ السيف في يدِها.

تخيّلوا ما معنى شابة ينكسر السيف في يدِها يعني أي قتال تقاتل؟ اليوم كثير من الشابات والنساء ينكسر قلم الماكياج في يدِها أما في الماضي انظروا كيف كان الحال.

اليوم تخرج المرأة في الشارع وهي تقود السيارة في يد تسوق السيارة وفي اليد الثانية تضع الماكياج، كيف يتخرج منْ تحتِ يديها الأولاد والبنات؟ حسبنا الله ونعمَ الوكيل

في الماضي كانت الأمهات تدفع بأولادِها لخدمة الدين للدفاع عن الدين للتعلّم للجهاد لنصرةِ الرسول ولحمايتِهِ ولحماية الإسلام، انظروا كيف كان الحال وكيف صار اليوم للأسف.

انظروا هذه الشابة ماذا فعلت وكثير من الصحابيات وكثير من الصحابة هذا حالُهم جاهدوا في سبيل الله حقَّ جهادِه بذلوا الغالي والنفيس قدّموا الأرواح والأبناء والأموال، تركوا البلاد والتجارة والبساتين نصرةً لدينِ اللهِ تعالى نُصرةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم هذا حالُهم، أما اليوم للأسف أكلَتهم الدنيا أكثر المشايخ اليوم يتنافسون مَنْ يجمع رصيدًا في البنك أكثر، مَنْ يبني قصورًا وحدائق وبساتين، مَنْ يترك كذا وكذا من الثروات لأولاده، لماذا؟ كلّنا سنموت ونرحل عن هذه الدنيا، لو أنهم جمعوا بالحلال وقاموا بالواجب الواحد يسكت، لو أنهم بَنَوا وجمعوا بالحلال ليَكفوا حاجات أبنائِهم لا بأس مع قيامِهم بإنكار المنكرات وبحماية الدين، كان الواحد يدعو لهم في زيادة الخير، أما أنْ يتركوا أمورَ الدين وحمايةَ الإسلام ويتركوا إنكارَ المنكرات ويرْكَنوا إلى الدنيا إلى المال يركنوا للشهرة يركنوا للدعايات الفضائية والبروز في التلفزيونات والمناصب السياسية والرسمية، ماذا سيفعل لهم كل هذا الظهور الإعلامي الفارغ الذي هو لأجل الدنيا.

لذلك يا إخواني ويا أخواتي، مَنْ تركَ أمورَ الدين وأمورَ الأمة وتركَ حماية العقيدة وتركَ إنكارَ المنكرات ولم يعلّم الواجبات وغرِقَ في الدنيا والْتَهى بالدنيا وعمِل له وجمعَ لها فهو مخذولٌ مُهانٌ صغيرٌ هدفُه صغير وهو صغير.

أما الذي يحمي الدين ويُحامي عن الدين ويُدافع عن الإسلام وهدفُهُ الجنة وأنْ يكونَ من المَرضيينَ عند الله فهدفُهُ كبير وهو كبير والكبار يعملونَ عملَ الكبار لأنهم يريدونَ أنْ يكونوا من المرضيين عند الله، والصغار يعملون عمل الصغار.

فلا تلتفتوا للصغار التفتوا للكبار للأئمة العِظام واقتدوا بهم كالذين ذكرْناهم الأئمة الأربعة، خالد بن الوليد خولة بنت الأزور البراءُ بن مالك وفلان وفلان وفلان من الأكابر، انظروا إلى سيرة هؤلاء الأجلّاء واقتدوا بهم واعملوا بعملِهم.

فلا تضيّعوا الأمرَ بالمعروف لأجلِ أنْ لا تضيعوا، إذا ضُيِّعَ هذا الواجب هلكْنا وعمّ الخراب والفساد.

كم وكم من الأنبياء والاولياء قُتِلوا لأجلِ هذا الدين أخرجوا منْ ديارِهم لأجلِ هذا الدين، سُجِنوا لأجلِ هذا الدين أُخِذَتْ أموالُهم لأجلِ هذا الدين ولم يتخَلَّوا عن الدين نصرهم الله وأيّدَهم وخذَلَ أعداءَهم وأهانَهم).

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: نحن علينا أنْ نحذّرَ ممّن يدعو إلى الكفر والفسوق، علينا أنْ نحذّر فمَنْ لم يحذِّر فهو عاصٍ يستحقُّ العذاب، الذي لا يغيّر المنكر مع القدرةِ يستحقُّ العذاب لذلك علينا أنْ نحذّرَ الناس منْ دعاةِ الكفر.

وقال رضي الله عنه: بالنسبة لإنكار المنكر الاعتقادي والعملي في هذا الزمن أصعبُ من زمنِ الصحابة لأنه في ذلك الزمن كان الأخُ يساعدُ أخاه أما اليوم الأخُ يحاربُ أخاه منْ أجلِ إنكارِ المنكر والعائلةُ قد تحاربُك لأجلِ إنكارِ منكر، لذلك نحن اليوم الذي يقومُ بهذا الأمر كما عليه جماعتُنا أجرُه كأجرِ خمسينَ من الصحابة بالنسبة لإنكار المنكر.

(هنا فائدة هذا التعبير الذي استعملَه الشيخ رحمه الله تعالى “أجرُه كأجرِ خمسينَ من الصحابةِ بالنسبة لإنكار المنكر” هذا الكلام بعض الناس قد يستغربُهُ قد يتعجّب كيف هذا، هذا له مُستنَد، الشيخ رحمه الله عالمٌ مُتبحِّر فقيهٌ كبير إمامٌ في العلم فيستنِد في كلامِه إلى أصول ويرجِع في أقوالِه إلى أسس، فهذا الكلام له مُستنَد في حديثٍ رواه الترمذيُّ في جامعِه وهو موجودٌ هنا من حديث أبي ثعلبةَ الخُشَني رضي الله عنه وأرضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إنّ مِنْ ورائكم أيام الصبر للمتمسِّكِ بمثلِ الذي أنتم عليه أجرُ خمسينَ، قالوا منا أو منهم يا رسولَ الله؟ قال: بل منكم] إذًا هذا له مُستند من حديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الكلام ليس معناه أنّ المسلمَ الآنَ في عصرِنا في زمانِنا إذا أنكرَ المنكرات يكون أفضل من خمسين صحابي في كلّ المناصب والقضايا والأمور والمسائل والمراتب لا، إنما الكلام عن إنكار المنكر ليس منْ كلّ النواحي.

لماذا في قضيةِ إنكار المنكر؟ لأنّ المسلم في الماضي إذا قامَ يُنكر المنكَر الكلّ يُساعدُه أما اليوم يقوم الواحد لإنكار المنكر يجد نفسَه غريبًا حتى بين أهلِه بين أصدقائِه، أليس بعض الناس من أصدقائكم من أصدقائِنا عندما كما يقال اشتد الوطيس واحمرّت الحَدق وصرتَ وحدَك في الجبهات  – جبهات العلم وإنكار المنكرات – تُسَعَّر الحملة من أهلِ الضلال فيُطلقون الأكاذيب والأراجيف والأباطيل وأبواق الفتنة هنا وهناك، بعض الناس يتخَلَّوْنَ عنك مع أنك لا تريد أنْ يدافعوا عن شخصِكَ ولا عن شكلِكَ ولا عن كسمِكَ ولا عن اسمِك ولا عن ابنِك، تريد أنْ يدافعوا عن دينِ الله لكنْ مع الغوغاء والضوضاء والفوضى بعض الناسِ يرتعبون فيتَخَلَّوْنَ عن الحقِّ أو عنْ مُناصرةِ الحق ويختبئونَ في البيوت كبعضِ الجُبَناء، وهذا موجود.

ثم أحيانًا الإنسان قد يحاربُهُ أهلُه أصدقاؤُه قد ينقلبونَ عليه لأنّه قام يُنكر المنكرات، أما في الماضي لو مسلم واحد قام ينكر المنكر كل المسلمين يقفونَ معه يعاونونَه.

فلِصعوبةِ هذا الأمر ولمشقتِّه ولشدتِه صار المسلمُ في هذا الزمان إنْ أنكَرَ المنكرات له هذا الأجر العظيم، قال [أجرُ خمسين، قالوا منا أو منهم يا رسولَ الله، قال: بل منكم]

إذًا انتبهوا هذه مقيَّدة في مسئلةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس في كلِّ شىءٍ ليست في كلِّ النواحي والقضايا والأمور لأجلِ أنْ لا يتقوَّلَ مُتَقَوِّل ويفتري مفتَرٍ فيقول تفضّلون مَنْ ينكر المنكرات اليوم على الصحابة؟ التقي مَنْ كان وحيثُ كان أفضل من غيرِ التقي مَنْ كان وحيثُ كان، العبرةُ عند الله بالتقوى {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}[الحجرات/١٣]

فالمسلمُ التقيُّ اليوم أفضل من المسلم الفاسق الفاجر الذي كان في زمن الصحابة لأجلِ الآية.

هذا الكلام له مستنَدٌ منْ كلامِ سيِّدِ العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.

أعيد الحديث، روى الإمامُ الحافظ الترمذيُّ في جامعِهِ منْ حديثِ أبي ثعلبةَ الخُشَني رضي الله عنه قال”قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [إنّ مِنْ ورائكم – والخطاب للصحابة – أيامَ الصبر للمتمسكِ بمثلِ ما أنتم عليه أجرُ خمسين، قالوا منا أو منهم يا رسولَ الله، قال: بل منكم]

إذًا هذه القضية ينبغي أنْ تُفهَم وهذه تشجّع الناس بالقيام بإنكار المنكرات، هذا الفضل والشرف والرتبة يشجّع الناس للقيامِ بهذا العمل الجليل المبارك الذي هو إنكار المنكرات.

أما الساكت عن المنكرات المُساهم في انتشارِها المساعد على انتشار الضلالات فهو مخذولٌ حلَّ عليه غضبُ اللهِ وسخطُه وهو شيطانٌ أخرس أو شيطان متكلّم، وانظروا في المقابل إلى هذا المسلم أيُّ أجرٍ له، له أجرُ خمسين، فاعملوا بهذا العمل العظيم لتتشرفوا بالتقوى وحماية الدين وحماية الإسلام.

الأمر بالمعروف عملٌ عظيم مبارك من جملةِ فروض الكفاية، إنكار المنكرات التحذير من الضلالات هذا من جملةِ فروض الكفاية وهو عملٌ عظيمٌ جليلٌ له مرتبة عالية في الإسلام).

قال الإمام: الذين يقعُدونَ في الخَلوات أجرُهم  بالنسبةِ إلى هذا كنُقطةٍ بجنبِ بحر. بعضُ المنتسبينَ إلينا مِنْ قلةِ فهمِهم للأمر يطلبُ أنْ يُفتحَ مجلسُ ذكرٍ ويُشغِلُ الناسَ ساعاتٍ لذلك، هذا قلةُ فَهم، خيرٌ منْ ذلك أنْ يذهبَ أحدُنا إلى شخصٍ ويُزيلُ منكَرًا منْ قبيلِ الكفر أو منْ قبيلِ الكبائر.

(هذا الكلام معناه أنّ الإنسانَ الذي يقعد في الخَلوات، خلَوات جمع خَلوة، يعني يختلي بنفسِهِ للذكر، لكنْ هنا الذنب على مَنْ تركَ الواجب تركَ القيام بالفرض تركَ الأصل تركَ الأساس وانشغلَ بالنفل، هنا الذم لهذا.

أما الذي يجمع بين الأمرين يعني يقوم بإنكار المنكرات ينشر التوحيد والعقيدة والإسلام ويُحذّر من الكفريات ثم في وقتِ فراغِه يعقد مجالس الذكرِ الصحيح مع الإخلاص لله، يقعد في الخلوة للذكر لتلاوة القرآن فهذا لا يُلام وليس عليه بأس ولا حرج ولا يُوَجَّه إليه انتقاد لأنه أدّى الواجب أولًا قام بالفرض ثم في وقتِ فراغِه اشتغل بهذه النوافل فهذا حسَن وجيد وزيادة في الخير والأجر والبركة والثواب، أما الذم هنا على مَنْ تركَ الواجب تركَ القيام بالفرض وقعدَ  يشتغل بالأذكار والأوراد والخَلوات والمدائح مع تركِهِ للواجب للفرائض هذا الذي قال فيه العلماء كما نقل عنهم وروى عنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله قال “مَنْ شغلَه الفرضُ عن النفلِ فهوَ معذور” اشتغل بالفرائض، لو أدّى كل الوقت في الفرائض هذا ثوابُه أعلى وأكبر وأجلّ وأعظم وطريقُهُ للولاية أسرع، “مَنْ شغلَهُ الفرضُ عن النفلِ فهو معذور – لأنه قدّمَ الأصل والأساس –  ومَنْ شغلَهُ النفلُ عن الفرض فهو مغرور” هذا ممكورٌ به يعني ضحِكَ عليه الشيطان غشّه الشيطان لعبَ به الشيطان، تركَ الواجب وإصلاح عقائد الناس ترك التحذير من الكفريات وقعد يشتغل في الخلوات بالأذكار بأرقامٍ عالية وكبيرة مع تركِ الواجبات، هذا لا يصيرُ وليًّا.

قال ساداتُنا العلماء الأئمة الكبار كأبي حنيفة كالشافعي ومَنْ على منهجِهم رضي الله عنهم قالوا “ما اتّخَذَ اللهُ وليًّا جاهلًا” لأنّ الجاهلَ لا يعرف الأولويات كيف يصيرُ وليًّا؟ أما المتعلم يعرف الأولويات فيُقَدِّم الفرائض، لذلك قال ربُّنا سبحانه في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه البخاري وغيره من الحفاظ [[وما تقرَّب إليَّ عبدي بشىءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضْتُ عليه]]

*****هنا التقرّب المعنوي لأنّ الله تعالى موجودٌ بلا مكان، فإذا قلنا الولي قريبٌ من الله التقيُّ قريبٌ من الله الأنبياءُ قريبون من الله يعني القرب المعنوي، يعني اللهُ راضٍ عنهم يحبُّهم يُؤيّدُهم ينصرُهم يُهلكُ لهم أعداءَهم وينتقم لهم منهم يعطيهم الدرجات العالية والنعيم العظيم في الجنة، هذا القرب المعنوي، عندما نقول القرب المعنوي ليس بالمسافة ليس بالمكان ليس بالجهة لأن اللهَ ليس جسمًا ليس حجمًا ليس كميةً لا يوصف بالقرب بالمسافة ولا بالبعد بالمسافة، ولا بالقرب الحسيّ ولا بالبعد الحسيّ، ولا بالبعدِ المكاني ولا بالقرب المكاني، كل هذا مستحيلٌ على الله.

البعدُ المعنوي: عندما نقول الكفار بعيدونَ من الله يعني البعد المعنوي ليس بالمسافة والمكان اللهُ موجودٌ بلا مكان، إنما اللهُ غاضبٌ عليهم لا يحبُّهم ينزّل عليهم اللعنات ينتقم منهم في الدنيا وفي الآخرة ويعذبُهم في القبر وفي مواقف القيامة ويُدخلُهم جهنم وينزّل عليهم السخط والغضب، هذا البعد المعنوي بالنسبة للكفار.

البعد بالحس هذا يكون بين جسم وجسم بين جسد وجسد بين مخلوق ومخلوق، هذا على الله مُحال، لأنّ عقيدةَ الإسلام، عقيدة الأنبياء والأولياء والملائكة والصحابة والآل الكرام الله لا مكانَ له، اللهُ موجودٌ بلا جهة بلا مكان، وإلا لكان مثلَنا كالأجسام وهذا مُحال، لأنه لو كان مثلَنا لجاز عليه ما يجوزُ علينا ولو جاز عليه ما يجوزُ علينا من الضعفِ والعجزِ والجهل والتغير والمكان والحدوث والزوال والفناء ما كان خالقًا للكون والعالم، وبما أنّ العالمَ موجود فمُوجِدُهُ ليس مُتصِفًا بصفةٍ من صفاتِ مخلوقاتِهِ.

وهذه العقيدة ليست عقيدةً جديدةً مُستَحدَثةً بل هي عقيدة أهل الإسلام عقيدة كل المسلمين عقيدة كل الأنبياء والأولياء والصالحين والصحابة والآل بالإجماع، ليست مسئلة خلافية******.

———————-

معناه ثوابُ الفرائض أعلى وأجل وأكبر من ثواب النوافل، وبالفرائض الإنسان يصل إلى الولاية أسرع لأنه اشتغل على حسب الأصل الذي ورد في الشرع، فإذا أدّى الواجبات واجتنبَ المحرّمات ثم أكثر من نوع منْ أنواعِ النوافل هذا طريقُ الولاية، أما لو ترك الفرائض واشتغل بكلّ النوافل لا يصيرُ وليًّا، لو بقيَ ألف سنة يؤدي كل النوافل في الليل والنهار وهو تاركٌ للفرائض لا يصيرُ وليًّا.

هذا كتاب الفرق بين الفِرق لإمام عالم فقيه محدّث مؤرخ خبيرٌ بالفرَق وله ردودٌ كثيرة على أهل الضلال له مصنّفات عجيبة كالفرق بين الفِرق بيّن فيها كل أهلِ الضلال وردّ عليهم ثم بيَّن عقيدة أهل السنة ونصرها، وله الملل والنِّحَل، وله كتابٌ ضخمٌ كبير كبير كبير في العقائد الإسلامية وهو تفسيرُ الأسماءِ والصفات، كان منذ ألف سنة وشىء ليس عضوًا إداريًّا معنا في جمعيتِنا، عندما نقول مسئلة إجماعية يعني هذا الذي عليه كل الأمة الإسلامية، تأليف صدر الإسلام الأصولي العالم المتفنن عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفراييني التميمي المتوفى 429 للهجرة، يعني ألف واثني عشر سنة تقريبًا، هذا الإمام العالم الكبير الشهير الذي هو رأسٌ من رؤوس الأشاعرة وإمامٌ فيهم يقول في كتابه هذا في صحيفة 333 “وأجمعوا على أنه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان” ثم قال “وقد قال أميرُ المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه “إنّ اللهَ تعالى خلقَ العرشَ إظهارًا لقدرتِهِ لا مكانًا لذاتِه” وقال أيضًا “قد كان ولا مكان وهو الآنَ على ما كان، وأجمعوا على نفي الآفات والهموم والآلام واللذات عنه وعلى نفيِ الحركة والسكون عنه” هذا كله إجماع منذ أكثر من ألف سنة.

نحن ما جئنا بجديد هذا الإسلام تنزيهُ اللهِ عن صفاتِ النقصان عن صفات المخلوقين، هذا الإسلام تعظيمُ اللهِ تعالى فعظَمةُ اللهِ أنه لا يشبهُ شيئًا من مخلوقاتِه.

فإذًا القرب المعنوي هذا معناه اللهُ راضٍ عن أحبابِه يُكرِمُهم يعطيهم النعيم العظيم في الآخرة ينتقم من أعدائِهم ينصرُهم، وأما البعد المعنوي أنه غاضبٌ على الكفار ينزّل عليهم اللعنات والسخط وينتقم منهم ويُهلِكُهم في الدنيا والآخرة ويُدخلُهم النار، هذا معنى القرب المعنوي والبعد المعنوي، أما البعد بالمكان والقرب بالمكان، البعد بالمسافة والقرب بالمسافة، البعد بالحس والقرب بالحس هذا صفةُ الأجسام الأجرام بين جسد وجسد بين جسم وجسم بين كتاب وكتاب، هذه صفة المخلوق واللهُ الخالق والخالقُ لا يشبهُ المخلوق، لذلك هو موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا جهةٍ ولا مكان.

إذًا إنكارُ المنكرات إنكارُ عقيدةِ التشبيه والتجسيم وتعليم التوحيد التوحيد والتنزيه ببيان الأدلة القرآنية والحديثية هذا منْ أفرضِ الفروض، فمَن تركَه ضيّعَه ترك الواجب ترك الفرض وقعد يشتغل بالنوافل بالسنن والمُستحبات مُقصّرًا في الفرائض فهو مغرورٌ لعبَ به الشيطان والذمُّ في هذا.

أما مَنْ أدّى الواجبات ثم بقيَ له فراغ قعد في الفراغِ يشتغل في الذكر فهذا لا حرجَ ولا ملامةَ عليه.

لذلك ينبغي أنْ يُتنبّه فهنا التحذير والإنكار على مَنْ يترك الواجبات ثم يريد أنْ يقعد فيُقيم الحضرة ومجالس الذكر مع تركِ الفرض والواجب، فالفرضُ دائمًا مُقَدَّمٌ على النوافل على السنن وقد أوردتُ لكم هذا الحديث القدسي الصحيح).

 

وقال الإمام: خيرٌ من ذلك أنْ يذهبَ أحدُنا إلى شخصٍ ويُزيلَ منكَرًا منْ قبيلِ الكفر أو من قبيلِ الكبائر هذا خيرٌ منْ عقدِ مجلس يُذكَر فيه عشرات الألوفِ من الذكر من الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا أفضل، إنكارُ هذا المنكر العظيم أمرٌ هيّن؟ إنكارُ كفريةِ حزب الإخوان إنّ قولَ أستغفرُ اللهَ لا ينفع، هذا تضليلٌ للصحابةِ ومَنْ بعدَهم وتضليلٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في يومِهِ “أستغفرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ وأتوبُ إليه” مائةَ مرة.

(هذا معناه أن الخروجَ لإنكار المنكرات لإنكار الكفريات أو لإنكارِ الكبائر أو لإنكار الصغائر والتحذير منها، هذا أفضل عند الله تعالى من الانقطاعِ للأذكار والأورادِ والنوافل لأنّ المنكرات اليوم انتشرت وإذا سكت الكل عند ذلك الحرج يلحق الجميع، لأنّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر من فروضِ الكفاية فإذا انتشرتْ مثلًا كفرية في لبنان في السودان في اليمن في أيّ بلدٍ آخر وأهلُ البلدِ عرفوا بلغَهم أنّ هذه الكفرية هذا المنكر انتشرَ في البلد عمّ في مواقع التواصل في الفضائيات في التلفزيونات بين الناس، في المدارس في الجامعات، وسكتَ الكل الكلّ – من البالغين المكلفين – أثِموا، لأنّه لم يحصلْ أنْ قامَ فيهم واحد لإنكارِ المنكرات كلّهم أثِموا، أما لو قامَ بعضُ أهلِ البلد في لبنان فأنكروا هذه الكفريات التي ظهرَتْ وأنكروا هذه المعاصي الكبيرة أو الصغيرة التي انتشرت سقطَ الحرج عن البقية.

رأيتم ما أعظم وما أهم القيام بمسئلة الفرض الكفائي؟ لأنّك إذا قمتَ بهذا العمل الشريف تخلّص البقية الذين بلغَهم، الذين عرَفوا بوجودِ هذه المنكرات، أما إذا سكتَ الكل الكل أثِمَ وقع الكل في المعصية.

من هنا يا إخواني كان التحذير من المنكرات إنْ كانت من الكفريات أو من الكبائر أو من الصغائر هذا مقَدّمٌ على الاشتغال بالنوافل.

فهذا الحزب حزبُ التكفير حزبُ سيّد قطب نشروا في مجلةٍ لهم هنا في لبنان قولُهم والعياذُ بالله “أستغفرُ الله لا تُغني شيئًا” قالوا هذا كفعلِ المشركين حولَ الكعبة المُكاء والتصدية يعني الصفير والتصفيق، هكذا كان المشركونَ يفعلونَ حول الكعبة، هذا معناه تضليلٌ للرسول وللصحابة ولكل الأمة الإسلامية، كلّ مسلم على وجه الأرض يقول أستغفرُ الله، الرسول كان يقول “أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم وأتوبُ إليه”، خطباء الجمعة يقولون “هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم”.

هذا الإمام مسلم رضي الله عنه في الصحيح روى عن الإمام المجتهد الأوزاعي قال “الاستغفار أنْ تقول أستغفرُ الله أستغفرُ الله” هذا باللفظ، أما هؤلاء الجماعة التكفيرية لكلِّ البشرية يقولونَ “أستغفرُ الله كفعل المشركين المُكاء والتصدية” والعياذُ بالله تعالى.

فكيفَ يسوغُ للمشايخ لأصحابِ العمائم والشهادات وبدون شهادات، بلفّات وبدون لفّات بمنابر وبدون منابر، كيف يسوغُ للناس أنْ يسكتوا عنْ مثلِ هذا الفساد الذي انتشرَ عنْ طريقِ هذه الجماعة التي بثّت الجهلَ بينَ أتْباعِها وبين الناس.

فإذًا مثل هذا لا يسعُنا السكوت عنه، إن سكتْنا تتراكم علينا الذنوب، نكون شاركْنا في المعصية.

لذلك يا إخواني ويا أخواتي قدّموا الفرائض على النوافل، قدّموا الواجبات على المُستحبّات، ثم إنْ كان لكم وقتٌ بعد ذلك أكثروا من النوافل وأكثروا من المستحبات لكنْ الفرائض أولى وأعلى وأهم وأجلّ لأنّكم تسألونَ عنها في القيامة، وتحاسَبونَ عليها إنْ تركتُموها إنْ ضيَّعْتُموها إنْ قصّرتم فيها لأنّ الله قال في القرآن الكريم {فوربِّكَ لنسْألَنَّهم أجمعين* عمّا كانوا يعملون} [النحل/٩٢-٩٣])

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: اسلُكوا طريقَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر.

وقال رضي الله عنه: إنكارُ المنكر عند الله أمرٌ عظيم إذا الإنسانُ قال كلمةً خبيثةً محرّمة مَنْ ردَّ عليه وحذّرَ الناسَ منه له درجةٌ عاليةٌ عند الله، مَنْ سكتَ مع المقدرةِ مِن دونِ أنْ يخافَ ضررًا فسكت فهو ملعون.

(خافَ ضررًا يعني حقيقيًّا، يعني له عذر فعلي ليس لمجرد الوهم والخيال ليس لمجردِ أنْ لا يُعكّر على نفسِه السهرة مع الزوجة والأولاد يقول خليني صحبة مع الكل، لا هذا لا عذرَ له، إنما هنا الضرر الحقيقي الفعلي.

مرةً كنا في الباكستان وفي الهند فبعضُ الناس هناك ممّن ينشرونَ عقائد فاسدة تُخالف عقيدة أهل السنة يُداهنونَ هذا وهذا وهذا يشتغلون على المداهنة، قال لي بعضُ الأحبة والإخوة هناك في الهند وباكستان “هذا صلح كلي” قلتُ ما معنى صلح كلي؟ قال يعني يُداهن الجميع.

هؤلاء اليوم لهم وجود، يريد أنْ يداهنَ الكل لأجلِ أنْ لا يُعكّرَ خاطرَه ولا سهرتَه، هذا يشتغل للدنيا، أما هذا الذي خاف ضررًا حقيقيًّا فعليًّا فسكتَ لعذرٍ منْ أعذارٍ مُتعتبرة في الشرع التي لها اعتبارٌ في الشرع سكتَ نعم هذا لا حرجَ عليه.

الرسولُ عليه الصلاة والسلام قال [مَنْ رأى منكم منكرًا فلْيُغيّرْه بيدِه فإنْ لم يستطعْ فبلسانِه فإنْ لم يستطِعْ فبقلبِهِ وذلك أضعفُ الإيمان] معنى أضعف الإيمان يعني إذا كان عجزَ فعليًّا وهو لمْ يقصّرْ هذا لا يكونُ ناقصَ الإيمان ولا يكونُ مذمومًا مدحورًا مُهانًا لا، يعني أقلُّهُ ثمرةً، يعني أقل ما يلزمُهُ عند العجزِ عنِ الإنكار باليد واللسان أنْ يكرهَ هذا المنكر في قلبِه، وإنكارُ المنكر في القلبِ هو أنْ تكرَه هذه المنكرات لا يجبُ عليك أنْ تستحضرَ في قلبِكَ وأنْ تُمرَّ عبارةً معيّنةً، يعني لا يجب عليك أنْ تمِرَّ على قلبِك “اللهم إنّ هذا مُنكرٌ ولا أرضَى به ولا أقدر على إزالتِه” لا هذا لا يجبُ عليك، الواجب أنْ تكرَه المنكرات لأنّ اللهَ نهى عنها ولأنّ اللهَ لا يحبّها، هذا معنى الإنكار في القلب.

أما إذا كان قادرًا على الإنكار وسكتَ بلا عذر هذا يومَ القيامة سيندم ندامة كبيرة لا يخدعَنَّ نفسَه لا يضحكُ عليها، لا يمرّر لنفسِه أنا لا أستطيع، لو سعى لطلع بيدِه، كيف تيقّنَ أنه لا يقدر؟ الوهم؟ الخيال؟ حبّ الدنيا؟ ركنَ إلى الدنيا؟

لذلك انتبهوا فرقٌ كبير بين العذر الحقيقي الفعلي وبين الوهم والخيال والمداهنة وحب الدنيا.

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهينَ عن المنكر القائمين على حمايةِ دينِك الخادمين للإسلام وثبّتْنا على عقيدةِ رسولِك المكرّم صلى الله عليه وسلم…..