الأربعاء ديسمبر 11, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (10)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسم طه الأمين وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِهِ الطيبين الطاهرين

يقول جامعُ هذا الكتاب المبارك خادمُ الآثارِ النبوية الشيخ جميل حليم الحسيني رحمات اللهِ عليه وعلى والديه

اللهُ عالمٌ بكلِّ شىء

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: إنّ اللهَ تعالى خلقَ الناسَ ليَبْتَلِيَهم أي ليُظهِرَ مَنْ هو مُطيعٌ له ومَنْ هو غيرُ مُطيعٍ له

(ليُظهِر معناه للناس لأنّ اللهَ تعالى أزليٌّ أبديّ فصفاتُهُ تكونُ أزلية أبدية، لأنّهُ لو اتّصفَ بصفةٍ حادثة لكان حادثًا، ولو كان حادثًا يعني مخلوقًا لا يكونُ إلهًا، إذًا فهو منزّهٌ عن الصفاتِ المخلوقة، منزّهٌ عنْ صفاتِ الحوادث.

فمعنى ليُظهر يعني للعباد، يعني ليرى الناس، ليَطَّلِعَ الناس على العاصي وعلى المُطيعِ. أما اللهُ عزّ وجل فعلْمُهُ أزليٌّ أبدي، علمُهُ صفةٌ منْ صفاتِهِ، وذاتُهُ أزليّ، وعلمُهُ صفةٌ له أزلية فهو بعلمِهِ الأزليّ عالمٌ بالنبيّ وبالوليّ وبالملَك وبالطائع وبالعاصي وبالكافر وبالفاجر يعلمُ الأشياءَ جُملةً وتفصيلًا لا يخْفى عليه مثقالُ ذرة لا في الأرض ولا في السماء لا في الدنيا ولا في الآخرة.

إذًا هذه القضية ينبغي أنْ يُتَنَبَّهَ لها، معنى ليُظهِر يعني للعباد، هذا بمشيئةِ اللهِ أطاعَ الله وهذا بمشيئةِ اللهِ عصى الله فيَظهر أمرُهما للناس أما الله مُطَّلِعٌ عليهما وعالِمٌ بهما لأنَّ اللهَ علمُهُ لا يتغيّر علمُهُ علمٌ واحدٌ أزليٌّ أبدي).

قال الإمام الهرري: وهو عالِمٌ في الأزلِ أنّ عددًا منهم يصيرونَ مؤمنينَ مُطيعين وأنّ عددًا منهم يكونونَ عاصين لكنْ أرادَ أنْ يظهَروا في عالَمِ الوجود، أما هو عالمٌ الأزل علمُهُ لا ابتداءَ له ليس في هذا شىءٌ جديدٌ على علمِه

(ثم هنا أيضًا مسئلة مهمة وهي أنَّ مَنْ علِمَ اللهُ تعالى في الأزل بأنهُ يكونُ مُطيعًا يستحيل ألّا يكون إلا كما علِمَ الله لأنّه لو كان سبقَ في علمِ الله أنّ هذا الإنسان يكونُ مُطيعًا لا يجوز ولا يصح ولا يُمكن أنْ يكونَ عاصيًا فاجرًا فاسقًا كافرًا، لأنه لو طلَعَ بخِلافِ ما علِمَ اللهُ في الأزل لكانَ ذلك والعياذُ باللهِ فيه نسبةُ الجهلِ إلى الله ونسبةُ الجهلِ نقص والنقصُ على الإلهِ مُحال. كما أنّ اللهَ تعالى إنْ كان سبقَ في علمِهِ الأزليّ أنّ هذا الإنسان يكونُ فاجرًا كافرًا مستحيلٌ أنْ يكونَ تقيًّا وليًّا صالحًا لأنّه يكونُ طلَعَ على خِلافِ ما علِمَ اللهُ  في الأزلِ أنهُ يكونُ عليه.

علمُ الله لا يتغير وعلمُ اللهِ تعالى علمٌ واحد ليس كعلمِ المخلوقين. أنا علمي مخلوق لأني أنا مخلوق وعلمي يتغير أما علمُ اللهِ فلا يتغير. أنا أرى إنسانًا بحسبِ الظاهرِ تقيًّا طيبًا متواضعًا حسنَ الخُلق أُحسِّن فيه الظن فأمْدَحُهُ وأُثني عليه سنة عشر سنوات ثم بعدَ ذلك يكونُ خبيثًا فاجرًا كان يُبطِن خِلاف ما يُظهِر، أنا بالنسبةِ لي خَفِيَ عليَّ حالُهُ وحكَمْتُ على الظاهر أنا لا أُلام في الشرع لأني حسَّنْتُ به الظن، أنا لستُ مكلَّفًا أنْ أبحثَ عنْ بواطِنِ الناس لستُ مكلَّفًا أنْ أُنَقِّب عنْ قلوب ونوايا وأسرار الناس لا، إنما علينا بالظاهر واللهُ يتولّى السرائر، فأُحسِّن به الظنّ وأمدحُهُ ثم بعد هذه المدة الطويلة منْ صُحبَتي وصداقتي معه وله يظهَر حقيقة ما في داخِله، تظهر الحقائق التي كانت خافية عليَّ، هذا بالنسبةِ لي لك له لها، علمُنا مخلوق يتغيّر نعلم إلى هذا الحد ثم ننسى ثم يكتشف لنا شيئًا جديدًا فيزداد علمُنا لأننا مخلوقون علمُنا مخلوق يزيد ينقُص يتغيّر ننسى ثم نتعلّم أشياء جديدة وهذا على الله مُحال لأنّ اللهَ أزلي أبدي علمُهُ واحد شاملٌ لكلِّ الأشياء فهو عالمٌ بكلِّ ما كانَ وما يكون وما لا يكونُ أنْ لو كان كيف كان يكون كما قال ذلك الحافظ النووي وعددٌ منْ علماء أهلِ السنةِ رحمهُم اللهُ)

قال الإمام الهرري: أما هو تعالى عالمٌ في الأزل عملُهُ لا ابتداءَ له ليس في هذا شىءٌ جديدٌ على علمِهِ بل كلُّ ما حصل وما سيحصُل إلى ما لا نهايةَ له فقد سبقَ علمُ اللهِ به ليس على الله جديد

(هنا أيضًا فائدة: لاحظوا قول المؤلف “إلى ما لا نهاية له فقد سبقَ علمُ اللهِ به” هذا يُعطينا شيئًا هو منْ أسُس وأصولِ عقيدةِ الإسلام وهو أنّ اللهَ يعلمُ الأشياءَ بعلمِهِ الأزلي جملةً وتفصيلًا، يعني يعلم مَنْ هو مِنْ أهلِ الجنة وكلّ واحد إلى كم يعيش وكل واحد منْ أيِّ قبيلة مِنْ أيِّ عشيرة منْ أيِّ بلد، آباؤه أمهاتُهُ أجدادُهُ جدّاتُهُ وكم يكون له علاقات بين الناس وكم لحظة يكونُ فرِحًا وكم لحظة يكونُ تعيسًا أو في حالةِ بؤس أو مرض، ويعلم بهذا العلم الأزلي الواحد كل ما يكونُ مع هؤلاء الناس في الدنيا وفي مواقفِ القيامة وفي البرزخ وفي الجنة بالنسبةِ للمؤمنين إلى أبدِ الآبدين، وما يكون مع الكفار في النار إلى أبدِ الآبِدين، كل ذرة كل حركة كل تنفّس كل قيام كل قعود كل لفتة خاطر ولفتة ناظر كل ذلك يعلمُهُ سبحانه لأنه أزليٌّ لا يخفى عليه شىء، أزليٌّ لا يحدُثُ له علم لم يكنْ له في الأزل.

اللهُ يقول {وهو بكلِّ شىءٍ عليم}[البقرة/٢٩] لماذا تعرّضْتُ لهذه القضية أنه يعلمُ الأشياءَ جملةً وتفصيلًا؟ لأنّ بعض أهلِ العقائد الزائغة البدعية الكفرية يقولون إنّ اللهَ لا يعلمُ الأشياءَ تفصيلًا إنما يعلَمُها جملةً على زعمِهِم، والذي يقول إنّ اللهَ لا يعلمُ الأشياءَ تفصيلًا العلماء نقلوا الإجماعَ على كفرِهِ، كالحافظِ النووي القاضي عياض ابن حجر وعدد من العلماء نقلوا الإجماعَ على كفرِ مَنْ يقول إنّ اللهَ لا يعلم الأشياءَ جملةً وتفصيلًا، بعض هؤلاء يدّعونَ الإسلام فيقولون إنما يعلم الأشياء جملةً والتفصيل بعدَ حصولِهِ مع كلّ شخص يعلمُهُ على زعمِهِم، هؤلاء كفارٌ بالإجماع لأنهم جهّلوا الله نسبوا الجهلَ إلى الله جعلوهُ متغيِّرًا وجعلوا علمَ اللهِ يزداد شيئًا بعدَ شىءٍ وأنه تخفى عليه أشياء وهذه الآية وحدَها تكفينا {وهو بكلِّ شىءٍ عليم}[الأنعام/١٠١])

قال الإمام الهرري: ليس على الله جديد لكنْ يُظهِرُ لخلقِهِ مَنْ هم مُطيعونَ ومَنْ هم غيرُ مُطيعين ثم يكونُ الأمرُ كما علِمَ في الأزل لا يتغيّر فمَنْ علمَ اللهُ في الأزلِ أنّهُ مؤمنٌ مُطيع بعدَ أنْ يدخلَ في الدنيا يصيرُ كذلك مؤمنًا مُطيعًا، ومَنْ علمَ اللهُ في الأزلِ أنه يكونُ عاصيًا يوجَدُ على هذه الحال.

 

التقوى

قال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم [إنَّ اللهَ كتبَ على ابنِ آدمَ حظَّهُ منَ الزنا أدركَ ذلك لا مَحالة] فالعينُ تزني وزِناها النظر واليدُ تزني وزِناها البطش والرِّجلُ تزني وزِناها الخُطى واللسانُ يزني وزِناهُ المَنْطق والفمُ يَزني وزِناه القُبَل والنفسُ تَمَنّى وتشتهي والفرجُ يُصَدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُهُ]

النظرُ بشهوة أي بتلُذّذٍ للأجنبيةِ حرام وتكليمُها ليَتَلَذّذَ بهذا الكلام حرام

(هنا المقصود بالأجنبية لأجل أنْ نوضِحَ هذه المسئلة الفقهية والعلمية تتعلق بحكمِ منْ أحكامِ الدين لأنّ منَ العوامّ مَنْ قدْ يفهم مِنْ كلمة أجنبية يعني غير العربية كالفرنسية والإيطالية والأمريكية مثلًا، لا ليس المقصود هنا هذا التعريف الأجنبية بل هو أوسع منْ هذا يشمَل تلكَ المرأة الأعجمية ويشمَل كلّ مَنْ هي ليست مَحرَمًا لهذا الإنسان ومَنْ لم تكنْ زوجةً له.

إنْ كانت زوجةً له فهي حلالٌ له أما المحارم يعني الأم والجدة والخالة والعمة وما شابه فهذه يجوز للإنسان أنْ يُصافحَها لكنْ بلا شهوة وأنْ ينظرَ مثلًا إلى وجهِها أو إلى يديْها بلا شهوة، ويجوز له أنْ يختليَ بها لكنْ بلا شهوة لأنها مَحرمٌ له، أما الزوجة فهي حلالٌ  له.

 إذًا ما المقصودُ بكلمة أجنبية؟ ليس المراد أعجمية بل أعمّ أوسع يعني يشمَل الأعجمية والعربية التي هي ليست زوجةً له ولا هي أمَة له، لأنَّ بعضَ الناس عندما يسمعونَ كلمة أجنبية يُخطِئون في فَهمِ هذه القضية)

قال الإمام الهرري: ولمسُها بدونِ حائلٍ أيضًا حرام، أغلبُ البشرِ لا يسلَمونَ منْ هذا وأكثرُ هذا كلِّه النظر زنا العين. بعضُ الناسِ يُكلِّمونَ خطيبَتَهم قبلَ العقدِ بشهوة بتَكْليمِها يتلَذّذون هذا أيضًا حرام، لكنْ كلُّ هذا منَ الصغائر، إذا توضّأَ الشخصُ وضوءًا شرعيًّا معناه الفرضُ مع السنة تذهبُ معاصي العين مع الماءِ تنزِل عندما يغسِلُ وجهَهُ مع هذا الماء تنزلُ معاصي العين

(هنا عندنا عدة فوائد في هذه القضية أولًا الحديث [إنّ اللهَ كتبَ على ابنِ آدمَ حظَّهُ منَ الزنا] هذا لا يدخلُ فيه الأنبياء إنما هذا معناه عامّة الناس يعني أكثر الناس غالبُ الناس يقعونَ في هذه المحرّمات، أما الأنبياء فيستحيل عليهم أنْ تحصُلَ منهم نظرة محرّمة أو كلمة بذيئة يعني صغائر الخِسة مستحيلةٌ على الأنبياء قبل النبوة وبعدَها، هذا هو الحق وهذا هو المُعتمَد وهذا هو الصحيح وهذا هو الصواب، نحنُ هذا الذي نعتقدُهُ حتى قبلَ النبوةِ لا يحصُلُ منهم ذلك لأنّنا نتكلم عن صغيرة فيها خِسة أو دناءة.

فإذا قرأتمْ أو سمِعتُمْ أنَّ بعضَ الفقهاء أو بعض المؤلِّفين يقول تجوز عليهم الصغائر أو الكبائر قبل النبوة فهذا القول ليس هو المُعتمَد ليس مُحقَّقًا ليس القول الصحيح، إنما الذي يليق بمقامِ النبوة وبمقام الرسالة أنّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام عُصِموا وحُفِظوا منَ الكفرِ ومِنْ كبائر الذنوبِ ومِنْ صغائرِ الخِسة قبلَ النبوةِ وبعدَها.

اللهُ قال في القرآنِ في يوسف عليه الصلاة والسلام {كذلك لِنَصرِفَ عنه السوءَ والفحشآء}[يوسف/٢٤]

النص في يوسف عليه السلام لكنْ الحكم والمعنى لكلّ الأنبياء. فما كان فيه خسة ودناءة لا يحصُل منَ الأنبياء لا قبلَ النبوة ولا بعدَ النبوة.

فالنظرة المحَرّمة والكلمة البذيئة وسرقة حبة عنب أو أكثر كلّ هذا لا يليق بالأنبياء وهذا مِنْ صغائر الخسة فلا يفعلُهُ الأنبياء لا قبلَ النبوةِ ولا بعدَها.

إذًا هذا الحديث لا يشمَل الأنبياء، أحيانًا ترِد بعض الأحاديث لا تشمَل الأنبياء مثل هذا إنما معناه هذا حالُ أكثرِ الناس لأنّ أكثرَ الناسِ لا يسْلَمونَ منْ هذه المعاصي، أكثرَ الناس حتى من العلماء حتى منَ المشايخ حتى منَ الأولياء. المشايخ والأولياء والعلماء والمفاتي والقُضاة اللهُ ما عصَمَهمْ لا منَ الكبائر ولا منَ الصغائر، بل مَنْ لم يكنْ منهم وليًّا صالحًا على قولِ جمهور العلماء أنّ الوليَّ الذي ثبتَتْ له الولاية عندَ الله هذا قالوا عُصِمَ منَ الكفر، أما الكبائر والصغائر الولي قد يقع فيها والمفتي والقاضي والعالِم والشيخ حتى الولي قد يقع فيها.

هذه المعاصي أكثر الناس يقعونَ فيها لكنْ قدْ تجد واحدًا منَ المسلمين لا يقع في هذه المعاصي قدْ يحفظُهُ ربي إنْ كان تقيًّا إنْ كان صالحًا أو إنْ كان منْ عامةِ المسلمين ربّي على كلِّ شىء قدير يُعطي ما يشاء لمَنْ يشاء.

هذا الحديث لا يشمل الأنبياء، إذا كان بعضُ الأولياءِ الصُّلَحاء منْ شدّةِ بُغضِهم للمعاصي لا ينظرونَ للنساء بالمرة، يعني  لا ينظرونَ نظرةً محرَّمة لا ينظرونَ بشهوة مثل الإمام الولي القطب الشيخ أحمد البدوي رضي الله عنه وأرضاه هو صرّحَ قال أنا لا أنظر وأنا لا أريدُ أنْ أتزوّجَ في الدنيا، وبعض الأولياء منْ قوَّتِهم في الطاعاتِ والعبادات ومنْ شدةِ خشوعِهم وخوفِهم منَ الله واستِعدادِهم للآخرة كان يقول لا أبالي رأيتُ امرأةً أو حائطًا، بأيِّ معنى؟ يعني لا ينظرُ نظرةً محرّمةً إليها.

وهنا لأجلِ أنْ لا يفهمَ البعض خطأً فيقول تساوونَ المرأة بالحائط؟ ليس هذا المراد هو مرادُهُ أنّهُ لا ينظر للنساء بشهوة لا يريد أنّ المرأة والحائط بحكمٍ واحدٍ لا، إنما يعرف المرأة المسلمة أفضل عند اللهِ منَ العرش من الجنة من الكعبة، إنما مرادُهُ أنه لا ينظرُ بشهوة لا ينظر نظرةً محرّمة.

 

إذا كان هذا حالُ بعضِ الأولياء كالقطب السيد أحمد البدوي رضي اللهُ عنه وأرضاه ونفعَنا الله ببركاتِهِ وببركاتِ الجيلاني والرفاعي والدسوقي والشاذلي وبأبي مدين الغوث وبالأوزاعي وبجاه نقشبند وبكلّ الأولياء والصالحين.

هذا يشمل أكثر الناس أكثر العامة أما الأنبياء لا ينطبِقُ عليهم. وهناك حديثٌ آخر لا ينطبِقُ على الأنبياء مثل [لو أنّ لابنِ آدمَ واديًا منْ ذهب لتمنّى الثاني ولا يملأ فاه ابن آدم إلا التراب ويتوبُ اللهُ على مَنْ تاب] هذا أيضًا لا يشمَل الأنبياء ولا الأولياء لأنّ الأنبياء ومَنْ تحقّقَتْ لهم الولاية قلوبُهم ليست مُتعلِّقة بالدنيا ولا بالذهب،  بل بعضُهم كان يُقال عنه يدُ هذا الوليّ مثقوبة يعني لا يجمع المال كلّ ما يدخل إليه يُنْفِقُهُ لا يُمسِكُ المال لا يدَّخر، كل ما يأتيهِ يُنفقُه في سبيلِ الله.

مرةً سيّدُنا وإمامُنا ومولانا وملاذُنا وقدوتُنا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا ببركاتِه وعلومِه، كان راجعًا منْ سفر فوصلَهُ بعضُ الأموالِ هدية قبلَ أنْ يدخلَ البلد وكان قد جلسَ للاستراحة للصلاة وما شابه، فوصلَهُ صندوق ملىء بالمال، وهو في مكانِهِ قبلَ أنْ يدخلَ إلى البلد صار يُمسك منْ هذا المال ويقول هذا لفلان وهذا لبيتِ فلان وهذا لأيتامِ فلان وهذا لأرملةِ فلان, وزّعَ كلّ المال قبلَ أْن يقومَ منْ مجلِسِهِ لمْ يبقَ معه درهم ولا دينار وانتشر الخبر في البلد أنّ محمدَ بن إدريس الشافعي يوَزِّع المال، فوصلَ الخبر إلى أمِّهِ رحمها الله، جاءَ إلى بيتِهم ضرب الباب قالت له أمه مَنْ؟ قال محمد، اسمعوا إلى الأم التي ربَّتْ ولدَهَا على الزهد على حبِّ الآخرة على تعلّقِ القلبِ بالثواب بالجنة بالأجر بمساعدةِ الفقراء والأرامل والمحتاجين والمنكوبين والضعفاء، انظروا إلى هذه التربية العظيمة الراقية إلى هذه الأم المعلمة الأستاذة الشيخة رحمةُ اللهِ عليها، قالت هل بقيَ معكَ شىءٌ منْ هذا المال؟ ماذا يخطرُ الآن في بالِكمْ أنها تريدُ شيئًا لنفسِها؟ لا، أنها تعاتبُهُ لأنه وزّعَ الكلّ ولمْ يُبقِ لها شيئًا؟ لا، قال لا، قالت: لو كان بقي معك منه شىء لَما فتحتُ لك الباب، حتى تنفِقَ الكل.

هذا كان حالُهم، إذا كان هذا حالُ الإمام الشافعي وأبو حنيفة هكذا. الإمام الشافعي كانت تأتيهِ الأموال الطائلة، السيدة نفيسة رضي الله عنها كانت غنية وزوجُها منْ كبارِ التجار منْ أصحابِ الأموال والتجارات وكان يُعطيها كان يحترمُها ويحبُّها وهو قريبُها منْ أهلِ البيت وكان يعطيها مالًا كثيرًا منَ الذهبِ والفضة وهي تُرسل للشافعي، الشافعي كان يُعطيهِ لطلبةِ العلمِ وللفقراء والمحتاجين، هذه السيدة نفيسة هذا حالُها والشافعي هذا حالُه أبو حنيفة هذا حالُه، أبو حنيفة كان تاجرًا يعمل في بيعِ الخس، كان رضي الله عنه له مال كثير مِنْ شدةِ زهدِهِ مع غناه لم يتّخِذْ فراشًا لنفسِهِ للنومِ في الليل، أربعين سنة وهو يصلي الفجر بوضوء العشاء.

إذا كان هذا حال العلماء والأولياء فكيف بحالِ الأنبياء؟

فالحاصل هذا الحديث [لو أنّ لابنِ آدمَ واديًا منْ ذهب لتمنّى الثاني ولا يملأ فاه ابن آدم إلا التراب ويتوبُ اللهُ على مَنْ تاب] هذا لا يدخلُ فيه الأنبياء ولا الأولياء لأنّ قلوبَهم متعلِّقة بحبِّ الله بحبِّ الآخرة بالتصدّق وليس بمجمعِ المال وخزنِ المالِ للدنيا حاشاهم بل كانوا يُنفقونَهُ في سبيلِ الله.

ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان أجودَ خلقِ الله، أجود العالمين أجود الناس ولا سيّما في رمضا ن، كان أجود منَ الريح المُرسَلة.

مرةً سئِلَ عليه السلام غنمًا بين جبلين، تخيّلوا المسافة بين جبلين جاءَهُ إنسان طلبَ منه هذا الغنم أعطاهُ كلّ الغنم، ساقَ هذا الغنم رجل بين جبلين الغنم بمِلء الوادي وما بينَ الجبلين هذه الأغنام الرسولُ أعطاهُ إياها صلى الله عليه وسلم.

هذا الرجل ساقَ هذه الأغنام أخذها ومشى إلى قومِهِ قال لهم أسلِموا فإنّ محمدًا يُعطي عطاءَ مَنْ لا يخشى الفقر.

انظروا ماذا فعل الرسول بقلبِ هذا الرجل بعظيمِ كرمِهِ وجودِهِ وسخائِه صلى الله عليه وسلم.

فإذًا هذا الحديث [لو أنَّ لابنِ آدمَ واديًا منْ ذهب لتمنّى الثاني] لا يدخلُ فيه الأنبياء ولا الأولياء، وهذا الحديث أيضًا [إنّ اللهَ كتبَ على ابنِ آدمَ حظّهُ منَ الزنا] لا يدخلُ فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ثم ما وردَ في هذا الحديث منْ زنا العين واليد والرجل فهذا معناه مُقدِّماتٌ للزنا الحقيقي، هذا ليس معناه الزنا الحقيقي، ليس معناه الذي هو منَ الكبائر ويُقام الحدّ على مَنْ فعلهُ لا، إنما هذا معناه الزنا الذي يكونُ مقدِّمات إلى الزنا الأكبر والعياذُ بالله وهو منَ المحرّمات.

وهنا انتبهوا معي لعبارةٍ مرّت في آخر هذه الفائدة وهي أنّ الإنسانَ الذي كان عصى اللهَ وقعَ في ذنبٍ منْ هذه المعاصي ثم توضأَ وضوءًا صحيحًا شرعيًّا بالأركان والشروط واجتنبَ المبطِلات والمكروهات وجاء بالسنن هذا الوضوء الكامل، الرسول عليه السلام قال [مَنْ توضّأ كما أُمِر وصلّى كما أُمِر غُفِرَ له ما تقدّمَ منْ ذنبِه] يعني الوضوء الشرعي الكامل وفي بعض الأحاديث أنه إذا توضّأ هذا الوضوء خرجَتْ ذنوبُ وجهِهِ مع الماء الذي ينزل منَ الوجه وهكذا اليد حتى تخرجَ الذنوب منْ تحتِ الأظافر وتذهب مع الماء.

فإذًا الوضوء الكامل وليس كما يتوضأ أكثر الناس اليوم للأسف يتوضؤونَ وضوءًا خاليًا منَ السنن وهذا لا يليق ولا ينبغي لأصحاب الهمَم ولا يليق بالشباب، إذا كنتم في عمر الشباب وبعضُكم يتوضأ هكذا ألا تنظرونَ إلى العجائز والمرضى بعضُهم كيف يأتي بالسنن والوضوء الكامل؟ اقتدوا بهم، لا ينبغي أنْ تتوضأَ وضوءًا فيه كراهة أو تترك فيه السنن أو تُسرِف فيه منَ الماء.

قال عليه السلام [مَنْ توضّأَ كما أُمِر] يعني كما جاء في الشرع، كوضوءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هذا له بشرى بأنّ هذه المعاصي والذنوب تُمحَى عنه، لكن انتبهوا ليس معنى هذا أنْ تذهبَ فتعمل المعصية، أعوذُ بالله، وليس معنى هذا أنّ هذا الحديث يشَجّع الناس على المعصية كما يقول بعض مرضى القلوب حاشى، الرسول لا يشجّع الناس على المعاصي، لماذا يقول الرسول هذا الحديث؟ ليُعَلّم الناس أنّ هذه معاصي يجب تجنُّبُها وهي محرّمات لكنّها ليست الزنا الحقيقي وأنّ مَنْ توضّأَ وضوءًا شرعيًّا الله يغفرُ له لكنْ لا يقول أنا أتوضأ فتذهب عني ذنوبي لا، بل يجبُ عليه أنْ يتوب أنْ يندم لأنّ التوبةَ منَ الذنوبِ والمعاصي منْ جملةِ الواجبات وهي على الفور، التوبةُ واجبةٌ منْ كلِّ الذنوبِ الكبائر والصغائر على الفور لا تقل غدًا أتوب حرامٌ عليك، إنْ كنتَ واقعًا في معصية فتركتَ التوبةَ إلى الغد فأنتَ تاركٌ للواجب.

 ثم لا تقول أنا اليوم حصلت مني معصية الآن عندما أتوضأ للعشاء تذهب عني، ليس لك ذلك، عليك أنْ تتوبَ فورًا إلى الله منَ الكبائر والصغائر، كما تجبُ التوبة منَ الكبائر تجبُ منَ الصغائر وعلى الفور.

لماذا لا تعتمد على الوضوء؟ لأنك أنت لمْ تطّلِع على الغيب أنّ وضوءَك قُبِلَ منكَ بالشروط والسنن ونزلَت الذنوب عنك، لم تطّلِعْ على ذلك، إنما هذا الوعد لِمَنْ شاءَ اللهُ له لِمَنْ جاءَ بالشروط لأنّ منَ الناس مَنْ كان في عملِهم خلَل إنْ كان في النية أو في الأعمال فلا يحصُل لهم هذا السر، هذا السر يحصُل لِمَنْ جاءَ بالعمل على وفقِ الشرع أما الذي جاءَ بالعملِ مع الخلل ليس له هذا السر، لذلك يجبُ عليك أنْ تتوبَ فورًا منَ الكبائر والصغائر ولا تقول أنا أتوضأ فتذهب عني الصغائر، أصلًا أنت حرامٌ عليك أنْ تفعلَ الصغائر وحرامٌ عليك أنْ تفعلَ الكبائر لكنْ إنْ حصل يجب عليك أنْ تتوبَ فورًا منَ الكبيرة ومنَ الصغيرة ولا تقول تذهب مع الوضوء.

إياكَ أنْ يلعبَ بك الشيطان، إياكَ أنْ يخدَعَكَ الشيطان ويقول لك اعمَلْ هذه المعصية ثم تذهب مع الوضوء إياك، لأنّك قدْ والعياذُ بالله لا تُدرِك التوبة وقدْ لا تُدرك الوضوء وقدْ تموت وأنتَ مُتلَبِّس بهذه المعصية والعياذُ بالله.

ليَكُنْ عندَك خوف منَ الله فتَجْتَنِبَ الصغائر والكبائر تعظيمًا لأمرِ اللهِ تعالى خوفًا منَ اللهِ تعالى ليس لأجلِ الناس وليس خوفًا منَ الناس، هؤلاء الناس ماذا يفعلونَ لك؟ في الدنيا لا يستطيعونَ دفعَ المرضِ عنك ففي القبرِ ماذا يفعلون؟ هل يدفعونَ عنكَ عذاب القبر؟ لا والله، ولنْ يكونوا معك في قبرِكَ أنتَ تموتُ يحضُر مَنْ يحضُر فيدْفِنونَكَ يضعونَ التراب عليك ثم يذهبون وأنتَ وما عملت.

بعضُهم وهو ماشيًا في جنازتِكَ يغتابُك وأنت ميت وفي النعش وعلى أكتافِهم وهم يغتابونَك، بعض مَنْ يحضر في الجنائز لا يعتبر لا يتّعِظ لا يقول هؤلاء الناس الذين تحت التراب كانوا مثلَنا يلعبون ويضحكون ويأكلون ولهم أهل وأصحاب وأولاد وكانوا أشدّاء وأقوياء هم الآن تحت التراب وأنا حالي سيصير كما هم الآن، بعضُ الناس لا يعتبرون ينسى، وربّما لا يخطرُ في بالِه أنْ يترحّمَ عليك.

فالمطلوب منك أنْ تبكيَ على حالك وتتوبَ إلى الله على ما فعلتَ منَ الذنوب وتتدارَك ما قصّرْتَ فتأتي بما هو فرضٌ عليك قبلَ أنْ يُدرَكَكَ الموت فتصير تحتَ التراب وفي البرزخ وفي وقتٍ لا ينفعُ فيه الندم ولا البكاء.

لذلك يجبُ عليك أنْ تتوبَ فورًا منَ الكبائر والصغائر.

 وهنا فائدة أيضًا مَنْ كانَ عمِلَ ذنبًا منْ سنة أو قبل رمضان، وقعَ في محرّم لكنْ ما تاب لم يندمْ، لا تظنّ أنّ هذا الذنب ذهبَ عنك، أنتَ تلزَمُكَ التوبة  فحاسِبْ نفسَكَ منْ سنة أو منْ عشر سنين من عشرين سنة هناك تبِعات حقوق لبني آدم في ذمّتِكَ عليك أنْ تؤَدِّيَها، عليك قضاء صلوات قضاء صيام قضاء زكاة عليك أنْ تؤدّيَها وإلا فهي في ذمّتِكَ، ذمّتُكَ مشغولةٌ بها تُسأل عنها يومَ القيامة، نسألُ اللهَ أنْ يتوبَ علينا وأنْ يغفرَ لنا وأنْ يرحمَنا وأنْ يُحسِنَ عاقبَتَنا في الأمورِ كلِّها).

وقال الحافظُ الهرري رضي الله عنه: الإنسانُ إذا أصلحَ ما بيننَهُ وبينَ ربِّه  فلا يُبالي بالناس

(يعني ليست العبرة بالناس ولا بما عند الناس، أكثر الناس غوغاء يحبونَ مَنْ يُداهِن، يحبونَ مَنْ يضحك لهم ويسكت على ضلالاتِهم أو على زلّاتِهم أو على مُنكَراتِهم أو على عيوبِهم.

كثير منَ الناس إذا نصحتَهم (بيزعلوا منك) مَنْ يفرح بك إذا شجّعتَهُ على المعصية؟ الفاسد، أهل الدنيا، أما الأتقياء هؤلاء إنْ حصلَتْ منهم معصية فنصَحْتَهم يفرحونَ بك ويخافونَ منَ الله فيَرجِعونَ عن المعصية خوفًا منَ الله وليس خوفًا منك ولا منَ الناس.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه هذا الرجل العظيم الكبير العملاق على المنبر قال أصابت امرأة وأخطأ عمر.

الغوغاء الذين يُحَسِّونَ لك الفساد ويفرحونَ لك بالمعاصي ويُشجعونَكَ على الرذالات ويُهَيِّئونَ لك الأسباب للفساد هؤلاء لو ملأوا السهلَ والوادي ولوْ غطَّوا وجهَ البحر والجبال كالعدم لا عبرةَ بهم، العبرة بأحبابِ اللهِ بالأولياء بالصُّلَحاء بالأتقياء بالأخيار بالأصفياء، أما الغوْغاء لا عبرةَ بهم لذلك لا تحكُمْ على المقياس الذي عندَ أهل الدنيا بل حكِّم الشرع في أمورِكَ وليَكُن الشرع هو المنهاج وهو الطريق وهو المُوَجِّه لك لا تقل فلان رضي عني، قد يكونُ فاسدًا ويُمَشّي لك الفساد، رئيس زعيم قاضي شيخ مسؤول مدير شركة رضي عنك لماذا؟ لأيِّ غرض رضي عنك؟ انظر إلى نفسك حاسِبْ نفسَك أنتَ تُداهِن مع الفسّاق والفاسدين مع الفجار ليَرضَوا عنك؟ إنْ كنتَ أمينًا صادقًا في النصيحة فهؤلاء الناس وهذه النوعية لنْ تحبّك، المطلوب أنْ تكونَ عندَ اللهِ منَ المرضيين، أليس اللهُ عز وجل أخبرَنا في القرآن الكريم عن هؤلاء السادات العِظام قال {رضيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه}[المائدة/١١٩] هذا هو المقياس والميزان.

أليس قال الرسول عليه السلام [مَنْ أرضى الناس في سخط الله فقد سخِطَ اللهُ عليه وأسْخَطَ عليه الناس] – يعني الأخيار –

إذًا العبرةُ بما عندَ الله وليست العبرة بما عند الناس لا سيّما الفسّاق الفجّار، بل العبرة بالأخيار بالأتقياء بالأولياء ينصحونَك ويقبَلونَ منك النصيحة ويفرَحونَ بك لأنّهم يعلمونَ بقولِ اللهِ تعالى {الأخِلّآء يومَئذٍ بعضُهُمْ لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين}[الزخرف/٦٧] هؤلاء موَدّتُهم تنفعُهم يومَ القيامة يكونونَ  على منابر من نور في ظلّ العرش في فرح وأنسٍ وسرور في لذةٍ وحُبور في اطمئنانٍ وسعادة في الوقتِ الذي يكونُ فيه أكثر الناس في حرِّ الشمس يبكون في خوف في قلق في فزع، هؤلاء الأتقياء الذين تحابُّوا في اللهِ في الدنيا يكونون على منابرَ من نورٍ في ظلّ العرش.

اللهُ يقولُ في الحديث القدسيّ ((حقَّتْ محبّتي للمُتَحآبّينَ فيّ)) إذًا يا إخواني لا ترَوا الغوغاء هم الميزان، الميزان هو الشريعة، لا ترَوا الغوغاء والفاسقين والفاسدين إذا رضُوا عنكم في الدنيا فأنتم عند الله منَ المَرضيين؟ لا بل على العكس إذا رضيَ عنك الفسّاق فقد تكون عندَ اللهِ منَ المسخوطِ عليهم فاتّقِ اللهَ وراقبْ نفسَكَ هل تُداهِنْ على حسابِ الدين؟ هل تداهن على حساب الشريعةِ ليرضى عنك الفساق والفُجّار؟ الذي يقول الحق يطلُع له أعداء، يطلُعُ له مَنْ يسبُّه مَن يفتري عليه مَن يشتمُه مَنْ يركّب الإشاعات والأباطيل والأراجيف في الليل والنهار وأنتم تعرفون ماذا يحصُل في هذه مواقع التواصل، نطلُع نحنُ نحذّر من أهل الضلال بعضُ الناس لا يُعجبُهم، فهؤلاءِ الفاسدين ومرضى القلوب مِنْ غيرِهم وهؤلاء الضُّلّال منْ هناك وهؤلاء الفجّار من الجهةِ الرابعة وهؤلاء الذين أعْمى اللهُ قلوبَهم منَ الجهةِ الخامسة وهؤلاء الذين لا يعرفونَ الحقَّ منَ الباطلِ منَ الجهةِ السادسة لا يُعجِبُهم فيُرَكِّبونَ علينا الإشاعات والأراجيف والأباطيل والأفلام المركبة وأحيانًا يأخذون مقاطع ومواضع منْ بعضِ الدروس والخُطَب من بعضِ الفيديوهات، يأخذونَ مقاطع مبتورة ويضعونَ العبارات كما يريدونَ لتنْفيرِ الناس منَ العلم والدين.

بيننا وبينَهم شخصيًّا لا يوجَد شىء، إذًا لماذا يُنَفِّرونَ الناسَ منَ العلم؟ لأنّنا بالعلم فضَحْنا جهلَهم، نحنُ ليس بينَنا وبينَهم لا منافسة على أبواب السفارات ولا في أقسام التجارات ولا على الدنيا والسجادات إنما نحنُ نتكلم بالعلم.

بعضُ الناس لا يروق لهم يريدون منا أنْ نُداهِنَهم أو أنْ نكونَ معهم على فسادِهم فلا يُعجِبُهم فيَكذِبون ويُرَكِّبونَ الإشاعات والأباطيل، لكنْ نقول:

إلى ديّانِ يومِ الدينِ نمضي وعندَ اللهِ تجتمعُ الخصومُ

ونقول {وما اللهُ بغافلٍ عمّا تعملون}[البقرة/٧٤]

لنا ولكم موقفٌ، قال اللهُ تعالى {وقِفوهمْ إنّهم مسئولون}[الصافات/٢٤]

فلا ترَوا أنّ رضا الكفار والفسّاق هو المقياسُ والميزان على العكس لأنّ إنْ داهَنْتَهم يَرْضَوْنَ عنك، أما إنْ نصَحْتَهم وقلتَ الحق يُبغِضونَكَ فلا تنظر لهؤلاء إنما انظرْ أنْ تكونَ عندَ الله منَ المَرضيين).

 

قال الإمام الهرري: قال السلف الصالح “مَنْ أصلحَ ما بينَه وبينَ ربِّهِ فلا يُبالِ بالناس” معناه إذا كنتَ في حالةِ الرضا عندَ الله تطيعُهُ فيما أمر وتنتهي عمّا نَهى وتقومُ بالواجبِ في حقِّ نفسِكَ وفي حقِّ غيرِكَ منَ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر فأنت بخير عندَ اللهِ إنْ رضيَ الناسُ عنك وإنْ لمْ يرْضَوا.