الأحد ديسمبر 22, 2024

ما أنشد الشادي وحادٍ غردا قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *} [سورة يس]

لأهل السنة في شرح هذه الآية تفسيران أما الأول وهو ما قال به إمام الهدى أبو منصور الماتريدي: أن الله تعالى يوجد الأشياء بدون تعب ومشقة وبدون ممانعة أحد له، أي أنه يخلق الأشياء التي شاء أن يخلقها بسرعة بلا تأخر عن الوقت الذي شاء وجودها فيه، فمعنى {…كُنْ فَيَكُونُ *} يدل على سرعة الإيجاد وليس معناه كل ما أراد الله خلق شىء يقول كن كن كن، وإلا لكان معنى ذلك أن الله كل الوقت يقول «كن كن كن» وهذا محال لأن الله عزّ وجل يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر.

ثم «كن» لغة عربية والله تعالى كان قبل اللغات كلها وقبل أصناف المخلوقات فعلى قول المشبهة يلزم أن يكون الله ساكتا قبل ثم صار متكلما وهذا محال لأن هذا شأن البشر وغيرهم، وقد قال أهل السنة: الحرف والصوت عرضان، فلو كان يجوز على الله أن يتكلم بالحرف والصوت لجاز عليه كل الأعراض من الحركة والسكون والبرودة واليبوسة والألوان والروائح والطعوم وغير ذلك وهذا محال، وقال أهل السنة أن الله تعالى خلق بعض العالم متحركا دائما كالنجوم وخلق بعض العالم ساكنا دائما كالسماوات، وخلق بعض العالم متحركا في وقت وساكنا في وقت ومنهم الإنس والجن والملائكة والبهائم والرياح والنور والظلام والظلال، وهو سبحانه وتعالى لا يشبه شيئا من هذه العوالم كلّها.

قال أبو بكر الباقلاني (403هـ) في «الإنصاف» ما نصه[(518)]: «ويدل عليه قول شيخ طبقة التصوف الجنيد رحمه الله، فإنه قال: جلت ذاته عن الحدود، وجل كلامه عن الحروف، فلا حد لذاته، ولا حروف لكلامه» اهـ.

وأما التفسير الثاني لأهل السنة فهو قول الأشاعرة كالبيهقي فإنه يقول: إن الله يخلق الخلق بكن أي بالحكم الأزلي بوجوده فالآية عندهم عبارة عن أن الله تعالى يخلق العالم بحكمه الأزلي، وحكمه سبحانه كلامه الأزلي ليس كلاما مركبا من حروف ولا صوت.

وأما ما ذهبت إليه المجسمة من أن الله ينطق بالكاف والنون عند خلق كل فرد من أفراد المخلوقات فهو سفه لا يقول به عاقل لأنهم قالوا قبل إيجاد المخلوق ينطق الله بهذه الكلمة المركبة من كاف ونون فيكون خطابا للمعدوم، وإن قالوا إنه يقول ذلك بعد إيجاد الشىء قلنا لا معنى لإيجاد الموجود.

وأما التفسيران اللذان ذهب إليهما أهل السنة فإنهما موافقان للعقل والنقل، ثم إنه يلزم على قول المجسمة بشاعة كبيرة وهي أن الله تبارك وتعالى لا يفرغ من النطق بـ «كن» وليس له فعل إلا ذلك، لأنه في كل لحظة يخلق ما لا يدخل تحت الحصر. فكيف يصح في العقل أن يخاطب الله كل فرد من أفراد المخلوقات بهذا الحرف.

كيف يُعقل أن ينطق الله تعالى بالكاف والنون بعدد كل مخلوق يخلقه فإن هذا ظاهر الفساد لأنه يلزم عليه أن يكون الله ليس له كلام إلا الكاف والنون. فما أبشع هذا الاعتقاد المؤدّي إلى هذه البشاعة.

ثم إن الله ما وصف نفسه بالنطق إنما وصف نفسه بالكلام أي بأنه متكلم فلو كان كلام الله نطقًا لجاءت بذلك ءآية من القرءان.

والموجود في القرءان الكلام والقول وهما عبارة عن معنًى قائم بذات الله أي ثابت له معناه الذكر والإخبار وليس نطقا بالحروف والصوت. وقد ألّف الحافظ أبو المكارم المقدسي – وقيل أبو الحسن – جزءا في تضعيف أحاديث الصوت على وجه التحقيق، والبيهقي رحمه الله قد صرّح بأنه لا يصح حديث في نسبة الصوت إلى الله.

وأما ما في كتاب فتح الباري في كتاب التوحيد من القول بصحة أحاديث الصوت فهو مردود، وابن حجر نفسه في كتاب العلم ذكر خلاف ما ذكره في كتاب التوحيد، على أنّ ما ذكره في كتاب التوحيد من إثبات الصوت قال إنه صوت قديم ولم يحمله على الظاهر الذي تقوله المشبهة أنه صوت حادث يحدث شيئا فشيئا يتخلله سكوت كما قال زعيم المشبهة ابن تيمية إن كلامه تعالى قديم النوع حادث الأفراد، ومثل ذلك قال في إرادة الله وكلا الأمرين باطل. (والحافظ ابن حجر العسقلاني) لا يعتقد قيام الحادث بذات الله، فشرحه هذا مشحون بذكر نفي الحركة والانتقال ونحو ذلك عن الله تعالى في مواضع كثيرة، فهو يؤول الأحاديث التي ظاهرها قيام صفة حادثة بذات الله على غير الظاهر. على طريقة أهل السنة.

ثم إنه يلزم من قول المشبهة إن الله يخلق بلفظ كن الذي هو لفظ مركب من حرفين يوجدان بعد عدم ويسبق أحدهما الآخر خَلْقُ المخلوق بالمخلوق وهذا محال، إنما يخلق الله المخلوقات بقدرته القديمة ومشيئته القديمة وعلمه القديم.

ولأهمية هذا الموضوع ننقل بحثًا نفيسًا وجوهرًا ثمينًا للمحدث الشيخ الإمام المفسر القدوة المرجع الحجة المجدد المجتهد شيخ الإسلام والمسلمين ورأس المحققين والمدققين في هذا العصر أبو عبد الرحمـن عبد الله بن محمد بن يوسف ابن جامع بن عبد الله الهرري الحبشي الشيبي العبدري رضي الله تعالى عنه وأرضاه من كتابه المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية يبيّن أن ابن تيمية متورطٌ بأوحال التشبيه والتجسيم قائل بحلول الحوادث في ذات الله وينسب إلى الله أنه يتكلم بحرف وصوت والعياذ بالله من الزيغ والكفر والضلال مع رده عليه ردًا متقنًا موثقًا مبينا تنزيه الله عن ذلك بإراد عقيدة أهل السنة والجماعة المؤيدة بالقرآن والحديث والإجماع، قال العلامة الهرري ما نصه:

ـ[518]       الإنصاف (عالم الكتب، الطبعة الأولى 1407هـ، ص152).