الأحد ديسمبر 22, 2024

لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ

 

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَأَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَإِنَّ خَيْرَ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.

وَيَقُولُ الْحَبِيبُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الإِنْجِيلُ لِثَلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْقُرْءَانُ لأِرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ“.

فَكَمْ هُوَ عَظِيمٌ شَهْرُ رَمَضَانَ، كَمْ هِيَ عَظِيمَةٌ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَكَلامُنَا الْيَوْمَ عَنْ لَيْلَةِ اللَّيَالِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْعَظِيمَةِ.

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ أُنْزِلَ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ وَهُوَ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ.

ثُمَّ صَارَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يُنْزِلُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ مَا يُؤْمَرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَسَبِ الأَسْبَابِ وَالْحَوَادِثِ إِلَى أَنْ تَمَّ نُزُولُهُ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةٍ.

﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ أَيْ وَمَا أَعْلَمَكَ يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَالتَّشْوِيقِ إِلَى خَبَرِهَا وَهَذَا لِتَعْظِيمِ شَأْنِهَا.

وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ قَدْ تَكُونُ فِي أَيِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ وَلَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ. فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَالْحِكْمَةُ مِنْ إِخْفَائِهَا لِيَتَحَقَّقَ اجْتِهَادُ الْعِبَادِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ كُلِّهَا طَمَعًا مِنْهُمْ فِي إِدْرَاكِهَا،كَمَا أَخْفَى اللَّهُ سَاعَةَ الإِجَابَةِ فِي الْجُمُعَةِ.

﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ أَيْ أَنَّ الْعِبَادَةَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِيَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَثَلاثَةَُ أَعْوَامٍ وَثُلُثُ عَامٍ .

﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ جَمْعٍ كَبِيرٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَيَنْزِلُونَ بِكُلِّ أَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ وَءَاجَالِهِمْ إِلَى قَابِلٍ أَيْ إِلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ لأِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَتِمُّ فِيهَا تَقْسِيمُ الْقَضَايَا الَّتِي تَحْدُثُ لِلْعَالَمِ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَى مِثْلِهَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي كَبْكَبَةٍ (أَيْ جَمَاعَةٍ) مِنَ الْمَلائِكَةِ يُصَلُّونَ وَيُسَلِّمُونَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ قَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْزِلُونَ مِنْ لَدُنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ“.

وَالْمَلائِكَةُ إِخْوَةَ الإِيْمَانِ أَجْسَامٌ نُورَانِيَّةٌ، لا يَأْكُلُونَ وَلا يَشْرَبُونَ وَلا يَنَامُونَ وَلا يَتَنَاكَحُونَ لَيْسُوا ذُكُورًا وَلا إِنَاثًا لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.

﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ أَيْ أَنَّهَا خَيْرٌ وَبَرَكَةٌ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ سَلامٌ وَخَيْرٌ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَلا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا سُوءًا أَوْ أَذًى وَتِلْكَ السَّلامَةُ تَدُومُ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.

وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَائِلاً: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَمِنْ عَلامَاتِ رُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ رُؤْيَةُ نُورٍ خَلَقَهُ اللَّهُ غَيْرِ نُورِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَهْرَبَاءِ، أَوْ رُؤْيَةُ الأَشْجَارِ سَاجِدَةً. وَمِنْ عَلامَاتِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ صَبِيحَتَهَا لَطِيفَةً، أَوْ سَمَاعُ صَوْتِ الْمَلائِكَةِ وَمُصَافَحُتُهُمْ، أَوْ رُؤْيَتُهُمْ عَلَى أَشْكَالِهِمُ الأَصْلِيَةِ ذَوِي أَجْنَحِةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ. فَإِنْ تَشَكَّلُوا بِشَكْلِ بَنِي ءَادَمَ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ بِصُوَرِ الذُّكُورِ مِنْ غَيْرِ ءَالَةِ الذُّكُورَةِ لا بِصُوَرِ الإِنَاثِ.

وَمَنْ حَصَلَ لَهُ رُؤْيَةُ شَىْءٍ مِنْ عَلامَاتِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَقَظَةً فَقَدْ حَصَلَ لَهُ رُؤْيَةُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَنْ رَءَاهَا فِي الْمَنَامِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى خَيْرٍ لَكِنَّهُ أَقَلُّ مِنْ رُؤْيَتِهَا يَقَظَةً، وَمَنْ لَمْ يَرَهَا مَنَامًا وَلا يَقَظَةً وَاجْتَهَدَ فِي الْقِيَامِ وَالطَّاعَةِ وَصَادَفَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ نَالَ مِنْ عَظِيمِ بَرَكَاتِهَا. وَقَدْ سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا إِذَا رَأَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمَ تَدْعُو، قَالَ لَهَا: “قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي“.

فَهَلُمُّوا إِخْوَةَ الإِيْمَانِ لِلاِجْتِهَادِ بِالطَّاعَةِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي الْعَظِيمَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمُتَبَقِّيَةِ مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ قِيَامٍ وَذِكْرٍ وَتِلاوَةٍ، وَأُذَكِّرُكُمْ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَلْيَشْتَغِلْ بِالْقَضَاءِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ

عِبَادَ اللَّهِ: تَكَلَّمْنَا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْمُبَارَكَةِ وَسَنَتَكَلَّمُ أَيْضًا عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ ءَاخَرَ عَنِ الزَّكَاةِ، وَوَقْتُنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ لا يَسَعُ لِسَرْدِ تَفَاصِيلِ الزَّكَاةِ وَلَكِنْ مَا أَرَدْنَاهُ هُوَ أَنْ نُذَكِّرَ بِهَذِهِ الْفَرِيضَةِ الْعَظِيمَةِ، وَأَنْ نُذَكِّرَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ الْمُبَارَكِ بِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَمَا أَحْوَجَنَا الْيَوْمَ وَنَحْنُ فِي عُسْرَةٍ أَنْ تَتَحَرَّكَ قُلُوبُ الأَغْنِيَاءِ لِدَعْمِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمُسَاعَدَةِ الْفُقَرَاءِ، أَنْ تَتَحَرَّكَ صَنَادِيقُ الأَثْرِيَاءِ لإِسْعَافِ الْمَنْكُوبِينَ وَأَهْلِ الضَّرُورَاتِ، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْفُقَرَاءُ بَابَ الْقَنَاعَةِ.

وَاعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيْمَانِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلاَّ إِلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْقُرْءَانِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سُورَةَ التَّوْبَةِ|60]. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ بِالْجِهَادِ فَيُعْطَوْنَ مَا يَحْتَاجُونَهُ لِلْجِهَادِ فَلا يَصِحُّ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بِكُلِّ عَمَلٍ خَيْرِيٍّ لأِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ عَالِمٌ مِنْ أَهْلِ الاِجْتِهَادِ.

إِعْلَمْ يَا أَخِي الْمُسْلِمَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الْفَرَائِضَ هِيَ أَفْضَلُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْفَرَائِضِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِشَهْرِ رَمَضَانَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَأُكَلِّمُكُمُ الْيَوْمَ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُذَكِّرًا بِهَذِهِ الْفَرِيضَةِ الْعَظِيمَةِ حَتَّى لا نَنْسَى دَفْعَهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا فِي هَذَا الْشَهْرِ الْكَرِيْمِ.

فَزَكَاةُ الْفِطْرِ هِيَ زَكَاةٌ عَنِ الْبَدَنِ لا عَنِ الْمَالِ، فَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَذَلِكَ بِإِدْرَاكِ غُرُوبِ شَمْسِ ءَاخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ، فَلا تَجِبُ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ غِنًى، وَالْمُرَادُ بِالْغِنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّخْصِ مَالٌ يُخْرِجُهُ زَكَاةً فَاضِلاً عَنْ دَيْنِهِ وَمَسْكَنِهِ وَكِسْوَتِهِ وَقُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ فَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ غَنِيَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ يَوْمَ الْعِيدِ لا يَجِبُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ، أَمَّا لَوْ وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَاسْتَمَرَّ حَيًّا حَتَّى يَوْمَ الْعِيدِ فَيُزَكَّى عَنْهُ.

وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهِ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الْبُلُوغِ وَكُلِّ قَرِيبٍ هُوَ فِي نَفَقَتِهِ أَيْ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ كَالآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ الْفُقَرَاءِ أَمَّا إِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُمْ، وَلا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنِ الْكَافِرِ.

وَلا يَصِحُّ إِخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنِ الْوَلَدِ الْبَالِغِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَغْفُلُونَ هَذَا الْحُكْمَ فَيُخْرِجُونَ عَنِ الْوَلَدِ الْبَالِغِ بِدُونِ إِذْنِهِ.

عِبَادَ اللَّهِ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ مَعَ الإِفْرَازِ، وَالإِفْرَازُ هُوَ عَزْلُ الْقَدْرِ الَّذِي يَكُونُ زَكَاةً، كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ: هَذِهِ زَكَاةُ بَدَنِي، وَذَلِكَ لِقَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَالسُّنَّةُ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ وَقَبْلَ الصَّلاةِ أَيْ صَلاةِ الْعِيدِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا فِي رَمَضَانَ وَلوْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بِشُرُوطِ التَعْجِيلِ أَيْ تَعْجِيلِ الزَكَاةِ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ بِلا عُذْرٍ. وَزَكَاةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ عَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِالْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَالْمُدُّ هُوَ حَفْنَةُ كَفَّيْنِ مُعْتَدِلَتَيْنِ.

وَلا بُدَّ لَنَا أَنْ نُذَكِّرَكُمْ بِأَنَّ جَمْعِيَّةَ الْمَشَارِيعِ الْخَيْرِيَّةِ الإِسْلامِيَّةِ تَلْتَزِمُ تَوْزِيعَ الزَّكَاةِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ لا تُسَلَّمُ إِلاَّ لِمَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى تَوْزِيعِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا مِمَّنْ تَفَقَّهَ فِي أَحْكَامِهَا، فَإِنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى دِينِ الْمُسْلِمِينَ عَقِيدَةً وَأَحْكَامًا وَأَنَارَ الْمَنَابِرَ وَالْمَحَارِيبَ بِعِلْمِ الدِّينِ الصَّافِي مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيصَالِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لِمُسْتَحِقِّيهَا. مَنْ كَانَ عِنْدَهُ الأَمَانَةُ فِي الْعِلْمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ الأَمَانَةُ فِي الْمَالِ فَإِنَّ الأَمَانَةَ فِي الْعِلْمِ أَهَمُّ مِنَ الأَمَانَةِ فِي الْمَالِ.

وَفِي الْخِتَامِ لا بُدَّ لِي أَنْ أُذَكِّرَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة|261].

هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.