قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلا مَخْلُوقَ.
الشَّرْحُ يَعْنِى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ مُتَّصِفًا بِالْخَالِقِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَخْلُوقِينَ وَالْمَرْبُوبِينَ، نَحْنُ الْعَالَمُ مَرْبُوبُونَ لِلَّهِ أَىْ مَخْلُوقُونَ لَهُ فَقَبْلَ وُجُودِنَا كَانَ تَعَالَى مُتَّصِفًا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَبِصِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ لَمْ تَحْدُثْ لَهُ صِفَةُ الرُّبُوبِيَّةِ بِوُجُودِنَا وَلا الْخَالِقِيَّةِ بِوُجُودِ الْمَخْلُوقِينَ.
صِفَاتُ الأَفْعَالِ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ كَصِفَاتِ الذَّاتِ فِى الأَزَلِيَّةِ وَحُجَّتُهُمْ ظَاهِرَةٌ مَا فِيهَا إِشْكَالٌ فَإِذَا قِيلَ أَحْيَا اللَّهُ كَذَا أَوْ أَمَاتَ كَذَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا هَذَا الْمَخْلُوقَ الْجَائِزَ الْعَقْلِىَّ بِصِفَتِهِ الَّتِى هِىَ أَزَلِيَّةٌ وَهِىَ صِفَةُ الإِحْيَاءِ فَالْمُحْيَا حَادِثٌ أَمَّا إِحْيَاءُ اللَّهِ لَهُ فَهُوَ أَزَلِىٌّ وَكَذَلِكَ يُقَالُ عِنْدَهُمْ فِى إِمَاتَةِ اللَّهِ لِمَنْ يُمِيتُ مِنْ خَلْقِهِ إِمَاتَةُ اللَّهِ لِهَذِهِ الأَشْيَاءِ الَّتِى يُمِيتُهَا صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لَهُ لَكِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ الَّتِى تَتَّصِفُ بِالْمَوْتِ هِىَ الْمُحْدَثَةُ. وَهَذَا لا إِشْكَالَ فِيهِ لِمَنْ فَهِمَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ وَهَذَا الأَمْرُ يَضْطَرِدُ فِيمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْعَدَ السُّعَدَاءَ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ أَشْقَى الأَشْقِيَاءَ مِنْ خَلْقِهِ فَالإِسْعَادُ وَالإِشْقَاءُ اللَّذَانِ هُمَا صِفَتَانِ أَزَلِيَتَانِ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ أَزَلِيَّةِ الْمُشْقَى أَوِ الْمُسْعَدِ فَالْعِبَادُ الَّذِينَ يُشْقِيهُمُ اللَّهُ مُحْدَثُونَ وَشَقَاوَتُهُمْ حَادِثَةٌ وَكَذَلِكَ الْعِبَادُ الَّذِينَ أَسْعَدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى هُمْ مُحْدَثُونَ وَسَعَادَتُهُمْ حَادِثَةٌ أَمَّا إِشْقَاءُ اللَّهِ لِلَّذِينَ أَشْقَاهُمْ وَإِسْعَادُ الَّذِينَ أَسْعَدَهُمْ أَزَلِىٌّ.
وَهَذَا الِاعْتِقَادُ كَانَ هُوَ اعْتِقَادُ السَّلَفِ وَلَوْ لَمْ يُشْهَرْ هَذَا التَّعْبِيرُ عَنْهُمْ لَكِنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا وَقَدْ صَرَّحَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى بَعْضِ رَسَائِلِهِ بِأَنَّ فِعْلَ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ فِى الأَزَلِ وَمَفْعُولَهُ حَادِثٌ وَهُوَ فِى النِّصْفِ الأَوَّلِ مِنْ عَصْرِ السَّلَفِ [السَّلَفُ يَنْتَهِى عَصْرُهُ بِالثَّلاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ هِجْرِيَّةً] فَلا يُقَالُ لَوْ كَانَ هَذَا مُعْتَقَدَ السَّلَفِ كَانَ يُسْمَعُ مِنْ فُلانٍ وَفُلانٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. فَلا يَضُرُّ مُثْبِتَ الْقِدَمِ لِصِفَاتِ الأَفْعَالِ عَدَمُ ظُهُورِ هَذَا التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ أَىِ الْقَوْلِ بِأَنَّ صِفَاتِ الأَفْعَالَ قَدِيمَةٌ فَاشْتِهَارُ هَذَا لَيْسَ شَرْطًا فِى ثُبُوتِ اعْتِقَادِ السَّلَفِ لِذَلِكَ.
أَمَّا الأَشَاعِرَةُ أَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ يُحْيِى مَنْ شَاءَ أَىْ يُحْدِثُ فِيهِ الْحَيَاةَ بِقُدْرَتِهِ فَالإِحْيَاءُ عِنْدَهُمْ أَثَرُ الْقُدْرَةِ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ لِذَلِكَ تَجَرَّأُوا عَلَى قَوْلِهِمُ الإِحْيَاءُ صِفَةُ فِعْلٍ حَادِثَةٌ، عِنْدَهُمْ هَكَذَا لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ أَمَّا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ إِحْيَاءَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ وَحَادِثٌ فَلَيْسَ مِنْ مُعْتَقَدِهِمْ فَلا يَلْزَمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا وَصَفُوا اللَّهَ بِالْحُدُوثِ وَلا أَنْ يَكُونُوا نَسَبُوا إِلَيْهِ صِفَةً حَادِثَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ فِى الإِمَاتَةِ وَكَذَلِكَ فِى الإِسْعَادِ وَالإِشْقَاءِ وَقَدْ نَاقَشَ كَثِيرٌ مِنَ الأَشَاعِرَةِ الْمَاتُرِيدِيَّةَ فِى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا بِأَنَّهُ يَلْزَمُكُمْ عَلَى مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ جَعْلَ الْمُكَوَّنِ أَزَلِيًّا قَدِيمًا.
فَبَعْدَ اتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّهُ لا يَقُومُ بِذَاتِ اللَّهِ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِى الأَزَلِ لَيْسَ فِى اخْتِلافِهِمْ هَذَا مَا يَضُرُّ فِى أَصْلِ الِاعْتِقَادِ بَلْ هَذَا اخْتِلافٌ لَفْظِىٌّ اخْتِلافٌ فِى التَّعْبِيرِ وَكِلا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى هُدًى إِنَّمَا الضَّرَرُ الأَعْظَمُ وَالْكُفْرُ وَالإِلْحَادُ هُوَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُومُ بِهِ صِفَةٌ حَادِثَةٌ كَابْنِ تَيْمِيَةَ.