ليعلم أنَّ الأنبياء يستحيل أن يكون منهم من هو تَأْتَاءٌ([1]) أو أَلْثَغُ([2]) أو فَأْفَاءٌ([3])، أي: يكرر حرف التاء أو الفاء عدة مرّاتٍ عند النطق به، فليس فيهم من هو عَيِيٌّ يعجز عن التعبير، ولا من هو مَعيْبٌ بعلّة لسانيّة تحبسه عن النطق؛ بل كلُّ الأنبياء فصحاء بلغاء يُخرجون الحروف من مخارجها وينطقون بها بشكل صحيح من المرة الأولى ولا يتلعثمون حين يتكلمون.
وأمَّا ما يُفترى على سيدنا موسى عليه السلام من أنه كان تأتاءً أو ألثغ فهو غير صحيح ألبتة، والصحيح أنه تأثر لسانُه عليه السلام بالجمرة التي تناولها ووضعها في فمه حين كان طفلًا أمام فرعون وذلك لحكمة، فصار في لسانه عقدة خفيفة، ولكن كان كلامه مُفْهِمًا لا يُبدل حرفًا بحرفٍ؛ بل يتكلم بلسانٍ مُبيْنٍ سليم من العيوب، ولـمَّا نزل عليه الوحي دعا الله تعالى قائلًا: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27، 28] فأذهبها اللهُ سبحانه عنه.
قال المفسرون كالطبريّ وأبي حيان وغيرهم: «إن فرعون كان قد وضع موسى عليه السلام وهو طفل صغير في حِجْرِهِ، فأخذ موسى بلحية فرعون ومدَّها بيده فَهَمَّ فرعون بقتله فخافت عليه زوجته آسية وقالت لفرعون: إنه طفل لا يعقل، وسأريك بيان ذلك: قَدّمْ إليه جمرتين ولؤلؤتين فإن اجتنب الجمرتين عرفتَ أنه يعقل، فلمَّا وضعت الجمرتين أمام موسى عليه السلام أخذ موسى – لحكمة – جمرة منهما ووضعها في فمه، فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة خفيفة من أثر هذه الجمرة، لكن بقي كلامه بعد ذلك مع الناس مفهمًا وواضحًا؛ بل كان عليه السلام يتكلّم على الصواب، وقد سأل موسى عليه السلام ربَّهُ لـمَّا نزل عليه الوحي أن يزيل هذه العقدة من لسانه فاستجاب الله له وأذهبها عنه»([4]).اهـ.
[1])) «رجل تاتاء على فعلال وفيه تأتأة: يتردد في التاء إذا تكلّم».اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ت أ ت أ)، (1/40).
[2])) «اللَّثَغ محرَّكة واللُّثْغة بالضم: تحوُّل اللسان من السين إلى الثاء أو من الراء إلى الغين أو اللام إلى الياء أو من حرف إلى حرف أ وأن لا يتم رفع لسانه وفيه ثقل».اهـ. القاموس المحيط، الفيروزأبادي، مادة: (ل ث غ)، (1/1017).
[3])) «هو الذي يكثر ترداد الكلام إذا تكلم، أو هو مردّد الفاء ومكثرة في كلامه إلا تكلّم، وهو قول المبرد، وفيه فأفأةٌ، أي: حبسة في اللسان وغلبة الفاء على الكلام».اهـ. تاج العروس، الزبيدي، مادة: (ف أ ف أ)، (1/341).
[4])) جامع البيان، الطبريّ، (18/300). البحر المحيط، أبو حيان، (7/328).