الأحد ديسمبر 7, 2025

للصائم فرحتان

يا أيها الصائمون أبشروا بوعد الله الذي وعدكم، فلا يخلف في وعده {إن الله لا يخلف الميعاد} [سورة ءال عمران: 9]؛ لأن الكذب مستحيل عليه. أبشروا فإن صيامكم مضاعف أجره وإن لكم فرحة يوم لقاء ربكم حين تجدون أعمالكم، حين تجدون ثواب صيامكم مدخرا لكم أحوج ما تكونون إليه. أبشروا بفضل الله وكرمه وجوده، أبشروا بهذا الفضل العظيم والعطاء الجزيل من رب العالمين واشكروا الله على مزيد فضله وإنعامه.

فقد ورد الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى: «كل عمل ابن ءادم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، الصوم جنة».

أما فرحه في الدنيا عند فطره عندما يستكمل صيام اليوم لعودة قوته إليه فيفرح بنعمتين: نعمة الله عليه بالصيام أن الله وفقه فصام هذا اليوم، ونعمته عليه لتناول الطيبات التي أحلها الله بإباحة الأكل والشراب والنكاح.

وأما الفرحة الثانية عند لقاء ربه في الآخرة عند الحساب عندما يكلم الله العباد بكلامه ويسألهم عن أعمالهم بكلامه الذي ليس حرفا ولا صوتا وليس شرطا أن يكون هذا الصائم تقيا لكن يشترط أن يكون صومه صحيحا متجنبا لما يذهب ثواب الصيام فيفرح بما يجده من النعيم المقيم في دار السلام، يوم يدعى الصائمون من أحد أبواب الجنة المخصص للصائمين يقال له: الريان، ينادى: أين الصائمون؟ فإذا دخلوا أغلق ذلك الباب فلم يدخل معهم غيرهم. في «صحيح البخاري» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخله غيرهم، فإذا دخلوا أغلق ولم يفتح لغيرهم».

وهناك الفرحة الكبرى والفوز العظيم حينما يقال لهم: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} [سورة الحاقة: 24]، حينما يجدون ثواب الصيام وهم أحوج ما يكونون إليه، قال الله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} [سورة ءال عمران: 30].

وهاتان الفرحتان مميزتان وهي حصيلة الاحتساب والصبر والطاعة لله طوال يوم معاناة وحبس للنفس عن الشهوات لله رب العالمين. ثم تأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «فرحة عند لقاء ربه» أولا قال: فرحة وهذه كما في لسان العرب نكرة تدل على أنها فرحة كبيرة، وانها فرحة قد بلغت غاية الفرحة ونهايتها. «فرحة عند لقاء ربه» وما حمل العبد في الدنيا هما ولا غما ولا كربا أعظم من هم وغم الوقوف بين يدي الله فإذا الصائم بين يدي الله في فرحة، وأنه يجد الفرحة أحوج ما يحتاج إليها يوم يقوم الناس لرب العالمين. فيوم القيامة يقوم الناس من قبورهم لأمر الله تعالى وجزائه، نسأل الله المسامحة والستر فضلا منه تعالى وكرما.

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{يوم يقوم الناس لرب العالمين} [سورة المطففين: 6] حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» والرشح: العرق.

ومن هنا يستبشر وهو يقرب فطوره بعاجل الفرحة التي تذكره بالفرحة العظمى عند لقاء الله، فلا يملك عند فطره إلا أن يلهج بالدعاء لربه أن ينجيه في ءاخرته وأن يتمم له تلك الفرحة في موقفه بين يدي ربه. فالصائم دعوته لا ترد عند فطره، فهي ساعة رحمة. فنسأل الله بعزته وجلاله أن يجعل لنا ولكم أوفر الحظ والنصيب منها، فإذا حزن الناس يوم الحزن فرح الصائمون، وإذا أصاب السوء الناس يوم المساءلة يوم يقوم الناس لرب العالمين وجد الصائم الإحسان من ربه.

اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا

فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا