الخميس نوفمبر 21, 2024

كِتَابُ الْمُعَامَلاتِ

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ لا يَدْخُلَ فِي شَىْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَمَا حَرَّمَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَعَبَّدَنَا أَيْ كَلَّفَنَا بِأَشْيَاءَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا تَعَبَّدَنَا.

   الشَّرْحُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُطِيعَ خَالِقَهُ بِأَدَاءِ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَنْ يُطَاعَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا عُقِلَتِ الْحِكْمَةُ فِيهِ وَمَا لَمْ تُعْقَلِ الْحِكْمَةُ فِيهِ، لِأَنَّ بَعْضَ مَا تَعَبَّدَنَا بِهِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لَنَا وَبَعْضًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لَنَا، وَذَلِكَ ابْتِلاءٌ مِنْهُ لِعِبَادِهِ وَاخْتِبَارٌ لِأَنَّهُ مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ فِي كُلِّ شَىْءٍ فَهُوَ الْعَبْدُ الْمُطِيعُ الْمُسْرِعُ فِي الطَّاعَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ كَامِلَ الطَّاعَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَقَدْ قَيَّدَ الشَّرْعُ هَذَا الْبَيْعَ بِآلَةِ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ لا يَحِلُّ كُلُّ بَيْعٍ إِلَّا مَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَالأَرْكَانَ فَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا.

   الشَّرْحُ رَوَى الْبَزَّارُ [فِي مُسْنَدِهِ] عَنْ رِفَاعَةَ بنِ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ».

   وَالْبَيْعُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَىْءٍ بِشَىْءٍ، قَالَ الشَّاعِرُ: [الْبَسِيط]

مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إِلَّا بِوَصْلِكُمُ ==== وَلا أُسَلِّمُهَا إِلَّا يَدًا بِيَدِ

   وَاصْطِلاحًا هُوَ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

   وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ وَعَرَّفَهُ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ وَهِيَ أَلِ الْعَهْدِيَّةُ أَيِ الَّتِي تُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الْمَعْهُودُ فِي شَرْعِهِ بِالْحِلِّ وَجَبَ عَلَى مُتَعَاطِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعْرِفَةُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِدُونِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ لا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يُحِلَّهُ اللَّهُ. وَقَدْ مَدَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ سَهْلًا فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ [فِي صَحِيحِهِ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا قَضَى [أَيْ رَدَّ دَيْنَهُ] سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» أَيْ طَالَبَ بِدَيْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ يُجَادِلُ فِي السِّعْرِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا [الْمُمَكَاسَةُ مَكْرُوهَةٌ وَلَيْسَتْ حَرَامًا إِلَّا لِنَحْوِ مُوَكَّلٍ لِلشِّرَاءِ أَوْ مُحْتَاجٍ لِلْمَالِ لِلنَّفَقَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، وَالْمُمَاكَسَةُ هِيَ طَلَبُ تَنْزِيلِ السِّعْرِ].

   فَالْبَيْعُ الْجَائِزُ هُوَ مَا كَانَ الْعِوَضَانِ أَيِ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مُبَاحَيْنِ فِي الشَّرْعِ، فَلا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَرَّمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى حُرْمَتِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الأَئِمَّةِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي إِبَاحَتِهِ فَيَجُوزُ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي يُبِيحُهُ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا عِنْدَ غَيْرِهِ، فَلا يَجُوزُ بَيْعُ نَجِسِ الْعَيْنِ كَالدَّمِ وَلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ يَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ كَنَابِ الْفِيلِ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِنَجِسٍ.

   وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الطَّهَارَةُ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثْمَنِ. وَالثَّمَنُ مَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمَالِ وَالْمُثْمَنُ مَا قَابَلَهُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ الشَّىْءُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ [الثَّمَنُ النَّقْدُ وَالْمُثْمَنُ مُقَابِلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدًا أَوْ كَانَا نَقْدَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا دَخَلَتْهُ الْبَاءُ وَالْمُثْمَنُ مُقَابِلُهُ].

   وَأَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ غَيْرَ مُوَقَّتٍ أَوْ مُعَلَّقٍ فَلا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الْغَرَضَ لِسَنَةٍ أَوْ أَنْ يَقُولَ لَهُ إِنْ جَاءَ أَبِي مِنْ سَفَرِهِ فَقَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْكِتَابَ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَأَنْ لا يَكُونَ مَعْدُومًا كَبِنَاءٍ لَمْ يُبْنَ بَعْدُ وَهُنَاكَ طَرِيقَةٌ لا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ مُرِيدُ الْبَيْتِ الَّذِي لَمْ يُبْنَ بَعْدُ جُزْءًا مِنَ الأَرْضِ الَّتِي يُقَامُ عَلَيْهَا الْبَيْتُ مُشَاعًا أَيْ بِدُونِ تَحْدِيدِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا كَأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ عُشْرَهَا ثُمَّ عِنْدَمَا يُنْجَزُ الْبِنَاءُ يَقُولُ لَهُ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْبَيْتَ بِحِصَّتِي مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ.

   وَلا يَجُوزُ بَيْعُ السِّنِينَ وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَيُسَمُّونَهُ ضَمَانَ الشَّجَرِ لِسِنِينَ كَثَلاثِ سَنَوَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَأَمَّا إِنْ بَاعَهُ مَا عَلَى الشَّجَرَةِ مِنَ الثَّمَرِ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

   وَاسْتُثْنِيَ مِنْ حُرْمَةِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ وَمَا لا يَمْلِكُ السَّلَمُ الَّذِي هُوَ بَيْعُ شَىْءٍ مَوْصُوفٍ مُلْتَزَمٍ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظٍ خَاصٍّ مَعَ دَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْعَاقِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ لا يَمْلِكُ ذَلِكَ الشَّىْءَ فِي الْحَالِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَالسَّلَمُ بَيْعٌ خَاصٌّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوِ السَّلَفِ كَأَنْ يَقُولَ أَسْلَمْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ أَوْ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ أَوْ أَسْلَفْتُ إِلَيْكَ، هَذَا عِنْدَ إِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَيَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِهِمَا. وَمِنْ شُرُوطِهِ تَعْيِينُ الأَجَلِ إِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَتَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَعْيِينُ نَوْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا بِالصِّفَةِ، وَأَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ غَيْرُهُ، فَلا يَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ إِلَيْهِ فِي قَمْحٍ مُخْتَلِطٍ بِشَعِيرٍ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لا تَدْخُلَهُ النَّارُ لإِحَالَتِهِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ وَأَنْ لا يَكُونَ مُعَيَّنًا وَلا مِنْ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ فَرَسًا مَثَلًا لا يُعَيِّنُ لَهُ الْفرَسَ أَيْ لا يَقُولُ لَهُ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ فِي الْفَرَسِ الْفُلانِيِّ، وَإِنْ كَانَ قَمْحًا لا يَقُولُ لَهُ مِنَ الْبُسْتَانِ الْفُلانِيِّ.

   وَمِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْجَائِزَةِ الَّتِي فِيهَا سَلامَةٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الْمِائَةَ دُولارٍ أَمْرِيكِيٍّ مَثَلًا بِمِائَتَيْ دُولارٍ أَمْرِيكِيٍّ مِنْ فِئَةِ كَذَا عَلَى أَنْ تُسَلِّمَنِي الْمَالَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ مَثَلًا أَوْ نِهَايَةَ شَهْرِ كَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَعَلَى مَنْ أَرَادَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا شَاءَ أَمْ أَبَى وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَجْلِ مَا يَلْقَاهُ مِنْ مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَقَهْرِهَا عَلَى إِجْرَاءِ الْعُقُودِ عَلَى الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَلا يَخْفَى مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ تَعَدَّى الْحُدُودَ.

   الشَّرْحُ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِحْلالَهُ الْبَيْعَ وَتَحْرِيـمَهُ الرِّبَا عَلِمْنَا أَنَّ السَّبِيلَ لِتَجَنُّبِ الْحَرَامِ وَمُوَافَقَةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ التَّفَقُّهُ فِي دِينِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لا يَقْعُدْ فِي سُوقِنَا مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ] لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ فِي الرِّبَا الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ. وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ] بِشَارَةٌ لِمَنْ تَعَاطَى التِّجَارَةَ وَاتَّقَى اللَّهَ بِتَجَنُّبِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ بِأَنْ يُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ خِلافَ الْحَقِيقَةِ، وَالْتَزَمَ الصِّدْقَ فِي وَصْفِهِ لِبِضَاعَتِهِ وَسِلْعَتِهِ وَفِي إِخْبَارِهِ بِالثَّمَنِ بِأَنَّهُ مِنَ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَأَعْلَمَنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ الأَلِيمِ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» أَيْ لَيْسَ مُتَّبِعًا سُنَتِّي كَمَا يَجِبُ وَمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَفَارَقَ الْمَجْلِسَ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ فَرَدَّهُ لَهُ الْبَائِعُ فَلِهَذَا الْبَائِعِ أَجْرٌ بِذَلِكَ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» [أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُقِيلُهُ مِنْ عَثَرَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.]

   فَائِدَةٌ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ غَلا السِّعْرُ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ [أَيْ يُقَلِّبُ أَحْوَالَ السِّعْرِ مِنَ الرُّخْصِ إِلَى الْغَلاءِ وَعَكْسُهُ] الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ». فَلا يَجُوزُ تَحْرِيـمُ رَفْعِ السِّعْرِ وَلا يَجُوزُ تَحْدِيدُ الرِّبْحِ بِثُلُثِ رَأْسِ الْمَالِ وَلا نِصْفِهِ وَلا بِالْمِثْلِ. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ تَحْرِيـمِ الرِّبَا أَيِ الزِّيَادَةِ فِي بَيْعِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ أَوْ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» نَصٌّ فِي عَدَمِ التَّحْدِيدِ فِي الرِّبْحِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.

   وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ [فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى] مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ثُبُوتِهِ. فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَمَّنْ يَرْفَعُ السِّعْرَ «حَرَامِي» أَوْ أَنْ يُقَالَ عَنْ رَفْعِ الثَّمَنِ فِي الْبِضَاعَةِ إِنَّهُ كُفْرٌ بَلْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ النَّصَّ وَرَدُّ النُّصُوصِ كُفْرٌ كَمَا قَالَ النَّسَفِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ. وَقَدْ يُطْلِقُ بَعْضُ النَّاسِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُونَ مِنْهَا أَنَّ الْغَلاءَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِكُفْرِ بَعْضِ النَّاسِ لِأَنَّهُ مُصِيبَةٌ وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ فِيهِ رَدٌّ لِلشَّرْعِ فَلا يُحْكَمُ عَلَى قَائلِهِ بِالْكُفْرِ لَكِنْ يُنْهَى عَنْ إِطْلاقِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنْ رَفْعَ السِّعْرِ كُفْرٌ.

   وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَمَّنْ يَكْذِبُ وَيُدَلِّسُ وَيُمَوِّهُ وَيُوهِمُ النَّاسَ خِلافَ الْحَقِيقَةِ إِنَّهُ حَرَامِي فَلا يَكْفُرُ. وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ ذَلِكَ عَمَّنْ يَبِيعُ بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ فَوْقَ الْعَادَةِ وَالْمُشْتَرِي لا يَعْلَمُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْكَبِيرَةِ فَاعْتَقَدَ الْقَائِلُ أَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ عِنْدَ ذَلِكَ حَرَامٌ فَسَمَّاهُ «حَرَامِي» عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ فَلا يَكْفُرُ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَبِيعُ بِالسِّعْرِ الْمُعْتَادِ فَقَالَ عَنْهُ «حَرَامِي» يَكْفُرُ. وَمَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ الَّذِي يَرْفَعُ السِّعْرَ هَذَا حَرَامٌ وَيَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ الشَّفَقَةَ أَيْ أَنْتَ مَا تَرْأَفُ بِنَا وَتَرْحَمُنَا وَلا يَفْهَمُ التَّحْرِيـمَ الشَّرْعِيَّ فَلا يَكْفُرُ. وَإِنْ قَالَ لَهُ هَذَا غِشٌّ وَيَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّكَ تُغَالِي فِي السِّعْرِ كَثِيرًا وَلا يَفْهَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْعَذَابَ فَلا يَكْفُرُ وَإِلَّا كَفَرَ.

   وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ الْغَبْنُ دُونَ إِعْلامِ الْمُشْتَرِي حَرَامٌ فَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ قَوْلًا مَشْهُورًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَإِنْ صَحَّ فَمُرَادُهُ إِنْ رَفَعَ السِّعْرَ فَوْقَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَ النَّاسِ أَيْ فَوْقَ مَا اعْتَادُوا أَنْ يَتَغَابَنُوهُ وَلَيْسَ مُجَرَّدَ رَفْعِ السِّعْرِ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ مُخَالِفَةٌ لِلنَّصِ فَلا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تُنَافِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَقَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَالْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ الصَّحِيحُ حَتَّى عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْغَبْنَ لَيْسَ حَرَامًا إِنَّمَا الْحَرَامُ الْغَشُّ وَالْكَذِبُ وَالإِيهَامُ خِلافَ الْحَقِيقَةِ كَأَنْ أَوْهَمَهُ أَنَّ هَذَا هُوَ سِعْرُ السُّوقِ الْمُعْتَادُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ.

   وَالْغَبْنُ لَيْسَ عَيْبًا مُثْبِتًا لِلرَّدِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الَّذِي قَصَّرَ فِي السُّؤَالِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ. وَقَدْ أَجَازَ أَحَدُ الصَّاحِبَيْنِ وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ بَيْعَ فَلْسٍ بِأَلْفِ فَلْسٍ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَبَاعَهُ بِأَرْبَعَةِ ءَالافٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ تَحْرِيـمَ التَّسْعِيرِ، وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ الثَّلاثَةِ أَيْضًا ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ حَالَةَ اقْتِضَاءِ الضَّرُورَةِ لِذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ إِنَّ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ مِنَ الإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ كَذَلِكَ لا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فِي وُجُوبِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا.

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ مِنَ الإِجَارَةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الإِجَارَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا، فَالإِجَارَةُ مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ فَالإِجَارَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ الَّتِي اسْتَوْفَتِ الشُّرُوطَ. وَالشَّرْطُ فِي حِلِّهَا:

   (1) أَنْ تَكُونَ تَمْلِيكَ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ بِعِوَضٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ هُنَا الْمَنْفَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ حِسًّا وَشَرْعًا فَالْخَمْرَةُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ حِسِّيَّةٌ وَلَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَلا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُغَنِّي وَالْمُغَنِّيَةِ وَلا يَمْلِكَانِ مَا أَخَذَاهُ مِنَ الأُجْرَةِ عَلَى الْغِنَاءِ [يَحْرُمُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى الْغِنَاءِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْغِنَاءُ مُبَاحًا وَمِنْ غَيْرِ ءَالاتِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ. أَمَّا إِذَا أَعْطُوا بِاسْمِ الإِكْرَامِيَّةِ فَيَجُوزُ. أَمَّا لِحَفَلاتِ مَدِيحِ رَسُولِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ] وَلا يَجُوزُ لَهُمَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا رَدُّهُ إِلَى الدَّافِعِ بَلْ أَخْذُهُمَا الأُجْرَةَ عَلَى الْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ. وَأَمَّا أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى نَحْوِ تَعْلِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَتَعْلِيمِ الدِّينِ فَجَائِزٌ.

   (2) وَالصِّيغَةُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَأَنْ يَقُولَ «ءَاجَرْتُكَ هَذَا بِكَذَا» وَ: «ءَاجَرْتُكَ نَفْسِي لِعَمَلِ كَذَا بِكَذَا» وَيَقُولَ الْمُسْتَأْجِرُ «اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ ذَلِكَ بِذَلِكَ» أَيْ بِتِلْكَ الأُجْرَةِ أَوِ «اسْتَأْجَرْتُكَ بِتِلْكَ الأُجْرَةِ». وَاخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ صِحَّةَ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا أَيِ التَّعَاقُدِ بِلا لَفْظٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَوْ بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبٍ وَيُسَمَّى ذَلِكَ التَّعَاطِيَ أَيْضًا.

   (3) وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لا مَجْهُولَةً أَيِ الأُجْرَةُ وَالْعَمَلُ. وَيَكُونُ الِاسْتِئْجَارُ بِالْمُدَّةِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَمَّا اشْتِرَاطُ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ مَعًا فِي الإِجَارَةِ فَلا يَصِحُّ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحْرُثَ هَذِهِ الأَرْضَ فِي سِتِّ سَاعَاتٍ مَثَلًا.

   وَلا بُدَّ فِي الإِجَارَةِ مِنْ فَصْلِ الأُجْرَةِ عَنْ ثَمَنِ الْبِضَاعَةِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أُجْرَتِي عَلَى عَمَلِي كَذَا وَثَمَنُ الْبِضَاعَةِ الَّتِي سَأَضَعُهَا لَكَ كَذَا فَيَبِيعُهُ الْبِضَاعَةَ بِالثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَيَعْقِدُ عَقْدَ الإِجَارَةِ عَلَى الأُجْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِي ذَلِكَ سَلامَةٌ مِنْ وُقُوعِ التَّخَاصُمِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمُسْتَأْجِرِ.

   (4) وَتَسْلِيمُ الأُجْرَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ إِنْ كَانَتِ الإِجَارَةُ إِجَارَةَ ذِمَّةٍ وَإِجَارَةُ الذِمَّةِ هِيَ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ أَيْ أَنْ يُحَقِّقَهَا الأَجِيرُ وَيُحَصِّلَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ أَنْ تَبْنِيَ لِي بَيْتًا صِفَتُهُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا أَمَّا لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ أَوِ ابْنِ لِي بَيْتًا صِفَتُهُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا بِأُجْرَةِ كَذَا فَهِيَ إِجَارَةُ عَيْنٍ وَلَوْ قَالَ لَهُ اسْتَأْجَرْتُكَ بِأُجْرَةِ كَذَا عَلَى كُلِّ قِطْعَةٍ تَخِيطُهَا أَوْ تُرَكِّبُهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ إِذَا أَنْجَزَ هَذَا الشَّخْصُ عَشْرَ قِطَعٍ مَثَلًا يُعْطِيهِ أُجْرَتَهَا ءَاخِرَ النَّهَارِ صَحَّ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ بِعْ لِي هَذَا الْغَرَضَ وَأَنَا أُرِيدُ مِنْ ثَمَنِهِ مِائَةً وَمَا زَادَ عَنِ الْمِائَةِ فَهُوَ لَكَ أُجْرَةٌ فَلا تَصِحُّ هَذِهِ الإِجَارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَتَصِحُّ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَأَمَّا الأُجْرَةُ الْمَعْلُومَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الشَّخْصُ لِلدِّلالَةِ مِنَ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي أَيْ فِي مُقَابِلِ أَنْ يَجْلِبَ لِلْبَائِعِ الزَّبَائِنَ أَوْ أَنْ يَدُلَّ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْبِضَاعَةِ أَيْ بِأَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَجُوزُ. وَالإِجَارَةُ عَقْدٌ لازِمٌ لا يَنْفَسِخُ وَلَوْ بِتَرَاضِي الْفَرِيقَيْنِ لَكِنْ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ يَجُوزُ الْفَسْخُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ كَأَنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يُريدُ السَّفَرَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ أَوْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَافْتَقَرَ وَصَارَ لا يَسْتَطِيعُ الْوَفَاءَ وَكَانَتِ الأُجْرَةُ مُؤَجَّلَةً.   

   وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجَرُ مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى وَدَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ.

   وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِجَارَةِ أَيْضًا أَنْ تُقَدَّرَ الْمَنْفَعَةُ بِمُدَّةٍ كَآجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً أَوْ بِعَمَلٍ كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ.

   وَتَجِبُ الأُجْرَةُ فِي الإِجَارَةِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِطْلاقُهَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَ الأُجْرَةِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا التَّأْجِيلَ فَتَكُونُ الأُجْرَةُ مُؤَجَّلَةً حِينَئِذٍ.

   وَلا تَبْطُلُ الإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنَ أَيِ الْمُؤْجِرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلا بِمَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كِلَيْهِمَا بَلْ تَبْقَى الإِجَارَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا وَيَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُؤْجَرَةِ أَوِ الأُجْرَةِ.

   وَتَبْطُلُ الإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَانْهِدَامِ الدَّارِ وَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ.

   وَاعْلَمْ أَنَّ يَدَ الأَجِيرِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُؤْجَرَةِ يَدُ أَمَانَةٍ وَحِينَئِذٍ لا ضَمَانَ عَلَى الأَجِيرِ إِلَّا بِعُدْوَانٍ فِيهَا كَضَرْبِ الدَّابَّةِ فَوْقَ الْعَادَةِ.

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْقِرَاضِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْقِرَاضِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهُ. وَالْقِرَاضُ هُوَ تَفْوِيضُ الشَّخْصِ وَإِذْنُهُ لِشَخْصٍ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِهِ فِي نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ مِنَ التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ:

   (1) أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالِغَيْنِ عَاقِلَيْنَ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالإِجَارَةِ.

   (2) وَأَنْ لا يُوَقَّتَ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَسَنَةٍ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اتْجَرْ لِي بِهَذَا الْمَالِ إِلَى سَنَةٍ، لَكِنْ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ «لا تَشْتَرِ بَعْدَ سَنَةٍ» لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

   (3) وَأَنْ يَكُونَ مَالُ الْقِرَاضِ نَقْدًا أَيْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً [أَيِ الْمَصْكُوكَ مِنْهَا] عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ وَهُوَ الإِمَامُ التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ عَبْدُ الرَّحْمٰنِ بنُ أَبِي لَيْلَى الْقِرَاضُ عَلَى الْفُلُوسِ أَيْ قِطَعِ الْعُمْلَةِ النُّحَاسِيَّةِ، وَمِثْلُهَا عِنْدَهُ مَا أَشْبَهَهَا فِي الْجَوَازِ.

   فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُقَرَّرُ فِي الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَفَعَ مَالَهُ إِلَى شَخْصٍ لِيَتْجُرَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَتَقَاسَمَا الرِّبْحَ مُنَاصَفَةً أَوْ أَحَدُهُمَا لَهُ الثُّلُثُ وَالآخَرُ لَهُ الثُّلُثَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، أَمَّا إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْمَالِ ءَاخِرَ السَّنَةِ مَبْلَغَ كَذَا كَمِائَةِ دُولارٍ مَثَلًا فَهُوَ حَرَامٌ فِي الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ وَهَذَا يُسَمَّى مُضَارَبَةً الأَوَّلُ مُضَارَبَةٌ صَحِيحَةٌ وَالثَّانِي مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ.

   وَيَتَقَاسَمُ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ مَا زَادَ عَلَى الْكُلَفِ وَيَدْخُلُ فِيهَا مَا يَدْفَعُهُ الشَّخْصُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لِلضَّرَائِبِ.

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالرَّهْنِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الرَّهْنِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهُ، وَالرَّهْنُ هُوَ جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ أَيْ لا يَتَصَرَّفُ بِهَا صَاحِبُهَا حَتَّى يُوَفِّيَ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الدَّيْنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَفَاءِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ رَهَنْتُكَ هَذَا بِدَيْنِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ [وَأَقْبَضَهُ الرَّهْنَ] فَهَذَا الشَّىْءُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ الدَّيْنَ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهُ رَهَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ:

   (1) مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ مِنْ كَوْنِ الْعَاقِدِ بَالِغًا عَاقِلًا.

   (2) وَأَنْ يَكُونَ عَيْنًا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَلا يَصِحُّ رَهْنُ الدَّيْنِ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا.

   وَيَجُوزُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ. وَالرَّهْنُ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ الدَّائِنُ بِشَىْءٍ مِنْ مَالِ الْمَدِينِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ هَذَا حَقَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمُقْتَرِضِ الإِيفَاءُ. وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِطَرِيقِ الْحَاكِمِ، يُعْلِمُ الْحَاكِمَ ثُمَّ الْحَاكِمُ يَقُولُ لِلْمَدِينِ بِطَرِيقِ الإِلْزَامِ بِعْ هَذَا وَوَفِّ الدَّيْنَ فَإِنْ بَاعَ وَوَفَّى تَرَكَهُ وَإِلَّا بَاعَ الْحَاكِمُ هَذَا الشَّىْءَ وَوَفَّى الدَّائِنَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الشَّىْءِ.

   وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ اسْتِرْهَانًا وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الشَّخْصُ مَالَهُ لِمَنْ أَقْرَضَهُ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَجَّانًا إِلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ مَجَّانًا أَوْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ أُجْرَةً مُخَفَّفَةً مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ فَذَلِكَ حَرَامٌ بِالإِجْمَاعِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَاقِعُونَ فِيهِ فَهَؤُلاءِ وَقَعُوا فِي هَلاكٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ بِهَذَا الْعَمَلِ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَفْعِ أُجْرَةِ مِثْلِ هَذَا الشَّىْءِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بَيْتًا سَكَنَهُ الدَّائِنُ مَجَّانًا أَوْ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً رَكِبَهَا مَجَّانًا وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْقَدْرِ الَّذِي اسْتَعْمَلَ فِيهِ الرَّهْنَ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْفُقَهَاءِ [وَمَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ.]

   وَلا يَصِحُّ أَيْضًا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُمْ يَقْتَرِضُونَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا ثُمَّ يَطْلُبُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الدَّيْنِ الرَّهْنَ فَيُعْطِيهِ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرُدَّ دَيْنَهُ بِتَارِيخِ كَذَا فَهُوَ لِلْمُرْتَهِنِ أَيْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لا يَعُودُ إِلَى مَالِكِهِ.

   أَمَّا إِذَا أَقْرَضَ إِنْسَانٌ ءَاخَرَ لِيَنْفَعَهُ لا لِيَنْتَفِعَ هُوَ ثُمَّ هَذَا الْمُقْتَرِضُ أَرَادَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَنْ يَعْمَلَ مَعْرُوفًا لِلَّذِي أَقْرَضَهُ فَرَدَّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَبْلَغِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ حَلالٌ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا، بَلِ الَّذِي وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَدَّ الدَّيْنَ مَعَ الزِّيَادَةِ وَمَدَحَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا [وَالْبَكْرُ الْفَتِيُّ مِنَ الإِبِلِ] فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقَالَ لا أَجِدُ إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا [الرَّبَاعِيُّ يُقَالُ ذَلِكَ لِلْغَنَمِ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ وَلِلْبَقَرِ وَذِي الْحَافِرِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَلِذِي الْخُفِّ فِي السَّابِعَةِ] فَقَالَ: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً».

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْوَكَالَةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا وَهِيَ تَفْوِيضُ شَخْصٍ إِلَى غَيْرِهِ تَصَرُّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لِيَفْعَلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ. وَمِمَّا يُشْتَرَطُ فِي الْوَكَالَةِ:

   (1) أَنْ يَصِحَّ مُبَاشَرَةُ الْمُوَكَّلِ التَّصَرُّفَ فِيهِ. أَيْ لَيْسَ شَيْئًا مَحْجُورًا أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُغْتَصَبًا.

   (2) وَأَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ «وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ أَمْوَالِي»، وَلا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ «وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ أُمُورِي».

   (3) وَلَفْظٌ يُشْعِرُ بِرِضَاهُ كَقَوْلِهِ «وَكَّلْتُكَ بِكَذَا» أَوْ «بِعْ كَذَا». وَلا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ إِلَّا بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ. وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ وَبِالْعَزْلِ.

   وَكُلُّ مَا جَازَ لِلإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ غَيْرَهُ أَوْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَنْ يَكُونَ مُوَكِّلًا وَلا وَكِيلًا.

   وَلا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ وَكَالَةً مُطْلَقَةً أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ إِلَّا بِثَلاثَةِ شَرَائِطَ: أَحَدُهَا أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لا بِدُونِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمِثْلِ نَقْدًا فَلا يَبِيعُ نَسِيئَةً أَيْ لِأَجَلٍ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ النَّقْدُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ. وَلا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ.

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْوَدِيعَةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالْوَدِيعَةُ هِيَ مَا يُوضَعُ عِنْدَ غَيْرِ مَالِكِهِ لِحِفْظِهِ [يَجُوزُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الإِجَارَةِ]. وَمِنْ شُرُوطِهَا:

   (1) أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مُحْتَرَمَةً أَيْ مُنْتَفَعًا بِهَا شَرْعًا فَلا يَجُوزُ وَدِيعَةُ ءَالَةِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ وَصَنَمٍ وَلا إِيدَاعُ كَافِرٍ مُصْحَفًا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِحِفْظِهِ.

   (2) وَلَفْظٌ كَاسْتَوْدَعْتُكَ هَذَا أَوْ أَمْسِكْ لِي هَذَا أَوِ احْفَظْ لِي هَذَا. وَلا يُشْتَرَطُ فِيهَا وَفِي الْوَكَالَةِ الْقَبُولُ مِنَ الْجَانِبِ الآخَرِ أَيْ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَبِلْتُ بِاللَّفْظِ.

   وَلا يَجُوزُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ مِمَّنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ حِفْظَهَا، وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى حِفْظِهَا [وَمَتَى قَبِلَ الْوَدِيعَةَ لَزِمَهُ حِفْظَهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ ضَمِنَ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا ذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ].

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْعَارِيَّةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالْعَارِيَّةُ هِيَ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِشَىْءٍ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ. وَتَجُوزُ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ وَمُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ أَيْ بِوَقْتٍ كَأَعَرْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ شَهْرًا. وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَتَى شَاءَ. وَمِنْ شُرُوطِهَا:

   (1) أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً.

   (2) وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِيرُ مُعَيَّنًا وَمُطْلَقَ التَّصَرُّفِ أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي لَهُ الْمَنْفَعَةَ [وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَقُولَ لَهُ لا يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُكَ].

   (3) وَلَفْظٌ يُشْعِرُ بِالإِذْنِ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ لَفْظِ الْجَانِبِ الآخَرِ أَوْ فِعْلِهِ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعِيرِ:

   (1) أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا أَيْ غَيْرَ مُكْرَهٍ.

   (2) وَأَنْ يَكُونَ صَحِيحَ التَّبَرُّعِ أَيْ نَافِذَ التَّصَرُّفِ فَلا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَنَحْوِهِ كَالْمَجْنُونِ.

   (3) وَأَنْ يَكُونَ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعارِ أَنْ يُمْكِنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلا يَصِحُّ إِعَارَةُ مَطْعُومٍ لِلأَكْلِ أَوْ الشَّمْعَةِ لِلْوَقُودِ أَوْ ءَالاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنْ تَلِفَ الْمُعَارُ بِاسْتِعْمَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَلَوْ بِلا تَقْصِيرٍ ضَمِنَهُ أَمَّا إِنْ تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَإِعَارَةِ ثَوْبٍ لِلُبْسِهِ فَانْسَحَقَ أَوِ انْمَحَقَ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلا ضَمَانَ، فَإِنْ تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلا. وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ مَا اسْتَعَارَهُ بِدُونِ إِذْنِ الْمُعِيرِ [وَإِنْ تَلِفَتِ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا ذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ].

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالشَّرِكَةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالشَّرِكَةُ هِيَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي شَىْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي هَذَا الشَّىْءِ.

   وَالصَّحِيحَةُ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى خَلْطِ مَالَيْنِ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَهُ:

   (1) كَوْنُهُ أَيْ كَوْنُ الْمَالِ الْمَخْلُوطِ مِثْلِيًّا أَيْ مِمَّا يُحْصَرُ بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ وَيُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ أَيْ بِوَصْفٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الْجَهَالَةِ.

   (2) وَلَفْظٌ يُشْعِرُ بِالإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ لِكِلَيْهِمَا.

   وَلا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ كُلٍّ مِنَ الْمَالَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ إِذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بَعْدَهُ بِمُرَاجَعَةِ نَحْوِ حِسَابٍ.

   وَلا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَثَمَّ رَاغِبٌ بِأَزْيَدَ، وَلا بِالأَجَلِ، وَلا يُسَافِرُ بِهِ أَوْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا بِلا إِذْنٍ مِنْ شَرِيكِهِ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ. وَمَتَى مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ انْفَسَخَتِ الشَّرِكَةُ وَكَذَلِكَ إِذَا جُنَّ.

   وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَالْمُسَاقَاةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَعَاطِيَهَا. وَالْمُسَاقَاةُ هِيَ مُعَامَلَةُ شَخْصٍ عَلَى شَجَرٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِنَحْوِ سَقْيٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا:

   الْعَاقِدُ وَهُوَ يُعَدُّ رُكْنًا وَالْمُرَادُ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ، وَالْعَامِلُ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَاضِ وَهُوَ اسْتِقْلالُهُ بِالْعَمَلِ.

   ثُمَّ الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ عَمَلٌ يُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الأَصْلِ وَلا يَتَكَرَّرُ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ النَّهْرِ فَهُوَ عَلَى الْمَالِكِ، وَعَمَلٌ يَحْتَاجُهُ الثَّمَرُ لِصَلاحِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كَسَقْيٍ وَتَنْقِيَةٍ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ بِالشَّجَرَةِ وَحِفْظِ الثَّمَرِ وَتَجْفِيفِهِ وَجَدَادٍ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ.

   وَمِنْ أَرْكَانِهَا الْعَمَلُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ شَرْطِ مَا لَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ بِنَاءَ الْجُدُرِ أَوْ عَلَى الْمَالِكِ تَنْقِيَةَ النَّهْرِ لَمْ يَصِحَّ. وَأَنْ يُقَدَّرَ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ يُثْمِرُ فِيهِ الشَّجَرُ غَالِبًا كَسَنَةٍ. أَمَّا إِذَا أُطْلِقَتْ فَلا تَصِحُّ. وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنَ الثَّمَرَةِ كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا. وَعَقْدُ الْمُسَاقَاةِ لازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ الْخِيَارُ وَالْفَسْخُ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مَغْرُوسًا مُعَيَّنًا، يَقُولُ لَهُ سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا النَّخِيلِ إِلَى وَقْتِ كَذَا أَيْ إِلَى وَقْتٍ يَكْفِي أَنْ يُثْمِرَ فِيهِ الشَّجَرُ وَيَجِفَّ ثَمَرُهُ مَثَلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ نِصْفَيْنِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ.

   وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ عَلَى شَيْئَيْنِ فَقَطْ النَّخْلِ وَشَجَرِ الْعِنَبِ فَلا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَتِينٍ وَمِشْمِشٍ.

   وَأَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهَا خِلافٌ، وَهِيَ مُعَامَلَةٌ عَلَى أَرْضٍ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ.

   وَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْلالِ فَفِيهَا فِي الْمَذْهَبِ خِلافٌ وَهِيَ مِثْلُ الْمُخَابَرَةِ إِلَّا أَنَّ الْبَذْرَ مِنَ الْمَالِكِ، وَتَصِحُّ إِذَا جُعِلَتْ تَابِعَةً لِلْمُسَاقَاةِ كَمَا إِذَا كَانَ بَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ أَيْ أَرْضٌ لا زَرْعَ فِيهَا وَعَسُرَ إِفْرَادُ الشَّجَرِ بِالسَّقْيِ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْعَامِلُ فَتَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَلَوْ تَفَاوَتَ الْجُزْءَانِ الْمَشْرُوطَانِ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ.