الإثنين ديسمبر 8, 2025

الدرس الخمسون

كيفية التذكية وحرمة أكل الميتة (1)

 

     الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.

     أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. فقد قال الله تبارك وتعالى فى سورة المائدة ﴿حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق﴾.

     الله تبارك وتعالى ذكر فى هذه الآية تحريم أحد عشر شيئا، الأول منها الميتة وهى ما زالت حياتها بغير ذكاة شرعية كأن تموت بمرض أو بذبح من لا تحل ذبيحته كالمجوس والمرتد والدرزى والبوذى ولو ذبحوا كما يذبح المسلمون بقطع الحلقوم أى مجرى النفس وبقطع المرىء أى مجرى الطعام والشراب ولو سموا وكبروا فلا تحل ذبيحة هؤلاء. أما اليهودى والنصرانى فتحل ذبيحتهما لأن هذين مع كفرهما أحل الله لنا أن نأكل ذبائحهما إن ذبحا بالطريقة الإسلامية. والمرأة المسلمة واليهودية والنصرانية إذا ذبحت فذبيحتها حلال وكذلك الولد الذى هو دون سن البلوغ إذا كان يحسن الذبح.

     واليهودى والنصرانى لو لم يسميا الله فذبيحتهما حلال، أما المسلم إن سمى الله تعالى فذبيحته حلال باتفاق العلماء، وإن ترك تسمية الله عمدا فقد قال أبو حنيفة وأحمد ومالك لا تحل ذبيحته وإن تركها سهوا تحل ذبيحته، وأما الإمام الشافعى رضى الله عنه فقال ذبيحة المسلم سمى الله أو لم يسم فهى حلال ولو ترك التسمية عمدا.

     والمسلم أو اليهودى أو النصرانى إذا ضغط على الآلة التى تقطع رقبة الذبيحة فنزلت فقطعتها حل وتكون كالتى ذبحت بالسكين [والثانية لها حكم الأول إذا الشخص أيضا هو الذى يحرك الآلة لتقطع رقبتها أما إذا كانت الآلة تقطع بنفسها رقبتها بدون تحريك الشخص ولا ضغطة بعد المرة الأولى فما ذبح بهذه الآلة بعد الأولى حرام]، وإن كانت الماكينة بمجرد ما تدخل البقرة أو غيرها إليها تقطع رقبتها فهذه ميتة.

     وأما المسلم الذى ارتد إلى اليهودية أو النصرانية فذبيحته حرام.

     ولا يجوز للمسلم أن يأكل اللحم حيثما وجده من غير أن يعلم أنه ذبح شرعى، ولا ضرورة لأكله مع وجود السمك والخضار الحلال، وليعلم أن أول ما ينتن من الإنسان فى القبر بطنه فليكتف الإنسان بالخضار وذبح يده فى حالة كهذه.

     أما السمك فكيفما وصل إلينا فحلال سواء عن طريق مجوسى أو كتابى فميتة السمك حلال.  

     الأمر الثانى الدم فهو حرام حرمه الله تعالى سواء كان دم ذبيحة من الحيوانات المأكولة أو دم غيرها وسواء كان مائعا أو جمد بعد انفصاله من مخرجه فالدم الذى يخرج من الذبيحة ثم يجمد بطريقة ما فحرام أكله وقد تعودوا ذلك فى أوروبا وهو من الكبائر وحرام بيعه وشراؤه.

     والدم الذى حرمه الله تعالى هو الدم المسفوح أى السائل، قال الله تعالى فى سورة الأنعام ﴿قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا﴾ أما الدم غير السائل فليس حراما فالكبد والطحال حلال لأنهما ليسا دما مسفوحا فمن أكل الكبد نيئا أو مطبوخا أو مشويا فهو حلال وكذلك الطحال لأن الله قال ﴿أو دما مسفوحا﴾ ولم يقل أو غير مسفوح، أما الدم الذى ينز من اللحم الطازج ويسيل منه فهذا غير حرام، كذلك لو احمر المرق من اللحم المقطع الطازج لا يحرم إنما الحرام هو الدم المسفوح.

     الأمر الثالث لحم الخنزير أى يحرم أكله سواء كان بريا أو أهليا.

     والميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به حرام فى جميع الشرائع ومنها شرع المسيح.

     الأمر الرابع ما أهل لغير الله به أى ما ذبح لعبادة غير الله كتعظيم الأصنام، فالشىء الذى ذكر عليه اسم غير الله عند ذبحه حرام، كما يفعل بعض الوثنيين لما يذبحون لأوثانهم ويذكرون عليه اسم ذلك الوثن تعظيما له وتقربا إليه. كان لقبائل العرب طواغيت، والطاغوت هو شيطان ينزل على الإنسان ويتكلم على فمه فكانوا فى الجاهلية يعظمون هذا الإنسان من أجل الشيطان الذى ينزل فيه ويتكلم على لسانه، كانوا يعبدون ذلك الشيطان لأنه عندما ينزل على هذا الإنسان كان يحدثهم ببعض ما يحدث فى المستقبل، كان يقول لهم هذا العام يحصل كذا يحصل وباء وحرق وقحل وأحيانا يقول فلان يولد له ولد، فلان يموت ونحو ذلك من الأمور المستقبلة، وهذا الشيطان لا يعلم الغيب إنما يأخذ الخبر من الملائكة إذ الملائكة أولياء الله وأحبابه يطلعهم الله تعالى على كثير من المستقبل فهذا الشيطان يسمع مستخفيا حديث الملائكة فيما بينهم ثم ينزل فيتحدث به لكنه لا يقتصر على الذى سمعه من الملائكة بل يضيف إليه كذبا كثيرا فيتحقق الذى سمعه من الملائكة والأكاذيب التى ضمها لا تتحقق لكن الناس الذين يعظمونه متى ما صدق له خبر أو خبران أو ثلاثة فهذا يغطى عندهم الأكاذيب التى تحصل منه، فالذبح لهذا الشيطان هو ما ذكره الله تعالى بقوله ﴿وما أهل لغير الله به﴾ أما الأنبياء والأولياء والملائكة فيطلعهم الله على بعض الغيب لأن نفوسهم مستنيرة بتقوى الله فهؤلاء إن تحدثوا عن بعض ما يحصل فى المستقبل ليس عليهم ذنب. فهذا الذى يذبح للشيطان هو ما ذكره الله تعالى ﴿وما أهل به لغير الله به﴾ وأكله حرام. فى الجاهلية كانوا يذبحون تقربا إلى هذه الشياطين كذلك كانوا يذبحون لعبادة الأصنام فقد كان عندهم وثن كبير يسمونه هبل ووثن اسمه مناة وءاخر اسمه اللات وعندهم العزى وهى شيطانة أنثى ذهب خالد بن الوليد رضى الله عنه إلى الشجرة التى كانت هى تظهر صوتها فيها فقطعها وصادف هناك الشيطانة عزى فقتلها كانت متشكلة بشكل أنثى من البشر وقال لها

يا عزى كفرانك لا سبحانك

إنى رأيت الله قد أهانك اهـ [ذكرها النسائى فى السنن الكبرى]

     ومع كل واحد منا قرين جنى وظيفته أن يوسوس لابن ءادم يرغبه فى المعصية ويثبطه عن عمل الخير والصلاة، عندما يريد أن يقوم للصلاة يثقل عليه رأسه، وهناك غير هؤلاء من يتسلطن على النساء فيؤذينهن فى أجسامهن ويقتلن أولادهن بتقدير الله ويسمون الواحدة منهن قرينة. قال الله تعالى فى سورة مريم ﴿ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا﴾ فالله تعالى يفعل ما يريد ومعنى تؤزهم أزا أى تقويهم بالمعاصى وتدفعهم إليها. وتقرأ سورة الزلزلة وغير ذلك بنية قلع وإخراج الجن من المصاب به.

     فكل ذبيحة ذبحت لغير الله هى علينا حرام إن كانت ذبحت للتقرب من الجن وإن ذبحت للتقرب إلى غيرهم. والذبيحة باسم المسيح أو باسم الصليب حرام وأما إذا ذبح النصرانى ساكتا فذبيحته حلال كما تقدم. والإنسان الذى تسلط عليه الجن فأوجعه وءالمه لا يجوز أن يذبح للجن بنية إرضائهم ورفع أذاهم عنه.

     الإنسان عند الضيق وعند المصائب قد يتورط فى معصية الله تعالى فمن حصل له أذى من الجن يجب أن يستسلم لقضاء الله تعالى. بعض الجن يتأذون عند صب الماء الساخن فالنار تحرقهم مع أن أصلهم من النار، إبليس خلق من لهب النار الصافى وفى الآخرة يحترق فى جهنم أما الملائكة فليسوا مثل الجن لا يتأذون عند صب الماء الساخن فجهنم التى خلق الله تعالى أعظم نار فيها يوجد ملائكة موظفون فيها لا تحرقهم النار، قسم كبير من الملائكة فى جهنم والرؤساء منهم تسعة عشر ورئيسهم يسمى مالكا وهؤلاء الرؤساء التسعة عشر لهم أتباع كثير. فبعض الجن إذا تأذوا من الماء الساخن يحاولون إيذاء من صب هذا الماء فإذا ءاذوه لا يجوز له أن يلجأ إلى ما حرم الله لدفع أذاهم بل يقرأ من القرءان أو أذكارا أخرى بقراءة صحيحة لحماية نفسه من ضررهم.