الجمعة أكتوبر 18, 2024

كيف يكسب المرء ود الناس وحبهم له؟

 

التودد إلى الناس:

أن يحبب المرء الناس إليه ويصبح محبوباً بينهم تلك رغبة وغاية يجد في طلبها كثير من الناس، واهتمام من الاهتمامات لكل منهم.

ومن أجل أن يتحبب المرء إلى الناس ليحبوه يتبع الأمور الآتية:

  • القرب من الناس:

ومما يؤسف له أن بعض الناس يبتعد عن الناس ولا يتقرب إليهم وينتظر منهم أن يحبوه بل ربما يفتخر البعض أن الناس يتقربون إليه ويتوددون وهو يبتعد عنهم.

جدير بالمرء أن يتودد إلى الناس الطيبين ويغتنم فرصة إقبالهم عليه. فقد جاء في الحديث أن الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس بالسوء.

قال أبو العتاهية:

وحدة الإنسان خير              من جليس السوء عنده

وجليس الخير خير               من جليس المرء وحده

فمن أراد الرقي فليصاحب الأخيار، فقد قال بعض العلماء: “قد يرحم الله عبداً مسيئاً بصحبته لعبد تقي”.

وورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين الصحابة فأتى رجل فقال: “أيكم محمد”؟ فقيل له: “ذاك الأبيض المتكئ” فذاك دليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يتميز عن أصحابه في المجلس ولا في الملبس.

  • إسباغ التقدير الخالص:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يشكر الناس لم يشكر الله.

أي أن كمال شكر الله يقتصي شكر الناس يكون بالمكافأة والدعاء ونحو ذلك.

روى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى عن ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سل” فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة فقال: “أو غير ذلك؟” قلت: هو ذاك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود.

هو هذا الرجل كان قدم لرسول الله خدمة صغيرة والرسول كان من كرم أخلاقه يحب أن يكافئ من عمل له معروفا يحب أن يكافئه في الدنيا فقال له: “سل” أي سلني قال: أسألك مرافقتك في الجنة، وهذا شيء لم تجر به العادة بين البشر أن يطلبه واحد من آخر، ما قال له يا رسول الله أسألك ناقة تحملني أستعين بها في أسفاري ما قال له يا رسول الله أطلب منك فرساً أركبه وأستعين به في أسفاري، طلب منه شيئاً لم تجر به العادة بين الناس قال له: “أسألك مرافقتك في الجنة” ما قال له أشركت كيف تطلب مني شيئاً لم تجر به العادة بين الناس ما قال له، هو طلب من رسول الله مرافقته في الجنة فقال له: “أو غير ذلك” قال: “هو ذاك” فقال: “فأعني على نفسك بكثرة السجود” ما قال كيف تطلب مني أنا عبد مثلك شيئاً لم تجر به العادة أن تكون رفيقاً لي في الجنة هذا لا يجوز فضلاً عن أن يقول له هذا شرك، لأنه ليس عبادة لغير الله مجرد طلب أمر لم تجر به العادة بين الناس.

وقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد له منة علي كأبي بكر”. الرسول صلى الله عليه وسلم فضله على أبي بكر رضي الله عنه أفضل مما بذله أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم من المال ورفقته في الهجرة، لأنه هو انقذه من عبادة الأوثان إلى درجة الإيمان التي هي السعادة الأبدية، فضل أبي بكر رضي الله عنه بالنسبة لفضل الرسول صلى الله عليه وسلم عليه كلا شيء. باتباع الرسول صار أفضل هذه الأمة بعد النبي، مقابل هذه ماذا تكون مساعدة الرسول بالمال والصحبة. معنى الحديث “ما من أحد له منة علي كأبي بكر” بالنسبة للمال ما قدم أحد مساعدة من المال للمصلحة الإسلامية كما قدم أبو بكر رضي الله عنه، كان في أصحاب رسول الله قلة من الأغنياء، أبو بكر كان له مال كثير، أنفق في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً في حب الله ورسوله، في ذلك الوقت هذا المبلغ نفعه كبير، كذلك عمر كذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وكذلك عبد الرحمن بن عوف.

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني معه إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله، وما نفعني مال في الإسلام ما نفعني مال  أبي بكر، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا لقد تركه الحق وما له من صديق، رحم الله عثمان تستحيه الملائكة وجهز جيش العسرة وزاد في مسجدنا حتى وسعنا، رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار.

قال المتنبي الشاعر: (البسيط)

لا خيل عندك تهديها ولا مال          فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

حقاً إن إسباغ التقدير الخالص على الآخرين وجعلهم يحسون بأهميتهم مبدآن على جانب عظيم من الأهمية في السلوك الإنسان وفي التعامل بين الناس وكسب ودهم وحبهم والدخول إلى قلوبهم.

إن الناس يقبلون على من يحبهم، ويحبون من يقدرهم ويحسن إليهم، ولكي يجعل المرأ نفسه محبوباً بينهم جدير به أن يعي هذه القاعدة السلوكية البالغة الأهمية.

فمثلاً لكي يسعد المرء في حياته الزوجية ينبغي له أن يقدر امرأته فينبغي لو وجدها أعدت له طعاماً ولم يكن بالهيئة المعجبة أن لا يظهر ضيقه ولو تضايق بل يفعل معها ما يفعل الكريم مع زوجته ويعمل معها عمل من أحسن إليه المحسن ويعتبر نيتها لا ما تم لها من طعام، ليقر هذه الخدمة التي قامت بها له وما تقوم به من سائر الخدمات الأخرى، فهذا يؤدي إلى كسب ود الزوجة وحبها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. معناه الذي يحسن معاملة زوجته، يعاملها بالتواضع والعطف والرحمة والإحسان والعفو إذا هي أساءت يكون من أفضل الرجال، لأن الذي يكون مع امرأته هكذا يكون مع الغير هكذا كثير من الرجال على خلاف هذا الحديث يعاملون نسائهم، لا يتواضع أحدهم معها يترفع عليها هذا لا ينبغي، ينبغي أن يتواضع معها ويحسن إليها ويصفح ويعفو عن سيئاتها، لا يقابل الإساءة بالإساءة. لو كان للشخص زوجة عقلها ضعيف فليدارها، يعاملها بالمداراة بحكمة، الطفل عقله ضعيف كيف تعامله؟ أليس بالرحمة والحكمة والشفقة والمداراة؟

عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وأن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء.

وكذلك ورد حديث في حق معاملة الزوج والإحسان إليه وطاعته فعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: “أعظم الناس حقا على المرأة زوجها”. فإن إحدى الصحابيات لما علمت بحقوق الزوج على الزوجة رفضت أن تتزوج خوفاً من عدم القيام بحق الزوج.

فإن الزوج إن كان يعامل زوجته بالعدل بلا ظلم، وهي أطاعته ولم تقصر في حقه، يوم القيامة لا ينفر هو منها، ولا تنفر هي منه، أما إن كانا يتعاملان في الدنيا بالظلم، يوم القيامة هو يفر منها، وهي تفر منه، خوف أن يطالب أحدهما الآخر بمظلمة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.

فالمرأة إذا كانت تعامل زوجها بالإحسان مع إسائته والرجل إذا كان يعامل زوجته بالإحسان هي تسيء إليه وهو يحسن إليها له عند الله مزيد أجر لأن كسر النفس بالحق عند الله تعالى له درجة عالية، فالرجل إذا أساء إلى زوجته فضربها بغير حق يستحق العقوبة في الآخرة وإن منعها النفقة وهو قادر يستحق العذاب في الآخرة، والمرأة إذا آذت زوجها إذا كانت لا تشكره على الجميل إذا غضبت غضبة تقول ما رأيت منك خيرا قط هذه تستحق عذابا في الآخرة أما إذا ندمت قبل أن تموت وسامحها زوجها غفر الله لها، الإنسان إذا لم يبرئ ذمته في الدنيا الخصومة هناك أشد يظهر الحق ذلك اليوم فيقتص المظلوم من الظالم، قال الله تعالى: (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تخصمون)، الخصومة هناك يظهر فيها الحق على التمام، ودعوة المظلوم مستجابة فقد جاء في الحديث الصحيح: “اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام”، ويقول الله عز وجل: “وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” رواه الطبراني.

وورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا ينتقد الطعام إن أعجبه أكل وإلا تركه.

قد يدخل المرء مطعما لتناول الطعام ويحدث أن يتأخر خادم المطعم في إحضار الطعام له، أو يأتيه بطعام هو غير ما يريد فليس له لمجرد هذا أن يهين الخادم، وبإمكانه أن يقول له: لا أريد إزعاجك، حبذا لو تسرع قليلا في إحضار الطعام وسيجد أن خادم المطعم يسر بخدمته وذلك لأنه قدره وأظهر احترامه له.

وهكذا لكي يحبه الناس حري به أن يعاملهم بإخلاص ونزاهة وأن يظهر إهتمامه بهم، ويجعلهم يشعرون بأهميتهم بذلك.

  • أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير:

فعن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير” أي لا يكون كامل الإيمان. واليوم قد تجد من بين مليون مسلم اثنين أو ثلاثة يطبقن هذا الحديث والوصية بمحبة الخير لغيركم كما تحبون لأنفسكم قال رسل الله صلى الله عليه وسلم: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير وهو حديث صحيح. والأول مشهور أيضاً لكن هذا أعم من حيث المعنى، المؤمن يحب للمؤمن أن تكون حالته حسنة ولا يحب له الشر أي فعل ما لا ينبغي، كذلك المؤمن يحب للمؤمن الترقي في العمل ويحب للكافر الخير وهو أن يسلم لأنه إن أسلم تكتب له حسنات وتغفر له ذنوب، أما إن بقي على كفره لا يكسب حسنة مهما نفع الناس لو بنى ألف مسجد وأنفق على مائة ألف يتيم وأرملة ليس له شيء من الحسنات.

وقال صلى الله عليه وسلم: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى.

ويحكى أن رجلاً عابداً كان في مسجد يدعو الله، وكان من جملة دعائه “اللهم ارزقني طعاماً بصفة كذا وكذا بلون كذا وكذا بطعم كذا وكذا ثم نام كان في المسجد تاجر سمعه فقال في نفسه “إنه يدعو حتى أحضر أنا له هذا الطعام فوالله لن أحضر له هذا الطعام ثم بعد قليل إذا برجل يدخل من باب المسجد ومعه الطعام بالصفة التي دعا بها العابد فيضع الطعام أمام العابد ويريد أن يخرج فيمسكه التاجر ويقول له “بالله عليك إلا أخبرتني قصة هذا الطعام الآن دعا والآن حضر له الطعام، فقال الرجل “أنا حمال ومنذ سنة وامرأتي تطلب هذا الطعام ولا أستطيع أن أشتريه، اليوم حملت لرجل فأعطاني شيئاً من الذهب فاشتريت به الطعام وبينما زوجتي تعده لي نمت فرأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي أن في المسجد وليا من أولياء الله إن أخذت له هذا الطعام جعل الله لك البركة في طعامك وإني أضمن لك الجنة فانتبهت من نومي فأخذت الطعام وأحضرته لهذا العابد فقال التاجر أعطيك عشرة أضعاف الطعام وتعطيني الثواب فقال لا، قال عشرين ضعفاً قال لا، قال أربعين ضعفاً قال لا ولو بالدنيا كلها لا أعطيك ما ضمن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون من هو خير صدوق اللسان محموم القلب قالوا صدوق اللسان نعرفه فمن هو المحموم قال: هو التقي النقي الذي ليس في قلبه لإخوته المسلمين غل ولا بغي ولا حسد.

فما أجمل المؤمن حينما يحب للناس ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، إنه يصبح محبوباً بينهم، يذكرونه بكل خير، ويفرحون حين ملاقاته، ويشعرون بالوحشة حين مفارقته، ويشاركهم آلامهم وقضاياهم، ويسعى في خدمتهم، وفي قضاء حوائجهم. ولينظر المرء في معاملاته التي يجريها مع الناس في يومه وليلته ليرى هل هو قريب منهم يعاشرهم بالمعروف أم لا؟ فلا ينبغي أن نتعامل مع الناس بطريقة الإيهام التي تلحق الضرر بالآخر كالتاجر الذي يوهم المشتري أنه لا يربح عليه الكثير وهو يربح عليه الكثير في البيع هذه خصلة قبيحة، إن أراد أن يربح الكثير يصارحه يقول له أنا سعري زائد فإما أن يدخل معه وإما أن يترك معاملته، لأنه بعد ذلك إن عرف أنه ربح عليه الكثير لا يندم لأنه دخل معه على الصراحة، أما إذا أوهمه فظن أنه لا يربح عليه إلا قليلا ثم تبين له أنه ربح عليه كثيراً يستوحش قلبه وهذا يدخل في الغش يقول هذا صاحب سوء صاحب شر يكرهه قلبه لو أظهر له الود لكن قلبه نفر، فالتورية التي فيها إضرار بالمسلم هذه بئست الخصلة. ويدخل في محبة الخير لأخيه المؤمن أن يحذره مما يضره في دينه أو دنياه. وقد روي حديث: “المؤمن يألم لأهل الإيمان كما يألم الرأس في الجسد”. لذلك كان بعض الأنصار في المدينة المنور يتنازل عن قسم من ماله للمهاجر وكان بعضهم تنازل عن إحدى امرأتيه فطلقها ليتزوجها المهاجر.