السبت ديسمبر 21, 2024

كيف بدأ هذا الكون

   قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ بَدْءِ الأَمْرِ أَىْ كَيْفَ بَدَأَ هَذَا الْكَوْنُ «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِى الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.

   أَجَابَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ اللَّهَ لا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ أَىْ أَزَلِىٌّ وَلا أَزَلِىَّ سِوَاهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَفِى الأَزَلِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شىْءٍ وَمَعْنَى خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ.

   وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَفَعَلَ، خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَرَافِقَهَا مِنْ أَنْهَارٍ وَجِبَالٍ وَوِدْيَانٍ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَالْحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَنَا التَّأَنِىَ فِى الأُمُورِ.

   الْمَاءُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ: وَأَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَاءُ قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ مِنَ الْمَاءِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، يَعْنِى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ النُّورَ وَالظَّلامَ وَالأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ وَالْعَرْشَ وَاللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ خَلَقَ قَبْلَ كُلِّ شَىْءٍ الْمَاءَ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ الْعَرْشَ ثُمَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى ثُمَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ وَخَلَقَ بَعْدَ هَؤُلاءِ سَائِرَ الأَشْيَاءِ أَىِ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالْجِبَالَ وَالأَشْجَارَ وَالأَنْهَارَ. وَكَانَ ءَاخِرَ الْخَلْقِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ خُلِقَ بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

   الْعَرْشُ هُوَ سَرِيرٌ لَهُ قَوَائِمُ وَهُوَ أَكْبَرُ الأَجْسَامِ الَّتِى خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ سَقْفُ الْجَنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِى جَنْبِ الْكُرْسِىِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضٍ فَلاةٍ وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِىِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الحَلْقَةِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.

   أَىْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِىِّ كَحَلْقَةٍ فِى فَلاةٍ وَكَذَلِكَ الْكُرْسِىُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى فَلاةٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ مِسَاحَةِ الْعَرْشِ الَّذِى يَحْمِلُهُ الآنَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ الضِّخَامِ الْعِظَامِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ بِخَفَقَانِ الطَّيْرِ الْمُسْرِعِ أَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَحْمِلُ الْعَرْشَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ.

   وَالْعَرْشُ مَحْفُوفٌ بِالْمَلائِكَةِ وَلَيْسَ هُوَ مَكَانًا للَّهِ تَعَالَى لِأَنَ اللَّهَ لَيْسَ جِسْمًا وَلا يَحْتَاجُ لِلْمَكَانِ. قَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ».

   فَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِىُّ خَلَقَهُمَا اللَّهُ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ.

 

 

العرش

   الْعَرْشُ هُوَ سَرِيرٌ لَهُ قَوَائِمُ وَهُوَ أَكْبَرُ الأَجْسَامِ الَّتِى خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ سَقْفُ الْجَنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِى جَنْبِ الْكُرْسِىِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضٍ فَلاةٍ وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِىِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الحَلْقَةِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.

   أَىْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِىِّ كَحَلْقَةٍ فِى فَلاةٍ وَكَذَلِكَ الْكُرْسِىُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى فَلاةٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ مِسَاحَةِ الْعَرْشِ الَّذِى يَحْمِلُهُ الآنَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ الضِّخَامِ الْعِظَامِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ بِخَفَقَانِ الطَّيْرِ الْمُسْرِعِ أَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَحْمِلُ الْعَرْشَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ.

   وَالْعَرْشُ مَحْفُوفٌ بِالْمَلائِكَةِ وَلَيْسَ هُوَ مَكَانًا للَّهِ تَعَالَى لِأَنَ اللَّهَ لَيْسَ جِسْمًا وَلا يَحْتَاجُ لِلْمَكَانِ. قَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ».

   فَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِىُّ خَلَقَهُمَا اللَّهُ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ.

 

القلم الأعلى واللوح المحفوظ

   بَعْدَ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ وَالْعَرْشَ خَلَقَ الْقَلَمَ الأَعْلَى ثُمَ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ ثُمَ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ.

  • الْقَلَمُ الأَعْلَى وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ: وَرَدَ فِى وَصْفِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ حَافَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ عَرْضُهُ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ.

أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمَ أَنْ يَكْتُبَ فَجَرَى بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمْسِكَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ فِى الدُّنْيَا إِلَى نِهَايَتِهَا. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ فَلا يُولَدُ إِنْسَانٌ وَلا تَنْزِلُ قَطْرَةُ مَاءٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا عَلَى حَسَبِ مَا كُتِبَ فِى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.

  • الأَرْضُ: الأَرْضُ الَّتِى نَحْنُ عَلَيْهَا هِىَ وَاحِدَةٌ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهِىَ أَعْلاهَا وَكُلُّ أَرْضٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الأُخْرَى، وَفِى الأَرْضِ السَّابِعَةِ يُوجَدُ مَكَانٌ يُسَمَّى سِجِّينَ وَهُوَ مَكَانُ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ بَعْدَ بِلَى أَجْسَاِدهِمْ إِلَى أَنْ يُبْعَثُوا. وَجَهَنَّمُ تَحْتَ الأَرْضِ السَّابِعَةِ وَهِىَ النَّارُ الَّتِى تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهَا الْكُفَّارَ وَالْعُصَاةَ مِنْ عِبَادِهِ. وَكَانَ خَلْقُ هَذِهِ الأَرْضِ فِى الْيَوْمَيْنِ الأَوَّلَيْنِ مِنَ الأَيَّامِ السِّتِّ.
  • السَّمَوَاتُ السَّبْعُ: بَعْدَ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الأَرْضَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَهِىَ أَجْرَامٌ صُلْبَةٌ رَفَعَهَا اللَّهُ بِغَيْرِ عَمَدٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ بَعْضِهَا الْبَعْضِ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالأُخْرَى مَسَافَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَلِكُلِّ سَمَاءٍ بَابٌ.

وَمِنْ شِدَّةِ بُعْدِ السَّمَاءِ الأُولَى عَنِ الأَرْضِ وَعَجْزِ الإِنْسَانِ عَنْ إِدْرَاكِهَا يَعْتَقِدُ بَعْضُ الْغَرْبِيِّينَ أَنَ الْفَضَاءَ الَّذِى فِيهِ النُّجُومُ وَالْكَوَاكِبُ هُوَ جُمْلَةُ هَذَا الْعَالَمِ وَيَعْتَقِدُونَ بَاطِلًا أَنَهُ مُمْتَدٌّ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ وَلا عِبْرَةَ بِكَلامِهِمْ لِأَنَ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَنَا فِى الْقُرْءَانِ وَنَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا فِى حَدِيثِهِ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ بِخِلافِ مَا قَالُوا. وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ تُوجَدُ الْجَنَّةُ.

  • مَرَافِقُ الأَرْضِ: وَبَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مَرَافِقَ الأَرْضِ كَالأَنْهَارِ وَالأَشْجَارِ وَالْجِبَالِ وَغَيْرِهَا.
  • ءَادَمُ: ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى ءَادَمَ فِى ءَاخِرِ الْيَوْمِ السَّادِسِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَءَادَمُ هُوَ ءَاخِرُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ حَيْثُ الِجنْسُ وَأَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابِ الأَرْضِ بَعْدَ أَنْ خَلَطَهُ الْمَلَكُ بِأَمْرِ اللَّهِ بِمَاءٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَخَلَقَ مِنْ ضِلَعِهِ الأَيْسَرِ حَوَّاءَ وَكَانَ خَلْقُ الْمَلائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ قَبْلَ خَلْقِ ءَادَمَ.