ومما يُحذَر ، ما في كتاب «المنتقى»، ما افتُرِيَ على ابن الجارود (307هـ) حيث يقولون فيه[(378)]: «حدثنا أحمد بن يوسف السُّلمي، وأبو داود سليمان بن مَعبد قالا: ثنا النضر هو ابن محمد قال: ثنا عكرمة يعني ابن عمار، عن يحيى قال: ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الربا سبعون بابًا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه» اهـ. والعياذ بالله تعالى.
وهذا الحديث لا يصح، فقد اعترض عليه الحافظ ابن الجوزي واعتبره موضوعًا.
فقد قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه «الموضوعات»[(379)]، كتاب البيع والمعاملات، عند قولهم: باب تعظيم أمر الربا على الزنا، في معرض إيراده للأحاديث المكذوبة: « فيه عن أبي هريرة وأنس وابن حنظلة وعائشة: فأما حديث أبي هريرة فله طريقان: الطريق الأول: أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال: أنبأنا محمد بن المظفر قال: أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد قال: أنبأنا يوسف بن أحمد قال: حدثنا العُقَيلي قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدّب قال: حدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن زياد قال: حدثنا عكرمة بن عمّار عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الربا سبعون بابا أصغرها كالذي ينكح أمه.
الطريق الثاني: أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن إسماعيل حدثنا أبو يحيى البزاز حدثنا محمد بن الحسن الحيرى حدثنا حفص بن عبدالرحمـن حدثنا عبدالله بن زياد حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الربا سبعون بابا أصغرها عند الله كالذى ينكح أمه.
وأما حديث ابن عباس فأنبأنا محمد بن عبد الملك أنبأنا الجوهري عن الدار قطني عن أبى حاتم بن حبان أنبأنا الحسين ابن عبد الله القطان حدثنا الوليد بن عتبة حدثنا محمد بن حمير حدثنا إسماعيل عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أكل درهمًا ربا فهو مثل ستة وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من السحت فالنار أولى به.
وأما حديث أنس فله طريقان:
الطريق الأول: أنبأنا محمد بن عبد الملك أنبأنا ابن مسعدة أنبأنا حمزة أنبأنا ابن عدي حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم حدثنا محمد بن على بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: أخبرني أبو مجاهد عن ثابت عن أنس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الربا وعظيم شأنه وقال: إن الدرهم يصيب الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستة وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم.
الطريق الثاني: أنبأنا عبد الوهاب أنبأنا المبارك بن عبد الجبار حدثنا عبد الله بن الحسين الهمداني حدثنا الدارقطني حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الصلحي حدثنا أبو فروة يزيد ابن محمد حدثنا أبى حدثنا طلحة بن زيد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن يحيى بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الربا سبعون بابًا أهون باب منه الذى يأتي أمه في الإسلام وهو يعرفها، وإن أربى الربا خرق المرء عرضَ أخيه، وخرق عرض أخيه أن يقول فيه ما يكره من مساوئه، والبهتان أن يقول فيه ما ليس فيه.
وأما حديث ابن حنظلة فله طريقان:
الطريق الأول: أنبأنا ابن الحصين أنبأنا ابن المذهب أنبأنا القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي (ح).
وأخبرنا به عبد الحق بن أحمد أنبأنا عبد الرحمـن بن أحمد حدثنا أبو بكر بن بِشران حدثنا علي بن عمر حدثنا أحمد بن العباس البغوي حدثنا يحيى بن يَزداد أبو الصقر حدثنا حسين ابن محمد حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة غسيلُ الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية.
الطريق الثاني: أنبأنا عبد الحق أنبأنا عبد الرحمـن بن أحمد أنبأنا أبو بكر بن بشران حدثنا الدارقطني حدثنا البغوي حدثنا هاشم بن الحرث حدثنا عبيد الله بن عمرو عن ليث عن عبد الله بن أبى مليكة عن عبد الله بن حنظلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ستة وثلاثين زنية في الحطيم.
وأما حديث عائشة فله طريقان:
الطريق الأول: أنبأنا محمد بن أبي القاسم البغدادي أنبأنا حمد بن أحمد الحداد أنبأنا أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو إسحاق ابن حمزة حدثنا أبو على محمد بن أحمد بن سعيد حدثنا عبد الله بن محمد بن عيشون حدثنا عبد الغفار بن الحكم حدثنا سوار بن مصعب عن ليث وخلف بن حَوشَبٍ عن مجاهد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الربا بضع وسبعون بابًا، أصغرها كالواقع على أمه، والدرهم الواحد من الربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية.
الطريق الثاني: أنبأنا عبد الوهاب أنبأنا ابن بكران حدثنا العتيقي حدثنا يوسف حدثنا العقيلى حدثنا إبراهيم بن عبد الله ابن سعيد بن محمد الجرمي حدثنا أبو ثميلة حدثنا عمران بن أنس أبو أنس عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لدرهم ربا أعظم عند الله من سبعة وثلاثين زنية.
ليس في هذه الأحاديث شئ صحيح.
أما حديث أبي هريرة ففي طريقيه عبد الله بن زياد وقد كذبوه، وقال البخاري: إنما روى هذا الحديث أبو سلمة عن عبد الله بن سلام نفسه.
وأما حديث أنس ففي طريقه الأول أبو مجاهد واسمه عبد الله بن كيسان المروزي.
قال البخاري: هو منكر الحديث.
والطريق الثاني تفرد به طلحة بن زيد.
قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث.
وأما حديث ابن حنظلة ففي الطريق الأول حسين بن محمد وهو حسين بن محمد بن بهرام أبو محمد المروزي.
قال أبو حاتم الرازي: رأيته ولم أسمع منه، وسئل أبو حاتم عن حديث يرويه حسين فقال: خطأ، فقيل له: الوهم ممن؟ فقال: من حسين ينبغي أن يكون.
وفي الطريق الثاني ليث.
قال أبو حاتم الرازي: لا يشتغل به، وهو مضطرب الحديث.
قال المصنف قال: وإنما يروى هذا عن كعب». انتهى كلام الحافظ ابن الجوزي.
وقد أردنا التنبيه على ذلك لما رأينا من انتشاره على ألسنة بعض الخطباء، فليحذر ذلك.
ـ[378] المنتقى (دار الجنان – مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى 1408هـ ص163 باب ما جاء في الربا، حديث رقم 647).
ـ[379] الموضوعات (مؤسسة النداء – أبو ظبي، الطبعة الأولى 1423هـ، المجلد الثالث ص286 – 287 – 288 – 289 – 290).