الخميس نوفمبر 21, 2024

كِتَابُ (الطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ)

   بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلامَ عَلَى مَسَائِلِ الْعَقِيدَةِ شَرَعَ فِى الْكَلامِ عَلَى أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ وَهِىَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَأَحْكَامِ الصَّلاةِ وَهِىَ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ.

    (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا (فَمِنَ الْوَاجِبِ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ أَوْ رَوَاتِبَ الْفَرَائِضِ لَمْ يَكُنْ ءَاثِمًا. وَلَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِى بَيَانِهَا فَأَمَّا الصَّلاةُ الأُولَى فَهِىَ صَلاةُ (الظُّهْرِ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أَىْ مَالَتْ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا (إِلَى مَصِيرِ) أَىْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ (ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ غَيْرَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ) أَىْ زَائِدًا عَلَى ظِلِّ الشَىْءِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ إِنْ كَانَ، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّاخِصِ مِثْلَ الشَّاخِصِ زَائِدًا عَلَى ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ فَقَدْ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَظِلُّ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِى وَسَطِ السَّمَاءِ. (وَ)أَمَّا الصَّلاةُ الثَّانِيَةُ فَهِىَ صَلاةُ (الْعَصْرِ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الظُّهْرِ) بِلا فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَيَمْتَدُّ (إِلَى مَغِيبِ) كَامِلِ قُرْصِ (الشَّمْسِ). (وَ)أَمَّا الصَّلاةُ الثَّالِثَةُ فَهِىَ صَلاةُ (الْمَغْرِبِ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ مَغِيبِ) كَامِلِ قُرْصِ (الشَّمْسِ) وَيَمْتَدُّ (إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ) وَهُوَ حُمْرَةٌ تَظْهَرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فِى جِهَةِ الْغُرُوبِ. (وَ)أَمَّا الصَّلاةُ الرَّابِعَةُ فَهِىَ صَلاةُ (الْعِشَاءِ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) وَيَمْتَدُّ (إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِى الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ الَّذِي يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَنْتَشِرُ وَيَتَوَسَّعُ. وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ فَإِنَّ ظُهُورَهُ لَيْسَ عَلامَةً عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ. (وَ)أَمَّا الصَّلاةُ الْخَامِسَةُ فَهِىَ صَلاةُ (الصُّبْحِ وَ)يَدْخُلُ (وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ) وَيَمْتَدُّ (إِلَى طُلُوعِ) أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ (الشَّمْسِ فَتَجِبُ) مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ (هَذِهِ الْفُرُوضِ) الْخَمْسَةِ وَيَجِبُ إِيقَاعُهَا (فِى أَوْقَاتِهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) يَخْرُجُ بِهِ الْكَافِرُ الأَصْلِىُّ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ فِى الدُّنْيَا (بَالِغٍ) يَخْرُجُ بِهِ مَنْ كَانَ دُونَ الْبُلُوغِ (عَاقِلٍ) أَىْ غَيْرِ الْمَجْنُونِ (طَاهِرٍ أَىْ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَيَحْرُمُ تَقْدِيـمُهَا عَلَى وَقْتِهَا) لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَنْ قَدَّمَهَا بِلا عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ (وَ)يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا (تَأْخِيرُهَا عَنْهُ) أَىْ عَنِ الْوَقْتِ (لِغَيْرِ عُذْرٍ) فَمَنْ أَخَّرَهَا عَصَى اللَّهَ بِذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الصَّلاةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ فَلا إِثْمَ فِى ذَلِكَ (فَإِنْ طَرَأَ مَانِعٌ) يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ (كَحَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ وَكَانَ طُرُوؤُهُ (بَعْدَمَا مَضَى مِنْ) أَوَّلِ (وَقْتِهَا) أَىْ وَقْتِ الصَّلاةِ الَّتِي طَرَأَ فِيهَا الْمَانِعُ (مَا يَسَعُهَا) أَىْ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ فَقَطْ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ أَوْ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ (وَطُهْرَهَا) لِمَنْ لا يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ أَىْ (لِنَحْوِ سَلِسٍ) وَمُسْتَحَاضَةٍ (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) فِى الْحَالَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ (أَوْ زَالَ الْمَانِعُ) مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ (وَقَدْ بَقِىَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ) أَىْ بَقِىَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ قَوْلِ الْقَائِلِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لا أَقَلُّ (لَزِمَتْهُ) أَىْ ثَبَتَتْ فِى ذِمَّتِهِ (وَكَذَا) يَلْزَمُهُ (مَا) أَىِ الصَّلاةُ الَّتِي (قَبْلَهَا) أَىْ قَبْلَ الصَّلاةِ الَّتِي زَالَ الْمَانِعُ فِى وَقْتِهَا (إِنْ جُمِعَتْ مَعَهَا) لِلْعُذْرِ أَىْ إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ الَّتِي قَبْلَهَا يَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ الصَّلاةِ الَّتِي زَالَ الْمَانِعُ فِى وَقْتِهَا فِى حَالِ الْعُذْرِ كَالسَّفَرِ (فَيَجِبُ الْعَصْرُ مَعَ الظُّهْرِ) لِأَنَّهَا تُجْمَعُ مَعَهَا لِلْعُذْرِ (إِنْ زَالَ الْمَانِعُ) كَالْحَيْضِ وغَيْرِهِ (بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَ)تَجِبُ (الْعِشَاءُ مَعَ الْمَغْرِبِ) لِأَنَّهَا تُجْمَعُ مَعَهَا لِلْعُذْرِ (بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَىْ بِزَوَالِ الْمَانِعِ قَبْلَ دُخُولِ الْفَجْرِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لا أَقَلَّ.

   (فَصْلٌ) فِيما يَجِبُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ وَالصَّبِيَّاتِ.

   (يَجِبُ) عَلَى طَرِيقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (عَلَى وَلِىِّ) كُلٍّ مِنَ (الصَّبِىِّ وَالصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَيْنِ) وَالتَّمْيِيزُ هُوَ أَنْ يَفْهَمَ الْخِطَابَ وَيَرُدَّ الْجَوَابَ (أَنْ يَأْمُرَهُمَا) أَىِ الصَّبِىَّ وَالصَّبِيَّةَ الْمُمَيِّزَيْنِ (بِالصَّلاةِ) وَلَوْ قَضَاءً (وَيُعَلِّمَهُمَا أَحْكَامَهَا بَعْدَ) أَنْ يُتِمَّا (سَبْعَ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ) وَيَكُونُ أَمْرُ الْوَلِىِّ بِالتَشْدِيدِ بِحَيْثُ يُظْهِرُ لِلْوَلَدِ أَهَمِيَّةَ الصَّلاةِ فَإِنْ مَيَّزَ قَبْلَ بُلُوغِ سَبْعِ سِنِينَ لَمْ يَجِبِ الأَمْرُ. (وَ)يَجِبُ عَلَى الْوَلِىِّ وَهُوَ الْوَالِدُ وَكَذَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ (يَضْرِبَهُمَا) أىِ الصَّبِىَّ وَالصَّبِيَّةَ الْمُمَيِّزَيْنِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ (عَلَى تَرْكِهَا) أَىِ الصَّلاةِ (بَعْدَ) تَمَامِ (عَشْرِ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ وَذَلِكَ (كَصَوْمٍ أَطَاقَاهُ) فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِىِّ أَمْرُهُمَا بِالصَّوْمِ لِسَبْعٍ وَضَرْبُهُمَا عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ إِنْ كَانَا يُطِيقَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُطِيقَا الصِّيَامَ لَمْ يُؤْمَرَا بِهِ.

   (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَىْ عَلَى الْوَلِىِّ (أَيْضًا تَعْلِيمُهُمَا) أَىِ الصَّبِىِّ وَالصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَيْنِ (مِنْ) أُصُولِ (الْعَقَائِدِ) الضَّرُورِيَّةِ مِنْ وُجُودِ اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ وَأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَادِقٌ فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ وَأَنَّهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانَ وَأَنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً وَأَنَّ اللَّهَ سَيُفْنِى الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَأَنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلطَّائِعِينَ دَارًا يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا فِى الآخِرَةِ اسْمُهَا الْجَنَّةُ وَلِلْكُفَّارِ دَارًا يَتَعَذَّبُونَ فِيهَا اسْمُهَا النَّارُ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ)يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُعَلِّمَهُمَا مِنَ (الأَحْكَامِ يَجِبُ كَذَا) وَكَذَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ (وَيَحْرُمُ كَذَا) وَكَذَا كَالسَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ وَلَوْ مَزْحًا وَالزِّنَى وَاللِّوَاطِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ (وَ)يُعَلِّمَهُما (مَشْرُوعِيَّةَ السِّوَاكِ وَالْجَمَاعَةِ) أَىْ أَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالأَمْرِ بِهِمَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.

   (وَيَجِبُ عَلَى وُلاةِ الأَمْرِ) مِنَ الْخَلِيفَةِ أَوْ نَائِبِهِ (قَتْلُ تَارِكِ الصَّلاةِ) بَعْدَ إِنْذَارِهِ بِأَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ أَىْ إِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا الأَصْلِىُّ وَوَقْتُ الْعُذْرِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ كَانَ وَلَمْ يُصَلِّ أَىْ إِنْ كَانَ تَرْكُهُ لَهَا (كَسَلًا) وَتَهَاوُنًا لا جُحُودًا بِوُجُوبِهَا (إِنْ لَمْ يَتُبْ) تَارِكُ الصَّلاةِ قَبْلَ الْقَتْلِ [تَوْبَتُهُ تَكُونُ بِأَنْ يُصَلِّىَ]، وَقَتْلُهُ يَكُونُ تَطْهِيرًا لَهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، (وَحُكُمُهُ) أَىْ حُكْمُ تَارِكِ الصَّلاةِ كَسَلًا (أَنَّهُ مُسْلِمٌ) فَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّغْسِيلِ وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا تَارِكُ الصَّلاةِ جُحُودًا فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُرْتَدِّ.

   (وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) وُجُوبًا كِفَائِيًّا (أَمْرُ أَهْلِهِ) أَىْ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا (بِالصَّلاةِ) بَعْدَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَ)أَمْرُ (كُلِّ مَنْ قَدَرَ) الشَّخْصُ (عَلَيْهِ) أَىْ عَلَى أَمْرِهِ بِالصَّلاةِ (مِنْ غَيْرِهِمْ).

   (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ فُرُوضِ الْوُضُوءِ.

   (وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ الْوُضُوءُ) وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِى أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحًا بِالنِّيَّةِ (وَفُرُوضُهُ) أَىْ أَرْكَانُ الْوُضُوءِ (سِتَّةٌ الأَوَّلُ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاةِ) بِالْقَلْبِ (أَوْ) نِيَّةٌ (غَيْرُهَا مِنَ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ) كَأَنْ يَنْوِىَ الْوُضُوءَ أَوْ فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ مُفْتَقِرٍ إِلَى الْوُضُوءِ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلاةِ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَلا يَكْفِى إِجْرَاؤُهَا عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارٍ لَهَا بِالْقَلْبِ. وَلا يَكْفِى أَيْضًا أَنْ يَنْوِىَ الطَّهَارَةَ فَقَطْ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ (عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ) أَىْ عِنْدَ غَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ لا قَبْلَ ذَلِكَ وَلا بَعْدَهُ (أَىْ) أَنْ تَكُونَ (مُقْتَرِنَةً بِغَسْلِهِ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِىِّ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (وَتَكْفِى النِّيَّةُ إِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ بِقَلِيلٍ عِنْدَ) الإِمَامِ (مَالِكِ) بنِ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا الرُّكْنُ (الثَّانِى) مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ فَهُوَ (غَسْلُ) ظَاهِرِ (الْوَجْهِ جَمِيعِهِ) مَرَّةً وَاحِدَةً. وَحَدُّ الْوَجْهِ طُولًا (مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ رَأْسِهِ) عِنْدَ غَالِبِ النَّاسِ (إِلَى) أَسْفَلِ (الذَّقَنِ) وَهُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ (وَ)عَرْضًا (مِنْ) وَتِدِ (الأُذُنِ إِلَى) وَتِدِ (الأُذُنِ) فَكُلُّ مَا كَانَ ضِمْنَ حَدِّ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ (شَعَرًا وَبَشَرًا) وَالْمُرَادُ بِالْبَشَرِ الْجِلْدُ لَكِنْ (لا) يَجِبُ غَسْلُ (بَاطِنِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ) وَهِىَ الشَّعَرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ (وَعَارِضَيْهِ) وَهُمَا الشَّعَرَانِ النَّابِتَانِ عَلَى اللَّحْيَيْنِ وَذَلِكَ (إِذَا كَثُفَا) فِعِنْدَئِذٍ يَغْسِلُ ظَاهِرَ اللِّحْيَةِ وَالْعَارِضَيْنِ وَلا يَجِبُ أَنْ يَغْسِلَ الْبَاطِنَ بِخِلافِ مَا إِذَا لَمْ يَكْثُفَا فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْكَثِيفُ هُوَ مَا لا تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْ خِلالِهِ وَالْخَفِيفُ عَكْسُهُ. وَالرُّكْنُ (الثَّالِثُ) مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ هُوَ (غَسْلُ الْيَدَيْنِ) مَرَّةً وَاحِدَةً أَىِ الْكَفَّيْنِ وَالسَّاعِدَيْنِ (مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) تَثْنِيَةُ مِرْفَقٍ وَهُوَ مُجْتَمَعُ السَّاعِدِ مَعَ الْعَضُدِ (وَمَا عَلَيْهِمَا) مِنْ شَعَرٍ وَلَوْ كَثُفَ وَظُفْرٍ وَسِلْعَةٍ وَشُقُوقٍ وَقِشْرَةِ جُرْحٍ. وَالرُّكْنُ (الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ هُوَ (مَسْحُ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضِهِ) مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ لا شَعَرَ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُ الْمَسْحُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْسُوحُ (شَعْرَةً) أَوْ بَعْضَ شَعْرَةٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِهِ اسْمُ الْمَسْحِ أَىْ إِذَا كَانَ الْمَمْسُوحُ (فِى حَدِّهِ) أَىِ الرَّأْسِ بِحَيْثُ لا يَخْرُجُ الْجُزْءُ الْمَمْسُوحُ مِنَ الشَّعْرَةِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ عِنْدَ مَدِّهَا لِجِهَةِ نُزُولِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ. وَالرُّكْنُ (الْخَامِسُ) مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ هُوَ (غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ) أَىِ الْقَدَمَيْنِ وَمَا عَلَيْهِمَا مِنْ شَعَرٍ وَسِلْعَةٍ وَظُفْرٍ وَشُقُوقٍ (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِى أَسْفَلِ السَّاقِ، وَهَذَا فِى غَيْرِ لابِسِ الْخُفِّ أَمَّا لابِسُ الْخُفِّ فَالْوَاجِبُ فِى حَقِّهِ إِمَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ (أَوْ مَسْحُ الْخُفِّ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ) وَهِىَ أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ طَاهِرًا وأَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْقَدَمِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ يُمْكِنُ الْمَشْىُ عَلَيْهِ بِلا نَعْلٍ لِحَاجَاتِ الْمُسَافِرِ عِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ لُبْسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ مَانِعًا لِنُفُوذِ الْمَاءِ. وَأَمَّا الرُّكْنُ (السَّادِسُ) فَهُوَ (التَّرْتِيبُ هَكَذَا) أَىْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ الْمَقْرُونِ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ.

   (فَصْلٌ) فِى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.

   (وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ) أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا (مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ) وَهُمَا الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا أَمْ غَيْرَ مُعْتَادٍ عَيْنًا أَمْ رِيحًا (غَيْرَ الْمَنِىِّ) أَىْ مَنِىِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِىِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (وَ)ثَانِيهَا (مَسُّ قُبُلِ الآدَمِىِّ) لا الْبَهِيمَةِ وَالنَّاقِضُ مِنَ الرَّجُلِ مَسُّ الذَّكَرِ وَمِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا عَلَى الْمَنْفَذِ (أَوْ) مَسُّ (حَلْقَةِ دُبُرِهِ) أَىِ الآدَمِىِّ وَالْمُرَادُ بِهَا مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ فَقَطْ فَلا يَنْقُضُ مَسُّ الأَلْيَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ نَاقِضًا إِذَا كَانَ الْمَسُّ (بِبَطْنِ الْكَفِّ) وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ إِطْبَاقِ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الأُخْرَى مَعَ تَفْرِيقٍ لِلأَصَابِعِ وَتَحَامُلٍ يَسِيرٍ فَمَا لا يَظْهَرُ هُوَ بَطْنُ الْكَفِّ، وَلا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِغَيْرِ الْبَطْنِ كَظَهْرِ الْكَفِّ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ الْمَسُّ نَاقِضًا أَنْ يَكُونَ (بِلا حَائِلٍ) فَلَوْ كَانَ حَائِلٌ لَمْ يَنْتَقِضِ الْوُضُوءُ، (وَ)ثَالِثُهَا (لَمْسُ) الذَّكَرِ الَّذِي يُشْتَهَى بِبَشَرَتِهِ (بَشَرَةَ) الأُنْثَى (الأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي تُشْتَهَى) فَإِنْ لَمَسَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ لا يُشْتَهَى عَادَةً بَشَرَةَ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ أَوْ لَمَسَ رَجُلٌ بَشَرَةَ بِنْتٍ لا تُشْتَهَى أَوْ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِحَائِلٍ أَوْ لَمَسَ غَيْرَ الْبَشَرَةِ مِنْهَا كَشَعَرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوؤُهُ، (وَ)رَابِعُهَا (زَوَالُ الْعَقْلِ) أَىِ التَّمْيِيزِ وَالإِدْرَاكِ بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ صَرْعٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَوْمٍ (لا نَوْمُ قَاعِدٍ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ) سَوَاءٌ كَانَ قَدْ مَكَّنَ مَقْعَدَتَهُ مِنَ الأَرْضِ أَمْ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلا يَنْتَقِضُ وُضُوؤُهُ.

    (فَصْلٌ) فِى مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَفِى بَيَانِ شُرُوطِهِ.

   (يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلاةِ (مِنْ كُلِّ رَطْبٍ) مُلَوِّثٍ لِلْمَخْرَجِ (خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا كَالْبَوْلِ أَمْ لا كَالدَّمِ بِخِلافِ غَيْرِ الرَّطْبِ فَلا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِعَدَمِ التَّلْوِيثِ (غَيْرَ الْمَنِىِّ) فَلا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِطَهَارَتِهِ وَيَكُونُ الِاسْتِنْجَاءُ بِإِزَالَةِ الأَذَى بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إِمَّا (بِالْمَاءِ) الطَّهُورِ (إِلَى أَنْ يَطْهُرَ الْمَحَلُّ) قُبُلًا كَانَ أَمْ دُبُرًا وَذَلِكَ بِزَوَالِ جِرْمِ النَّجَاسَةِ وَأَوْصَافِهَا (أَوْ بِمَسْحِهِ) أَىِ الْمَحَلِّ (ثَلاثَ مَسَحَاتٍ) لا أَقَلَّ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ ثَلاثٍ إِنْ لَمْ يَنْقَ الْمَحَلُّ بِهِنَّ (إِلَى أَنْ يَنْقَى الْمَحَلُّ وَإِنْ بَقِىَ الأَثَرُ) بِحَيْثُ لا يُزِيلُهُ إِلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ أَىِ الْفَخَّارِ وَيَكُونُ الْمَسْحُ لِلْمَحَلِّ (بِقَالِعٍ) فَلا يَكْفِى غَيْرُ الْقَالِعِ كَالزُّجَاجِ وَالْقَصَبِ وَالتُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ (طَاهِرٍ) فَلا يَكْفِى النَّجِسُ كَالْبَعْرِ أَوِ الْمُتَنَجِّسُ كَحَجَرٍ مُتَنَجِّسٍ (جَامِدٍ) فَلا يَكْفِى الْمَائِعُ كَمَاءِ الْوَرْدِ أَوِ الرَّطْبُ كَخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ (غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) فَلا يَجُوزُ وَلا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمُحْتَرَمِ كَكُتُبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِىِّ وَمَا كَانَ مَقْصُودًا لِلأَكْلِ مِنَ الآدَمِيِّينَ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ. وَمَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الأَرْبَعَةُ هُوَ (كَحَجَرٍ أَوْ وَرَقٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَالِعٌ طَاهِرٌ جَامِدٌ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ. وَيَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ (وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَقَبْلَ جَفَافٍ) لِلْخَارِجِ (فَإِنِ انْتَقَلَ) الْخَارِجُ (عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ) مُنْفَصِلًا وَجَبَ الْمَاءُ فِى الْمُنْفَصِلِ أَوْ مُتَّصِلًا وَجَبَ فِيهِ الْمَاءُ أَيْضًا وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلا انْتَقَلَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ ابْتِدَاءً وَلَمْ يُجَاوِزِ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ حَشَفَةَ الرَّجُلِ وَلا وَصَلَ إِلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ عِنْدَ الْمَرْأَةِ وَلا جَاوَزَ الْغَائِطُ الصَّفْحَتَيْنِ وَهُوَ مَا يَنْضَمُّ مِنَ الأَلْيَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ كَفَى الْحَجَرُ وَمَا فِى مَعْنَاهُ وَإِلَّا بِأَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ (أَوْ جَفَّ) الْخَارِجُ (وَجَبَ الْمَاءُ) لِلِاسْتِنْجَاءِ.

   (فَصْلٌ) فِى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَفِى فُرُوضِهِ.

   (وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ) وَيَكُونُ ذَلِكَ (بِالْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الْغُسْلِ). (وَالَّذِى يُوجِبُهُ) أَىِ الْغُسْلَ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) اثْنَانِ يَشْتَرِكُ فِيهِمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ أَحَدُهُمَا (خُرُوجُ الْمَنِىِّ) أَىْ مَنِىِّ الإِنْسَانِ نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِخُرُوجِهِ ظُهُورُهُ إِلَى ظَاهِرِ حَشَفَةِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْبِكْرِ وَوُصُولُهُ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَمَا لَمْ يَصِلْ إِلَى ذَلِكَ فَلا يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَلِلْمَنِىِّ عَلامَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا هِىَ التَّدَفُّقُ أَىِ الِانْصِبَابُ بِشِدَّةٍ عَلَى دَفَعَاتٍ وَالتَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ وَرَائِحَةُ الْعَجِينِ رَطْبًا وَبَيَاضِ الْبَيْضِ جَافًّا فَإِنْ وُجِدَتْ عَلامَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعَلامَاتِ فَالْخَارِجُ مَنِىٌّ وَلا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا. (وَ)ثَانِيهِمَا (الْجِمَاعُ) وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَهُوَ إِيلاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِى فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا (وَ)ثَلاثَةٌ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ أَوَّلُهَا (الْحَيْضُ) وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الْوِلادَةِ وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِ [لَكِنَّهُ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ] (وَ)ثَانِيهَا (النِّفَاسُ) وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْوِلادَةِ وَأَقَلُّهُ مَجَّةٌ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَومًا وَالْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ هُوَ انْقِطَاعُ دَمِ النِّفَاسِ (وَ)ثَالِثُهَا (الْوِلادَةُ) وَلَوْ بِلا بَلَلٍ فَصَارَ مَجْمُوعُ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ خَمْسَةً كَمَا تَقَدَّمَ.

   (وَفُرُوضُ الْغُسْلِ) أَىْ أَرْكَانُهُ (اثْنَانِ) الأَوَّلُ (نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ أَوْ نَحْوُهَا) مِنَ النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ كَأَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ الْغُسْلِ أَوِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ بِخِلافِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَوِ الطَّهَارَةِ فَقَطْ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَافٍ. وَلا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ عِنْدَ غَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ فَلا يُعْتَدُّ بِمَا غُسِلَ قَبْلَ النِّيَّةِ. (وَ)الثَّانِى (تَعْمِيمُ جَمِيعِ) ظَاهِرِ (الْبَدَنِ بَشَرًا وَشَعَرًا) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَإِنْ كَثُفَ) أَىْ سَوَاءٌ خَفَّ أَمْ كَثُفَ (بِالْمَاءِ) الطَّهُورِ. 

   (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَأَحْكَامِ التَّيَمُّمِ.

   (شُرُوطُ الطَّهَارَةِ) مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (الإِسْلامُ) فَلا تَصِحُّ طَهَارَةُ الْكَافِرِ مِنَ الْحَدَثَيْنِ (وَ)ثَانِيهَا (التَّمْيِيزُ) فَلا تَصِحُّ طَهَارَةُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ (وَ)ثَالِثُهَا (عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى) الْعُضْوِ (الْمَغْسُولِ) أَوِ الْمَمْسُوحِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ كَالشَّحْمِ اللَّاصِقِ بِالْجِلْدِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الطَّهَارَةُ بِخِلافِ مَا يَسْتُرُ اللَّوْنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى الْعُضْوِ فَإِنَّهُ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ كَالْحِبْرِ (وَ)رَابِعُهَا (السَّيَلانُ) وَهُوَ أَنْ يَجْرِىَ الْمَاءُ عَلَى الْجِلْدِ بِطَبْعِهِ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ إِمْرَارِ الْيَدِ فَلا يُجْزِئُ الْمَسْحُ فِى مَوْضِعِ الْغَسْلِ (وَ)خَامِسُهَا (أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ) الْمُسْتَعْمَلُ فِى الطَّهَارَةِ طَاهِرًا فِى نَفْسِهِ (مُطَهِّرًا) لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَىِ الَّذِي يُطْلَقُ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلا قَيْدٍ لازِمٍ كَمَاءِ الْمَطَرِ وَذَلِكَ (بِأَنْ لا يُسْلَبَ اسْمَهُ) أَىْ إِطْلاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلا قَيْدٍ (بِمُخَالَطَةِ) أَىْ بِسَبَبِ مُخَالَطَةِ شَىْءٍ (طَاهِرٍ يَسْتَغْنِى الْمَاءُ عَنْهُ) أَىْ يَسْهُلُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ (أَىْ) بِسَبَبِ (امْتِزَاجِ شَىْءٍ طَاهِرٍ كَالْحَلِيبِ وَالْحِبْرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ) بِالْمَاءِ بِحَيْثُ يُغَيِّرُهُ تَغْيِيرًا ظَاهِرًا وَالْمُخَالِطُ هُوَ مَا لا يَنْفَصِلُ فِى رَأْىِ الْعَيْنِ عَنِ الْمَاءِ بِخِلافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا مِمَّا جَاوَرَ الْمَاءَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لا يُؤَثِّرُ عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ (فَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهِ) أَىْ بِالْمُخَالِطِ تَغَيُّرًا كَثِيرًا فِى لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ (بِحَيْثُ) سُلِبَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ فَصَارَ (لا يُسَمَّى مَاءً) مُطْلَقًا (لَمْ يَصْلُحْ لِلطَّهَارَةِ) وَأَمَّا إِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ بِهِ يَسِيرًا بِحَيْثُ لا يُسْلَبُ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْقَى طَهُورًا، (وَأَمَّا تَغَيُّرُهُ بِمَا لا يَسْتَغْنِى الْمَاءُ عَنْهُ) أَىْ بِمَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ (كَأَنْ يَتَغَيَّرَ بِمَا فِى مَقَرِّهِ) كَالْعُشْبِ (أَوْ مَمَرِّهِ) كَأَرْضٍ كِبْرِيتِيَّةٍ (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ فَلا يَضُرُّ) فِى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ (فَيَبْقَى) طَاهِرًا (مُطَهِّرًا وَإِنْ كَثُرَ تَغَيُّرُهُ). (وَ)يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِصَحَّةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ (أَنْ لا يَتَغَيَّرَ بِنَجِسٍ) كَبَوْلٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا (وَلَوْ تَغَيُّرًا يَسِيرًا) لِأَنَّ مَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ نَجِسٌ يَسِيرًا كَانَ التَّغَيُّرُ أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ، (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ) قَلِيلًا بِأَنْ كَانَ (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) وَهُمَا بِالْمُرَبَّعِ مَا يَسَعُ حُفْرَةً طُولُهَا وَعَرْضُهَا وَعُمْقُهَا ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ (اشْتُرِطَ) لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ (أَنْ لا يُلاقِيَهُ نَجِسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ) لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهَذِهِ الْمُلاقَاةِ فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَعْفُوًّا عَنْهَا كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ إِذَا مَاتَتْ فِى الْمَاءِ أَوْ وَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةً بِأَنْ أَلْقَتْهَا الرِّيحُ مَثَلًا وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَإِنَّهَا لا تُنَجِّسُهُ (وَ)يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِصَحَّةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ (أَنْ لا يَكُونَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ قَدِ (اسْتُعْمِلَ فِى رَفْعِ حَدَثٍ) بِخِلافِ مَا اسْتُعْمِلَ فِى الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ طَهُورٌ (أَوِ) اسْتُعْمِلَ فِى (إِزَالَةِ نَجِسٍ) وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ بِالنَّجَاسَةِ وَلا زَادَ وَزْنُهُ بِسَبَبِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ.

   (وَمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ) بَلْ فَقَدَهُ حِسًّا بِأَنْ طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ مَعَهُ وَلا مَعَ رُفْقَتِهِ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ وَلا فِى الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِيهِ مِنَ الْمِسَاحَةِ أَوْ فَقَدَهُ مَعْنًى بِأَنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِلْمَاءِ الْمَوْجُودِ لِشُرْبِهِ (أَوْ) وَجَدَهُ لَكِنْ (كَانَ) يَخَافُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَهْلِكَ أَوْ يَتْلَفَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ أَنْ (يَضُرَّهُ الْمَاءُ) بِطُولِ مَرَضِهِ مَثَلًا (تَيَمَّمَ). ويُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِ أَنْ يَكُونَ (بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ( أَىْ وَقْتِ الْعِبَادَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِهَذَا التَّيَمُّمِ كَصَلاةٍ أَوْ طَوَافٍ) وَ(أَنَّ يَكُونَ بَعْدَ )زَوَالِ النَّجَاسَةِ الَّتِي لا يُعْفَى عَنْهَا( عَنْ بَدَنِهِ فَلَوْ تَيَمَّمَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ، هَذَا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَاءِ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ. وَيَكُونُ التَّيَمُّمُ )بِتُرَابٍ) فَلا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ كَالْحَجَرِ (خَالِصٍ( مِنَ الرَّمَادِ وَنَحْوِهِ (طَهُورٍ لَهُ غُبَارٌ( فَلا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ مُتَنَجِّسٍ بِنَحْوِ بَوْلٍ.

   وَيَكُونُ التَّيَمُّمُ )فِى الْوَجْهِ( أَىْ بِمَسْحِهِ (وَ)مَسْحِ (الْيَدَيْنِ( مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ (يُرَتِّبُهُمَا) فَلا بُدَّ فِى الْمَسْحِ مِنَ التَّرْتِيبِ بِتَقْدِيمِ مَسْحِ الْوَجْهِ عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ (بِضَرْبَتَيْنِ) أَىْ بِنَقْلَتَيْنِ لِلتُّرَابِ فَلا تَكْفِى ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ فَرْضِ الصَّلاةِ) وَأَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ (مَعَ النَّقْلِ) أَىْ تَحْوِيلِ التُّرَابِ إِلَى عُضْوِ التَّيَمُّمِ (وَمَسْحِ أَوَّلِ) جُزْءٍ مِنَ (الْوَجْهِ).

   (فَصْلٌ) فِى مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.

   (وَمَنْ) أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ بِأَنِ (انْتَقَضَ وُضُوؤُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ) أَرْبَعَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا (الصَّلاةُ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا أَوْ صَلاةَ جِنَازَةٍ (وَ)ثَانِيهَا (الطَّوَافُ) فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا (وَ)ثَالِثُهَا (حَمْلُ الْمُصْحَفِ) وَمِثْلُهُ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ قُرْءَانٌ لِلدِّرَاسَةِ لا لِلْحِرْزِ (وَ)رَابِعُهَا (مَسُّهُ) أَىْ مَسُّ وَرَقِ الْمُصْحَفِ وَجِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَحَوَاشِيهِ (وَيُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ) أَىْ مِنْ حَمْلِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ (الصَّبِىُّ) أَوِ الصَّبِيَّةُ الْمُمَيِّزَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (لِلدِّرَاسَةِ) وَالتَّعَلُّمِ فِيهِ لا لِغَيْرِ ذَلِكَ كَنَقْلِهِ مِنْ إِنْسَانٍ إِلَى ءَاخَرَ، (وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ هَذِهِ) الأُمُورُ الأَرْبَعَةُ (وَ)أَمْرَانِ ءَاخَرَانِ أَحَدُهُمَا (قِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ) بِاللِّسَانِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَوْ حَرْفًا مِنْهُ بِقَصْدِ تِلاوَةِ الْقُرْءَانِ (وَ(ثَانِيهِمَا (الْمُكْثُ فِى الْمَسْجِدِ) أَوِ التَّرَدُّدُ فِيهِ لا مُجَرَّدُ الْمُرُورِ، (وَ)يَحْرُمُ (عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ هَذِهِ) الأُمُورُ السِّتَّةُ (وَ)أَمْرَانِ ءَاخَرَانِ أَحَدُهُمَا (الصَّوْمُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَيَجُوزُ وَلَوْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلا بُدَّ مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَ)ثَانِيهِمَا (تَمْكِينُ) الزَّوْجَةِ (الزَّوْجَ وَ)الأَمَةِ (السَّيِّدَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) بِنَظَرٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ بِلا حَائِلٍ أَىْ بِحَيْثُ تَلْتَقِى الْبَشَرَتَانِ (قَبْلَ الْغُسْلِ) وَلَوْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ (وَقِيلَ لا يَحْرُمُ) الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (إِلَّا الْجِمَاعُ).

   (فَصْلٌ) فِى الطَّهَارَةِ عَنِ النَّجَاسَةِ وكَيْفِيَّةِ إِزَالَتِهَا.

   (وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ فِى الْبَدَنِ) حَتَّى دَاخِلَ أَنْفِهِ وَفَمِهِ (وَ)فِى (الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ) الَّذِى يُلاقِيهِ بَدَنُهُ مِنَ الأَرْضِ (وَالْمَحْمُولِ لَهُ كَقِنِّينَةٍ) فِيهَا نَجِسٌ أَوْ وَرَقَةٍ مُتَنِجِّسَةٍ (يَحْمِلُهَا فِى جَيْبِهِ فَإِنْ لاقَاهُ) أَىْ لاقَى بَدَنَ الْمُصَلِّى أَوْ ثِيَابَهُ (نَجِسٌ أَوْ) لاقَى (مَحْمُولَهُ) كَرِدَاءٍ يَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْهِ (بَطَلَتْ صَلاتُهُ) سَوَاءٌ كَانَتِ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً أَمْ رَطْبَةً (إِلَّا أَنْ يُلْقِيَهُ حَالًا) كَأَنْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ جَافَّةٌ عَلَى ثَوْبِهِ فَأَلْقَاهَا فَوْرًا أَوْ وَقَعَتْ عَلَى رِدَائِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ أَوْ يَابِسَةٌ فَأَلْقَاهُ فَوْرًا فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ (أَوْ يَكُونَ) النَّجِسُ (مَعْفُوًّا عَنْهُ كَدَمِ جُرْحِهِ) فَلا تَبْطُلُ أَيْضًا.

   (وَيَجِبُ إِزَالَةُ نَجِسٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ) لِصَحَّةِ الصَّلاةِ وَذَلِكَ (بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ) أَىْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ (أَىْ جِرْمِهَا) وَأَوْصَافِهَا (مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ) فَلا يُزِيلُ غَيْرُهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ النَّجَاسَةَ إِذْ هُوَ ءَالَةُ التَّطْهِيرِ. هَذَا فِى النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ (وَ)أَمَّا النَّجَاسَةُ (الْحُكْمِيَّةُ) فَتُزَالُ (بِجَرْىِ الْمَاءِ) أَىْ يَكْفِى لإِزَالَتِهَا جَرْىُ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ (عَلَيْهَا) أَىْ عَلَى مَحَلِّهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، (وَالنَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ هِىَ) النَّجَاسَةُ (الَّتِى لا يُدْرَكُ لَهَا لَوْنٌ وَلا طَعْمٌ وَلا رِيحٌ) كَبَوْلٍ جَفَّ لا رِيحَ وَلا طَعْمَ وَلا لَوْنَ لَهُ. (وَ)أَمَّا النَّجَاسَةُ (الكَلْبِيَّةُ) وَهِىَ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَتَكُونُ إِزَالَتُهَا (بِغَسْلِهَا سَبْعًا) مِنَ الْمَرَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ (إِحْدَاهُنَّ) أَىْ إِحْدَى هَذِهِ الْغَسَلاتِ (مَمْزُوجَةً بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ) بِحَيْثُ يَتَكَدَّرُ بِهِ الْمَاءُ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ (وَ)الغَسْلَةُ (الْمُزِيلَةُ لِلْعَيْنِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ) أَىِ الغَسْلُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ لإِزَالَةِ جِرْمِ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ مَعَ الْوَصْفِ مِنَ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ إِنْ كَانَ غَسْلَةً أَوْ أَكْثَرَ يُعَدُّ غَسْلَةً (وَاحِدَةً) فَيَبْقَى عَلَيْهِ غَسْلُ الْمَحَلِّ سِتَّ مَرَّاتٍ أُخَرَ.

   (وَيُشْتَرَطُ) فِى إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَنْوَاعِهَا (وُرُودُ الْمَاءِ) عَلَى النَّجَاسَةِ لا وُرُودُهَا عَلَيْهِ (إِنْ كَانَ) الْمَاءُ (قَلِيلًا) بِأَنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لِأَنَّهَا إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ تَنَجَّسَ بِمُلاقَاتِهَا بِخِلافِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لا يَتَنَجَّسُ بِمُلاقَاةِ النَّجَاسَةِ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ.

   (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطٍ أُخْرَى مِنْ شُرُوطِ الصَّلاةِ.

   (وَمِنْ شُرُوطِ) صِحَّةِ (الصَّلاةِ اسْتِقْبالُ) جِرْمِ (الْقِبْلَةِ) وَهِىَ الْكَعْبَةُ أَوْ مَا يُحَاذِى جِرْمَهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَوْ إِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَهَا بِالصَّدْرِ فِى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَبِمُعْظَمِ الْبَدَنِ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، (وَ)تُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ (دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاةِ) إِمَّا يَقِينًا بِالْمُرَاقَبَةِ وَإِمَّا ظَنًّا كَالْمُتَّخِذِ وِرْدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَنْتَهِى إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ (وَ)يُشْتَرَطُ (الإِسْلامُ) فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ مِنْ كَافِرٍ (وَ)يُشْتَرَطُ (التَّمْيِيزُ) فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ (وَ)التَّمْيِيزُ (هُوَ أَنْ يَكُونَ الوَلَدُ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ إِلَى حَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَ)يُشْتَرَطُ أَيْضًا (الْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا) فِى الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَىْ عِلْمُ الْمُصَلِّى بِكَوْنِ الصَّلاةِ فَرْضًا فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا نَفْلٌ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، (وَ)يُشْتَرَطُ (أَنْ لا يَعْتَقِدَ) الْمُصَلِّى (فَرْضًا) بِعَيْنِهِ (مِنْ فُرُوضِهَا) اتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلاةِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوِ الرُّكُوعِ أَنَّهُ (سُنَّةٌ وَ)يُشْتَرَطُ أَيْضًا (السَّتْرُ) لِلْعَوْرَةِ وَلَوْ خَالِيًا أَوْ فِى ظُلْمَةٍ وَيَكُونُ السَّتْرُ (بِمَا) أَىْ بِشَىْءٍ (يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ) بِحَيْثُ لا يُمَيَّزُ لَوْنُهَا فِى مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ فَمَا تُمَيَّزُ مِنْ خِلالِهِ الْبَشَرَةُ السَّمْرَاءُ مِنَ الْبَيْضَاءِ غَيْرُ كَافٍ (لِجَمِيعِ بَدَنِ) الْمَرْأَةِ (الْحُرَّةِ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ (وَ)يَكُونُ السَّتْرُ (بِمَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) بِالنِّسْبَةِ (لِلذَّكَرِ وَالأَمَةِ) لِأَنَّ عَوْرَتَهُمَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَيَكُونُ سَتْرُ ذَلِكَ (مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ لا الأَسْفَلِ) أَىْ لا مِمَّا هُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْعَوْرَةِ.

   (فَصْلٌ) فِى بَيانِ مُبْطِلاتِ الصَّلاةِ.

   (وَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالْكَلامِ) أَىْ بِمَا كَانَ مِنْ كَلامِ الْبَشَرِ لا دُعَاءً أَوْ ذِكْرًا  أَوْ تِلاوَةَ قُرْءَانٍ أَىْ إِنْ تَكَلَّمَ بِهِ الْمُصَلِّى عَامِدًا ذَاكِرًا أَنَّهُ فِى الصَّلاةِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (وَلَوْ( كَانَ نُطْقُهُ (بِحَرْفَيْنِ( سَوَاءٌ كَانَا مُفْهِمَيْنِ أَمْ لا (أَوْ( كَانَ نُطْقُهُ (بِحَرْفٍ( وَاحِدٍ (مُفْهِمٍ( كَقِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الأَمْرُ بِالْوِقَايَةِ (إِلَّا أَنْ نَسِىَ) الْمُصَلِّى كَوْنَهُ فِى الصَّلاةِ (وَقَلَّ( الْكَلامُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ كَسِتِّ كَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ أَوْ أَقَلَّ فَلا تَبْطُلُ صَلاتُهُ حِينَئِذٍ. (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ أَيْضًا (بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَ(اخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِى بَيَانِهِ إِذْ (هُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ( الشَّافِعِيَّةِ (مَا) أَىِ الْعَمَلُ الَّذِى (يَسَعُ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ( مُتَوَالِيًا (وَقِيلَ) الْفِعْلُ الْكَثِيرُ هُوَ (ثَلاثُ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ( وَلَوْ بِأَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ خَطَا ثَلاثَ خَطَوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَ)الْقَوْلُ (الأَوَّلُ( وَهُوَ مَا يَسَعُ قَدْرَ رَكْعَةٍ مِنَ الزَّمَنِ (أَقْوَى دَلِيلًا( لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِظَاهِرِ بَعْضِ الأَحَادِيثِ. (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ (بِالْحَرَكَةِ( الْوَاحِدَةِ (الْمُفْرِطَةِ( كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ )وَبِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِىٍّ) عَمْدًا كَأَنْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ فِى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفَرِيضَةِ )وَبِالْحَرَكَةِ الْوَاحِدَةِ) إِذَا كَانَتْ (لِلَّعِبِ( وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَةً. (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ )بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ) أَىْ بِإِيصَالِ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ إِلَى الْجَوْفِ )إِلَّا أَنْ نَسِىَ) الْمُصَلِّى أَنَّهُ فِى الصَّلاةِ (وَقَلَّ) مَا أَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ. (وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ (بِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلاةِ) فِى الْحَالِ أَوِ بَعْدَهُ (وَبِتَعْلِيقِ قَطْعِهَا) أَىِ الصَّلاةِ (عَلَى شَىْءٍ) كَأَنْ عَلَّقَ قَطْعَهَا عَلَى وُصُولِ زَيْدٍ بَطَلَتْ حَالًا (وَبِالتَّرَدُّدِ فِيهِ) أَىْ فِى قَطْعِهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ حَالًا بِخِلافِ مَا يَخْطُرُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ مِمَّا لا يُورِثُ تَرَدُّدًا أَوْ جَزْمًا بِالْقَطْعِ فَلا تَأْثِيرَ لَهُ. (وَ)تَبْطُلُ أَيْضًا (بِأَنْ يَمْضِىَ رُكْنٌ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ (مَعَ) وُجُودِ (الشَّكِّ فِى نِيَّةِ) الصَّلاةِ هَلْ أَتَى بِهَا أَوْ لا فِى تَكْبِيرَةِ (التَّحَرُّمِ) كَأَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ رُكْنٍ فِعْلِىٍّ إِلَى رُكْنٍ فِعْلِىٍّ ءَاخَرَ مَعَ الشَّكِّ فِى نِيَّةِ التَّحَرُّمِ (أَوْ يَطُولَ زَمَنُ الشَّكِّ) وَلَوْ لَمْ يَمْضِ رُكْنٌ فَإِنَّ الصَّلاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ.

   (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ شُرُوطِ قَبُولِ الصَّلاةِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

   (وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ) مِنَ الشُّرُوطِ (لِقَبُولِهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) أَىْ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً فَيَنَالَ بِهَا الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ (أَنْ يَقْصِدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ) أَىِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ (وَحْدَهُ) وَلا يَكُونُ قَصْدُهُ ثَنَاءَ النَّاسِ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ مُرَائِيًا (وَأَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ) الَّذِي فِى بَطْنِهِ حَالَ صَلاتِهِ (وَمَلْبُوسُهُ) الَّذِي يَلْبَسُهُ حَالَ صَلاتِهِ (وَمُصَلَّاهُ) أَىِ الْمَكَانُ الَّذِي يُصَلِّى فِيهِ (حَلالًا وَأَنْ يَخْشَعَ لِلَّهِ قَلْبُهُ فِيهَا) أَىِ الصَّلاةِ (وَلَوْ) كَانَ خُشُوعُهُ (لَحْظَةً فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ) مِنْهُ فِى كُلِّ الصَّلاةِ أَىْ إِنْ لَمْ يَخْشَعْ فِى صَلاتِهِ وَلَوْ لَحْظَةً (صَحَّتْ صَلاتُهُ بِلا ثَوابٍ) وَالْخُشُوعُ هُوَ اسْتِشْعَارُ خَوْفِ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ لِلَّهِ تَعَالَى.

   (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلاةِ.

   (أَرْكَانُ الصَّلاةِ سَبْعَةَ عَشَرَ) رُكْنًا فَالرُّكْنُ (الأَوَّلُ) هُوَ (النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ لِلْفِعْلِ) أَىْ لِفِعْلِ الصَّلاةِ فَلَوْ لَمْ يُجْرِ لَفْظًا عَلَى لِسَانِهِ لَمْ يَضُرَّهُ إِنِ اسْتَحْضَرَ النِّيَّةَ بِقَلْبِهِ، وَلا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ (وَيُعَيِّنَ) فِى النِّيَّةِ الصَّلاةَ (ذَاتَ السَّبَبِ) كَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ (أَوْ) ذَاتَ (الْوَقْتِ) كَالْعَصْرِ وَالضُّحَى (وَ)لا بُدَّ أَنْ (يَنْوِىَ الْفَرْضِيَّةَ فِى الْفَرْضِ) فَتَكُونَ النِّيَّةُ مَثَلًا أُصَلِّى فَرْضَ الْعَصْرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، (وَ)الرُّكْنُ الثَّانِي هُوَ أَنْ (يَقُولَ) الْمُصَلِّى (بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ كَكُلِّ رُكْنٍ قَوْلِىٍّ) مِثْلِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ (اللَّهُ أَكْبَرُ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لا يَمُدَّ الْهَمْزَةَ فِى أَوَّلِ لَفْظِ الْجَلالَةِ وَلا الْبَاءَ وَأَنْ لا يَزِيدَ وَاوًا قَبْلَ لَفْظِ الْجَلالَةِ أَوْ بَيْنَ لَفْظِ الْجَلالَةِ وَكَلِمَةِ أَكْبَرُ وَأَنْ لا يُبْدِلَ الْوَاوَ بِهَمْزَةَ أَكْبَرُ فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ (وَهُوَ) أَىِ التَّكْبِيرُ (ثَانِى أَرْكَانِهَا) أَىِ الصَّلاةِ كَمَا مَرَّ، وَالرُّكْنُ (الثَّالِثُ) هُوَ (الْقِيَامُ فِى الْفَرْضِ) وَلَوْ نَذْرًا وَجِنَازَةً (لِلْقَادِرِ) عَلَيْهِ، وَشَرْطُ الْقِيَامِ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَصْبُ فَقَارِ ظَهْرِهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْقَادِرِ فَيُصَلِّى قَاعِدًا فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى جَنْبٍ فَإِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِيًا، وَالرُّكْنُ (الرَّابِعُ) هُوَ (قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْفَاتِحَةِ) لِلْمُنْفَرِدِ وَالإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَيُشْتَرَطُ قِرَاءَةُ جَمِيعِ ءَايَاتِهَا (بِالْبَسْمَلَةِ) فَإِنَّهَا أَوَّلُ ءَايَاتِهَا (وَ)لا بُدَّ أَنْ يَأْتِىَ (بِالتَّشْدِيدَاتِ) وَعَدَدُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً (وَيُشْتَرَطُ) مُرَاعَاةُ (مُوَالاتِهَا) بِأَنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ (وَ)مُرَاعَاةُ (تَرْتِيبِهَا) بِأَنْ يَأْتِىَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ (وَ)مُرَاعَاةُ (إِخْرَاجِ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا) وَأَوْلَى الْحُرُوفِ عِنَايَةً بِذَلِكَ الصَّادُ إِذْ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لا يُخْرِجُونَهَا مِنْ مَخْرَجِهَا فَيُخْرِجُونَهَا بَيْنَ السِّينِ وَالصَّادِ لا هِىَ سِينٌ مَحْضَةٌ وَلا صَادٌ مَحْضَةٌ (وَعَدَمُ اللَّحْنِ) أَىِ الْخَطَإِ فِى الْقِرَاءَةِ (الْمُخِلِّ بِالْمَعْنَى) أَىِ الْمُغَيِّرِ أَوِ الْمُبْطِلِ لَهُ فَالْمُغَيِّرُ (كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ) أَوْ كَسْرِهَا وَالْمُبْطِلُ كَقِرَاءَةِ الَّذِينَ بِالزَّاىِ بَدَلَ الذَّالِ فَإِنَّهُ لا مَعْنًى لَهُ، (وَيَحْرُمُ اللَّحْنُ الَّذِى لَمْ يُخِلَّ) كَكَسْرِ نُونِ نَعْبُدُ (وَلا يُبْطِلُ) الصَّلاةَ، وَالرُّكْنُ (الْخَامِسُ) هُوَ (الرُّكُوعُ) وَذَلِكَ (بِأَنْ يَنْحَنِىَ) الْمُصَلِّى مِنْ غَيْرِ انْخِنَاسٍ [أَىْ ثَنْىِ الرُّكْبَتَيْنِ كَثِيرًا] (بِحَيْثُ تَنَالُ) أَىْ تَبْلُغُ (رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ) لَوْ وَضَعَهُمَا عَلَيْهِمَا مَعَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ فَلا يَكْفِى بُلُوغُ الأَصَابِعِ وَحْدَهَا، وَالرُّكْنُ (السَّادِسُ) هُوَ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَىْ فِى الرُّكُوعِ (بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ)الطُّمَأْنِينَةُ (هِىَ سُكُونُ كُلِّ عَظْمٍ) وَاسْتِقْرَارُهُ (مَكَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً)، وَالرُّكْنُ (السَّابِعُ) هُوَ (الِاعْتِدَالُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَعُودَ الرَّاكِعُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَائِمًا فَيَكُونُ اعْتِدَالُهُ (بِأَنْ يَنْتَصِبَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَائِمًا) وَهَكَذَا، وَالرُّكْنُ (الثَّامِنُ) هُوَ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَىْ فِى الِاعْتِدَالِ، وَالرُّكْنُ (التَّاسِعُ) هُوَ (السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ) فِى كُلِّ رَكْعَةٍ وَذَلِكَ (بِأَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ) وَهِىَ مَا بَيْنَ الْجَبِينَيْنِ (كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مُصَلَّاهُ) أَىْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ حَالَةَ كَوْنِهَا (مَكْشُوفَةً وَمُتَثَاقِلًا بِهَا) بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ قُطْنٌ لَانْكَبَسَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى يَدِهِ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ الْقُطْنِ (وَ)أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ (مُنَكِّسًا أَىْ) بِأَنْ (يَجْعَلَ أَسَافِلَهُ أَعْلَى مِنْ أَعَالِيهِ وَ)يُشْتَرَطُ أَنْ (يَضَعَ شَيْئًا) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا (مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بُطُونِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بُطُونِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) عَلَى مُصَلَّاهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْشُوفَةً (وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ) الشَّافِعِيِّ وَهُمُ الْحَنَابِلَةُ (لَيْسَ شَرْطًا فِى السُّجُودِ التَّنْكِيسُ فَلَوْ) سَجَدَ بِحَيْثُ (كَانَ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ دُبُرِهِ صَحَّتِ الصَّلاةُ عِنْدَهُمْ)، وَالرُّكْنُ (الْعَاشِرُ) هُوَ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَىْ فِى السُّجُودِ، وَالرُّكْنُ (الْحَادِى عَشَرَ) هُوَ (الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)، وَ(الثَّانِى عَشَرَ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) وَالرُّكْنُ (الثَّالِثَ عَشَرَ) هُوَ (الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالسَّلامِ)، وَالرُّكْنُ (الرَّابِعَ عَشَرَ) هُوَ (التَّشَهُّدُ الأَخِيرُ فَيَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) وَهُوَ أَكْمَلُ التَّشَهُّدِ (أَوْ) يَقُولُ (أَقَلَّهُ وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)، وَالرُّكْنُ (الْخَامِسَ عَشَرَ) هُوَ (الصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَلُّهَا) أَىِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) أَوْ نَحْوُهُ مِثْلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَالرُّكْنُ (السَّادِسَ عَشَرَ) هُوَ (السَّلامُ) الأَوَّلُ (وَأَقَلُّهُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الإِتْيَانُ بَأَل وَبِمِيمِ عَلَيْكُمْ وَالْمُوَالاةُ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ، وَالرُّكْنُ (السَّابِعَ عَشَرَ) هُوَ (التَّرْتِيبُ) لِأَرْكَانِ الصَّلاةِ كَمَا ذُكِرَتْ (فَإِنْ تَعَمَّدَ) الْمُصَلِّى (تَرْكَهُ) أَىِ التَّرْتِيبِ بِأَنْ قَدَّمَ رُكْنًا قَوْلِيًّا هُوَ السَّلامُ أَوْ رُكْنًا فِعْلِيًّا عَلَى مَحَلِّهِ (كَأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ) صَلاتُهُ لِتَلاعُبِهِ (وَإِنْ سَهَا) بِتَرْكِهِ التَّرْتِيبَ (فَلْيَعُدْ إِلَيْهِ) أَىْ إِلَى الْمَتْرُوكِ وَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) السَّاهِى لَمْ يَتَذَكَّرْ تَرْكَ الرُّكْنِ إِلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ (فِى) رُكْنٍ (مِثْلِهِ) أَىْ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ (أَوْ) لَمْ يَتَذَكَّرْ إِلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِى رُكْنٍ (بَعْدَهُ) أَىْ بَعْدَ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ (فَتَتِمُّ بِهِ) أَىْ بِمِثْلِ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ (رَكْعَتُهُ) الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا رُكْنًا (وَلَغَا) حِينَئِذٍ (مَا سَهَا بِهِ) أَىْ مَا فَعَلَهُ حَالَةَ سَهْوِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَالْمِثْلِ الْمَفْعُولِ الَّذِي تَمَّتْ بِهِ الرَّكْعَةُ (فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ تَرْكَهُ لِلرُّكُوعِ) مَثَلًا (إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فِى الْقِيَامِ الَّذِى بَعْدَهُ أَوْ فِى السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَهُ) تَمَّتْ بِرُكُوعِهِ رَكْعَتُهُ وَ(لَغَا مَا فَعَلَهُ بَيْنَ ذَلِكَ).

   (فَصْلٌ) فِى شُرُوطِ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَشُرُوطِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَفِى أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ وَشُرُوطِهِمَا.

   (الْجَمَاعَةُ) فِى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (عَلَى الذُّكُورِ الأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ الْبَالِغِينَ) الْعَاقِلِينَ (غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فَلا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَمَنْ هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَعْذُورِينَ بِعُذْرٍ مِنَ الأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ كَالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثَّوْبَ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعَدُوِّ بِذَهَابِهِ إِلَى مَكَانِ الْجَمَاعَةِ. وَيَحْصُلُ الْفَرْضُ بِإِقَامَتِهَا بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ.

   (وَ)الْجَمَاعَةُ (فِى) صَلاةِ (الْجُمُعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِمْ) أَىْ عَلَى الذُّكُورِ الأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ (إِذَا كَانُوا أَرْبَعِينَ) وَلَوْ مَعَ الإِمَامِ (مُكَلَّفِينَ مُسْتَوْطِنِينَ فِى أَبْنِيَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ أَمْ حَجَرٍ أَمْ طِينٍ وَ(لا) تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ (فِى الْخِيَامِ لِأَنَّهَا) أَىِ الْجُمُعَةَ (لا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ).

   (وَتَجِبُ) الْجُمُعَةُ عَيْنًا أَيْضًا (عَلَى مَنْ) كَانَ مُسَافِرًا ثُمَّ (نَوَى الإِقَامَةَ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ أَىْ) كَوَامِلَ (غَيْرَ يَوْمَىِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ) أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّفَرَ يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ. (وَ)تَجِبُ عَيْنًا أَيْضًا (عَلَى مَنْ) أَىْ شَخْصٍ وَلَوْ كَانَ سَاكِنًا فِى خَيْمَةٍ (بَلَغَهُ نِدَاءُ) أَىْ أَذَانُ شَخْصٍ (صَيِّتٍ) أَىْ قَوِىِّ الصَّوْتِ (مِنْ) وَاقِفٍ فِى (طَرَفٍ يَلِيهِ) أَىْ لا فِى الْوَسَطِ (مِنْ بَلَدِهَا) أَىْ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَاقِفًا بِمُسْتَوٍ مَعَ اعْتِبَارِ سُكُونِ الرِّيحِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَسْمَعُهُ نِدَاءُ الْجُمُعَةِ وَلَوْ لَمْ تَتَبَيَّنِ الْكَلِمَاتُ وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُعْتَدِلَ السَّمْعِ.

   (وَشَرْطُهَا) أَىْ شَرْطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةٌ الأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ فِى (وَقْتِ الظُّهْرِ) فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قُضِيَتْ ظُهْرًا (وَ)الثَّانِى (خُطْبَتَانِ قَبْلَهَا) أَىْ قَبْلَ الصَّلاةِ (فِيهِ) أَىْ فِى وَقْتِ الظُّهْرِ (يَسْمَعُهُمَا) أَىْ أَرْكَانَ الْخُطْبَتَيْنِ (الأَرْبَعُونَ وَ)الثَّالِثُ (أَنْ تُصَلَّى) الْجُمُعَةُ (جَمَاعَةً بِهِمْ) فَلا تَصِحُّ فُرَادَى (وَ)الرَّابِعُ (أَنْ لا تُقَارِنَهَا) أَىِ الْجُمُعَةَ أَوْ تَسْبِقَهَا جُمُعَةٌ (أُخْرَى بِبَلَدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا) الأُخْرَى (بِالتَّحْرِيمَةِ) أَىْ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ أَىْ عُلِمَ سَبْقُهَا (صَحَّتِ) الْجُمُعَةُ (السَّابِقَةُ وَلَمْ تَصِحَّ) الْجُمُعَةُ (الْمَسْبُوقَةُ) وَالْعِبْرَةُ فِى السَّبْقِ وَالْمُقَارَنَةِ بِالنُّطْقُ بِالرَّاءِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ. قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (هَذَا) الْحُكْمُ مِنْ تَصْحِيحِ الصَلاةِ السَّابِقَةِ وَعَدَمِ تَصْحِيحِ الصَّلاةِ الْمَسْبُوقَةِ (إِذَا كَانَ يُمْكِنُهُمُ الِاجْتِمَاعُ فِى مَكَانٍ وَاحِدٍ) وَلَمْ يَفْعَلُوا (فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ) عَلَيْهِمْ جَازَ لَهُمْ تَعْدِيدُهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَ(صَحَّتْ) عِنْدَئِذٍ (السَّابِقَةُ وَالْمَسْبُوقَةُ).

   (وَأَرْكَانُ الْخُطْبَتَيْنِ) خَمْسَةٌ الأَوَّلُ (حَمْدُ اللَّهِ) بِلَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَ)الثَّانِى (الصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِلَفْظِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَ)الثَّالِثُ (الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) وَذَلِكَ بِالْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلا بُدَّ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى (فِيهِمَا) أَىْ فِى كُلٍّ مِنَ الْخُطْبَتَيْنِ، (وَ)الرَّابِعُ قِرَاءَةُ (ءَايَةٍ مُفْهِمَةٍ فِى إِحْدَاهُمَا) أَىْ فِى إِحْدَى الْخُطْبَتَيْنِ فَلا يَكْفِى نَحْوُ ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ (وَ)الْخَامِسُ (الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِى) الْخُطْبَةِ (الثَّانِيَةِ) كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ.

   (وَشُرُوطُهُمَا) زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ سَبْعَةٌ أَحَدُهَا (الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثَيْنِ) الأَصْغَرِ وَالأَكْبَرِ (وَعَنِ النَّجَاسَةِ) الَّتِي لا يُعْفَى عَنْهَا (فِى الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَالْمَحْمُولِ) مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ (وَ)ثَانِيهَا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) وَهِىَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا مَرَّ (وَ)ثَالِثُهَا (الْقِيَامُ) فِيهِمَا لِلْقَادِرِ (وَ)رَابِعُهَا (الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) وَأَقَلُّهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ (وَ)خَامِسُهَا (الْمُوَلاةُ بَيْنَ أَرْكَانِهِمَا) بِأَنْ لا يُطِيلَ الْفَصْلَ بَيْنَهَا عُرْفًا بِمَا لا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْخُطْبَةِ (وَ)سَادِسُهَا أَنْ لا يُطِيلَ الْفَصْلَ (بَيْنَهُمَا) أَىِ الْخُطْبَتَيْنِ (وَبَيْنَ الصَّلاةِ) عُرْفًا (وَ)سَابِعُهَا (أَنْ تَكُونَا) أَىِ الْخُطْبَتَانِ أَىْ أَرْكَانُهُمَا (بِالْعَرَبِيَّةِ).

   (فَصْلٌ) فِى شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ.

   (وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا) بِغَيْرِهِ )فِى جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) سَبْعَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا )أَنْ لا يَتَقَدَّمَ) الْمَأْمُومُ )عَلَى إِمَامِهِ فِى الْمَوْقِفِ) أَىْ فِى الْمَكَانِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ وَلا تُبْطِلُ مُسَاوَاتُهُ فِيهِ لَكِنْ تُكْرَهُ (وَ)أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى إِمَامِهِ فِى تَكْبِيرَةِ (الإِحْرَامِ) فَيَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الإِمَامِ (بَلْ تُبْطِلُ الْمُقَارَنَةُ) أَىْ تَمْنَعُ مِنَ الِانْعِقَادِ إِذَا كَانَتْ (فِى الإِحْرَامِ وَتُكْرَهُ) الْمُقَارَنَةُ (فِى غَيْرِهِ) أَىْ فِى غَيْرِ الإِحْرَامِ مِنْ الأَفْعَالِ وَتَفُوتُ بِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (إِلَّا التَّأْمِينَ) أَىْ قَوْلَ ءَامِينَ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ فَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُقَارِنَ الإِمَامَ فِيهِ.

   (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمَأْمُومِ (تَقَدُّمُهُ) عَلَى الإِمَامِ (بِرُكْنٍ فِعْلِىٍّ) تَامٍّ كَأَنْ رَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ وَالإِمَامُ لَمْ يَرْكَعْ بَعْدُ (وَ)لا (تَبْطُلُ الصَّلاةُ) بِذَلِكَ وَتَبْطُلُ (بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ طَوِيلَيْنِ أَوْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ بِلا عُذْرٍ) كَأَنْ يَرْكَعَ الْمَأْمُومُ وَيَعْتَدِلَ وَيَهْوِىَ لِلسُّجُودِ وَالإِمَامُ بَعْدُ قَائِمٌ (وَكَذَا) يُبْطِلُ الصَلاةَ (التَّأَخُّرُ) أَىْ تَأَخُّرُ الْمَأْمُومِ (عَنْهُ) أَىْ عَنِ الإِمَامِ (بِهِمَا( أَىْ بِرُّكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ طَوِيلَيْنِ أَوْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ (بِغَيْرِ عُذْرٍ( كَأَنْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ وَبَدَأَ بِالْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ لَمْ يَرْكَعْ بِلا عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ )وَ)تَبْطُلُ الصَّلاةُ أَيْضًا بِتَأَخُّرِ الْمَأْمُومِ عَنِ الإِمَامِ )بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ( كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ (وَلَوْ(كَانَ تَأَخُّرُهُ (لِعُذْرٍ( كَبُطْءِ قِرَاءَتِهِ لِلْفَاتِحَةِ )فَلَوْ تَأَخَّرَ( الْمَأْمُومُ عَنِ الإِمَامِ (لِإِتْمَامِ( قِرَاءَةِ )الْفَاتِحَةِ( مَثَلًا )حَتَّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودَيْنِ فَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَوْ قَامَ( لِلرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا تَرَكَ الْمَأْمُومُ فَوْرًا تَرْتِيبَ نَفْسِهِ وَ(وَافَقَ الإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ( لِفَوَاتِهَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ وَاسْتَمَّرَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ )وَ)أَمَّا (إِنْ أَتَمَّهَا( أَىِ الْفَاتِحَةَ (قَبْلَ ذَلِكَ( أَىْ قَبْلَ أنْ يَسْبِقَهُ الإِمَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ أَىْ قَبْلَ أَنْ يَتَلَبَّسَ الإِمَامُ بِالرُّكْنِ الرَّابِعِ )مَشَى( الْمَأْمُومُ )عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ، وَ)ثَانِيهَا (أَنْ يَعْلَمَ( الْمَأْمُومُ )بِانْتِقَالاتِ إِمَامِهِ( بِرُؤْيَةِ الإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ مِمَّنْ يَرَى الإِمَامَ أَوْ بِسَمَاعِ صَوْتِ الإِمَامِ أَوِ الْمُبَلِّغِ، (وَ)ثَالِثُهَا )أَنْ يَجْتَمِعَا( أَىِ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ )فِى مَسْجِدٍ( وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ (وَإِلَّا( بِأَنْ كَانَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ )فَفِى مَسَافَةِ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ يَدَوِيَّةٍ( تَقْرِيبًا فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُونَ صُفُوفًا مُتَتَابِعَةً اشْتُرِطَ أَنْ لا تَزِيدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْمَأْمُومِ وَالصَّفِّ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَإِنْ بَلَغَ مَا بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَرَاسِخَ (وَ)رَابِعُهَا (أَنْ لا يَحُولَ) فِى خَارِجِ الْمَسْجِدِ (بَيْنَهُمَا) أَىِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ) أَىِ الْمُرُورَ إِلَى الإِمَامِ كَجِدَارٍ أَوْ بَابٍ مُغْلَقٍ أَوْ حَائِلٌ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ كَبَابٍ مَرْدُودٍ، )وَ(خَامِسُهَا (أَنْ يَتَوَافَقَ نَظْمُ صَلاتَيْهِمَا) أَىِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَّفِقَا فِى الأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَا عَدَدًا وَنِيَّةً (فَلا تَصِحُّ قُدْوَةُ مُصَلِّى الْفَرْضِ) كَظُهْرٍ (خَلْفَ) مُصَلِّى (صَلاةِ الْجِنَازَةِ) لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا فِى النَّظْمِ، (وَ)سَادِسُهَا (أَنْ لا يُخَالِفَ) الْمَأْمُومُ (الإِمَامَ فِى سُنَّةٍ تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا) وَذَلِكَ (فِعْلًا كَالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أَىْ جُلُوسِهِ) بِأَنْ تَرَكَهُ الإِمَامُ وَفَعَلَهُ الْمَأْمُومُ فَتَبْطُلُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ (وَتَرْكًا كَسُجُودِ السَّهْوِ) بِأَنْ فَعَلَهُ الإِمَامُ وَتَرَكَهُ الْمَأْمُومُ بِخِلافِ مَا لا تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهَا لا تَبْطُلُ، )وَ(سَابِعُهَا (أَنْ يَنْوِىَ) الْمَأْمُومُ (الِاقْتِدَاءَ) أَوِ الِائْتِمَامَ بِالإِمَامِ أَوِ الْجَمَاعَةَ (مَعَ التَّحَرُّمِ) أَىْ مَعَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ (فِى الْجُمُعَةِ) وَالْمُعَادَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لِلْمَطَرِ وَالْمَنْذُورَةِ جَمَاعَةً (وَ)أَنْ يَنْوِىَ ذَلِكَ (قَبْلَ الْمُتَابَعَةِ) لِلإِمَامِ (وَطُولِ الِانْتِظَارِ) لَهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ (فِى غَيْرِهَا) أَىِ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنْ تَابَعَهُ بَعْدَ انْتِظَارٍ طَوِيلٍ بِلا نِيَّةِ اقْتِدَاءٍ بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَأَمَّا إِنِ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَوْ تَابَعَهُ مُصَادَفَةً بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ تَابَعَهُ قَصْدًا مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ طَوِيلٍ لَمْ تَبْطُلْ.

    (وَيَجِبُ عَلَى الإِمَامِ نِيَّةُ الإِمَامَةِ فِى الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ) وَكُلُّ مَا تُشْتَرَطُ لَهُ الْجَمَاعَةُ فِى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ (وَتُسَنُّ) نِيَّةُ الإِمَامَةِ (فِى غَيْرِهِمَا) أَىِ الْجُمُعَةِ وَالْمُعَادَةِ وَنَحْوِهِمَا لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ. (وَ)الصَّلاةُ (الْمُعَادَةُ هِىَ الصَّلاةُ الَّتِى يُصَلِّيهَا) الشَّخْصُ (جَمَاعَةً مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ) كَانَ قَدْ (صَلَّاهَا) قَبْلُ (جَمَاعَةً أَو مُنْفَرِدًا).

   (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَصَلاةِ الْجِنَازَةِ.

   (غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ) بَعْدَ الْغَسْلِ (وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ (إِذَا كَانَ) الْمَيِّتُ (مُسْلِمًا) وَلَوْ طِفْلًا إِذَا (وُلِدَ حَيًّا) بِأَنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِنَحْوِ صِيَاحٍ أَوْ تَحَرُّكٍ اخْتِيَارِىٍّ وَأَمَّا الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ فَلا يَجِبُ لَهُمَا شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

   (وَوَجَبَ لِذِمِّىٍّ) أَىْ كَافِرٍ يَدْفَعُ الْجِزْيَةَ لِخَلِيفَةِ الْمُسْلِمِينَ (تَكْفِينٌ وَدَفْنٌ) إِنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ أَهْلُ مِلَّتِهِ لَكِنْ لا يَكُونُ دَفْنُهُ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.

    (وَ)وَجَبَ (لِسِقْطٍ مَيِّتٍ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ (غَسْلٌ وَكَفَنٌ وَدَفْنٌ) إِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ خِلْقَةُ ءَادَمِىٍّ وَإِلَّا نُدِبَ لَفُّهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ (وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا) أَىْ عَلَى الذِّمِّىِّ والسِّقْطِ.

    (وَمَنْ مَاتَ) مُسْلِمًا (فِى قِتَالِ الْكُفَّارِ) وَلَوْ كَافِرًا وَاحِدًا (بِسَبَبِهِ) أَىِ الْقِتَالِ (كُفِّنَ فِى ثِيَابِهِ) الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ نَدْبًا (فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ) ثِيَابُهُ هَذِهِ (زِيدَ عَلَيْهَا) إِلَى ثَلاثِ لَفَائِفَ (وَدُفِنَ) فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ (وَلا يُغَسَّلُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهِيدُ مَعْرَكَةٍ.

   (وَأَقَلُّ الْغُسْلِ) لِلْمَيِّتِ (إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ) إِنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ (وَتَعْمِيمُ) أَىِ اسْتِيعَابُ (جَمِيعِ) جَسَدِهِ (بَشَرِهِ وَشَعَرِهِ وَإِنْ كَثُفَ) الشَّعَرُ (مَرَّةً) وَاحِدَةً (بِالْمَاءِ) الطَّاهِرِ (الْمُطَهِّرِ) وَالأَفْضَلُ التَّثْلِيثُ.

   (وَأَقَلُّ الْكَفَنِ) لِلْمَيِّتِ (سَاتِرٌ) يَسْتُرُ (جَمِيعَ الْبَدَنِ) إِلَّا رَأْسَ مُحْرِمٍ وَوَجْهَ مُحْرِمَةٍ فَلا يُسْتَرَانِ (وَثَلاثُ لَفَائِفَ لِمَنْ تَرَكَ تَرِكَةً زَائِدَةً عَلَى دَيْنِهِ) أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا (وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهَا) أَىْ بِتَرْكِ تَكْفِينِهِ بِالثَّلاثِ فَإِنْ أَوْصَى بِتَرْكِ تَكْفِينِهِ بِالثَّلاثِ فَالْوَاجِبُ فِى حَقِّهِ تَكْفِينُهُ بِالسَّاتِرِ لِلْبَدَنِ (وَأَقَلُّ الصَّلاةِ عَلَيْهِ) أَىْ عَلَى الْمَيِّتِ (أَنْ يَنْوِىَ فِعْلَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالفَرْضَ وَيُعَيِّنَ) أَنَّهُ يُصَلِّى الْجِنَازَةَ (وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ قَائِمٌ إِنْ قَدَرَ ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ) وَلا بُدَّ مِنْهَا لَكِنْ يُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى وَلَوْ أَخَّرَهَا لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ. وَلا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شُرُوطِ الْفَاتِحَةِ كَمَا فِى الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ. (ثُمَّ) يُكَبِّرَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَىْ (يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَقُولَ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لَهُ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا إِلَى مَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَأْتِىَ بِهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ (ثُمَّ) يُكَبِّرَ مَرَّةً ثَالِثَةً أَىْ (يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ) وَيَدْعُوَ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ بِدُعَاءٍ أُخْرَوِىٍّ مِنْ نَحْوِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ) وَالأَكْمَلُ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَهُوَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللُّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ اهـ. هَذَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَهُ فِى الصَّلاةِ عَلَى بَعْضِ الْمَوْتَى رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِى سُنَنِهِ فِى الْجَنَائِزِ فِى بَابِ الدُّعَاءِ فِى صَلاةِ الْجِنَازَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ بِلَفْظِ «اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ» اهـ] (ثُمَّ) يُكَبِّرَ مَرَّةً رَابِعَةً أَىْ (يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ) ثُمَّ يُسَلِّمَ فَيَقُولَ (السَّلامُ عَلَيْكُمْ) وَالأَحْسَنُ الْعَوْدُ إِلَى الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ.

   (وَلا بُدَّ فِيهَا) أَىْ صَلاةِ الْجِنَازَةِ (مِنِ) اسْتِيفَاءِ (شُرُوطِ الصَّلاةِ) كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ (وَتَرْكِ الْمُبْطِلاتِ) فَمَا أَبْطَلَ الصَّلاةَ أَبْطَلَهَا.

   (وَأَقَلُّ الدَّفْنِ) لِلْمَيِّتِ أَنْ يُدْفَنَ فِى (حُفْرَةٍ تَكْتُمُ رَائِحَتَهُ) بَعْدَ رَدْمِهَا (وَتَحْرُسُهُ مِنَ السِّبَاعِ) أَنْ تَنْبُشَهُ وَتَأْكُلَ جَسَدَهُ (وَيُسَنُّ) لِلإِتْيَانِ بِالأَكْمَلِ (أَنْ يُعَمَّقَ) الْقَبْرُ (قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ) بِأَنْ يَقُومَ فِيهِ وَيَبْسُطَ يَدَهُ مُرْتَفِعَةً وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ (وَ)أَنْ (يُوَسَّعَ) الْقَبْرُ (وَيَجِبُ تَوْجِيهُهُ) أَىِ الْمَيِّتِ أَىْ تَوْجِيهُ صَدْرِهِ (إِلَى الْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ.

   (وَلا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِى الْفِسْقِيَّةِ) وَهِىَ بِنَاءٌ يُدْخَلُ فِيهِ الْمَيِّتُ عَلَى ءَاخَرَ قَبْلَ بِلاهُ وَلا يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ.