السبت سبتمبر 7, 2024

(كِتَابُ الصِّيَامِ)

   بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلامَ عَلَى الزَّكَاةِ شَرَعَ فِى الْكَلامِ عَلَى الصِّيَامِ وَهُوَ إِمْسَاكٌ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ كُلَّ النَّهَارِ بِنِيَّةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَقَالَ (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ.

   (يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ) بِشَهَادَةِ عَدْلٍ أَنَّهُ رَأَى هِلالَ رَمَضَانَ أَوْ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ (عَلَى كُلِّ) شَخْصٍ (مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) قَادِرٍ عَلَى الصِّيَامِ فَلا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِىٍّ وَمَجْنُونٍ وَصَبِىٍّ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِىِّ الصَّبِىِّ وَالصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَيْنِ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصِّيَامِ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ إِذَا أَطَاقَا الصِّيَامَ وَيَضْرِبَهُمَا عَلَى تَرْكِهِ بَعْدَ عَشْرٍ كَمَا مَرَّ فِى الصَّلاةِ، وَلا يَجِبُ عَلَى مَنْ لا يُطِيقُ الصِّيَامَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ.

   (وَلا يَصِحُّ) الصِّيَامُ (مِنْ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) وَلا يَجُوزُ (وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) لِلأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَتَا فِيهَا.

   (وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ) بِأَنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا وَفَارَقَ عُمْرَانَ الْبَلَدِ قَبْلَ الْفَجْرِ (وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) إِلَّا أَنَّ إِتْمَامَ الصِّيَامِ لَهُ إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ وَأَمَّا مَنْ أَنْشَأَ سَفَرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِى هَذَا الْيَوْمِ.

   (وَ)يَجُوزُ أَيْضًا (لِمَرِيضٍ وَحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ يَشُقُّ) الصَّوْمُ (عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً لا تُحْتَمَلُ) وَهِىَ الَّتِى تُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَخَوْفِ تَلَفِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ طُولِ مَرَضٍ (الْفِطْرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ) لِلأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرُوا فِيهَا كَمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَيْضًا إِلَّا مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْفِدْيَةُ.

   (وَيَجِبُ) فِى صِيَامِ الْفَرْضِ (التَّبْيِيتُ) لِلنِّيَّةِ بِأَنْ يُوقِعَهَا لَيْلًا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ (وَالتَّعْيِينُ فِى النِّيَّةِ) بأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، وَلا بُدَّ مِنْ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ (لِكُلِّ يَوْمٍ) فَلا يَكْفِى أَنْ يَنْوِىَ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ.

   (وَ)يَجِبُ (الإِمْسَاكُ عَنِ) الْمُفَطِّرَاتِ وَمِنْهَا (الْجِمَاعُ) فِى فَرْجٍ وَلَوْ دُبُرًا مِنْ ءَادَمِىٍّ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ وَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِصِيَامِ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ (وَ)مِنْهَا (الِاسْتِمْنَاءُ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الْمَنِىِّ) مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ (بِنَحْوِ الْيَدِ) سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ هُوَ أَمْ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَمْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِلصِّيَامِ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ وَالِاخْتِيَارِ (وَ)مِنْهَا (الِاسْتِقَاءَةُ) مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا وَتَذَكُّرِ الصَّوْمِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالِاسْتِقَاءَةُ هِىَ طَلَبُ الْقَىْءِ عَمْدًا بِنَحْوِ إِدْخَالِ إِصْبَعِهِ إِلَى فَمِهِ فَإِنَّهُ يُفَطِّرُ أَىْ إِذَا وَصَلَ الْخَارِجُ إِلَى مَخْرَجِ الْحَاءِ وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْ شَيْئًا مِنَ الْقَىْءِ (وَ)يَجِبُ الإِمْسَاكُ (عَنِ الرِّدَّةِ) فَمَنِ ارْتَدَّ وَلَوْ لَحْظَةً فِى النَّهَارِ بَطَلَ صَوْمُهُ (وَ)الإِمْسَاكُ (عَنْ دُخُولِ عَيْنٍ) مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كَالْفَمِ وَالأَنْفِ وَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ قَلِيلَةً كَحَبَّةِ سِمْسِمٍ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ كَحَصَاةٍ (جَوْفًا) كَبَاطِنِ الْحَلْقِ وَهُوَ مَا جَاوَزَ مَخْرَجَ الْحَاءِ وَالْبَطْنِ وَالأَمْعَاءِ وَبَاطِنِ الرَّأْسِ سَوَاءٌ كَانَ يُحِيلُ الْغِذَاءَ كَالْمَعِدَةِ أَمْ لا كَالإِحْلِيلِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ وَمَعَ تَذَكُّرِ الصَّوْمِ وَالِاخْتِيَارِ فَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ نَاسٍ لَمْ يَفْسُدْ صِيَامُهُ (إِلَّا) أَنَّ مَنِ ابْتَلَعَ (رِيقَهُ الْخَالِصَ الطَّاهِرَ مِنْ مَعْدِنِهِ) فَلا يُفْطِرُ أَىْ مَا لَمْ يَنْفَصِلِ الرِّيقُ عَنِ الْفَمِ قَبْلَ ابْتِلاعِهِ وَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا طَاهِرًا فَمَنِ ابْتَلَعَ رِيقَهُ الْمُخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِنَ الطَّاهِرَاتِ أَوْ رِيقَهُ الْمُتَنَجِّسَ أَفْطَرَ وَلا يُفْسِدُ الصِّيَامَ شَمُّ الْعِطْرِ أَوِ الْبَخُورِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا.

   (وَ)يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ (أَنْ لا يُجَنَّ) الصَّائِمُ فَمَنْ كَانَ صَائِمًا ثُمَّ جُنَّ (وَلَوْ) كَانَ جُنُونُهُ (لَحْظَةً) بَطَلَ صِيَامُهُ (وَ)يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ لا يُغْمَى عَلَيْهِ) أَىِ الصَّائِمِ (كُلَّ الْيَوْمِ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ إِغْمَاؤُهُ كُلَّ النَّهَارِ صَحَّ صِيَامُهُ وَإِلَّا بِأَنْ أُغْمِىَ عَلَيْهِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ لَمْ يَصِحَّ.

   (وَلا يَصِحُّ) وَلا يَجُوزُ (صَوْمُ) يَوْمَىِ (الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالأَضْحَى وَهُمَا الْيَوْمُ الأَوَّلُ مِنْ شَوَّالٍ وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَ)لا يَصِحُّ أَيْضًا صِيَامُ (أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَهِىَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى (وَكَذَا) لا يَصِحُّ صَوْمُ (النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ) شَهْرِ (شَعْبَانَ وَ)لا (يَوْمِ الشَّكِّ) وَهُوَ يَوْمُ الثَّلاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ الَّذِينَ لا يَثْبُتُ الصِّيَامُ بِشَهَادَتِهِمْ كالصِّبْيَانِ وَالْفُسَّاقِ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلالَ (إِلَّا أَنْ يَصِلَهُ) أَىْ يَصِلَ النِّصْفَ الأَخِيرَ مِنْ شَعْبَانَ (بِمَا قَبْلَهُ) بِأَنْ صَامَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ وَوَصَلَهُ بِمَا بَعْدَهُ فَهَذَا يَجُوزُ (أَوْ) كَانَ صَوْمُهُ لِلنِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ (لِقَضَاءِ) أَيَّامٍ فَاتَتْهُ فَيَصِحُّ بِلا إِثْمٍ (أَوْ) كَانَ صَوْمَ (نَذْرٍ أَوْ وِرْدٍ) وَهُوَ مَا يُعْتَادُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا (كَمَنِ اعْتَادَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ فَيَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ فِى هَذِهِ الْحَالِ.

   (وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلا رُخْصَةَ لَهُ فِى فِطْرِهِ) وَكَانَ إِفْسَادُهُ لِلصِّيَامِ (بِجِمَاعٍ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ وَالْقَضَاءُ) بَعْدَ الْعِيدِ (فَوْرًا) إِنْ تَمَكَّنَ (وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَهِىَ عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ عَمَّا يُخِلُّ بِالْكَسْبِ وَالْعَمَلِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَنْ يُعْتِقَ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِإِفْطَارِ يَوْمٍ وَلَوْ لِعُذْرٍ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَنْ يَصُومَ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا (أَىْ تَمْلِيكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا) مِمَّا يَصِحُّ دَفْعُهُ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ (مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ وَالْمُدُّ هُوَ مِلْءُ الْكَّفَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ) كَمَا تَقَدَّمَ.