الخميس نوفمبر 21, 2024

(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

   بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلامَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ شَرَعَ كَعَادَةِ الْمُؤَلِّفِينَ فِى الْكَلامِ عَلَى الزَّكَاةِ وَهِىَ اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (فَصْلٌ) فِى بَيَانِ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ.

   (وَتَجِبُ الزَّكَاةُ) فِى أَنْوَاعٍ مَخْصُوصَةٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَفِى الْبَدَنِ، وَبَدَأَ الْكَلامَ عَلَى الأَمْوَالِ فَقَرَّرَ أَنَّهَا تَجِبُ (فِى) الأَنْعَامِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَهِىَ (الإِبِلُ) عِرَابًا وَبَخَاتِى (وَالْبَقَرُ) وَمِنْهَا الْجَوَامِيسُ (وَالْغَنَمُ) ضَأْنًا وَمَعْزًا (وَ)تَجِبُ فِى ثِمَارِ النَّخْلِ وَالْكَرْمَةِ أَىِ (التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَ)تَجِبُ فِى (الزُّرُوعِ الْمُقْتَاتَةِ) أَىِ الَّتِى يَتَّخِذُهَا النَّاسُ قُوتًا يَقُومُ بِهِ الْبَدَنُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اتِّخَاذُهُمْ لَهَا (حَالَةَ الِاخْتِيَارِ) وَذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ بِخِلافِ مَا لا يُقْتَاتُ إِلَّا حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَالْحُلْبَةِ (وَ)تَجِبُ فِى النَّقْدَيْنِ وَهُمَا (الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) الْمَضْرُوبَانِ مَعَ الْخِلافِ فِى الْحُلِىِّ الْمُبَاحِ مِنْهُمَا (وَ)تَجِبُ فِى (الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ مِنْهُمَا) فَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُمَا مُسْتَخْرَجًا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ التُّرَابِ وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ (وَ)تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا فِى (أَمْوَالِ التِّجَارَةِ) أَىْ فِى الأَمْوَالِ الَّتِي يُقَلِّبُهَا الشَّخْصُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَمَا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالثِّيَابِ أَوِ السُّكَّرِ أَوِ الْمِلْحِ أَوِ الْخَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

   (وَ)أَمّا زَكَاةُ الْبَدَنِ فَهِىَ زَكَاةُ (الْفِطْرِ) وَيَأْتِى الْكَلامُ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

   وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الأَمْوَالَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ شَرَعَ فِى الْكَلامِ عَلَى شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِى كُلٍّ مِنْهَا فَقَالَ (وَأَوَّلُ نِصَابِ الإِبِلِ) أَىْ أَوَّلُ قَدْرٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنَ الإِبِلِ (خَمْسٌ وَ)أَوَّلُ نِصَابِ (الْبَقَرِ ثَلاثُونَ وَ)أَوَّلُ نِصَابِ (الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ فَلا زَكَاةَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَىْ قَبْلَ بُلُوغِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ (وَلا بُدَّ) فِى وُجُوبِ الزَّكَاةِ (مِنْ) مُضِىِّ (الْحَوْلِ) أَىْ مِنْ مُضِىِّ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَىْ بَعْدَ النِّصَابِ (وَلا بُدَّ) أَيْضًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِى الأَنْعَامِ (مِنَ السَّوْمِ) أَىِ الرَّعْىِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ (فِى كَلَإٍ مُبَاحٍ أَىْ أَنْ يَرْعَاهَا مَالِكُهَا أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ) الْمَالِكُ (فِى كَلَإٍ مُبَاحٍ أَىْ مَرْعًى) يَشْتَرِكُ النَّاسُ فِيهِ وَ(لا مَالِكَ لَهُ) مِنَ النَّاسِ مَخْصُوصٌ فَلا زَكَاةَ فِى الأَنْعَامِ الْمَعْلُوفَةِ أَوِ السَّائِمَةِ بِنَفْسِهَا.

   (وَ)لا بُدَّ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا مِنْ (أَنْ لا تَكُونَ) الأَنْعَامُ السَّائِمَةُ (عَامِلَةً) فِى نَضْحِ مَاءٍ أَوْ حَرْثِ أَرْضٍ (فِالْعَامِلَةُ فِى نَحْوِ الْحَرْثِ لا زَكَاةَ فِيهَا فَيَجِبُ فِى كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةُ) ضَأْنٍ أَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَسْقَطَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا أَوْ مَعْزٌ أَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ وَفِى عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِى خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاثُ شِيَاهٍ وَفِى عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنَ الإِبِلِ (وَ)يَجِبُ (فِى) كُلِّ (أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ شَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ) أَىْ لَهَا سَنَةٌ (أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ) أَىْ لَهَا سَنَتَانِ (وَ)يَجِبُ (فِى كُلِّ ثَلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعٌ ذَكَرٌ) وَهُوَ مَا لَهُ سَنَةٌ مِنَ الْبَقَرِ وَفِى كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَهِىَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَالأَنْعَامُ الَّتِي بَيْنَ النِّصَابَيْنِ عَفْوٌ لا زَكَاةَ فِيهَا (ثُمَّ إِنْ زَادَتْ مَاشِيَتُهُ عَلَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (فَفِى ذَلِكَ الزَّائِدِ) تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِنْ كُتُبٍ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَىْ عَلَى مَنْ مَلَكَ شَيْئًا زَائِدًا مِنَ الأَنْعَامِ عَنِ النِّصَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ) مِنَ الزَّكَاةِ (فِيهَا) أَىْ فِى مَاشِيَتِهِ.

   (وَأَمَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالزُّرُوعُ) الْمُقْتَاتَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ (فَأَوَّلُ نِصَابِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) فَلا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ (وَهِىَ) أَىِ الْخَمْسَةُ الأَوْسُقُ (ثَلاثُمِائَةِ صَاعٍ بِصَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) وذَلِكَ لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا فَتَكُونُ الْخَمْسَةُ الأَوْسُقُ ثَلاثَمِائَةِ صَاعٍ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ هُوَ مِلْءُ كَفَّىْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِصَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ اهـ (وَ)صَاعُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِعْيَارُهُ) أَىْ قَدْرُهُ (مَوْجُودٌ) إِلَى الآنَ (بِالْحِجَازِ).

   (وَ)مِنْ أَحْكَامِ الزُّرُوعِ أَنَّهُ (يُضَمُّ زَرْعُ الْعَامِ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِى إِكْمَالِ النِّصَابِ) إِنِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَكَانَ الْحَصَادُ فِى عَامٍ وَاحِدٍ فَإِذَا كَمُلَ النِّصَابُ بِضَمِّ الزَّرْعِ الأَوَّلِ إِلَى الزَّرْعِ الثَّانِي وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَلَوِ اخْتَلَفَ النَّوْعُ (وَلا يُكَمَّلُ جِنْسٌ) مِنَ الزُّرُوعِ (بِجِنْسٍ) ءَاخَرَ لإِتْمَامِ النِّصَابِ (كَالشَّعِيرِ مَعَ الْحِنْطَةِ) فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ شَعِيرٌ وَحِنْطَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَلا يُضَمُّ هَذَا إِلَى هَذَا فِى إِكْمَالِ النِّصَابِ بِخِلافِ النَّوْعَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَبُرٍّ شَامِىٍّ وَبُرٍّ مِصْرِىٍّ فَإِنَّهُمَا يُضَمَّانِ.

   (وَتَجِبُ الزَّكَاةُ) فِى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ (بِبُدُوِّ الصَّلاحِ) وَلَوْ فِى حَبَّةٍ وَمَعْنَى بُدُوِّ الصَّلاحِ أَنْ تَظْهَرَ عَلامَةُ بُلُوغِهِ صِفَةً يُطْلَبُ فِيهَا لِلأَكْلِ غَالِبًا كَظُهُورِ التَّلَوُّنِ فِى الْعِنَبِ الَّذِي يَتَلَوَّنُ وَمَبَادِئِ النَّضْجِ فِى غَيْرِهِ (وَ)تَجِبُ فِى الزُّرُوعِ عِنْدَ (اشْتِدَادِ الْحَبِّ) وَلا يَصِحُّ الإِخْرَاجُ إِلَّا بَعْدَ جَفَافِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَتَصْفِيَةِ الْحَبِّ مِنْ سُنْبُلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

    (وَيَجِبُ فِيهَا) أَىِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالزُّرُوعِ (الْعُشْرُ إِنْ لَمْ تُسْقَ بِمُؤْنَةٍ) كَمَا إِذَا سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ أَوِ النَّهْرِ فَيُخْرِجُ عَنْ ثَلاثِمِائَةِ صَاعٍ ثَلاثِينَ صَاعًا (وَ)يَجِبُ فِيهَا (نِصْفُهُ) أَىْ نِصْفُ الْعُشْرِ (إِنْ سُقِيَتْ بِهَا) أَىْ بِمُؤْنَةٍ كَمَا إِذَا سُقِيَتْ بِمَاءٍ نَقَلَتْهُ الدَّوَابُّ مِنْ مَحَلِّهِ إِلَى الزَّرْعِ عَلَى ظُهُورِهَا أَوْ بِالدُّولابِ الَّذِي تُدِيرُهُ الدَّابَّةُ أَوْ بِالنَّاعُورَةِ بِمِضَخَّةِ الْمَاءِ فَيُخْرِجُ عَنِ الثَّلاثِمِائَةِ صَاعٍ حِينَئِذٍ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا (وَمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ (أُخْرِجَ مِنْهُ) أَىِ الزَّائِدِ (بِقِسْطِهِ) وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا لِأَنَّ الْعَفْوَ لا يَدْخُلُ هُنَا بِخِلافِ الْمَاشِيَةِ كَمَا مَرَّ (وَلا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ) وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ (إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ) مَالِكُهُ.

   (وَأَمَّا الذَّهَبُ فَنِصَابُهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا) وَالْمِثْقَالُ وَزْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً مِنْ شَعِيرِ الْحِجَازِ غَيْرَ مَنْزُوعَةِ الْقِشْرِ بَعْدَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ. (وَ)أَمَّا (الْفِضَّةُ) فَنِصَابُهَا (مِائَتَا دِرْهَمٍ) وَالْدِرْهَمُ وَزْنُهُ خَمْسُونَ وَخُمُسَا حَبَّةِ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةٍ (وَيَجِبُ فِيهِمَا) أَىِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِذَا بَلَغَا النِّصَابَ (رُبْعُ الْعُشْرِ وَمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ (فَبِحِسَابِهِ) وَلَوْ كَانَ الزَّائِدُ يَسِيرًا كَمَا مَرَّ فِى الزُّرُوعِ. (وَلا بُدَّ فِيهِمَا) أَىِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ) مُضِىِّ (الْحَوْلِ) لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهِمَا (إِلَّا) أَنَّ (مَا حَصَلَ) مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ مَعْدِنٍ أَوْ رِكَازٍ) وَقَدْ بَلَغَ النِّصَابَ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ (فَيُخْرِجُهَا) أَىِ الزَّكَاةَ (حَالًا) فِى كُلٍّ مِنْهُمَا أَىْ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ التُّرَابِ فِى الْمَعْدِنِ وَلا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا. وَيَخْتَلِفُ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِى الْمَعْدِنِ عَنِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِى الرِّكَازِ فَفِى الْمَعْدِنِ رُبْعُ الْعُشْرِ كَغَيْرِهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِى الْمَعْدِن مُؤْنَةَ التَّنْقِيَةِ مِنَ التُّرَابِ بِخِلافِ الرِّكَازِ.

    (وَأَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَنِصَابُهَا نِصَابُ مَا اشْتُرِيَتْ) أَىْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ (بِهِ مِنَ النَّقْدَيْنِ وَالنَّقْدَانِ هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ بِمَا اشْتُرِيَتْ بِهِ فَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِالذَّهَبِ فَبِالذَّهَبِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِالْفِضَّةِ فَبِالْفِضَّةِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِغَيْرِهِمَا فَتُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِى ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَلا يُعْتَبَرُ) النِّصَابُ (إِلَّا ءَاخِرَ الْحَوْلِ) فَإِذَا بَلَغَتْ أَمْوَالُ التِّجَارَةِ ءَاخِرَ الْحَوْلِ نِصَابًا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلا. (وَيَجِبُ فِيهَا) أَىْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ (رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ) أَىْ قِيمَةِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ ذَهَبًا إِنْ كَانَ تَقْوِيمُهَا بِهِ أَوْ فِضَّةً إِنْ كَانَ تَقْوِيمُهَا بِهَا. (وَمَالُ) الشَّخْصَيْنِ (الْخَلِيطَيْنِ أَوِ) الأَشْخَاصِ (الْخُلَطَاءِ كَمَالِ) الشَّخْصِ (الْمُنْفَرِدِ فِى) قَدْرِ (النِّصَابِ وَ)الْقَدْرِ (الْمُخْرَجِ) فَإِذَا حَصَلَتِ الْخُلْطَةُ وَكَانَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا أَخْرَجُوا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِهَذَا الْمَالِ شَخْصًا وَاحِدًا (إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ) وَهِىَ تُعْلَمُ مِنْ كُتُبٍ أَكْثَرَ بَسْطًا.

   (وَزَكَاةُ الْفِطْرِ) إِنَّمَا (تَجِبُ بِإِدْرَاكِ) ءَاخِرِ (جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ) وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِ اليَوْمِ الأَخِيرِ مِنْهُ (وَ)أَوَّلِ (جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ) وَهُوَ حَىٌّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ فَلا يَجِبُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَهِىَ تَجِبُ (عَلَى كُلِّ) شَخْصٍ (مُسْلِمٍ) حُرٍّ (عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ) وَجَبَتْ (عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إذَا كَانُوا) أَىْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ (مُسْلِمِينَ) كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ (عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) وَهُوَ الْقَمْحُ فِى بِلادٍ كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالرُّزُّ كَمَا فِى بَعْضِ نَوَاحِى الْهِنْدِ وَأَنْدَنُوسْيَا وَالذُّرَةُ فِى نَوَاحٍ مِنَ الْحَبَشَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِى بِلادٍ أُخْرَى فَيُخْرِجُ صَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَصَاعًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ (إِذَا فَضَلَتْ) أَىْ فَضَلَ مَا يُخْرِجُهُ لِلْفِطْرَةِ (عَنْ دَيْنِهِ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا (وَ)عَنْ (كِسْوَتِهِ) وَكِسْوَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اللَّائِقِتَيْنِ بِهِمْ (وَ)عَنْ (مَسْكَنِهِ) وَمَسْكَنِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اللَّائِقَيْنِ بِهِمْ (وَ)عَنْ (قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ) الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ دَفْعِهَا عَنْ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِيدِ بِلا عُذْرٍ.

   (وَتَجِبُ النِّيَّةُ) فِى الْقَلْبِ (فِى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ) فَتَكْفِى (مَعَ الإِفْرَازِ لِلْقَدْرِ الْمُخْرَجِ) زَكَاةً كَأَنْ يَنْوِىَ أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِى أَوْ صَدَقَةُ مَالِى الْوَاجِبَةُ أَوْ أَنَّهَا زَكَاةُ بَدَنِي، وَالإِفْرَازُ هُوَ عَزْلُ الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُزَكِّيَهُ عَنْ بَاقِى مَالِهِ.

   (وَيَجِبُ صَرْفُهَا) أَىِ الزَّكَاةِ (إِلَى مَنْ وُجِدَ فِى بَلَدِ الْمَالِ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ) الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ (مِنَ الْفُقَرَاءِ) جَمْعُ فَقِيرٍ وَهُوَ مَنْ لا نَفَقَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَاجِبَةٌ لَهُ وَلا يَجِدُ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ كِفَايَتِهِ كَالَّذِى يَحْتَاجُ لِعَشَرَةٍ وَلا يَجِدُ إِلَّا أَرْبَعَةً (وَالْمَسَاكِينِ) جَمْعُ مِسْكِينٍ وَهُوَ الَّذِى لَهُ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا مِنْ حَاجَتِهِ لَكِنَّهُ لا يَكْفِيهِ كِفَايَةً لائِقَةً بِحَالِهِ كَمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى عَشَرَةٍ فَلا يَجِدُ إِلَّا ثَمَانِيَةً (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) أَىْ عَلَى الزَّكَاةِ جَمْعُ عَامِلٍ وَهُوَ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ الإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الزَّكَوَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الأَمْوَالِ وَدَفْعِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أُجْرَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وَهُمْ أَقْسَامٌ مِنْهَا مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَتَآلَفْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ فَيُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ حَتَّى تَقْوَى نِيَّتُهُ بِالإِسْلامِ (وَفِى الرِّقَابِ) وَهُمُ الأَرِقَّاءُ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً أَىِ الَّذِينَ تَشَارَطُوا مَعَ أَسْيَادِهِمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْحُرِيَّةُ إِذَا دَفَعُوا لَهُمْ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنَ الْمَالِ فَهَؤُلاءِ يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لإِعَانَتِهِمْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ (وَالْغَارِمِينَ وَهُمُ الْمَدِينُونَ الْعَاجِزُونَ عَنِ الْوَفَاءِ) أَىِ الَّذِينَ اسْتَدَانُوا مَالًا مِنْ غَيْرِهِمْ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ وَعَجَزُوا عَنْ رَدِّهِ أَوِ اسْتَدَانُوا فِى مَعْصِيَةٍ وَتَابُوا وَعَجَزُوا عَنِ الرَّدِّ (وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَهُمُ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ) بِالْجِهَادِ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَيُعْطَوْنَ مَا يَحْتَاجُونَهُ لِلْجِهَادِ بِخِلافِ مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ فِى دِيوَانِ الْمُرْتَزِقَةِ وَ(لَيْسَ مَعْنَاهُ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِىٍّ) فَلا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِبِنَاءِ مُسْتَشْفًى أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ بِدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ عَمَلُ خَيْرٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِى الآيَةِ مَا ذَكَرْنَا (وَ)تُصْرَفُ الزَّكَاةُ أَيْضًا إِلَى (ابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ) أَوْ مُرِيدُ السَّفَرِ (الَّذِى لَيْسَ مَعَهُ مَا يُوصِلُهُ إِلَى مَقْصِدِهِ) فَيُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِيهِ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مُبَاحًا وَلَوْ لِنُزْهَةٍ (وَلا يَجُوزُ وَلا يُجْزِئُ صَرْفُهَا) أَىِ الزَّكَاةِ (لِغَيْرِهِمْ) أَىْ لِغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا وَهُمُ الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِى الْقُرْءَانِ وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إِلَيْهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَنِى هَاشِمٍ وَبَنِى الْمُطَّلِبِ وَأَمَّا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَلا تَحِلُّ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ.