كتابُ بيانِ الحدودِ.
جَمْعُ حَدٍّ وهو لغةً الْمَنْعُ. وشرعًا عقوبةٌ مُقَدَّرَةً مِنَ الشارعِ وجبت على من ارتكبَ كبيرةً مخصوصةً زجرًا عنها وتكفيرًا لهَا سُمِّيَت بذلك لِمَنْعِها منِ ارتكابِ الفواحش. وعبَّرَ بلفظِ كتابٍ لأنَّ كتابَ الجنايات السابقَ أُرِيد به الجناياتُ على الأبدان دون الجنايات على الأنساب والأعراض والعقل فلم تندرجْ أسبابُ الحدود في الكتاب السابق.
بدأ الْمصنف منها بذِكْرِ حَدِّ الزِّنَى لأنه أعظم ذنبٍ بعد الكفر والقتل فقال (والزاني) الرجلُ وهو البالغ العاقل ومَن في حُكمِهِ الواضحُ الذي غَيَّب حشفتَه أو قدرَها مِن مقطوعها بِقُبُلِ أنثى واضحةٍ غيرِ ميتةٍ ولا بهيمةٍ ولو جنِّيَّةً محرَّمٍ لعينِهِ في نفسِ الأمرِ لا لعارضِ حيضٍ مثلًا ولا لكونِهِ ظنَّ زوجتَهُ أجنبيةً فجامعَها مِن غيرِ وجودِ شُبهةٍ وكذا الزانيةُ وهي الْمرأةُ البالغةُ العاقلةُ الواضحةُ الْمُطاوِعَةُ مِن غيرِ شُبهةٍ الْمَزْبِيُّ بها (على ضربَين) لكلٍّ منهما عقوبتُهُ الْمختلفةُ عنِ الأخرَى بحيثُ لا يتداخلانِ (مُحْصَنٌ) وهو البالغُ العاقلُ الحرُّ الذي غيَّبَ حشفته أو قدرها مِن مقطوعها في حال بلوغه وعقله وحريته في نكاحٍ صحيحٍ بقُبُلٍ ولو مِن نائم أو في نائمة (وغيرٌ مُحْصَنٍ) وهو الزَّاني الذي لم تتحقَّقْ فيه شروطُ الإحصان (فالْمُحْصَن) رجلًا كان أو امرأةً (حدُّهُ الرَّجْمُ) بحجارةٍ حتى الْموتِ ويُسَنُّ كونُ الحجارةِ معتدلةً بأن تكونَ كلُّ واحدة منها مِلْءَ الكَفِّ (وغيرُ الْمُحْصَنِ) رجلًا كان أو امرأة (حدُّهُ مِائَةُ جلدةٍ) سُمِّيت بذلك لاتصالها بالجلد (وتغريبٌ) مِن بلدِ الزِّنا مدةَ (عامٍ) على التوالي (إلى مسافةِ القصرِ) فأكثرَ منه بِرَأي الإمامِ أو نائبِهِ وأمرِهِ وتُحسب الْمدة مِن أول سفر الزاني لا من وصوله مكانَ التغريبِ والأولى في التَّغْرِيبِ أن يكونَ بعدَ الجَلْدِ ولا تُغْرَّبُ امرأةٌ وحدها بل مع زوجٍ أو محرمٍ أو نسوةٍ ثقاتٍ ولو واحدةً عند أمنِ الطريقِ فإن لم تجدْ من يسافرُ معها ولو بأجرةٍ أُخِّرَ نفيُها إلى أن يُوجَدَ وجاز في قولٍ سفرُها وحدَها لأنه سفرٌ واجبٌ عليها وكلامُ الشافعيِّ في الأمِّ دالٌّ عليه وأنَّ النَّهْيَ عن سفرِها وحدَها إنما هو فيما لا يلزمُها.
(وشرائطُ الإحصان أربعةٌ) الأول والثاني (البلوغُ والعقلُ) فلا حدَّ على صبيٍّ ومجنونٍ بل يُؤَدَّبانِ بما يزجُرُهما عن الوقوع في الزِّنَى. ويُلحَقُ بالبالغِ العاقلِ السكرانُ الْمُتَعَدِّي فإنه وإن كان غيرَ مكلف يُعامَل معاملةَ الْمُكَلَّفِ تغليظًا عليه. (و)الثالثُ (الحريَّةُ) الكاملةُ فلا يكون الرقيقُ والْمُبَعَّضُ والْمكاتَبُ وأمُّ الولد محصنًأ وإن وَطِئَ كلٌّ منهم أو وُطِئَ في نكاحٍ صحيحٍ. (و)الرابع (وجود الوَطْئِ) مِن مسلم أو ذِمِّيٍّ وكذا حربِيٌّ قوله (وكذا حربيٌّ) أي لصحةِ أنكحتهم فيما بينهم (في نكاحٍ صحيحٍ) والْمراد بالوَطْءِ تغييبُ الحشقة أو قدرِها مِن مقطوعها بقُبُلٍ وخرجَ بالقبلِ الدُّبُرُ وبالصحيحِ الوَطْءُ في نكاح فاسد فلا يحصلُ بهما التحصين.
(والعبدُ والأمةُ) البالغانِ العاقلانِ ولو كان كلٌّ منهما مبعَّضًا (حدُّهُما) إذا زَنَيَا (نصفُ حدِّ الحُرِّ) فَيُجْلَدُ كلٌّ منهما خمسين جلدة ويُغَرَّب نصف عام ومؤنةُ تغريبِهِ على سيِّده.
(وحكمُ اللِّوَاطِ) وهو إيلاجُ الحشقة في دُبُرِ ذكرٍ أو أنثَى (وإتيانِ البهائم كحكمِ الزِّنَى) في أنه لا يَثبت إلا بأربعةِ شهودٍ وأما عقوبتُهما فالراجحُ أنَّ اللائطَ يُحَدُّ كالزَّانِي بتفصيله مِن حيث الإحصانُ وعدمُهُ وأنَّ الْمَلُوطَ به حدُّهُ جلدُ مائةٍ وتغريبُ عام وإن أُحْصِنَ لم يفرق الغزيُّ هنا بين اللائط والْملوط به فجعلهما كحكم الزاني والراجح التفريق كما في الروضة وأما مَن أتَى بهيمةً فالراجحُ أنه لا حدَّ عليه بل يُعَزَّرُ. ويُستثنَى اللائطُ بزوجتِه أو أمتِه فلا حدَّ عليه ويُعزِّرُهُ الإمامُ إن تكرَّرَ منه لا منَ المرةِ الأولى.
(ومَنْ وَطِئَ) أجنبيةً أي باشرَها (فيما دون الفَرْج) بأن أدخل ذكره في سُرَّتِها مثلًا (عُزِّرَ) كما يُشرَعُ تعزيرُهُ غالبًا في الْمعاصي التي ليس فيها حدٌّ ولا كفارةٌ (ولا يبلغ) الإمام وجوبًا عليه (بالتعزير أدنَى الحدود) فإن عَزَّرَ عبدًا وجبَ أن يَنْقُصَ في تعزيرِه عن عشرين جلدةً أو عزَّرَ حُرًّا وجبَ أن ينقص في تعزيره عن أربعين جلدةً لأنه أدنَى حدِّ كُلٍّ منهما.