الجمعة أبريل 11, 2025

كتابُ التَّوبةِ

  • عن أبِي سَعِيدٍ الخُدرِيّ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الـمُؤْمِنُ وَالإيمانُ كَمَثَلِ فَرَسٍ فِي ءاخِيَّةٍ([1]) يَجُولُ ثُمَّ يَرْجعُ إِلَى ءاخِيَّتِه، وَإِنَّ الـمُؤْمِنَ يَسْهُو ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الإيمانِ([2])، فأَطْعِمُوا طَعامَكُمُ الأَتْقِيَاءَ وأَوْلُوا مَعْرُوفَكُمُ الـمُؤْمِنِينَ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ وأبو يَعلَى.
  • عن عُقْبةَ بنِ عامِرٍ رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، أحَدُنا يُذْنِبُ الذَّنْبَ، قال: «يُكْتَبُ عَلَيْهِ»، قالَ: ثُمّ يَستَغفِرُ ويَتُوبُ، قال: «يُغْفرُ لَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ([3])» قال: ثُمّ يَعُودُ فيُذْنِبُ، قال: «يُكْتَبُ عَلَيْهِ»، قال: ثُمّ يَستَغفِرُ ويَتُوبُ، قال: «يُغْفَرُ لَهُ ويُثَابُ عَلَيْهِ، وَلا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا([4])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ صحِيحٌ أخرجَه الحاكِم.
  • عن أبي سَعِيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُول: «قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ: بِعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ([5]) لا أَزَالُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ([6]) مَا دَامَتْ فِيْهِمُ أَرْوَاحٌ، فَقَالَ رَبُّهُ: بِعِزَّتِي وَجَلالِي لا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
  • عن محمّدِ بنِ إسحاقَ الكُوفِي قالَ: قالَ أبُو العَتاهِيةِ – يَعنِي: إِسماعيلَ بنَ القاسِم -: عَمِلتُ عِشرِينَ أَلفَ بَيتٍ في الزُّهدِ وَدِدتُّ أنّ لِي بِها ثَلاثَة أَبياتٍ لِأَبِي نُوَاسٍ [مَجزُوء الرَّمَل]:

يا نُوَاسِيُّ تَصَبَّرْ
إنْ يَكُنْ سَاءَكَ دَهْرٌ

 

وَتَمَهَّلْ وَتَوَقَّرْ([7])
فَبِمَا سَرَّكَ أَكْثَرْ([8])

 

يا كَبِيرَ الذَّنْبِ عَفْوُ اللهِ مِن ذَنْبِكَ أَكْبَرْ

  • عن عِمرانَ بنِ حُصينٍ رضي الله عنهما أنّ امرأةً مِن جُهَينةَ أتَتِ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهي حُبْلَى مِن الزِّنىَ فقالت: يا رسولَ الله، إنّي أصَبْتُ حَدًّا([9]) فأقِمهُ علَيَّ، فدَعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولِيَّها فقال: «اذْهَبْ فأَحْسِنْ إِلَيها، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَها فائْتِني بِها»، ففعَل، فأمرَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فشُكَّتْ([10]) علَيها ثِيابُها([11]) ثُمّ أمَرَ بها فرُجِمَتْ ثُمّ صلَّى علَيها، فقال له عمَرُ: أتُصلِّي علَيها يا رسولَ اللهِ وقد زَنَتْ؟ فقال: «لَقَدْ تابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ أَهْلِ الـمَدِينَةِ([12]) لَوسِعَتْهُم، وَهَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جادَتْ بِنَفْسِها([13]) للهِ عَزَّ وجَلَّ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمد.
  • عن محمّدِ بنِ الـمُنكَدِر عن جابرٍ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الـمُؤْمِنُ وَاهٍ رَاقٍعٌ([14])، وَسَعِيدٌ مَنْ هَلَكَ علَى رَقْعِهِ([15])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه البَزّارُ. قال الطّبَرانيُّ: معنَى قَولِه: «واهٍ راقٍعٌ»، أي: مُذنِبٌ مُستَغفِرٌ.
  • عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: ما تَرَكتُ مِن حاجَّةٍ ولا داجَّةٍ([16]) إلّا أَتَيْتُ([17]) فهَل لِي من تَوبةٍ؟ قال: «أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لا إلـٰه إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟» قالَها ثَلاثَ مَرّاتٍ، قال: نعَم، قال: «فَإِنَّ ذَلكَ يَأْتِي عَلَى ذَلكَ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ صحِيحٌ غرِيبٌ أخرجَه ابنُ خُزيمةَ فِي «كتابِ التَّوحِيد» م، «صَحِيحِه».
  • عن أبِي طَوِيلٍ شَطْبٍ الـمَمْدُودِ رضي الله عنه أنّه أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أَرأَيتَ رَجلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّها فلَم يَترُكْ منها شَيئًا وهو معَ ذلِكَ لَم يَترُكْ حاجَّةً ولا داجَّة إلّا أَتاها فهَل لذلِكَ مِن تَوبةٍ؟ قال: «أَلَيْسَ قَد أَسْلَمْتَ؟»، قالَ: أمّا أنَا فأَشهَدُ أنْ لا إلـٰـهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شرِيكَ لهُ وأنّ مُحمّدًا رَسولُ الله، قال: «نَعَمْ تَفْعَلُ الخَيْراتِ وَتَتْرُكُ السَّيِّئاتِ فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ حَسَناتٍ كُلَّهُنَّ([18])»، قال: وغَدَراتِي وفَجَراتي([19])؟ قال: «نَعَمْ»، قال: اللهُ أَكبَرُ، فما زالَ يُكَبِّرُ حتَّى تَوارَى. هذا حدِيثٌ حسَنٌ صحِيحٌ غرِيبٌ أخرجَه البَغَويُّ في «مُعجَم الصّحابة» والبَزّارُ في «مُسنَدِه».

[1])) قال ابن الأثير في النّهاية (1/30): «الآخِيّةُ بالـمَدّ والتّشدِيد حُبَيل أو عُوَيدٌ يعرضُ في الحائِط ويُدفَنُ طرَفاه فِيه ويَصِيرُ وَسطُه كالعُرورةِ وتُشَدُّ فيها الدابّةُ، وجَمعُها الأَواخِيّ مُشَدَّدًا والأَخايَا على غيرِ قِياسٍ. ومعنَى الحدِيث أنّه يَبعُد عن رَبِّه بالذُّنوبِ (أي: بُعدًا مَعنوِيًّا) وأصلُ إيمانِه ثابتٌ».

[2])) أي: يَرجِع إلى الطّرِيق المرضِيّ بعدَ أنْ شَذَّ مِن غيرِ أنْ يَخرُج من دائِرة الإيمانِ.

[3])) أي: على الاستِغفارِ.

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «(وَلا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا)، مَعناه: مَهما تَكرَّر الذّنْبُ مِن العَبد ثُمّ تابَ فإنّ اللهَ يَغفِرُ لهُ، وليسَ مَعناهُ: أنّ اللهَ يَتّصِفُ بالملَلِ الّذِي هو ضَعفُ الهِمّةِ بالنِّسبةِ للمَخلُوقِ لأنّ ذلكَ صِفةُ الحادِث، واللهُ مُنزَّهٌ عَن صِفاتِ الحدُوثِ».

[5])) عِزَّةُ اللهِ بمعنَى قُدرَتِه وغلَبَتِه، وجَلالُه، معناهُ: عظَمةُ شأْنِه تعالَى، وكِلاهُما مِن صِفاتِه عزَّ وجلَّ.

[6])) يعنِي: يُضِلُّهُم.

[7])) في رِوايةٍ: «يا نُواسِيُّ تَوَقَّرْ… وَتَجَمَّلْ وَتَصَبَّرْ».

[8])) في رِوايةٍ: «ساءَكَ الدَّهْرُ بِشَيءٍ…. وَبِمَا سَرَّكَ أَكْثَرْ».

[9])) قال ابنُ الأثير في النّهاية (1/352): «أي: أصَبتُ ذَنْبًا أوجَبَ علَيَّ حدًّا أي عقُوبةً».

[10])) في رواية: «فَشُدَّتْ». قال الخطّابي في مَعالِم السُّنَن (3/3219: «(سُكَّتْ ثِيابُها)، أي: شُدَّتْ علَيها لِئَلَّا تَتجَرَّدَ فتَبدُوَ عَورَتُها».

[11])) قال أبو العبّاس القُرطبي في الـمُفهِم (5/100): «أي: جُمِع بعضُها إلى بعضٍ بِشَوكٍ أو خيُوطٍ».

[12])) قال الملّا عليّ في المرقاة (6/2345، 2412): «أي: أهلِ بلَدٍ فيهم عَشّارُ وغيرُه من الظَّلَمة. يُقالُ: عشَّرَهُم، أي: أخذَ عُشرَ أموالِهم، والعشَّارُ قابِضُه».

[13])) قال السّنديّ في حاشيته على النَّسائي (3/365): «جادَتْ مِن الجُوْد كأنَّها تصَدَّقتْ بالنَّفسِ للهِ حيثُ أقرَّتْ للهِ بما أدَّى إلى الموت».

[14])) قال المناوي في فيض القدير (6/257): «(الـمُؤْمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ)، أي: واهٍ لِدِينِه بالذُّنوب راقعٌ له بالتَّوبةِ، فكُلَّما انخرَق دِينُه بالمعصيةِ رَقَعَه بالتَّوبة».

وقال ابن الأثير في النّهاية (5/234): «(الْمُؤْمِنُ واهٍ راقٍعٌ)، أي: مُذنِبٌ تائِبٌ. شَبَّهه بِمَن يَهِي ثَوبُه فيَرقَعُه، وقد وَهَى الثَّوبُ يَهِي وَهْيًا إذَا بَلِيَ وتَخَرّقَ، والمرادُ بالواهِي ذُو الوَهْيِ، ويُروَى: «الْمُؤْمِنُ مُوْهٍ راقٍعٌ» كأنّه يُوهِي دِينَه بمَعصِيتِه ويرقَعُه بتَوبَتِه».

[15])) قال المناوي في فيض القدير (5/308): «أي: مَن ماتَ وهو راقِعٌ لدِينِه بالتَّوبةِ والنَّدَم».

[16])) قال ابن الأثير في النّهاية (1/341، 465): «الحَاجُّ والحاجَّة أَحَدُ الحُجّاج، والدَّاجُّ والدَّاجَّ الأتْباع والأعْوانُ، يُرِيد الجَماعةَ الحاجَّةَ وَمَن مَعَهُم مِن أَتْباعِهم. وقولُه: (ما تَرَكْتُ مِنْ حاجَّةٍ وَلا داجَّةٍ إِلَّا أَتَيْتُ)، أي: ما ترَكتُ شيئًا دَعَتْنِي نَفسِي إليه مِن المعاصي إلّا وقد رَكِبْته، وداجَّةٌ إتباعٌ لحاجَّةٍ». وقال أيضًا: «هكذَا جاءَ في روايةٍ بالتَّشدِيد. قال الخطّابيُّ: الحاجّةُ: القاصِدُون البيتَ والداجّةُ: الراجِعُون، والمشهورُ بالتَّخفِيف. وأرادَ بالحاجةِ الحاجةَ الصَّغِيرة، وبالداجةِ الحاجةَ الكَبِيرةَ».

[17])) أي: قَبلَ الإسلامِ.

[18])) أي: يَمحُو عنكَ السيِّئاتِ ويجعَل لك مكانَها حسَناتٍ وليس معناه أنّ عينَ السيِّئاتِ تنقلِبُ حسَناتٍ.

[19])) قال البنّا الساعاتيّ في الفتح الرَّبّاني (1/96): «الغدَرات جَمع غَدْرة والفَجرات جَمع فَجْرة كسَجْدة وسَجَدات، والغَدْر الخِيانةُ، والفُجور إِتيانُ الـمَعاصِي وعدَمُ الـمُبالاة بفِعلِها، يُرِيد أنّه كان في الجاهلِيّة يَرتكِب ءاثامًا مِن الغَدرِ والفُجورِ فهل يَغفِرُها اللهُ بالإسلامِ، فأجابَه النَّبِيُّ r بأنّ اللهَ قد غَفَرَ له ذلك بإسلامِه».