كتابُ أحكامِ الصيدِ والذبائحِ والضَّحايا والأطعمةِ
والصَّيْدُ مصدرٌ أُطلق هنا على اسمِ الْمفعولِ وهو الْمَصِيدُ.
والأصلُ فيه قولُهُ تعالى في سورةِ الْمائدةِ (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ) وقولُهُ تعالى فيها أيضًا (وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ). والذَّكاةُ بذالٍ معجمة لغةً التطييبُ وشرعًا إبطالُ الحرارةِ الغريزيةِ أي الْمغروزةِ في الحيوانِ على وجهٍ مخصوصٍ يطيبُ به اللحمُ اي يَحِلُّ أكلُهُ. والأصلُ في الذبائحِ قولُهُ تعالى في سورةِ الْمائدةِ أيضًا (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُم).
(وما) أي والحيوان البريُّ الْمأكول الذي (قُدِرَ) بضم أوَّلِه (على ذكاته) أي ذبحِهِ (فذكاتُهُ) تكونُ بقطعِ حُلقُومِهِ بضم الحاء الْمهملة ومَرِيئِهِ بفتح مِيمِهِ وهمزِ ءَاخِرِهِ ويجوز تسهيله (في حَلْقِهِ و)هو أعلى العُنُقِ أو في (لَبَّتِه) بلامٍ مفتوحةٍ ومُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وهي أسفل العُنُق أو في غيرهما من عنقِهِ فما قَصُر عُنُقُه كبقر وغنم وخيل نُدِب ذبحُهُ في أعلى العنق للاتباع كما رواه الشيخان وما طال عُنُقه كالإبل نُدِب ذبحُهُ في لَبَّتِه لأنه أسهلُ لطلوع روحه ويجوزُ عكسُهُ بلا كراهة. وأما الحيوان الْمأكول البحريُّ وهو ما لا يعيش إلَّا في الْماء فيحِلُّ بلا ذبح. ومثلُهُ الجَرَادُ.
(وما) أي والحيوانُ الذي (لم يُقْدَرْ) بضم أوله (على ذكاتِه) بالذبح كشاةٍ إنسيَّةٍ توحشَت وبعيرٍ ذهب شاردًا ولم يُقدَرْ على اللُّحوقِ بهما في الحالِ لا بعَدْوٍ ولا استعانةٍ بِمَن يستقبل البهيمةَ (فذكاتُه عَقْرُهُ) بفتح العين أي جَرْحُهُ عَقْرًا مُزهِقًا للرُّوحِ بسهمٍ ونحوِهِ لا بإرسالِ الحيوانِ الجارحِ الْمُعَلَّمِ هو ما صححه في الْمنهاج وقال أبو بكر الشاشِيُّ في حلية العلماء فإن أرسل عليه كلب صيد حتَّى عقَرَه لم يحل في أصحِّ الوجهينِ ذكر ذلك في الحاوِي اهـ قال الخطيبُ والفرقُ أنَّ الحديدَ يُستباحُ به الذبحُ مع القدرةِ بخلافِ فعلِ الجارحة اهـ أي فيُستباحُ به مع العجز لكن قال البُجَيرِمِيُّ تبعًا للرافعيِّ فيه أنَّ الحديدَ يُستباحُ به الذَّبحُ بكيفيةٍ مخصوصةٍ وهيَ قطعُ الحُلقومِ والْمرِيءِ والْمُدَّعَى هنا الإباحةُ مطلقًا اهـ ولذا قال إمامُ الحرمين ويجوز أن تُغَرَى به الجارحةُ الْمعلَّمة اهـ وقال الرافعيُّ فيه وجهانِ ورجَّحَ في الروضة الجوازَ وقال ولو توحَّشَ إنْسِيٌّ بأن نَدَّ بعيرُ أو شردَت شاةٌ فهو كالصيدِ يَحِلُّ بالرَّمْيِ إلى غيرِ مَذْبَحِهِ وبإرسالِ الكلبِ عليه اهـ (حيث قُدِرَ عليه) أي في أيِّ موضعٍ من بَدَنِهِ ولا يكَلَّفُ صاحبُهُ الصَّبْرَ إلى أن يسكُنَ لِمَشَقَّةِ ذلك قوله (ولا يكلَّفُ صاحبُهُ الصَّبْرَ إلى أن يسكُنَ) هذا ما قرَّره الرافعيُّ ونقله عن إطلاقِ الأصحابِ قال لأنَّه قد يبغِي الذَّبْحَ في الحالِ وتَكْلِيفُهُ الصَّبْرَ إلى أن يسكنَ أو تحصلَ القدرةُ عليه يَشُقُّ اهـ وقال النوويُّ هو الْمذهبُ اهـ وقال الإمامُ وتبعه تلميذُهُ الغزاليُّ الظاهرُ عندِي أنه لا يَلْحَقُ الصيدَ بذلك لأنَّها حالةٌ عارضةٌ قريبةُ الزوالِ اهـ قال الرافعيُّ نعم لو كان الصبرُ والطلبُ يُؤَدِّي إلى مَهْلَكةٍ أو مَسْبَعَةٍ فهو حينئذٍ كالصِّيدِ اهـ أي اتفاقًا.