قول القاضي أبي علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي([1]) (ت 384هـ)
قال القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي([2]): «حضرت مجلس أبي محمد المهلبي([3]) وكانت العامة ببغداد قد هاجت في أيام وزارته وعظمت الفتنة وقبض على جماعة من العيارين([4]) وحَمَلَةِ السكاكين وجعلهم في زوارق مطبقة، وحملهم إلى بيروذ (من نواحي أهواز) وحبسهم هناك.
فاستهانوا بالقصة وكثف أمرهم وكثر كلام القُصَّاص في الجوامع ورؤساء الصوفية فخاف من تجديد الفتنة، فقبض على خلق منهم، وحبسهم وأحضر أبا السائب([5]) قاضي القضاة إذ ذاك وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء، وكنت فيهم لمناظرتهم وأصحاب الشُّرَط لنأمن مضرتهم إذا قامت الحجج عليهم.
فاتفق أن بُدِئَ برجل من رؤساء الصوفية، يعرف بأبي إسحاق بن ثابت([6])، ينزل بباب الشام أحد الربانيين عند أصحابه فقال له([7]): بلغني أنك تقول في دعائك: «يا واحدي بالتحقيق يا جاري اللصيق»، فمن لا يعلم بأن الله لا يجوز أن يوصف بأنه لصيق على الحقيقة فهو كافر، لأن الملاصقة من صفات الأجسام، ومن جعل الله جسمًا كفر، فمن يكون محله في العلم هذا يتكلم على الناس؟» اهـ. يريد الإنكار عليه.
[1] ) القاضي التنوخي، المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو علي. قاض من العلماء الأدباء الشعراء، ولد ونشأ في البصرة، وولي القضاء في جزيرة ابن عمر وعسكر مكرم، وتقلَّد أعمالًا، وسكن بغداد، فتوفي فيها. من كتبه: «الفرج بعد الشدة»، و«جامع التواريخ» المسمى «نشوار المحاضرة»، وديوان شعر. ولد 327هـ وتوفي 384هـ. الأعلام، الزركلي، 5/288.
[2] ) نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، القاضي التنوخي، 2/153، 154.
[3] ) الوزير المهلبي، الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، من ولد المهلب بن أبي صفرة الأزدي، أبو محمد. من كبار الوزراء الأدباء الشعراء، اتصل بمعز الدولة ابن بويه فكان كاتبًا في ديوانه ثم استوزره وكان من رجال العلم حزمًا ودهاءً وكرمًا وشهامة، وله شعر رقيق مع فصاحة بالفارسية وعلم برسوم الوزارة. ولد بالبصرة، وتوفي في طريق واسط، وحمل إلى بغداد. ولد 291هـ، وتوفي 352هـ. الأعلام، الزركلي، 2/213.
[4] ) «عارَ الرجلُ في القوم يضربهم بالسيف، وعارَ الرجلُ يَعِير عَيَرانًا وهو تردّدهُ في ذهابه ومجيئه» اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة ع ي ر، 4/620.
[5] ) أبو السائب الهمذاني، عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذاني، أبو السائب. قاض من أهل همذان، غلب عليه في ابتداء أمره علم التصوف والميل إلى أهل الزهد، وقصد بغداد فتفقَّه على مذهب الشافعي وسافر إلى المراغة فتقلد الحكم بها وبأذربيجان ونشبت فتنة فعاد إلى بغداد. وعرف فضله فتقلد أعمالًا جليلة بالكوفة وديار مضر والأهواز. ثم كان قاضي القضاة ببغداد سنة 338هـ. ولد 264هـ، وتوفي 350هـ. الأعلام، الزركلي، 4/201.
[6] ) وهو من أدعياء التصوف.
[7] ) أي قال أبو محمد المهلبي لأبي إسحاق بن ثابت.