السبت سبتمبر 7, 2024

قول الشيخ الدكتور نبيل الشريف اللبناني حفظه الله

قال الشيخ الدكتور نبيل الشريف حفظه الله في بعض دروسه: «اعلم أن النظر العقلي السليم لا يخرج عما جاء به الشرع ولا يتناقض معه، والعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع، إذ إن الشرع لا يأتي إلا بمجوّزات العقل كما قال الحافظ الفقيه الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه([1]): «الشرع إنما يَرِدُ بمجوّزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا» اهـ.

ثم بيّن -حفظه الله- الأدلة على تنزيه الله عن الجهة والمكان، ومما قاله: «والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافًا للكرَّاميّة والحشويَّة المشبهة الذين قالوا: إن لله جهة فوق، وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه، تعالى الله عن قولهم. والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديمًا لأنّه قديم، أو يكون حادثًا كما أن المحلَّ حادث، وكلاهما كفر» اهـ.

ومن تعليقاته المهمة تنبيهُه على أن ادعاء المجسمة أنهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل محض افتراء وفي ذلك يقول: «المجسّمة أدعياء السلفية يزعمون أنهم حنابلة، أين هم من أحمد؟! ينتسبون إليه وهو بريء منهم، في القول بريء منهم، وفي العمل بريء منهم، وفي السلوك بريء منهم، وفي المعتقد بريء منهم، وإليكم بعض ما يخالفون فيه الإمامَ أحمدَ رضي الله عنه:

1- أحمد بن حنبل يكفّر من قال بالتجسيم في حق الله تعالى، روى الزركشي في كتابه تشنيف المسامع([2]) عن صاحب الخصال أنه قال: «قال أحمد: من قال إن الله جسم لا كالأجسام كفر» اهـ.

ثم قال: «وممّا يدل أيضًا على أن المشبهة أدعياء السلفية في هذا الزمان مجسّمة ما ورد في كتاب بعض زعمائهم عبد العزيز بن باز وصالح بن فوزان الفوزان  وهو المسمى تنبيهات هامّة([3]) وفيه: «ثم ذكر الصّابوني هداه الله تنزيه الله سبحانه عن الجسم والحدقة والصّماخ واللسان والحنجرة، وهذا ليس من كلام أهل السّنة بل هو من أقوال أهل الكلام المذموم وتكلُّفهم» اهـ بحروفه. ولا شكّ أن الله تعالى منزّه عمّا ذُكر كلّه، وذلك مفهوم من قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} (الشورى). وهذا لا شك مذهب أهل السّنة كما قال الإمام أبو جعفر الطحاوي ـ الذي هو من السلف الصالح ـ عن الله([4]): «تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات» وقال: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» اهـ. والجسم والحدقة والصّماخ واللّسان والحنجرة من أوصاف البشر. وهذا النفي التفصيلي مفهوم من قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} (الشورى) ومن قوله: فَلاَ تَضْرِبُواْ للهِ الأَمْثَالَ {74} (النحل) ومن قوله: وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ {8}  (الرعد). وذلك في فَهْمِ مَن آتاه الله تعالى الفهمَ، فلا يحتاج هذا النفي أن يكون ورد في النص بعين الألفاظ المنفية لإثباته. وأما قولهم بأننا لا ننفي ولا نثبت ذلك لأنه لم يأت النص بنفيها أو إثباتها، فهم بذلك فتحوا الباب للملاحدة على مصراعَيْه لينسبوا إلى الله ما لا يجوز عليه، حتى وصل الأمر بهم أن قال أحد كبار المشبهة عن الله([5]): «ألزموني كلّ شىء إلا اللحية والعورة» اهـ. فما أشنع كفره، جعل لله جسمًا وأعضاء وجوارح وأدوات وظهرًا وبطنًا ورأسًا وشعرًا وعنقًا وغير ذلك، فأيّ عاقل يدّعي الإسلام يستجيز مثل هذا على الله تعالى» اهـ.

ويتابع الشيخ نبيل-فاضحًا لهم وكاشفًا عورهم وتدليسهم على الناس- فيقول: «انتسابهم لمذهب أحمد زورٌ وبهتان.

2- أحمد بن حنبل رضي الله عنه يُجَوّز التأويلَ الذي هو موافق لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ولغة العرب، لذلك أَوَّلَ قوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا {22} (الفجر) قال([6]): «جاء أمره» وفي رواية: «جاءت قدرته»، معناه الله يظهر يوم القيامة أهوالًا عظيمة هي آثار قدرة الله، ولو كان الإمام أحمد مجسّمًا كأدعياء السلفية في هذا الزمان لما أوّل الآية ولكان أخذ بظاهرها. أمّا المجسّمة أدعياء السلفية فيقولون([7]): «التأويل تعطيل» اهـ. والتعطيل هو نفي وجود الله تعالى أو صفاته، فيكونون بذلك حكموا على الإمام أحمد رضي الله عنه بالكفر لأنهم جعلوه معطّلًا، فكيف بعد ذلك يدّعون الانتساب إليه؟! وقد حصل لمفتي المجسمة أدعياء السلفيّة الذي مات في هذا العصر وهو أعمى البصر أن دخل عليه رجل وقال له: أنت ضدُّ التأويل وتضلّل من يؤوّل فما تقول في قوله تعالى: وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً {72} (الإسراء)، فإن أوَّلت هذا فقد وقعت في ما حرّمت، وإن تركت الآية على ظاهرها فقد حكمت على نفسك بأنّك كما أنت في هذه الحياة الدنيا أعمى فأنت في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلًا. فلم يجد هذا المشبّه جوابًا وما كان منه إلا أن شتمه وأمر بإخراجه.
3- أحمد بن حنبل رضي الله عنه ينزّه الله عن أن يكون متصوَّرًا، فقد ثبت عنه أنّه قال: «مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك» اهـ. رواه أبو الفضل التميمي الحنبلي في كتابه المسمّى اعتقاد الإمام المبجّل أحمد بن حنبل([8])، وقوله هذا مأخوذ من قول الرسول ﷺ: «لا فِكْرَةَ في الرَّبّ» رواه أبو القاسم الأنصاري([9])، ومن قوله تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى {42}
(النجم). قال الصحابي الجليل أبيّ بن كعب في تفسيره لهذه الآية([10]): «إليه ينتهي فِكرُ مَنْ تفكّر، فلا تصل إليه أفكار العباد» اهـ.

4- أحمد بن حنبل يُجيز التبرك بقبر النبي ﷺ ومنبره وآثاره، فقد سُئل عن الرَّجل يَمَسّ منبرَ النبي ويتبرك بمسّه ويقبّله ويفعل بالقبر مثلَ ذلك أو نحوَ هذا، يريد بذلك التقربَ إلى الله عزّ وجل، فقال رضي الله عنه: «لا بأس بذلك» اهـ. رواه عنه ابنه عبد الله في كتاب العلل ومعرفة الرجال([11]). أما المجسّمة أدعياء السلفية فيقولون([12]): «التبرك شرك» اهـ. ويعتبرون التمسّح بقبر النبي ﷺ وتقبيله شركًا حتى قال ابن تيمية([13]): «اتفقوا على أنه لا يقبله ولا يتمسّح به، فإنه من الشرك والشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر» اهـ. وهذا دَأْبُه فإنّه إذا قال قولًا لم يسبقه إليه أحد قال: «اتفقوا» أو «أجمعوا» ولا يذكر اسم عالم واحد، وكل باحث ومحقّق من أهل الفضل والعَدْل يعرف باعَ ابنِ تيمية في التدليس والافتراء على أئمة الحديث وأعلام الصحابة والتابعين.

5- أحمد بن حنبل رضي الله عنه يُجِيز التوسل بالنبي والصّالحين، فها هو رضي الله عنه يقول في مَنسكه الذي كتبه للمِروَذي([14]): «إنه يتوسل بالنبي في دعائه» اهـ. يعني المستسقي يسنّ له في استسقائه أن يتوسّل بالنبي ﷺ. أما المجسمة أدعياء السلفية فيقولون([15]): نداء غير الحي الحاضر شرك كما هو منصوص في كثير من كتبهم، ويُكَفّرُونَ المتوسلين بالأنبياء والصالحين، والعياذ بالله من شرهم» اهـ.

[1] ) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، 1/392.

 

[2] ) تشنيف المسامع، الزركشيّ، 4/684.

 

[3] ) الكتاب المسمى تنبيهات هامة، عبد العزيز بن باز وصالح بن فوزان الفوزان،  ص22.

 

[4] ) النفائس، كمال الحوت، ص9، 13.

 

[5] ) هو داود الجواربي مؤسس فرقة الجواربية وسيأتي شرحه. الملل والنحل، الشهرستاني، ص105.

 

[6] ) الأسماء والصفات، البيهقيّ، ص 456. وقد تقدّم.

 

[7] ) ممن قال ذلك ابن باز في كتابه المسمّى تأويلات على من أنكر الصفات، ص84. وقاله أيضًا الألباني في كتابيه فتاوى الألباني، ص522، 523، ومختصر العلو، ص23، ونص عبارته: «التأويل عين التعطيل» اهـ. وكذا في كتابه شرح الطحاوية ص18.

 

[8] ) اعتقاد الإمام أحمد، أبو الفضل التميمي، 1/301. ولفظه: «لما كان الله سبحانه وتعالى لا يتصور بالعقول ولا يتمثله التمييز فاتَ العقولَ دَرْكُهُ، ومع ذلك فهو شىء ثابت، وما تصور بالعقل فالله بخلافه» اهـ.

 

[9] ) شرح الإرشاد، أبو القاسم الأنصاري، ص58، 59. تفسير البغوي، البغوي، تفسير الآية: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى {42} (النجم)، 7/417. تفسير القرطبيّ، القرطبي، 17/115. الدر المنثور، السيوطيّ، 7/662. كنز العمال، المتقي الهندي، 3/369.

 

[10] ) شرح الإرشاد، أبو القاسم الأنصاري، ص58، 59.

 

[11] ) العلل ومعرفة الرجال، عبد الله بن أحمد بن حنبل، 2 /492.

 

[12] ) الكتاب المسمّى التوسل والوسيلة، ابن تيمية، ص 24، 150. الكتاب المسمى فتاوى في العقيدة، ابن باز، رسائل إرشادية لرئاسة الحرس الوطني، 191، ص13.

 

[13] ) الكتاب المسمّى التوسل والوسيلة، ابن تيمية، ص 24، 150.

 

[14] ) كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 2/150.

 

[15] ) الكتاب المسمى رسائل توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، محمد بن جميل زينو (المجسم)، ص9.