قول الحافظ الخطيب البغداديّ([1]) رحمه الله (ت 463هـ)
قال الحافظ الخطيب البغداديّ([2]): «أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن والصحاح مذهب السلف رضوان الله عليهم ـ هو ـ إثباتها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها -أي الصفات- قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحقّقها ـ أي الكيفية والتشبيه ـ قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتعطيل.
والفصل([3]) إنما هو في سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويُحتذى في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلومًا أن إثبات ربّ العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.
ولا نقول إنها جوارح ولا نشبّهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأنَّ التوقيف وَرَدَ بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} (الشورى) و (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4}) (الإخلاص)» اهـ.
وقال الخطيب البغداديّ([4]): «ويتجنّب المحدّث في أماليّه روايةَ ما لا تحتمله عقول العوامّ لما لا يؤمَن عليهم فيه من دخول الخطأ والأوهام، وأن يشبّهوا الله تعالى بخلقه ويلحقوا به ما يستحيل في وصفه، وذلك نحو أحاديث الصفات التي ظاهرها يقتضي التشبيه والتجسيم وإثبات الجوارح والأعضاء للأزليّ القديم وإن كانت الأحاديث صحاحًا ولها في التأويل طرق ووجوه، إلا أن من حقها ألّا تُروى إلا لأهلها خوفًا مَن أن يَضِلَّ بها مَن جهل معانيها، فيحملها على ظاهرها، أو يستنكرها فيردّها ويكذّب رواتها ونَقَلَتَها» اهـ.
ثم روى بسنده عن عليّ رضي الله عنه([5]): «أيها الناس، تحبّون أن يُكَذَّب اللهُ ورسولُه، حدّثوا الناسَ بما يعرفون ودعوا ما يُنكرون» اهـ. ثم روى بسنده عن ابن مسعود([6]) رضي الله عنه([7]): «إنَّ الرجل ليحدّث بالحديث فيسمعه مَن لا يبلغ عقله فَهْمُ ذلك الحديث فيكون عليه فتنة» اهـ.
[1] ) أحمد بن عليّ بن ثابت البغداديّ، ت 463هـ، أبو بكر، المعروف بالخطيب، أحد الحفاظ المؤرخين المقدَّمين. مولده في غزية، وكان فصيح اللهجة عارفًا بالأدب، يقول الشعر، ولوعًا بالمطالعة والتأليف، ذكر ياقوت أسماء 56 كتابًا من مصنفاته، من أهمها: «تاريخ بغداد»، و«الكفاية في علم الرواية» في مصطلح الحديث، و«الفوائد المنتخبة» في الحديث، و«الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع». الأعلام، الزركلي، 1/172.
[2] ) رسالة الصفات، الخطيب البغداديّ، 1/3.
[3] ) الفصل: الحق من القول. القاموس المحيط. الفيروزأبادي، مادة ف ص ل، ص 1054.
[4] ) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، 4/ 34، 37.
[5] ) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، 4/ 34، 37.
[6] ) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن، ت 32هـ، صحابي من أكابرهم فضلًا وعقلًا وقربًا من رسول الله ﷺ وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. نظر إليه عمر يومًا وقال: «وعاء ملئ علمًا» اهـ. له 848 حديثًا. الأعلام، الزركلي، 4/137.
[7] ) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، 4/ 37.