قول الحافظ البيهقيّ رحمه الله (ت 458هـ)
قال البيهقيّ([1]): «وفي الجملة يجب أن يُعْلَمَ أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسّة لشىء من خلقه، لكنه مستوٍ على عرشه كما أخبر بلا كيف، بلا أين، بائن من جميع خلقه([2]) وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بِنُقْلة وأن نفسه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف، فقد قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} (الشورى)، وقال: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4} (الإخلاص)، وقال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {65} (مريم).
وقال رحمه الله أيضًا([3]): «فصل في معرفة الله عزَّ وجلَّ ومعرفة صفاته وأسمائه: حقيقة المعرفة أن تعرفه موجودًا قديمًا لم يزل ولا يفنى، أحدًا صمدًا، شيئًا واحدًا لا يُتَصوَّر في الوهم ولا يتبعّض ولا يتجزَّأ، ليس بجوهر ولا عَرَض ولا جسم، قائمًا بنفسه([4])، مستغنيًا عن غيره، حيًّا قادرًا عالِـمًا مريدًا سميعًا بصيرًا متكلّمًا، له الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام، لم يزل ولا يزال هو بهذه الصفات ولا يشبه شىء منها شيئًا من صفات المصنوعات.
ولا يقال فيها إنها هو ولا غيرُه، ولا هي هو وغيرُه، ولا يقال إنها تفارقه أو تجاوزه أو تخالفه أو توافقه أو تحلّه، بل هي نعوت له أزلية، وصفات له أبدية تقوم به([5])، موجودة بوجوده دائمة بدوامه ليست بأعراض ولا بأغيار ولا حالّة في أعضاء، غير مكيّفة بالتصوّر في الأذهان، ولا مقدورة بالتمثيل في الأوهام، فقدرته تعمّ المقدورات، وعلمه يعمّ المعلومات، وإرادته تعمّ المرادات. لا يكون إلا ما يريد ولا يريد ما لا يكون وهو المتعالي عن الحدود والجهات والأقطار والغايات، المستغني عن الأماكن والأزمان، لا تناله الحاجات، ولا تمسّه المنافع والمضرّات ولا تلحقه اللذّات ولا الدواعي ولا الشهوات، ولا يجوز عليه شىء مما جاز على المحدَثات فدلّ على حدوثها.
ومعناه أنه لا يجوز عليه الحركة ولا السكون والاجتماع والافتراق والمحاذاة والمقابلة والمماسّة والمجاورة ولا قيام شىء حادث به ولا بطلان صفة أزلية عنه، ولا يصحّ عليه العدم، ويستحيل أن يكون له ولد أو زوجة أو شريك، قادر على إماتة كلّ حيّ غيره، ويجوز منه إفناء كل شىء غيره»، ثم قال: «له الملك وله الحمد، كلّ ما أنعم به تفضّل منه، وكل ما أضرّ به عدل منه، لا يجوز عليه جَوْر([6])، ولا يصحّ منه ظلم» اهـ.
[1] ) الاعتقاد والهداية، البيهقيّ، 1/117.
[2] ) أي لا يشبهُ الله أحدًا من خلقه.
[3] ) شُعَب الإيمان، البيهقيّ، 1/112.
[4] ) أي لا يحتاج إلى غيره.
[5] ) تقوم به: أي ثابتة له.
[6] ) «الجَوْرُ: نَقيضُ العَدْلِ وضِدُّ القَصْدِ» اهـ. القاموس المحيط، الفيروزأبادي، مادة ج و ر، ص470.