الجمعة أكتوبر 18, 2024

قصة هلاك فرعون وجنوده في البحر ونجاة موسى ومن ءامن معه

 

كذب فرعون وقومه موسى عليه السلام ولم يؤمن منهم إلا القليل يقول الله تعالى: {فما ءامنَ لموسى إلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قومِهِ على خوفٍ مِنْ فرعونَ ومَلإيهِمْ أن يَفتِنَهُم وإنَّ فرعونَ لعالٍ في الأرضِ وإنَّهُ لَمِنَ المُسرفين}[سورة يونس/٨٣].

 

وتمادى فرعون مع أتباعه القبط في كفرهم وضلالهم وعنادهم وذلك متابعة لملكهم فرعون الذي أمرهم بعبادته وأراد فرعون قتل موسى فقال للملإ ما أخبر الله به في قوله: {وقالَ فرعونُ ذَروني أقتُل موسى وليدْعُ ربَّهُ إنِّي أخافُ أن يُبَدِّلَ دينكُم أو أن يُظهِرَ في الأرضِ الفساد} [سورة غافر/٢٦] ولكن رجلاً من ءال فرعون كان يكتم إيمانه خوفًا على نفسه أجابهم: {وقال رجلٌ مؤمنٌ مِنْ ءال فرعونَ يكتُمُ إيمانهُ أتقتلونَ رجُلاً أن يقولَ ربِّيَ اللهُ وقدْ جاءكُم بالبيِّناتِ مِنْ ربِّكُم وإنْ يَكُ كاذبًا فعليهِ كَذِبُهُ وإنْ يكُ صادقًا يُصبكُم بعضُ الذي يَعِدُكم إنَّ اللهَ لا يهدي مَنْ هُوَ مُسرفٌ كذَّابٌ* يا قومِ لكُم المُلْكُ اليومَ ظاهرينَ في الأرضِ فمَنْ ينصُرُنا من بأيِ اللهِ إنْ جاءَنا قالَ فرعونُ ما أُريكُم إلا ما أرى وما أُهديكُم إلا سبيلَ الرَّشادِ} [سورة غافر/٢٨-٢٩]، ثم تابع هذا المؤمن نصحه لهم: {وقالَ الذي ءامنَ يا قومِ إنِّي أخافُ عليكُم مِثْلَ يومِ الأحزابِ* مِثْلَ دأبِ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ والذينَ من بعدِهم وما اللهُ يُريدُ ظُلمًا للعِباد* ويا قومِ إنِّي أخافُ عليكُم يومَ التَّنادِ* يومَ تُوَلُّونَ ما لكُم مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ومَنْ يُضلِلِ اللهُ فما لهُ مِن هادٍ* ولقد جاءكُم يوسُفُ مِنْ قبلُ بالبيِّناتِ فما زِلتُم في شكٍّ مِمَّا جاءَكُم بهِ حتى إذا هلكَ قُلْتُم لن يبعثَ اللهُ من بعدِهِ رسولاً كذلكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مسرفٌ مُرتابٌ* الذينَ يُجادلونَ في ءاياتِ اللهِ بغيرِ سُلطانٍ أتاهُم كَبُرَ مَقْتًا عندَ اللهِ وعندَ الذينَ ءامنُوا كذلكَ يَطبعُ اللهُ على كُلِّ قلبٍ مُتَكَبِّرٍ جبَّار} [سورة غافر/٣٠-٣٥]، ولكن كل هذا النصح والإرشاد لم يؤثر في قلب فرعون بل صار يزداد ضلالاً وفسادًا فأمر هامان أن يبني له صرحًا ضخمًا مبنيًا من الآجر المشوي بالنار، فبنى له ذلك الصرح الذي قيل إنه لم ير بناء أعلى منه، قال الله تعالى: {وقالَ فرعونُ يا هامانُ ابنِ لي صرحًا لعلِّي أبلُغُ الأسبابَ* أسبابَ السمواتِ فأطَّلِعَ إلى إلهِ موسى وإنِّي لأظُنُّهُ كاذِبًا وكذلكَ زُيِّنَ لفرعونَ سُوءُ عمَلِهِ وصُدَّ عنِ السَّبيلِ وما كيدُ فرعونَ إلا في تَبابٍ} [سورة غافر/٣٦-٣٧]،وقال تعالى مخبرًا عن قول فرعون: {وقالَ فرعونُ يا أيُّها الملأُ ما عَلِمتُ لكُم مِنْ إلهٍ غيري فأوقِدْ لي يا هامانُ على الطِّينِ فاجعَلْ لي صرحًا لعلِّي أطَّلِعُ إلى إلهِ موسى وإنِّي لأظنُّهُ مِنَ الكاذبين} [سورة القصص/٣٨].

 

فلما يئس موسى عليه السلام من إيمانهم وإيمان فرعون دعا عليهم وأمّن على دعائه أخوه هارون عليهما السلام فقال في دعائه: {ربَّنا اطمِسْ على أموالِهم واشدُدْ على قلوبِهم فلا يُؤمِنُوا حتى يَرَوا العذابَ الأليمَ* قالَ قدْ أجِيبَ دَعْوَتُكما} [سورة يونس/٨٨-٨٩] واستجاب الله تعالى لهما فمسخ أموالهم فصارت حجارة على ما قيل، ولما طال الأمر على نبي الله موسى عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إليه يأمره أن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر ليلاً ويذهب بهم إلى أرض فلسطين، وأمره أن يحمل معه تابوت يوسف بن يعقوب عليهما السلام ويدفنه بالأرض المقدسة، فتجهز موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين وكانوا يزيدون على ستمائة ألف غير الذرية، فخرج بهم في الليل سائرين في طريق البحر الأحمر على خليج السويس، وأخذوا يجدّون في السير حذرًا من فرعون وظلمه وطغيانه، ولما استيقظ فرعون علم بخروج موسى عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل من مصر، فجهز جيشًا كبيرًا عرمرمًا حتى قيل كان فيه مائة ألف فارس وكان عدد جنوده يزيد على مليون وستمائة ألف جندي، وتوجّه فرعون بهذا الجيش الكبير طالبًا بني إسرائيل وموسى عليه السلام يتبع ءاثارهم يريد كيدهم والبطش والفتك بهم فأدركهم في اليوم التالي عند شروق الشمس، ولما تراءى الجمعان وعاين كل من الفريقين صاحبه ورءاه ولم يبق إلا المواجهة والمقاتلة، وهنا شعر بنو إسرائيل بالخطر المدلهم فالبحر أمامهم والعدو خلفهم وفرعون وجنوده يريدون الفتك بهم، فضجّوا بالعويل والصياح وقالوا لموسى عليه السلام وهم خائفون: إنا لمدركون.

 

ولكن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن الله سبحانه وتعالى الذي أمره بالخروج ببني إسرائيل من مصر سينصره فأخذ يسكّن روعهم، ولما تاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون وجنوده من بني إسرائيل وموسى عليه السلام، عند ذلك أوحى الله عز وجل إلى موسى الكليم عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر، فأخرج عليه السلام عصاه وضرب بها البحر فانفلق البحر بقدرة الله اثني عشر فرقًا وكان كل فرق كالجبل العظيم وصار فيه اثنا عشر طريقًا لكل سبطٍ طريق يسيرون فيه، وأمر الله موسى عليه السلام أن يَجوزَه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مبادرين مستبشرين بنصر الله بعد أن أصبح البحر يابسًا ممهّدًا بعد أن رأوا بأمّ أعينهم هذه الآية والمعجزة العظمى التي تحتار لها عقول الناظرين، فلما جاوزه موسى عليه السلام وجاوزه بنو إسرائيل وخرج ءاخرهم منه وانفصلوا عنه، وكان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووصولهم إليه، أراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه حتى لا يسلكه فرعون وجنوده، فأوحى الله تعالى إليه أن يتركه على حاله ساكنًا على هيئته لأنه يريد إغراقهم فيه كما قال الله تعالى: {واترُكِ البحرَ رَهْوًا} [سورة الدخان/٢٤] أي ساكنًا على هيئته التي هو عليها.

 

وامتثل موسى عليه السلام أمر الله وترك البحر على هيئته وحالته، فلما وصل فرعون إلى البحر وانتهى إليه رأى هذه المعجزة والآية الباهرة وعاينها، وهاله هذا المنظر العظيم حيث كان ماء البحر قائمًا مثل الجبال، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أنّ هذه الآية العظيمة من فعل وخلق الله سبحانه وتعالى، ولكنه لم يذعن لقيمة البرهان العقلي على صدق موسى عليه السلام وأخذته العزة بالإثم وأظهر أمام جنوده التجلد والشجاعة، وأخذ يشجع جنده لاقتحام البحر أمامه من أجل أن يفوز هو بالنجاة ولكن لا رادّ لقضاء الله، فقد جاء ملكٌ من السماء قيل: هو جبريل عليه السلام فقاد فرس فرعون جهة البحر، فلما رءاه الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين فلما أصبحوا جميعهم في البحر، وقد هم أولهم بالخروج منه، عند ذلك أمر الله تعالى نبيه وكليمه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر، فلما ضربه موسى عليه السلام بعصاه ارتطم البحر عليهم كما كان وعادت أمواجه هائجة كما كانت، فهلكوا جميعهم بالغرق ولم ينج منهم أحد، والله عزيز ذو انتقام.

 

قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ *فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ* وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ* فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ* فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ* وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ* وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [سورة الشعراء/٥٢-٦٨]، وقال تعالى: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسْرِ بِعِبادي فاضرب لهُم طريقًا في البحر يَبَسًا لا تخافُ دَرَكًا ولا تخشى* فأتْبَعَهُم فرعونُ بجُنودِهِ فَغَشِيَهُم مِنَ اليَمّ ما غَشِيَهُم* وأضَلَّ فرعونُ قومهُ وما هدى} [سورة طه/٧٧-٧٩].