قصة في تحمل أذى الناس
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاؤوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا” متفق عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ليس الشديد من غلب الناس ولكن الشديد من غلب نفسه” ولا أدب أحسن من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاء الله أحسن الجزاء عن أمته فإن تعويد النفس على تحمل أذى الغير يكون وسيلة إلى الدرجات العلى وهو عظيم النفع في معاملة الناس بعضهم بعضاً فإن كف نفسه عند الغضب أنقذ نفسه من مهالك كثيرة.
وروي بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه خيره الله تعالى من الحور العين ما شاء” فكم من أناس ليس لهم كثير صلاة من النفل ولا كثير صيام من النفل تعادل درجاتهم في الآخرة درجات الصوامين القوامين الذين لا يتحلون بحسن الخلق. فمن تمكن في أداء الواجبات واجتناب المحرمات كان من خيار عباد الله ولو كان قليل الاجتهاد في النوافل، فالقليل من العمل الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من العمل الكثير المخالف لما جاء به رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
وروي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: “جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة فقال سهل هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت المرأة: يا رسول الله أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه اكسنيها، فقال: نعم فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجاً إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يسأل شيئاً فيمنعه، فقال: “والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني قال سهل: فكانت كفنه”.
ثم إن من طبيعة الناس أنهم لا يميلون إلى أن يلاموا ويعاتبوا، ولا إلى من يلومهم ويعاتبهم ويوبخهم ولكي يحسن المرء معاملتهم جدير به أن يعاملهم بالإحسان، وأن لا يكثر من اللوم والعتاب.
قال الشاعر بشار بن برد: (الطويل)
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه