قصة عبد الله بن المبارك
عن إبراهيم بن بشار قال: سمعت أبا علي الفضيل بن عياض يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام كيف ذا وأنت تأمرنا بخلاف ذا، فقال ابن المبارك: يا أبا علي أنا افعل ذا لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي وأستعين بها على طاعة ربي لا أرى لله حقا إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا إذا تم ذا.
ليس التقي بمتق لإلهه حتى يطيب طعامه وشرابه
ويطيب ما تحوي وتكسب كفه ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه فعلى النبي صلاته وسلامه
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث على التحري في البيع والشراء حتى يكون فاعله له هذا الأجر العظيم، وهو أنه يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء إذا تحرى ذلك معاملته بالبيع والشراء الصدق والأمانة وتجنب ما حرم الله من ذلك، فقد أخرج الترمذي بإسناد صحيح عن رسول الله أنه قال: “التاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء” يعني أن الإنسان الذي يتعاطى البيع والشراء الصدوق الذي يتجنب الكذب ويتحرى الصدق الأمين المتجنب لما حرم الله من الغش والخيانة يكون يوم القيامة محشوراً مع النبيين والصديقين والشهداء وورد في ذم ما يخالف ذلك ممن لا يتجنب الحرام في بيعه وشرائه ذم شديد حديث صحيح أخرجه الترمذي أيضاً أن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق. المعنى في نيل ذلك الفضل العظيم الذي تضمنه الحديث الأول أن البائع والمشتري إذا أرادا أن يتحريا الصدق والأمانة يلقيان مشقة مخالفة النفس فيجاهدان أنفسهما وهواهما لأن النفس ميالة إلى الشر والمعصية فهذا التاجر يقهرها حتى يوقع هذا العقد على ما أمر الله فاستحق هذا الفضل العظيم. وكما أنه ينبغي تحري البيع الصحيح كذلك ينبغي تحري العقود من الإجارة والقراض والرهن والوكالة والوديعة والعارية والشركة والمساقاة أن تكون على الوجه الصحيح الخالي من المعصية ليسلم من وبال المعصية، فإن من كل هذه الأشياء ما يصح وما لا يصح فيها ما يجوز فيها وما لا يجوز، وأما عقد النكاح فيحتاج إلى مزيد احتياط لأن أمره أولى بذلك فإن خطر الوقوع في الجماع المحرم أشد خطراً من الوقوع في البيع المحرم وذلك لأن الزنا أكبر المعاصي عند الله بعد الكفر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن عرف العقد الصحيح فأجرى عقده على ذلك سلم من معصية الزنا ومن لم يعرف فورط نفسه فقد أهلكها.