قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء}.
يخبرنا الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يجوز للرجل المسلم أن يُعرِّض في خطبة المرأة المتوفى عنها زوجها وهذا جائز بنص القرءان فلا خلاف فيه بين علماء الإسلام والتعريض يكون بأن لا يصرح لها كأن يقول لها رُبَّ راغب فيك أما التصريح ما دامت في عدة الوفاة فهو حرام لأنه قد يحملها ذلك على أن تكذب في أمر انتهاء عدتها فقد تقول انتهت عدتي قبل أن تنتهي لتتزوج بسرعة والتصريح مثلًا أن يقول لها أنا أريد أن أتزوجك وهذا هو المنهي عنه وفي الآية دليل على أن المرأة المعتدة للوفاة يجوز لها أن ترى الرجال الأجانب وأن يكلموها وأن تكلمهم بالكلام المباح وإنما الحرام هو أن تحصل بينها وبين رجل أجنبي خلوة بحيث لا يراهما ثالث يستحي منه أو أن تصافح الرجال الأجانب وهذا حرام في العدة وفي غير العدة فيتبين لنا من الآية الكريمة أن وجه المرأة ليس عورة وأن صوتها ليس عورة وأما ما شاع وانتشر بين بعض الجهال في لبنان من أن المرأة المعتدة للوفاة حرام عليها أن تسمع صوت الرجال أو أن يسمعوا صوتها أو أن تراهم أو أن يروها حرام لا يجوز وقولهم هذا هو كفر لأنه تكذيب لما علم من الدين بالضرورة حله وتكذيب للإجماع والحديث ونص القرءان الكريم، وكذلك من الكفر قول بعض الجهال إن المرأة المعتدة للوفاة حرام عليها أن تغتسل أو أن تنظر في المرآة أو أن تغير ملابسها أو أن تنظر من الشرفة فيجب التحذير من هذا الكلام السخيف الذي لا أصل له في دين الإسلام بل الإسلام منه بريء.
قال المفسر القرطبي: «المخاطبة لجميع الناس، والمراد بحكمها هو الرجل الذي في نفسه تزوج معتدة، أي لا وزر عليكم في التعريض بالخطبة في عدة الوفاة. والتعريض: ضد التصريح، وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره وهو من عرض الشيء وهو جانبه كأنه يحوم به على الشيء ولا يظهره. وقيل، هو من قولك عرضت الرجل، أي أهديت إليه تحفة، وفي الحديث: أن ركبًا من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابًا بيضًا، أي أهدوا لهما. فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلامًا يفهم معناه». اهـ.
قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت الأمة على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز، وكذلك ما أشبهه، وجوز ما عدا ذلك. ومن أعظمه قربًا إلى التصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: «كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك».
ونذكر هنا فائدة مهمة في بيان الأحكام المتعلقة بالمرأة المعتدة للوفاة قال الإمام الحجة الحافظ المجتهد المجدد الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي في كتابه بغية الطالب ما نصه([1]): مَعاصِي البَدن ترك الزّوجةِ الـمُتَوفّى عنها زَوجُها الإِحدادَ على زَوجها، والإحدادُ هو التزامُ تَرك الزِينة والطيب إلى انتهاءِ أربعَةِ أشهُر وعَشْرة أيّام بالأشهر القمرية للحائل وللحامل حتى تضع حملها، ولا يَختَصُّ الإحدادُ بلَونٍ واحِد مِنَ الثيابِ بل يجوزُ الأبيضُ والأسودُ والأصفَرُ والأحمرُ وغيرُ ذلكَ إذا لم تكن ثيابَ زِينةٍ، ويَحرمُ منَ الأسودِ ما كان ثيابَ زينَة. ويكونُ الإحدادُ بتَرك الزِينةِ والطِيْب، ويَدخُلُ في الزينة دَهْنُ الرأس بالأدْهان والزيت لأنّها تجمّل الشكل. أما الدُّهنُ الذي لا يزيّنُها إنّما ينفع جسدَها فيجوز لها أن تدّهِنَ به. ويَحرُم عليها أن تخضب شعرَها بما فيه زينةٌ لها، وأما قصُّ شعَرها فيجوز إذا لم يكن على وجْه الزِيْنة.
فالإحدادُ هو الانكِفافُ عن الزينة تحَزُّنًا على الموت الذي فرَّق بين المرأةِ وزوجِها لأن في ذلك مسَاعدةً لها على الاستعداد لمصالح الآخرة. ومن جملة ما في العِدّةِ منَ الحِكَم حفظُ ماءِ الزوجِ لأنّه قد يكون في رحِمها نُطْفة انعقدت، ومن ذلك التّفرّغُ في هذه المدّة لعمل الآخِرة كما أن أصْحابَ الخلَوات يتفرّغون لعبادة الله في خلَواتِهم، لأنها لو لم تلتزم العِدّةَ في البيت وكانت تتجوّلُ ق تقع في فِتْنة فيزني بها شخص فيختلطُ الماءان ماءُ زوجِها وماءُ الذي زنى بها ولا يُعرَفُ من أيّهما انعقَد الولَدُ. وليسَ منَ الإحدادِ الواجبِ عليها تركُ مكالَمة الرجالِ غيرِ الـمَحارِم أو ترك كشف وَجْهها في البيتِ أمامَ الرجالِ غيرِ الـمَحارِم فهذا ليسَ مِما يدخُل في الإحدادِ الشّرعي إنما هذه عَادةً أضافَها بعضُ الناسِ ونَسبَها إلى شَرع الله وهي ليست مِنْ شَرع الله، فليُنشَر ذلكَ لأنّ كثيرًا منَ الناس يَجْهَلُون ذلك ويعتقدونَ أنّه منَ الإحداد الشّرعي وذلكَ تَحريفٌ للدّين. ويَحرُم الزيادةُ على هذهِ الـمُدّةِ الـمَشروعةِ في الإحدادِ، ويَحرُم على غيرِ الزّوجةِ منَ النساءِ الزيادةُ على ثلاثةِ أيّام في الإحداد ولا يجوز للمتزوجة أن تحدّ على غير زوجها بدون إذن الزوج.
وكذلكَ لا يَجوزُ للرّجالِ أن يلبَسوا خِرقَةً سَوداءَ إحْدادّا. ونصَّ بعضُ الشّافعيّةِ على تَحرِيم الإحدادِ على الرِّجال مُطلقًا لكن يَجوزُ لَهُم التّحَزُّنُ. وليسَ الإحدادُ منَ الـمَسائلِ المجمَعِ علَيها لخِلاف الحَسنِ البِصْرِيّ. أما العدة فمجمعٌ عليها لورود النص عليها.
ولا يَجوزُ للمُحِدَّة أن تبيتَ خَارجَ بيتِها لكنْ يَجُوز لَها أن تَخرُجَ لتَستأنِس ببعضِ جَاراتها ولو كُنَّ في البناء المجاور ثم تَعودَ إلى البيتِ للمَبيتِ، وكذا يَجُوز لَها الخُروجُ لحَاجةٍ كشِراءِ طَعام ونَحوِ ذلك غنْ كانت لا تَجدُ مَن يكفِيْها ومَن يقضِي لها حَاجتَها. وإن كان عندَها بُستان يحتاج لقطع النخيل وليس عدها من يُعينُها فيجوز لها أن تذهب إليه للعمل فيه. وكذا إن كان لها غَزْلٌ واحتاجت لبيعه يجوز لها أن تخرج لبيعه إن كانت محتاجةً للخروج لذلك.