الإثنين ديسمبر 8, 2025

2. قال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون} [البقرة: 102].

الآية: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ}:

يجب الاعتقاد أن سليمان عليه الصلاة والسلام نبيٌ بنص القرءان والحديث والإجماع وهو معصوم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها فلا يجوز عليه أن يُشرِكَ بربه ولا أن يكفُرَ به لأنه معصوم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها فلا يجوز عليه أن يُشرِكَ بربه ولا أن يَكفُرَ به لأنه معصوم من ذلك، وكذلك هو معصوم من ذلك، وكذلك هو معصوم من العَمَلِ بالسحر أو أن يُعلِّمَ الناسَ السحرَ ليعملوا به ليكفروا أو ليفسقوا ومستحيل عليه أن يكون علَّم الشياطين ذلك، وكذلك مما يجب اعتقاده أن السحر لا يؤثر في عقل الأنبياء، وما في بعض الكتب والتفاسير من أن سليمان هو علم الشياطين السحر ليكفروا أو ليعملوا به ه كفر وباطل وضلال بعيد ومنافق لعصمة الأنبياء، ولكن الذي حصل أن سليمان كان دفن كتب السحر تحت كرسيه كي لا تعمل بها الشياطين والسحرة من الناس وقيل إن الشياطين دفنوا كتب السحر تحت كرسي سليمان وأظهروها للناس بع وفاته ليضلوا الناس ويوهموهم بأن سليمان كان ساحرًا ومن اعتقد ذلك أو صدقه فقد خرج من الإسلام وعليه أن يرجع عن هذا الاعتقاد إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين.

فائدة عظيمة النفع تتعلق بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

قال الحافظ الحجة القدوة الفقيه الشيخ عبد الله الهرري الحبشي رحمه الله رحمة واسعة ورضي الله عنه، في كتابه «الدليل القويم على الصراط المستقيم» ما نصه([1]):

تجب للأنبياء العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة والدناءة كسرقة لقمة. ويجوز عليه ما سوى ذلك من الصغائر.

وهذا قول أكثر العلماء كما نقله غير واحد وعليه الإمام أبو الحسن الأشعري، وخالفه بعض الأشاعرة في وقوع الصغائر التي لا خسة فيها منهم فقال تاج الدين السبكي في قصيدته النونية([2]):

والأشعري إمامنا لكننا

 

في ذا نخالفه بكل لسان

 أقول: يا ليته وافقه إذ هو الموافق للنصوص.

فإن قيل إننا مأمورون بالاقتداء بهم فلو كانوا يعصون للزم الاقتداء بهم في المعصية ولا يعقل ذلك.

فالجواب: أنهم ينبهون فورًا فلا يُقَرُّون عليها بل يتوبون قبل أن يقتدي بهم أحد فزال المحذور.

فمن الغلو القبيح قول بعض المنحرفين من المتصوفة أن ءادم كان منهيًا عن الأكل من الشجرة ظاهرًا مأمورًا باطنًا. وقال بعض هؤلاء في إخوة يوسف مثل ذلك وذلك تكذيب للنص.

أما في حق ءادم فقد قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121].

أخبرنا الله بأنه نُهِيَ ولم يخبرنا بأنه أُمِرَ بالأكل من الشجرة وكيف يجتمع الأمر بشيء والنهي عنه في حق شخص واحد في وقت واحد ثم أخبرنا بأنه تاب عليه بقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] وأما إخوة يوسف الذين كادوه فلم يخبرنا الله تعالى إلا بجرائمهم وأخبرنا أن يوسف قال لهم: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ} [يوسف: 92] فكيف يعقل أن يكونوا مأمورين باطنًا.

وكانت معصية الأكل صغيرة وليست كبيرة كما تدعي النصارى. فقد قالوا إن المسيح جاء ليخلص البشر من تبعتها وأعظِمْ بذلك افتراء. وكانت الكلمات التي تلقاها ءادم ما ذكر الله بقوله: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} [الأعراف: 23].

قاعدة في عصمة الأنبياء: قال الشيخ التلمساني في «شرح لمع الأدلة» ما نصه([3]): «لا يجوز عليهم الكبيرة ألبتة ويجوز تعمد الصغيرة بشرط عدم الإصرار، ولا يجوز منهم صغيرة تدل على خساسة النفس ودناءة الهمة كتطفيف حبة وسرقة باقة بقل». اهـ. ثم قال([4]): «وأما عصمتهم عن الكبائر والإصرار على الصغائر وعن كل صغيرة تؤذن بقلة الاكتراث بالدين فمستند إلى الإجماع القاطع، فإن السلف رضي الله عنهم لم يزالوا يحتجون بالنبي بأفعاله وأقواله ومتبادرون إلى التأسي به، وجميع الظواهر التي اعتمد عليها الحشوية قابلة التأويل». «أما يونس فقيل: إنما كرّمه الله بالنبوة والرسالة بعد أن نبذ بالعراء([5]) قال الله عزّ وجلّ: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِين} [القلم: 50]، وأما نبيّنا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين في قصة الفداء في أسارى بدر والإذن للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وعبوس الوجه لابن أم مكتوم فكلّ ذلك ترك للأولى([6]). اهـ.

وقال التلمساني ما نصه([7]): «اعلم أنه لما ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعصمته في ما يبلغه عن الله تعالى وجب التصديق بكل ما أخبر من أمور الغيب جملة وتفصيلًا، فإن كان مما يُعلم تفصيله وجب اعتقاده، فإن لم يُعلم تفصيله وجب أن يؤمن به جملة ويرد تأويله إلى الله تعالى ورسوله ولمن اختصه الله عزّ وجلّ بالاطلاع على ذلك». اهـ.

([1]) الدليل القويم (طبعة دار المشاريع- الطبعة الرابعة- 1433هـ – ص336 – 338).

([2]) طبقات الشافعية (2/268).

([3]) شرح لمع الأدلة (ص197)، مخطوط.

([4]) المصدر نفسه، (ص198)، مخطوط.

([5]) ولو قيل خروج يونس عليه السلام من قريته وفراقه لقومه كان بعد أن نصار نبيًّا لكنه فعل ذلك قبل أن يؤذن له بذلك وحيًا ولأجل هذا قال في بطن الحوت ما قال على أن ذلك لم يكن كبيرة ولا دالًّا على خساسة نفس أو دناءة همه لكان حسنًا.

([6]) روى الترمذي في سننه: كتاب السير، باب: ما جاء في قتل الأسارى والفداء، والنسائي في السنن الكبرى (5/200)، وابن حبان في صحيحه. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/143)، والبيهقي في سننه، والحاكم في المستدرك (2/140)، والبزار في مسنده (2/176) أن جبريل جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: «خيّر أصحابك في أُسارة بدر إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يُقتل في العام المقبل منهم مثلهم فقالوا: الفداءَ ويقتل منا». أما قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، فهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة لكم الله رخص لكم في أخذ الفداء، الله تعالى امتن على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا. قال القاضي عياض في الشفا (2/159): «وأما قوله في أسارى بدر {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} الآيتين فليس فيه إلزام ذنب للنبي صلى الله عليه وسلم بل فيه بيان ما خُص به وفُضّل من بين سائر الأنبياء فكأنه قال ما كان هذا لنبي غيرك».

([7]) شرح لمع الأدلة (ص201)، مخطوط.