الأحد ديسمبر 22, 2024

قال الله تعالى: (…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ… *) [سورة الحديد]

قال المفسر القاضي أبو محمد بن عطية الأندلسي في كتابه «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» ما نصه[(640)]: «وقوله تعالى: {…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} معناه بقدرته وعلمه وإحاطته. وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها مخرجة عن معنى لفظها المعهود، ودخل في الإجماع من يقول بأن المشتبه كله ينبغي أن يمر ويؤمن به ولا يفسر فقد أجمعوا على تأويل هذه لبيان وجوب إحراجها عن ظاهرها. قال سفيان الثوري: معناه علمه معكم، وتأولهم هذه حجة عليهم في غيرها» اهـ.

وقال المفسر فخر الدين الرازي في «التفسير الكبير»[(641)]: «المسألة الثانية: قال المتكلمون هذه المعية إما بالعلم وإما بالحفظ، وعلى التقديرين فقد انعقد الإجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز، فإذًا قوله {…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ… *} لا بد فيه من التأويل. وإذا جوَّزنا التأويل في موضع وجب تجويزه في سائر المواضع» اهـ.

أما سيد قطب فقد قال في كتابه المسمى في ظلال القرءان ما نصه[(642)]: «{…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ… *} ، كلمة على الحقيقة لا على الكناية والمجاز والله تعالى مع كل شىء ومع كل واحد في كل وقت وفي كل مكان» اهـ.

وقال خالد الجندي في شريط له سماه «الرزق وإنفاقه» باللغة العامة المصرية: «هو ما فيش حاجة في حياتك إلا وربنا فيها لأنه قال وهو معكم أينما كنتم». ثم قال: «كل واحد فينا في كل لحظة من حياته الله في داخله في قلبه».

الرد:

ليُعلم أن سيد قطب بعقيدته هذه يخالف جميع علماء الإسلام من السلف والخلف لأنه جعل الله منتشرًا في العالم وهذا كفر، وقوله «في كل مكان» هذا لم يقله أحد من السلف إنما قاله جهم بن صفوان الذي قُتل على الزندقة في أواخر أيام الأمويين ثم تبعه بعض جهلة المتصوفة من غير فهم للمعنى الذي كان يريده جهم. أما جهم فكان يقول هذه العبارة ويريد معناها الحقيقي وهو الانتشار، وجهلة المتصوفة يريدون منها السيطرة على كل مكان، وقد نسب هذا القول إلى جهلة المتصوفة إسماعيل حقي النازلي في تفسيره «روح البيان» وهو من الصوفية، فليعلم هؤلاء في أي وادٍ يتيهون.

ثم إن كل علماء الإسلام اتفقوا على أن معنى قوله تعالى: {…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ… *} [سورة الحديد] إحاطة علمه تعالى بكل الخلق، وأما سيد قطب فينطبق عليه ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: «من شذّ شذّ في النار» رواه الترمذي، فبان واتضح لكل منصف أن سيد قطب مارق خارج من الدين والإسلام.

فانظر أخي المؤمن إلى هذا التجرؤ على الله تعالى حيث ينسب الحلول بكلمات واضحة وفاضحة تكشف عما في نفسه، ألم يقرأ قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [سورة الشورى] ، وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [سورة الإخلاص] ، وقوله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ… *} [سورة النحل] ؟ ألم يبلغه نقل الحافظ السيوطي في كتابه «الحاوي للفتاوى» إجماع المسلمين على تكفير من قال بالحلول أو الاتحاد؟ حيث قال ما نصه[(643)]: «وقال القاضي عياض في الشفا ما معناه: أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول ومن ادَّعى حلول الباري سبحانه في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى والقرامطة. وقال في موضع آخر: ما عرف الله من شبهه وجسمه. ثم قال بعد كلام: بل يُقطَع بتكفير القائلين بالحلول إجماعًا. ثم قال بعد ذلك: فإذًا أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعًا وعقلا وعُرفًا بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حفظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى» اهـ.

ألم يسمع خالد الجندي وسيد قطب وناظم قبرصلي وشيخه الداغستاني وكل الحلولية والاتحادية قول الإمام الأكبر الشيخ محي الدين بن عربي: من قال بالحلول فدينه معلول، نقله الإمام عبد الوهاب الشعراني في كتابه «اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر»[(644)]، وقول الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله في «الفيض الرباني»: «من قال إن الله انحل منه شىء أو انحل في شىء فقد كفر» اهـ.

حتى إن إمام المشبهة والمجسمة ابن تيمية الحراني يقول في كتابه المسمى «مجموع الفتاوى»[(645)] ناقلا ومؤيدًا لقول الطلمنكي: «أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى {…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ القُرءانِ: أَنَّ ذَلِكَ عِلْمُهُ» اهـ.

فيا لفضيحة الوهابية الذين يقولون بأن التأويل تعطيل، هل سيقولون عن شيخهم المجسم ابن تيمية بأنه معطل في هذه المسألة؟ هل سينسلخون منه أم سيقولون عنه بعد ذلك «شيخ الإسلام»، خوفًا من أن ينقطع عنهم الدينار والدرهم؟

ولو كان هؤلاء الحلولية شموا رائحة العلم الشرعي لعلموا أن من وصف الله بالحلول فقد نسب الكيفية لله وهي منفية عنه تعالى وعن صفاته، وأن ذلك تجسيم وكفر كما نقل الحافظ السيوطي في كتابه «الأشباه والنظائر»[(646)] عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: «المجسم كافر»، بل جاء ذلك عن أئمة المذاهب الأربعة رضي الله عنهم كما في كتاب المنهاج القويم شرح ابن حجر الهيتمي على المقدمة الحضرمية فإنه يقول فيه ما نصه[(647)]: «واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك».اهـ

ويكفي في إثبات جهل سيد قطب ما ذكره في تفسيره في الجزء السابع عشر في تفسير سورة الأنبياء، حيث قال: «ولا بقاء لشىء يطارده الله».اهـ

وقال في تفسير سورة الأعراف: «ولكننا نملك بالسر اللطيف المستمد من روح الله الذي في كياننا أن نستروح وأن نستشرف هذا الأفق الساحق الوضيء».اهـ

ثم قول خالد الجندي «كل لحظة من حياته الله في داخله في قلبه» فإننا نعوذ بالله من هذا الكفر فقد جعل الله تعالى يحل في القلوب، جعل الله جسما حادثا وكذّب قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *} [سورة الإخلاص] . في هذه الآية نفي للمادية والانحلال. وقد وقع خالد الجندي في كفر أهل الاتحاد والحلول وهو أشد أنواع الكفر وكذب قول الله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} وكذب قول ذي النون المصري «مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك» أي لا يشبه ذلك، رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق.

ما عرف الله من اعتقد أن الله يحل في الأشياء في القلوب أو الهواء أو الإنسان أو الشجر. فتأمل في هذا الكلام وانتبه يا خالد كيف تتكلم وتطلق العبارات لأنك ستحاسب يوم القيامة، قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ *} وقال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ *} . وقد قال سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه: «لفظتان ثلمتان في الدين القول بالوحدة والشطح المجاوز حدّ التحدث بالنعمة».

ومعنى قول الله تعالى: {…وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [سورة ق] أي أن الله تعالى أعلم بالعبد من نفسه، هو أعلم بنا من أنفسنا، الله تعالى تعظيما لنفسه يقول: «ونحن أقرب إليه» أي إلى العبد «من حبل الوريد» والوريد عرقان في الإنسان من جانبي الرقبة ينزلان من الرأس ويتصلان بعرق القلب. وقد قال النازلي صاحب التفسير المعروف: «لا يجوز أن نقول إنه تعالى بكل مكان وهذا قول جهلة المتصوفة»، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه: «قال عليّ الخواص – شيخه في التصوف -: لا يجوز أن يقول إنه تعالى بكل مكان، وأول من قال بهذا جهم بن صفوان». فقول خالد الجندي «الله في داخله في قلبه» يفيد الحلول، ومن قال بالحلول فدينه معلول وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد كما قال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله. ثم أمَا قرأ خالد أيضا نقل جلال الدين السيوطي الإجماع في كتابه «الحاوي للفتاوي» على تكفير من قال بالحلول أو الاتحاد. وهذا تجرؤ على الله بهذه الكلمات كأنه لم يقرأ كلام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته الشهيرة: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر»، وكأنه ما قرأ قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} وقوله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ… *} أي لا تشبهوا الله بخلقه، وقوله تعالى: {…وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره.

وقال عمرو خالد المصري على قناة المحور في تفسير هذه الآية {…وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} عن سيدنا آدم، قال باللهجة المصرية: «إحنا – نحن – فينا حتّة – جزء – من ربنا»، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ… *} [سورة التحريم] .

ليعلم أن قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في أمر ديني وأخطأ فيه كما ادَّعى ذلك الدكتور القرضاوي في برنامجه المسمى «الشريعة والحياة»[(648)] وأن الآية نزلت فردَّت عليه والعياذ بالله تعالى، فهذا لم يقله عالم من علماء المسلمين قط، بل ولا سُمِعَ من صبي ولا مجنون قبل القرضاوي، لأن الأمة أجمعت على عصمة النبي من الخطأ في الدين، ولم يقله مفسّر من المفسرين، وليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم حرَّم شيئًا أحله الله له، وإنما أطبق علماء التفسير على أن النبي صلى الله عليه وسلم منع نفسه من شرب العسل في بيت بعض زوجاته لأجل بعضهن الآخر، ولم يُحرّم التحريم الشرعي إنما هو التحريم اللغوي وهو المنع، أي لِمَ تمنع نفسك مما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك، فهو التحريم اللغوي وليس الشرعي، كما تقول «حرَّمتُ على نفسي أن أدخل دارَك» أو «حرمت على نفسي أن آكل اللحم» أو «حرمت على نفسي أن أشرب الشاي»، أي منعت نفسي من ذلك، ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم شيئًا أحلَّه الله فقد أعظم الفِرية على الله وعلى رسوله وكذَّبَ القرءان ونفى عصمة الأنبياء، وقال بما يؤدي إلى تخوين النبي صلى الله عليه وسلم وأنه غير مؤتمن على شرع الله، وهذا معارض لقول الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *} ولقوله سبحانه وتعالى: {…وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} .

قال بدر الدين الزركشي في كتابه «تشنيف المسامع»[(649)]: «إن القول الصحيح أن النبي إذا اجتهد لا يخطىء» اهـ. هذا وقد قال العلامة ابن أمير الحاج في كتابه «التقرير والتحبير» ما نصه[(650)]: «وقيل بامتناعه أي بامتناع جواز الخطإ على اجتهاده – أي لايجوز الخطأ على اجتهاده – نقله في الكشف وغيره عن أكثر العلماء وقال الإمام الرازي والصفي الهنديّ إنه الحق وجزم به الحليمي والبيضاوي وذكر السبكي أنه الصواب وأن الشافعي نصّ عليه في مواضع من الأمّ لأنه أولى بالعصمة عن الخطإ من الإجماع لأنّ عصمته أي الإجماع عن الخطإ لنسبته إليه أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وللزوم جواز الأمر باتباع الخطإ لأننا مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ… *} [سورة ءال عمران] ، إلى غير ذلك» اهـ.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»[(651)]: «عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يشربُ عسلا عند زينبَ ابنةِ جَحْش ويمكث عندها، فواطيتُ أنا وحفصة عن أيَّتُنا دخلَ عليها فلتقل له أكلتَ مَغافير؟ إني أجِدُ منكَ ريحَ مغافير، قال: لا، ولكنِّي كنتُ أشربُ عَسلا عند زينبَ ابنةِ جحش فلن أعودَ له، وقد حلفتُ لا تُخبري بذلك أحدًا» اهـ.

قال القرطبي في «الجامع لأحكام القرءان»[(652)]: «ولا يُحرِّم قول الرجل (هذا عليّ حرام) شيئًا حاشا الزوجة». ويقول[(653)]: «(تبتغي مرضات أزواجك) أي تفعل ذلك طلبًا لرضاهن». ثم قال: «والصحيح أنه معاتبة (معاتبة لطيفة والمعاتبة تكون أحيانًا لترك شىء مباح وليس شرطًا أن تكون لارتكاب محرمٍ) على ترك الأولى، وأنه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة» اهـ.

وقال الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسيره «تأويلات أهل السنة»[(654)]: «قوله عز وجل {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} هذا في الظاهر فظيع بأن يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحل الله له، ومن قال بأنه حرم ما أحل الله، فقد قال قولا منكرا، وذلك كفر منه، إذ من حرم ما أحل الله تعالى كان كافرا، ومن كان اعتقاده في رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، فهو كافر». ثم قال: «ما سبق إليه ظن بعض الجهال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم شيئًا أحله الله تعالى، ومن توهم هذا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر». ثم قال: «تحريم ما أحل الله تعالى هو أن يعتقد تحريم المحلل، وتحليل المحرم في ما حرم الله تعالى مطلقًا، فمن اعتقد تحريمه حكم عليه بالكفر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتقد تحريم ما أحل الله تعالى، إذ لم يَرَ جماعها – أي أَمَتِهِ – عليه محرّما». وقال[(655)]: «أو أُريدَ بالتحريم منع النفس عن ذلك مع اعتقاده بكونه حلالا، لا أن يكون قصد به قصد تحريم عينه،وقد يمتنع المرء عن تناول الحلال لغرض له في ذلك، وهو كقوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ… *} [سورة القصص] ، ولم يرد به تحريم عينه ولا التحريم الشرعي، إذ الصبي ليس من أهله، وإنما أُريدَ به امتناعه من الارتضاع إلا من ثدي أمه، فعلى ذلك هاهنا، والله أعلم». ثم قال: «{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} ، أي: لا يبلغنَّ بك الشفقة عليهن وحسن العشرة معهن مبلغًا تمتنع عن الانتفاع بما أحل الله لك ، فيخرج هذا مخرج تخفيف المؤنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن العشرة معهن، لا مخرج النهي والعتاب عن الزلة» اهـ.

وقال محمد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري المتوفى 977هـ في كتابه «تفسير الخطيب الشربيني» المسمى «السراج المنير»[(656)]: «وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له أمةٌ يطؤها فلم تزل عائشةُ وحفصة حتى حرَّمها على نفسه – أي امتنع عن وطئها – فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [(657)]، فإن قيل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} يوهم أن الخطاب بطريق العتاب وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم يُنافي ذلك لِمَا فيه من التشريف والتعظيم؟ أُجيب بأنه ليس بطريق العتاب بل بطريق التنبيه». ويقول[(658)]: «فإن قيل (تحريم ما أحل الله غير ممكن فكيف قال «لِمَ تُحَرّم ما أحل الله لك» أُجيبَ بأن المراد بهذا التحريم هو الامتناع من الانتفاع بالأزواج لا اعتقاد كونه حرامًا بعدما أحلَّه الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الانتفاع بها مع اعتقاد كونها حلالا فإن من اعتقد أن هذا التحريم هو تحريم ما أحل الله فقد كفر، فكيف يُضافُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم». ثم قال: «وإن قال لطعامٍ «حرَّمتُهُ على نفسي فلا شىء عليه» وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه وإليه ذهب الشافعي» اهـ.

وهذا القرضاوي ومن يوافقه في نسبة الخطأ على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فهم في الحقيقة قائلون بعدم عصمة الأنبياء، والأنبياء معصومون أي محفوظون بحفظ الله لهم من الخطأ في الدين ونسبة الخطأ في الدين للأنبياء تكذيب للقرآن وإنكارٌ لعصمة الأنبياء وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن محرم الحلال كمستحل الحرام»، فقول القرضاوي إن الرسول أخطأ في التشريع فحرم شيئًا حلالاً هو بمنزلة قوله إن الرسول أحل شرب الخمر أو أحل الزنا أو أحل أكل الميتة أو أحل الظلم وهذا لا يقوله مسلمٌ والحمد لله الذي وفقنا وأعاننا وشرفنا بالدفاع عن نبيّهِ صلى الله عليه وسلم.

ـ[640]       التفسير الكبير» طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد الخامس عشر الجزء29 ص187).

ـ[641]       في ظلال القرءان المجلد السادس (ص/3481).

ـ[642]       الحاوي للفتاوى (ص308 – 309 – 310 الجزء الثاني دار الكتاب العربي – بيروت).

ـ[643]       اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى الجزء الأول ص86).

ـ[644]       مجموع الفتاوى (طبع دار الوفاء، الطبعة الأولى 1418هـ المجلد الثاني 163).

ـ[645]       الأشباه والنظائر (ص/488).

ـ[646]       المنهاج القويم (ص/224).

ـ[647]       في قناة الجزيرة (12/9/1999).

ـ[648]       تشنيف المسامع (مؤسسة قرطبة المكتبة المكية، الطبعة الأولى 1419هـ الجزء الرابع ص579).

ـ[649]       التقرير والتحبير» (2/300).

ـ[650]       فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/524).

ـ[651]       الجامع لأحكام القرءان (8/179).

ـ[652]       الجامع لأحكام القرءان (8/184).

ـ[653]       تأويلات أهل السنة (دار الكتب العلمية الطبعة الأولى، المجلد العاشر ص75).

ـ[654]       تأويلات أهل السنة (ص/76).

ـ[655]       تفسير الخطيب الشربيني المسمى «السراج المنير» (الجزء الرابع دار الكتب العلمية الطبعة الأولى في ص352).

ـ[656]       أخرجه النسائي كتاب عِشْرة النساء (حديث ……).

ـ[657]       تفسير الخطيب الشربيني (ص/353).

ـ[658]       التفسير الكبير (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد العاشر الجزء 19 ص144).