الأحد ديسمبر 22, 2024

قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *) [سورة الأنبياء]

قال المفسر ابن جرير الطبري في تفسيره «جامع البيان في تفسير القرءان» ما نصه[(451)]: «{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *} يعني بذلك أن أرض الجنة {…يَرِثُهَا عِبَادِيَ} – أي – العاملون بطاعته المنتهون إلى أمره ونهيه»، ثم قال[(452)]: «وقد ذكرنا قول من قال أن الأرض يرثها عبادي الصالحون أنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن عباس الذي روى عنه علي بن أبي طلحة» اهـ.

وقال الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسيره «تأويلات أهل السنة» ما نصه[(453)]: «قال عامة أهل التأويل: هي الجنة، أخبر أن الجنة إنما {…يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *} ، وهو ما ذُكر في آية أخرى {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ *الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *} [سورة المؤمنون] ، فيكون هذا تفسيرًا لذلك» اهـ.

وقال المحدث أبو الفضل عبد الله محمد الصديق الغماري الحسني في كتابه «بدع التفاسير» في تفسيره لهذه الآية ما نصه[(454)]: «أن أرض الجنة يرثها عباده الصالحون المتقون، وحكى عنهم قولَهم حين دخولها {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ… *} [سورة الزمر] .

ومن بدع التفاسير: قول بعض المعاصرين: أن الأرض يعني أرض الدنيا (يرثها عبادي الصالحون) لعمارتها والغرض بهذا التأويل تأييد الاستعمار الأوروبي، والحض على عدم مقاومته، حيث إن القرآن أخبر بأن لهم وراثة أرض الدنيا. وهذا إلحاد في القرآن، وكذب على الله، وخروج على دينه، وحض على ترك فريضة الجهاد وإني أبرأ الى الله من هذا التأويل ومن صاحبه اهـ.

فهذه الآية معناها أن أرض الجنة يرثها عباد الله الصالحين، وليس كما ادّعى أحد المشايخ المصريين وهو محمد بخيت أن معنى هذه الآية هو في الأوروبيين الذين قاموا بعمارة الأرض وزراعتها، وهذا تحريف لمعنى الآية وليس تفسيرا لها، وما أجرأه على مداهنتهم والتملق إليهم بما لم يقله قبله أحد في تفسير هذه الآية.

ثم إن الآية فيها رد عليه وعلى من حرّف معناها وحملها على غير المسلمين، فهل يقول الله عزّ وجل عمّن كفر به ولم يعبده ولم يوحده ولم يؤمن بمحمد ولا بالقرءان، عبادي الصالحون؟! والصالحون جمع صالح، والصالح هو المسلم الذي أدى الواجبات واجتنب المحرمات، هذا الذي هو محبوب عند الله تعالى ممدوح في القرءان، ونعوذ بالله من الجرأة على تحريف معاني آيات الله وكتابه.

قال الله تعالى: {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ… *} [سورة الحج] .

قال المفسر محمد بن جرير الطبري في «تفسير الطبري» ما نصه[(455)]: «وقوله {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} يقول تعالى ذكره: سماكم – أي الله – يا معشر من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم المسلمين من قبل.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} يقول الله سماكم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء بن ابن أبي رباح، أنه سمع ابن عباس يقول: الله سماكم المسلمين من قبل.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، وحدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا؛ عن معمر، عن قتادة {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} قال: الله سماكم المسلمين من قبل.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} قال: الله سماكم.

حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.

حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} يقول: الله سماكم المسلمين».اهـ

ومثل ذلك نقل الحافظ المفسر عبد الرزاق الصنعاني عن قتادة في تفسيره.

قال المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرءان» ما نصه[(456)]: «{…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} قال ابن زيد والحسن: {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} راجع إلى إبراهيم؛ والمعنى: هو سماكم المسلمين من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، قال النحاس: وهذا القول مخالف لقول عظماء الأمة. روى علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: سماكم الله – عز وجل – المسلمين من قبل، أي في الكتب المتقدمة وفي هذا القرآن ؛ وقاله مجاهد، وغيره» اهـ.

وقال المفسر أبو حيان الأندلسي في كتابه «التفسير الكبير البحر المحيط» في تفسيره لهذه الآية من نصه: «قيل: يعود {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} إلى الله، وهو قول ابن عباس وقتادة، ومجاهد، والضحاك. وعن ابن عباس: إن الله {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} أي: في كل الكتب، {…وَفِي هَذَا} أي القرآن، ويدل على أن الضمير لله قراءة أُبيّ: الله سماكم. قال ابن عطية: وهذه اللفظة – يعني قوله: {…وَفِي هَذَا} – تضعيف قول من قال الضمير لإبراهيم».اهـ

قال المفسر الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره ما نصه: «قوله تعالى: {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} يعني أن الله تعالى سماكم {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة. {…وَفِي هَذَا} أي: في الكتاب، هذا قول أكثر المفسرين».اهـ

فالصحيح والمعتمد في تفسير هذه الآية ما نقله الأئمة الكبار عن الصحابة ومن بعدهم من التابعين، {…هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} أي الله، وليس إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فالأنبياء الذين كانوا قبل إبراهيم ومن اتبعهم على الإسلام كانوا مسلمين مؤمنين، وليس إبراهيم هو أول من جاء بالإسلام وليس هو أو من سمى المسلمين مسلمين بل الله سماهم بذلك.

فما شاع بين كثير من العامة أن إبراهيم هو الذي سمى المسلمين بهذا الاسم غير صحيح وهو قول باطل مردود.

قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} [سورة البقرة] .

ـ[451]       جامع البيان في تفسير القرءان (دار الجيل – بيروت، المجلد التاسع الجزء17 ص81).

ـ[452]       جامع البيان في تفسير القرءان (ص/82).

ـ[453]       تأويلات أهل السنة (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1426هـ المجلد السابع ص382 – 383).

ـ[454]       بدع التفاسير (مكتبة القاهرة، الطبعة الثالثة 1426 هـ ص73).

ـ[455]       تفسير الطبري (دار الجيل – بيروت، المجلد التاسع الجزء17 ص144).

ـ[456]       الجامع لأحكام القرءان (دار الفكر، الطبعة الأولى المجلد الثاني عشر ص101).