قال الله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ… *} [سورة التوبة]
هذه الآية نزلت لمّا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين في المدينة، فتصوّر بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى على عبد الله بن أبي بن سلول وهو يعلم كفره، والحق فيها أن النبي صلوات ربي وسلامه عليه كان يظنه مسلما حين صلى عليه، خاصة أن عبد الله بن أبي المنافق لجأ إلى الخداع في مرض موته فطلب قميص النبي صلى الله عليه وسلم ليكفن به، وأظهر الندم، وكان يخاطبه بـ يا نبي الله وهو عليه الصلاة والسلام مأمور بأن يقبل من الناس ظواهرهم، فأردنا أن نفصّل الكلام في مختلف جوانب هذه المسألة، فنكشف أولاً عن انقسام الناس في روايات هذه القصة ثم نورد النّقول عن المحققين من العلماء في توضيح ما أشكل منها ثم نبيّن خطورة هذا التصوّر الذي انتشر وذاع، ولا ندري كيف انتشر مع ما بينّه الحفاظ والمفسرون في كتبهم في شأنها؟!
فالناس في الأخبار الواردة في قصة عبد الله بن أُبي كحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلّي عليه فلمّا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثَبْتُ إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي، وقد قال يوم كذا، كذا وكذا، وكذا أعدّد عليه قوله فتبسّم رسول الله عليه السلام وقال أخِّر عني يا عمر فلمّا أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له زدت عليها قال فصلّى عليه»، الناس افترقوا أربعة أقسام:
القسم الأول: أنكروا صحة بعض ما ورد تنزيها للنبي صلى الله عليه وسلم أن يُعتَقَد فيه ما لا يجوز، ومنهم:
1 – الغزالي في المستصفي قال: الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح.
2 – إمام الحرمين في مختصره قال: هذا الحديث غير مخرج في الصحيح.
وقال في البرهان: لا يصححه أهل الحديث.
3 – أبو بكر الباقلاني في التقريب قال: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها.
4 – الداودي الشارح قال[(220)]: هذا الحديث غير محفوظ.
والسبب في إنكارهم صحته كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «ما تقرر عندهم مما قدمناه وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه من حمل أول على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة…الخ».
وفي حاشية العطار على شرح الجلال على جمع الجوامع / مسألة المفاهيم المخالفة ما نصه[(221)]: «وقال الغزالي في المنخول إنّ ما نقل في الاستغفار كذبٌ قطعا إذ الغرض منه التّناهي في تحقيق اليأس من المغفرة فكيف يُظَنّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ذهول عنه اهـ.
فهؤلاء ذهبوا إلى هذا بسبب ما أشكل عليهم في هذه الأخبار فلم يقولوا بصحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ختم الحافظ بحثه هذا بقوله[(222)]: «وإذا تأمل المتأمل المنصف وجد الحامل على من رد الحديث أو تعسف في التأويل ظنُّه بأن قوله (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله) نزل مع قوله (استغفر لهم) أي نزلت الآية كاملة لأنه لو فرض نزولها كاملة لاقترن بالنهي العلة وهي صريحة – أي لو كان نزول الآيتين معا – في أن قليل الاستغفار وكثيره لا يجدي – لأنه يكون انكشف الغطاء وعلم النبي يقينا بكفر ابن أبي بن سلول – وإلا فإذا فرض ما حررته أن هذا القدر نزل متراخيا عن صدر الآية ارتفع الإشكال» اهـ.
القسم الثاني: أخذوا الروايات الصحيحة وتنبهوا لتلك الإشكالات فقالوا:
لا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عرف يقينا كفر عبد الله بن أبي ابن سلول ويستغفر له [لأنه يستلزم مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعا وقد ورد إنكار ذلك في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ] اهـ.
ما بين قوسين نقلا عن الفتح من كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني[(223)] ثم نقل[(224)] منه عن ابن المنير وغيره: [لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل وطلب المستحيل لا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرا الإسلام لاحتمال أن يكون معتقده صحيحا وهذا جواب جيد] اهـ.
وقال في خاتمة البحث ما نصه[(225)]: [فحجة المتمسك من القصة بمفهوم العدد صحيح وكون ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وسلم متمسكا بالظاهر على ما هو المشروع في الأحكام إلى أن يقوم الدليل الصارف عن ذلك لا إشكال فيه فلله الحمد على ما أَلهَمَ وعَلم] اهـ.
ذلك أن الذي يمنع من الاستغفار للكافر الأصلي والمنافق (ولكل من عُلِمَ موتُه على الكفر، حتى المرتد) إن علمنا نفاقه أي علمنا كفره علة واحدة وهي الكفر، فصار الاستغفار له بعد العلم بموته على الكفر والصلاة عليه مع ما فيها من الاستغفار كفر، لما في ذلك من التلاعب بالدين، حيث جاء النهي والمنع من الصلاة على الكفار وقد مات أبو طالب في مكة ولم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى فتنبه.
وربما ينبغي التذكير قبل أن ننتقل للقسم الثالث في هذه المسألة بأن معنى المنافق هو من كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فإذا انكشف لنا حاله حكمنا بكفره وامتنع على كل من علم بحاله معاملته معاملة المسلم، ويشمل ذلك منع الصلاة عليه. وهؤلاء الذين سيأتي ذكرهم في القسم الثالث كأنهم ذهلوا عن هذا المعنى.
وكذا ذهلوا عن مقصود العلماء في قولهم إنه لم يتقدم النهي قبل قصة عبد الله بن أبي ابن سلول عن الصلاة على المنافقين، لأن مقصودهم والله أعلم هو أنه لم يكن أوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتعيين أسماء هؤلاء المنافقين، بل كان يحمل أمرهم على الظاهر من لفظ إسلامهم، كما سيأتي موَضَّحًا إن شاء الله في محله.
قال الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه تفسير الأسماء والصفات ما نصه[(226)]: «فإن قيل: هلا جعلتم أهل الأهواء كالمنافقين الذين هم كفار وهم مع ذلك يعاملون معاملة المسلمين لإظهارهم شهادة ألاّ إلـه إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقرارهم في الظاهر بأحكام المسلمين. قيل: لو أظهر المنافق بدعته وضلالته التي اعتقدها كما أظهر المعتزلي وأهل الأهواء لحكمنا عليهم بحكم الكفار ولم نلتفت إلى حكم إقرارهم».اهـ.
القسم الثالث: قوم لم ينتبهوا لتلك المشكلات في الروايات الواردة وحملوها على ما يخالف القواعد الشرعية التي بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلكوا أعاذنا الله من ذلك.
فمن هؤلاء الزمخشري الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ما نصه: [فإن قلت (هنا سؤال وجواب يفرضهما الزمخشري): كيف خفي على أفصح الخلق وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد الاستغفار ولو كثر لا يجدي ولا سيما وقد تلاه قوله (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله) فبيّن الصارف عن المغفرة لهم، قلت (الزمخشري): لم يخف عليه ذلك ولكنه فعل ما فعل وقال ما قال إظهارا لغاية رحمته…الخ.
وقد تعقبه ابن المنير وغيره وقالوا لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول لأن الله أخبر أنه لا يغفر للكفار وإذا كان لا يغفر لهم فطلب المغفرة لهم مستحيل وطلب المستحيل لا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم] ا.هـ.
ولو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم موت ابن أبي ابن سلول تلك الساعة على الكفر لما استغفر له. ولذلك يقول أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ما نصه[(227)]: «وفي هذا السؤال والجواب – أي اللذين فرضهما الزمخشري – غض من منصب النبوة وسوء أدب على الأنبياء ونسبته إليهم ما لا يليق بهم وإذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يكن لنبي خائنة الأعين» أو كما قال، وهي الإشارة، فكيف يكون له النطق بشىء على سبيل التحييل؟ حاشا منصب الأنبياء عن ذلك ولكن هذا الرجل مسرح الألفاظ في حق الأنبياء بما لا يليق بحالهم، ولقد تكلم عند تفسير قوله بكلام في حق رسول الله نزهت كتابي هذا أن أنقله فيه، والله تعالى يعصمنا من الزلل في القول والعمل».اهـ بحروفه.
وفي «روح المعاني» للألوسي ما نصه[(228)]: «وتعقب بأن ذكره للتمويه والتخييل بعد ما فهم عليه الصلاة والسلام منه الكثير لا يليق بمقامه الرفيع، وفهم المعنى الحقيقي من لفظ اشتهر مجازه لا ينافي الفصاحة والمعرفة باللسان فإنه لا خطأ فيه ولا بعد إذ هو الأصل، ورجحه عنده عليه الصلاة والسلام شغفه بهدايتهم ورأفته بهم واستعطاف من عداهم ولعل هذا أولى من القول بالتمويه بلا تمويه» اهـ.
وكان قال قبل ذلك محذرا[(229)]: «وقال بعضهم: إنه على تقدير وقوع الاستغفار منه عليه الصلاة والسلام والقول بتقديم النهي المفاد بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} لا إشكال فيه إذ النهي ليس للتحريم بل لبيان عدم الفائدة وهو كلام واه لأن قصارى ما تدل عليه الآية المنع من الاستغفار للكفار وهو لا يقتضي المنع عن الاستغفار لمن ظاهر حاله الإسلام، والقول إنه حيث لم يستجب يكون نقصا في منصب النبوة ممنوع لأنه عليه الصلاة والسلام قد لا يجاب دعاؤه لحكمة كما لم يجب دعاء بعض إخوانه الأنبياء عليهم السلام ولا يعد ذلك نقصا كما لا يخفى» اهـ.
يؤكد ذلك أن الحافظ ابن حجر في أثناء بحثه قال[(230)]: «وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله – أي قول عمر – وصلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام كما تقدم تقريره استصحابا لظاهر الحكم…» اهـ.
أما جزم عمر بأن عبد الله بن أبي ابن سلول منافق أي جزم بكفره فجرى على ما كان يطلع عليه من أحواله ولهذا استنكر إرادة الصلاة عليه مع ما عُرف به عمر من شدة صلابته في الدين وكثرة بغضه للكفار والمنافقين وهو القائل في حق حاطب ابن أبي بلتعه مع ما كان له من الفضل كشهوده بدرا وغير ذلك لكونه كاتب قريشا قبل الفتح: «دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق» فلذلك أقدم على كلامه للنبي صلى الله عليه وسلم بما قال ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره لما غلب عليه من الصلابة المذكورة»[(231)].
لاحظ قوله (ولهذا استنكر إرادة الصلاة عليه) وهو قول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم «تصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا وكذا أعدد عليه…الخ»، وفي رواية «يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه» لاحظ ذلك لتخلص إلى أن عمر جزم بموت ابن أبي بن سلول على الكفر ولذلك قال «وقد نهاك ربك أن تصلي عليه» وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام كما تقدم أعلاه.
ولم يكن ذلك من عمر اعتراضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان من باب الاستفهام أي ماذا حدث حتى تصلي عليه هل نزل عليك وحي بشأنه؟ ولذلك قال ابن المنير: «وإنما قال ذلك عمر مشورة لا إلزاما وله عوائد بذلك… إلى أن قال: ولهذا احتمل منه النبي صلى الله عليه وسلم أخْذَهُ بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى التفت إليه مبتسما كما في حديث ابن عباس»[(232)] .اهـ فتنبه. (عمر رضي الله عنه لم يفعل ما فعل ولم يقل ما قال اعتراضًا على رسول الله، بل سؤالا وتعلما واسترشادا واستيضاحًا، فعمر رضي الله عنه يعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من التلاعب بدين الله، ومن شك بعدم عصمة النبي من ذلك فهو كافر).
وممن هلك في هذه المسألة بسبب تهاونهم في ما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقول: «إن النبي صلى الله عليه وسلم علم بحال ابن أبي بن سلول قبل نزول الآية {…ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} يقينا ومع ذلك صلى عليه واستغفر له» – وهذا تكذيبٌ للقرءان وهو كفر – وهو للأسف كلام انتشر على لسان بعض المنتسبين للعلم اليوم فنسبوا إمكان اعتقاد المستحيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم فأغنى عن إعادته هنا. وهذا مؤداه أن الرسول صلى الله عليه وسلم متلاعب بالدين وسيأتي شرحه إن شاء الله وعليه فمن نسب ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يلزمه التشهد للرجوع إلى الإسلام بسبب ما تورط به من سوء الأدب الشديد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم هؤلاء كأنهم ما عرفوا ولا اطلعوا على ما بيناه من انقسام الناس في ما ورد في هذه الروايات والأخبار.
القسم الرابع: قوم ادعوا تصحيح إسلام عبد الله بن أبي لكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه لأنهم لم يقفوا على جواب شاف في ذلك مع أنهم محجوجون بالإجماع.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح ما نصه[(233)]: «(قلت) وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي لكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرِّحة في حقه بما ينافي ذلك ولم يقف على جواب شاف في ذلك فأقدم على الدعوى المذكورة وهو محجوج بإجماع من قبل على نقيض ما قال وإطباقهم على ترك ذكره في كتب الصحابة مع شهرته وذكر من هو دونه في الشهرة بأضعاف مضاعفة» اهـ.
فتلخص أن الناس انقسموا أمام روايات هذه الحادثة إلى أربعة أقسام في ما يأتي:
1 – قسم أنكروا صحة الحديث لأنه من طريق الآحاد وربما قالوا لاضطرابه لأن هذا ما تدل عليه رواياته.
2 – قسم بيّنوا وجها شافيا يتناسب وسياق القصة والجمع بين الروايات وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتقد إسلام ابن أبي سلول قبل وفاته ولذلك صلى عليه.
3 – قسم غَلوا غُلوا كبيرا بعيدا فاعتقدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وهو يعلم نفاقه أي كفره، وذهلوا عن معنى النفاق وهو إظهار الإسلام وإضمار الكفر.
4 – قسم حكموا أن عبد الله بن أبي ابن سلول مسلم يقينا وذهلوا بذلك عن الآيات والأحاديث المصرِّحة في حقه بما ينافي ذلك.
فلولا أن في هذه القصة ما فيها من الإشكال لما احتاج الحافظ ابن حجر وغيره إلى هذا البحث المطول والمفصل مع سوق الروايات ولكان اكتفى هو وغيره من الحفاظ والمفسرين بالقول إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه مع علمه بنفاقه ثم نزل الوحي بالنهي عن الصلاة عليهم، فلا يكون هناك إشكال أبدا وبالتالي ما كنا نرى هذا الجهد الكبير من أمثال الحافظ ابن حجر العسقلاني وكذا القسطلاني والعيني والسيوطي والقرطبي وابن عطية وغيرهم في استعراض هذا الأمر وتبيينه والخلوص إلى هذه النتائج التي نبهوا إليها. ومن ذلك أن الألوسي يقول في «روح المعاني»[(234)]: «والأخبار في ما كان منه عليه الصلاة والسلام مع ابن أبي من الصلاة عليه وغيرها لا تخلو من التعارض وقد جمع بينهما حسبما أمكن علماء الحديث» ا.هـ.
قال الإمام العلامة الحجة المحدث الحافظ الشيخ عبد الله الهرري الحبشي رضي الله عنه في كتابه «الشرح القويم» ما نصه[(235)]: «والمنافق هو الذي يبطن الكفر ويتظاهر بالإسلام كعبد الله بن أبي فإنه مع ما ظهر منه من النفاق كان يتشهد ويصلي خلف الرسول صورة ولما سئل أنت قلت كذا أي ليخرجنّ الأعز منها الأذل أنكر قال لم أقل، ومراده بالأعز نفسه وبالأذل الرسول، لكن الرسول كان يُجري عليه أحكام المسلم لأنه لم يعترف بل بقي متظاهرا بالإسلام فكان الرسول يُجري عليه في الظاهر أحكام المسلم، وعندما مات ظن الرسول أنه زال عنه النفاق وبناء على هذا الظن صلى عليه، هذا هو الصواب كما قال الحافظ وغيره، وأما من قال إن الرسول كان يعلم أنه بعد منافق كافر ثم صلى عليه فقد جعل الرسول متلاعبا بالدين، جعله كأنه يقول في صلاته عليه اللهم اغفر لمن لا تغفر له وذلك كفر».اهـ
وقال أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي المفسر في كتابه «المحرر الوجيز» ما نصه[(236)]: «وظاهر صلاته عليه أن كفره لم يكن يقينا عنده – أي عند النبي -، ومحال أن يصلي على كافر، ولكنه راعى ظواهره من الإقرار ووكل سريرته إلى الله عزّ وجل وعلى هذا كان ستر المنافقين من أجل عدم التعيين بالكفر… إلى أن قال: وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع إظهاره الإيمان، ومحال أن يصلي عليه وهو يتحقق كفره وبعد هذا والله أعلم عُيِّنَ له من لا يصلي عليه» اهـ.
فلا يصح أن يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابن أبي أو غيره من المنافقين وهو يعلم كفرهم أي يعتقدهم كفارا لأن ذلك صريح بأنه تلاعب بالدين، لأن الله نهى عن الصلاة عليهم ومع ذلك هذا القائل يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي أو يستغفر له، وقد قال أبو حنيفة فيمن صلى مُحدِثا – أي بلا وضوء – متعمدا إنه كافر وعلل ذلك بأنه تلاعب بالدين. نقل ذلك عنه صاحبي المحيط والفتاوى الهندية وقال: وبه أخذ الفقيه أبو الليث، قال الصدر الشهيد وبه نأخذ.اهـ. ذكره صاحب الفتاوى في الجزء الأول في الصحيفة الثالثة والستين بعد المائة.
قال النووي في شرح المهذب: «أجمع المسلمون على تحريم الصلاة على المحدِث (حدثا أكبر أو أصغر) وأجمعوا على أنها لا تصح منه سواء كان عالما بحدثه أو جاهلا أو ناسيا لكنه إن صلى ناسيا أو جاهلا فلا إثم عليه، وإن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصية عظيمة ولا يكفر عندنا بذلك إلا أن يستحله، وقال أبو حنيفة يكفر لاستهزائه».اهـ، قاله في الجزء الثاني في الصحيفة السابعة والستين.
فكيف بعد هذا يُظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ابن أبي وهو يعتقد أنه كافر!! كيف وقد انعقد الإجماع على أن الأنبياء معصومون من الكبائر وإنما الخلاف في وقوع الصغائر منهم. (والصواب والحق الذي لا يصح غيره أن الأنبياء معصومون قبل النبوة وبعدها من الكفر والكبائر وصغائر الخسة). فإذا كانت صلاة المحدِث حدثا أصغر أو أكبر متعمدا من الكبائر فكيف يُظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى عليه وهو يعتقد أنه كافر مع أن علماء التوحيد وغيرهم صرحوا بتنزّه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وكيف يستسيغ مسلم القول إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه مع اعتقاده أنه كافر عندما صلى عليه مراعاة لخاطر ابنه أو ليكون ذلك سببا لإسلام قومه، فيكون معنى كلامهم الفاسد أن الرسول ارتكب كفرا والعياذ بالله، ويكون قولهم الفاسد تكفيرا له بالنظر إلى نسبة الاستغفار للميت الكافر، لأن طلب المغفرة لمن مات على الكفر كفر، ولا شك أن تكفير الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وتفسيقه كفر فلا مخلص لمن ظن ذلك إلا بأن يتشهد بنية الرجوع إلى الإسلام.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ… *} [سورة يوسف] .
قال أبو الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي المعروف بابن خُمَير في كتابه «تنزيه الأنبياء عما نَسَبَ إليهم حُثالة الأغبياء» ما نصه[(237)]: «فصل. تفصيلٌ في معنى (الهَمّ) وتوضيح. فإن قيل: فما الحق الذي يُعوَّل عليه في هذا الهمّ؟ فنقول: أولا: إن بعض الأئمة ذكروا أن الإجماع منعقد على عصمة بواطنهم من كل خاطر وقع فيه النهي» اهـ.
وقال الفخر الرازي في «التفسير الكبير» ما نصه[(238)]: «(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وذلك يدل على أن ماهية السوء والفحشاء مصروفة عنه». ثم قال: «ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب، وإبليس أقر ببراءته أيضًا عن المعصية، وإذا كان الأمر كذلك، فحينئذٍ لم يبقَ للمسلم توقّف في هذا الباب» اهـ.
وقال الشيخ حسن أفندي حميدان الحنفي في كتابه «العقود الفاخرة في ما يُنجي بالآخرة»[(239)]: «وتحت هذا الأصل فروع كثيرة ذكرت وفي الفتاوى الهندية معزيًا لليتيمة سئل عمن ينسب إلى الأنبياء الفواحش كعزمهم على الزنا ونحوه الذي يقوله الحشوية في يوسف عليه السلام قال يكفر لأنه شتم لهم واستخفاف بهم» اهـ.
قال الله تعالى: {…كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} [سورة يوسف] ، وقال تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *} [سورة يوسف] ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا يوسف عليه السلام بقوله: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» رواه البخاري، وأما قوله تعالى إخبارا عن يوسف: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ… *} [سورة يوسف] معنى {…وَهَمَّ بِهَا} أن جواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أي ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها فلم يحصل منه همّ بالزنى لأن الله أراه برهانه. وقال بعض المفسرين من أهل الحق إن معنى {…وَهَمَّ بِهَا} أي همّ بدفعها، أي أن الله أعلمه بالبرهان أنك يا يوسف لو دفعتها لقالت لزوجها دفعني ليجبرني على الفاحشة، فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهبا فشقت قميصه من خلف، فكان الدليل عليها. أما ما يروى من أن يوسف همّ بالزنى وأنه حلّ إزاره وجلس منها مجلس الرجل من زوجته فإن هذا باطل لا يليق بنبي من أنبياء الله تعالى، قال الله تعالى في براءة يوسف: {…قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ *} [سورة يوسف] .
قال المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري في كتابه «صريح البيان في الرد على من خالف القرءان» ما نصه[(240)]: «بيان. تبرئة يوسف عليه السلام من الهمّ بالفاحشة. اعلم أن الأنبياء عليهم السلام تجب لهم العصمة من الكفر ومن المعصية الكبيرة وكذا الصغيرة التي فيها خسة ودناءة وكذا كل ما لا يليق بمنصبهم قبل النبوة وبعدها. وأما وصف القرءان ليوسف عليه السلام بالهمِّ فليس فيه دليل على همه بالفاحشة، والمقرر عند العلماء أن ظاهر الآية إذا كان يحتمل وجوهًا من التفسير منها ما يوافق الحق ومنها ما يخالفه يحمل على المعنى الذي ليس فيه محظور ولا يبطله نقل ولا عقل، لذا فإن القول بأن سيدنا يوسف عليه السلام همَّ بالزنا بامرأة العزيز أي قصد ذلك فهو كفر لأن فيه طعنًا وقدحًا بنبي من أنبياء الله، وهي دعوى باطلة بالنقل والعقل. فإذا كان الأمر كذلك يحمل الهمُّ إما على أنه همَّ بدفعها عنه وإما على أنه لم يحصل منه هم ألبتة على ما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى، فنقول وبالله التوفيق:
قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي طلبت امرأة العزيز واسمها زليخا وهي {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} كان {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي سيدنا يوسف {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي بمصر {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي أن يواقعها بأن يعمل معها ما يفعله الرجل مع زوجته، فأبى ورفض {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي قالت له: هَلُمَّ وأقبل وتعالَ {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي رد عليها سيدنا يوسف عليه السلام بقوله {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي أعوذ بالله وأعتصم به وألجأ إليه مما دعوتني إليه، قاله إنكارًا لما طلبت منه ثم قال: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} وفيه وجهان:
أحدهما: أنه أراد العزيز، قاله مجاهد وغيره، أي هو الذي صورة وأحسن مثواي أي أحسن منزلتي وأكرمني وائتمنني فلا أخونه في أهله.
الثاني: أن الضمير في {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} يعود على الله تعالى، قاله أبو حيان والزجاج، أي أن الله خالقي تولاني في طول مقامي ونجاني من الجب. أما معنى قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *} أي لا ينجح من ظلَم ففعل ما ليس له فعله، وجازى الإحسان بالسوء.
قال المفسر أبو حيان في «النهر الماد» ما نصه[(241)]: «وما أحسن هذا التنصل من الوقوع في السوء استعاذ أوَّلا بالله الذي بيده العصمة وملكوت كل شىء ثم نبَّه على أن إحسان الله إليه لا يناسب أن يُجازى بالسوء، ثم نفى الفلاح عن الظالمين وهو الظفر والفوز بالبغية، فلا يناسب أن أكون ظالمًا أضع الشىء غير موضعه» اهـ.
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ… *} أي قصدت وأرادت وعزمت امرأة العزيز على المعصية والزنا.
قال ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير»[(242)]: «ولا يصح ما يروى عن المفسرين أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الرجل، فإنه لو كان هذا لدلَّ على العزم والأنبياء معصومون من العزم على الزنا» اهـ.
وقال فخر الدين في تفسيره «التفسير الكبير»[(243)]: «إن يوسف عليه السلام كان بريئًا عن العمل الباطل والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب» اهـ.
وقال المفسر اللغوي أبو حيان الأندلسي في تفسيره «النهر الماد»[(244)]: «الذي نقوله: إن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يقع منه هم بها ألبتة بل هو منفي لوجود رواية البرهان كما تقول: قارنت لولا أن عصمك الله» اهـ.
قلنا: هذا هو الحق الذي يجب المصير إليه واعتقاده والذب عنه فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن الهم المحرم ومن تسلط الشيطان على قلوبهم فلا يحصل منهم الهم بالزنا ولا إرادة ذلك والقصد على فعله.
أي كذلك أريناه البرهان {…لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ… *} أي الإثم أو مقدمات الفحشاء {…وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} أي الزنا {…وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} أي يوسف عليه السلام {…وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} أي الذين أخلصهم الله لرسالته أي طهرهم واختارهم واصطفاهم للنبوة.
{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} يعني يوسف والمرأة تسابقا إلى الباب كل واحد منهما يريد أن يسبق صاحبه، وأراد يوسف أن يسبق ليفتح ويخرج وأرادت هي إن سبقت إمساك الباب لئلا يخرج فأدركته فتعلقت بقميصه من خلفه فجذبته {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي قطعته وشقَّته {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي من خلفه لأنه كان هو الأسبق إلى الباب وهي الطالبة له {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي وجدا وصادفا {…سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي زوجها {…سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي عند الباب فلما رأت زوجها طلبت وجهًا للحيلة وكادت – من الكيد – فـ {…سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} يعني الفاحشة {…سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي يُحبَس {…سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} أي مؤلم بأن يُضرَب.
{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} أي سيدنا يوسف متبرئًا مما رمته به من الخيانة {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} أي هي طلبت مني الفاحشة وأبيتُ {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} أي حكم حاكم من أهلها {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} أي من قدام {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ *} أي من خلف {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ *فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *} أي زوجها {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *} يعني قال لها زوجها {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *} يعني هذا الصنيع {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *} يعني من حيلكن ومكركن {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *} وذلك لعظم فتنتهن.
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ *} يعني قال له زوجها: يا يوسف {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ *} أي اكتمه ولا تخبر به أحدًا لئلا يشيع، ثم قال لزوجته {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ *} أي توبي من ذنبك {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ *} يعني من المذنبين. قال المفسرون: ثم شاع ذلك الحديث في مصر حتى تحدَّث بذلك النساء.
يتبين من سياق الآيات أن يوسف عليه السلام بريء من قصد الزنا والهم بفعله، ويُستدَل لذلك بأمور منها:
قوله تعالى: {…كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ… *} ، قال الفخر الرازي في «التفسير الكبير»[(245)]: «ذلك يدل على أن ماهية السوء والفحساء مصروفة عنه» اهـ.
وقال أيضًا[(246)]: «إن الأنبياء عليهم السلام متى صدرت منهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك وأتبعوها بإظهار الندم والتوبة والتواضع، ولو كان يوسف عليه السلام أقدم هاهنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال ألاّ يتبعها بالتوبة والاستغفار، ولو أتى بالتوبة لحكى الله تعالى عنه إتيانه بها كما في سائر المواضع وحيث لم يوجد شىء من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة لا ذنب ولا معصية». وقال أيضًا: «واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة: يوسف عليه السلام وتلك المرأة وزوجها والنسوة والشهود، ورب العالمين شهد ببراءته وإبليس أقر ببراءته أيضًا عن المعصية، وإذا كان الأمر كذلك، فحينئذٍ لم يبقَ للمسلم توقّف في هذا الباب. أما بيان أن يوسف عليه السلام ادعى البراءة عن الذنب فهو قوله عليه السلام: {…هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} وقوله عليه السلام: {…رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ… *} [سورة يوسف] وأما بيان أن المرأة اعترفت بذلك فلأنها قالت للنسوة: {…وَلَقَدْ رَاوَدْتَّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ… *} [سورة يوسف] وأيضا قالت: {…الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ *} [سورة يوسف] .
وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك، فهو قوله: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ *يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ *} [سورة ص] {…وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ… *} [سورة يوسف] وأما الشهود، فقوله تعالى: {…وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} [سورة يوسف] وأما شهادة الله تعالى بذلك فقوله: {…كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} فقد شهد الله تعالى في هذه الآية على طهارته أربع مرات:
أولها: قوله: {…لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا} واللام للتأكيد والمبالغة.
والثاني: قوله: {…لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا} أي كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء.
والثالث: قوله: {…لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا} مع أنه تعالى قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا *} [سورة الفرقان] .
والرابع: قوله: {…الْمُخْلَصِينَ *} وفيه قراءتان: تارة باسم الفاعل وأخرى باسم المفعول، فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص، ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه واصطفاه، وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزها عما أضافوه إليه. وأما بيان أن إبليس أقر بطهارته، فلأنه قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *} فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ويوسف من المخلصين لقوله تعالى: {…إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *} فكان هذا إقرارا من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريقة الهدى.
وقال أيضًا[(247)]: «إلا أنا نقول: إن قوله: {…وَهَمَّ بِهَا} لا يمكن حمله على ظاهره لأن تعليق الهم بذات المرأة محال ؛ لأن الهم من جنس القصد، والقصد لا يتعلق بالذوات الباقية، فثبت أنه لا بد من إضمار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم وذلك الفعل غير مذكور، فهم زعموا أن ذلك المضمر هو إيقاع الفاحشة بها ونحن نضمر شيئا آخر يغاير ما ذكروه، وبيانه من وجوه:
الأول: المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ومنعها عن ذلك القبيح لأن الهم هو القصد، فوجب أن يحمل في حق كل أحد على القصد الذي يليق به، فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتنعم والتمتع، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقال: هممت بفلان أي بضربه ودفعه.
فإن قالوا: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله: {…لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} فائدة؟
قلنا: بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين:
الأول: أنه تعالى أعلم يوسف عليه السلام أنه لو هم بدفعها لقتلته أو لكانت تأمر الحاضرين بقتله، فأعلمه الله تعالى أن الامتناع من دفعها أولى صونا للنفس عن الهلاك.
والثاني: أنه عليه السلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به، فكان يتمزق ثوبه من قدام، وكان في علم الله تعالى أن الشاهد يشهد بأن ثوبه لو تمزق من قدام لكان يوسف هو الخائن، ولو كان ثوبه ممزقا من خلف لكانت المرأة هي الخائنة، فالله تعالى أعلمه بهذا المعنى، فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه بل ولى عنها، حتى صارت شهادة الشاهد حجة له على براءته عن المعصية» انتهى باختصار.
فيتلخص مما ذكرناه أن الله عصم الأنبياء عن الرذائل ونزههم عنها، ويوسف عليه السلام لم تشتهيها نفسه ولا أراد أن يواقعها ولم يهم بذلك، هذا هو اللائق بالنبي وهذا ما نعتقده وهو اعتقاد المسلمين.
أما سيد قطب فقد قال في كتابه المسمى «التصوير الفني في القرءان» عن سيدنا يوسف عليه السلام ما نصه[(248)]: «فها هو ذا يلقي الفتن من مرارة امرأة العزيز له فيأبى إنه في بيت رجل يؤويه فليحذر مواقع الحرج جميعا، ومع ذلك يكاد يضعف».اهـ أي جوز على يوسف أن يقع في زليخة.
قال الله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ *} [سورة يوسف] .
فمما يجب اعتقاده أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من السرقة قبل النبوة وبعدها، لأن هذا الفعل من المحرمات، ويدلّ على خسّة النفس ودناءتها، وهذا معارض لمنصب النبوة وعصمة الأنبياء، ومن لا يؤتمن على أموال الناس ومتاعهم كيف يأتمنه الناس على أمور دينهم؟!
فهذا يُنفّر الناس من الأنبياء ويبعدهم عنهم، ولا يقبل الناس الدعوة من سارق ولصّ.
قال إمام أهل السنة والجماعة الإمام أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي المتوفى سنة 333هـ في كتابه «تأويلات أهل السنة تفسير الماتريدي» ما نصه[(249)]: «ونعلم أنهم كذبوا في قولهم {…فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} وأرادوا أن يتبرؤوا منه، وينفوا ذلك عن أنفسهم، ليُعلم أنه ليس منهم»، ثم قال: «وقد ذُكر في بعض الحروف (أي القراءات): {…إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} بالتشديد – أي نسب إلى السرقة – فإن ثبت؛ فالتأويل هو لقولهم – أي لأصحاب القراءة هذه وهم: أحمد بن جبير الأنطاكي، وابن أبي شريح عن الكسائي والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين -»، ثم قال: «{…وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ *} من الكذب إنه سرق أخ له من قبل».اهـ
وقال المفسر أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى سنة 516هـ في تفسيره المسمى «معالم التنزيل» ما نصه[(250)]: «قال سعيد بن جبير: كان لجده من أمه صنم يعبده – أي جده – فأخذه سرًا – أي يوسف – وكسره وألقاه في الطريق لِئَلاّ يُعبد».اهـ
ومثله قال المفسر فخر الدين الرازي المتوفى سنة 544هـ في كتابه «التفسير الكبير»[(251)] والمفسر ابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ في كتابه «زاد المسير»[(252)]، وزاد أيضا ما نصه: «قال ابن الأنباري: وليس في هذا الفعل ما يوجب السرقة، لكنها تشبه السرقة، فعيّرَه إخوته بذلك عند الغضب. والسابع: أنهم كذبوا عليه في ما نسبوه إليه، قاله الحسن. وقرأ أبو رزين وابن أبي علبة: (فقد سُرِّق) بضمّ السين وكسر الراء وتشديدها».اهـ
وليعلم أن من نسب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما يقدح في دينهم وشرفهم وأمانتهم وعفتهم فهو مكذب للقرءان كافر لا يكون من المسلمين.
ويكفي في عصمتهم وبراءتهم وحفظهم من السرقة ومن كل ما يقدح بمنصبهم وبعصمتهم الإجماع الذي نقلناه قبل الآن، ونعيد ذكره هنا لأهميته في هذا البحث.
قال الشيخ التلمساني في «شرح لمع الأدلة» ما نصه[(253)]: «لا يجوز عليهم الكبيرة ألبتة ويجوز تعمد الصغيرة بشرط عدم الإصرار، ولا يجوز منهم صغيرة تدل على خساسة النفس ودناءة الهمة كتطفيف حبة وسرقة باقة بقل» اهـ، ثم قال[(254)]: «وأما عصمتهم عن الكبائر والإصرار على الصغائر وعن كل صغيرة تؤذن بقلة الاكتراث بالدين فمستند إلى الإجماع القاطع، فإن السلف رضي الله عنهم لم يزالوا يحتجون بالنبي بأفعاله وأقواله ومتبادرون إلى التأسي به، وجميع الظواهر التي اعتمد عليها الحشوية قابلة التأويل».
فإذا كان التطفيف في حبة عنب أو سرقة حبة عنب أو باقة بقل مستحيل عليهم بالإجماع فكيف بما هو أكبر من ذلك؟!
قال الحافظ زين الدين العراقي في كتابه «طرح التثريب في شرح التقريب»[(255)]: «قال القاضي عياض: الأنبياء منزهون عن النقائص في الخَلق والخُلق سالمون من المعايب ولا يلتفت إلى ما قاله من لا تحقيق عنده في هذا الباب من أصحاب التاريخ في صفات بعضهم وإضافته بعض العاهات إليهم – المنفِّرة – فالله تعالى نزههم عن ذلك ورفعهم عن كل ما هو عيب ونقص مما يغض العيون وينفر القلوب، وكذا ذكر النووي والقرطبي هذا». اهـ
وفيه[(256)] عند شرحه لحديث «خرَّ عليه جرادٌ من ذهب فجعل أيوبُ يحتثي في ثوبه» يقول الحافظ زين الدين العراقي: «الرابعة: فيه أنه لا يُحكَم على الإنسان بالشَّرَهِ وحُبِّ الدنيا بمجرد أخذه لها والإقبال عليها، بل ذلك يختلف باختلاف المقاصد وإنما الأعمال بالنيات، فمُحالٌ أن يكون أيوب عليه الصلاة والسلام أخذ هذا المال حُبًّا للدنيا، وإنما أخذَه كما أخبر هو عن نفسه لأنه بركة من ربه» اهـ.
فإن كان حبّ المال والدنيا مستحيلاً على الأنبياء فكيف يجوز عليهم أن يسرق أحد منهم شيئًا؟!
قال الله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ… *} [سورة النحل] .
هذه الآية مُفَسَّرَةٌ بقول الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ… *} [سورة الأنعام] ، أي أنه تعالى موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة ومنزه عن الكون في المكان وعن المحاذاة، وتعني فوقية القهر دون المكان والجهة أي ليس فوقية المكان والجهة.
وقوله تعالى: {…مَنْ فِي السَّمَاءِ… *} [سورة الملك] ، قال إمام الحرمين والرازي «الملائكة» وقيل «جبريل، وانظر التفصيل لهذا عند الكلام في سورة الملك من هذا الكتاب، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ… *} [سورة الزخرف] ، أي المعبود في السماء من أهل السماء وهم الملائكة، والمعبود من قِبَل أهل الأرض المؤمنين من إنس وجن.
قال الفخر الرازي في «التفسير الكبير» ما نصه[(257)]: «المسألة الثانية: قالت المشبهة: قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} هذا يدل على أن الإلـه تعالى فوقهم بالذات. واعلم أنَّا بالغنا في الجواب عن هذه الشبهة في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ، والذي نريده ههنا أن قوله {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} معناه يخافون ربهم من أن يُنزّل عليهم العذاب من فوقهم» . وقال[(258)]: «وقد بيَّنَّا بالدليل أن هذه الفوقية عبارة عن الفوقية بالرتبة والشرف والقدرة والقوة» اهـ.
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} [سورة النحل] .
مما اتفق عليه أهل الإسلام أنه يجب على كل مسلم مكلف حفظ إسلامه وصونه عما يُفسده ويُبطله ويقطعه وهو الردة والعياذ بالله تعالى، ومن تكلم بكلمة الكفر الصريحة في الكفر وهو يفهم معنى ما يقول، كفر وخرج من الإسلام ولا يُسأل عن نيته وعن قصده، ولا يُشتَرط للوقوع في الكفر أن يكون شارحا صدره ولا ناويًا الكفر ولا عالمًا بحكم هذه الكلمة أنها تُخرجه من الإسلام، ولا يُشترط أن ينوي الخروج من الإسلام والدخول في دين آخر، ومن جعل ذلك أو شيئًا منه شرطًا للوقوع في الكفر فقد جاء ببهتان عظيم ودين جديد وفتح باب الكفر على مصراعيه للناس، وكأنه يقول (يا أيها الناس قولوا ما شئتم من الكفر ثم قولوا «ما نوينا»، «ما قصدنا») وهذا لا يقوله مؤمن.
قال الشيخ المحدث الحافظ عبد الله الهرري رحمة الله رحمة واسعة، في كتابه «التعاون على النهي عن المنكر»[(259)]:
الحذر الحذر من كتاب سيد سابق المسمى «فقه السنة» لما يحتوي عليه من عدم تكفير من كفر إلا إذا قصد الانتقال إلى دين ءاخر غير الإسلام، فهؤلاء أهلكهم الوهم فظنوا بأنفسهم أنهم صاروا أئمة مجتهدين لا يرون التقيد بالأئمة المجتهدين.
ومما يؤيد ردنا أن أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما بعثهما الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وكان أحدهما يعمل في الأراضي المنخفضة والآخر في الأراضي العالية وكانا يجتمعان كل مدة للتشاور وحصل مرة أن أبا موسى قيَّد رجلا أسلم ثم ارتد فجاء معاذ بن جبل فرأى الرجل وكان راكبًا بغلة فقال: ما هذا؟ قيل له: هذا رجل أسلم ثم ارتد، فقيل له: انزل فقال: لا أنزل حتى يُقتل فقُتِل فنزل عن دابته. ووجه الدليل أنه لم يقل هل سألتموه أكان قاصدًا الانتقال من الإسلام الذي كان عليه إلى دين ءاخر بدل دين الإسلام أم لا. وهذا الحديث رواه البخاري وغيره.
هذا دين الله خلاف ما قاله الشوكاني في «السيل الجرار على حدائق الأزهار» محرفا كلام صاحب متن حدائق الأزهار الذي قال[(260)]: «أو لفظ كفري وإن لم يعتقد معناه إلا حاكيا أو مكرها»، وسيد سابق والهضيبي والألباني كما في كتابه المسمى «الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت»[(261)] ورجل ءاخر يسمى حسن قاطرجي البيروتي داعٍ من دعاة الوهابية يعتمدون عليه لنشر دعوتهم حتى قيل إنهم أجروا له خمسة ءالاف دولار كلَّ شهر يقبضها من السفارة ونص عبارته: «أما الكفر لا يوجّه إلا لمن اختار الكفر دينًا وارتضى غير دين الله سبحانه وتعالى». قال ذلك في جامع النور في صيدا. وقال ذلك في مجلة الهداية[(262)] من العدد الواحد والعشرين. وقوله هذا زاعمًا أنه كلام السبكي مردود لأنّ ماقاله يخالف ما جرى عليه العمل عند الحكام وذلك لأن حكام المسلمين إذا أُتي إليهم بالشخص الذي نطق بالكفر لا يقولون له هل أردت لمّا قلت هذا الكلام الخروج من دين الإسلام والانتقال إلى غيره.
هذا عمل حكام المسلمين سلفًا وخلفًا، فما خالف فهو مردود إنما كانوا يعتمدون لإجراء حكم المرتد على أمرين إما باعترافه وإما بقيام بيّنة أي شاهدين بأنه نطق بهذه الكلمة، ثم إن المالكية زادوا تأكيدًا فقالوا: فإن ادعى أنه سبقُ لسان ليس بإرادة منه لا يأخذ القاضي بكلامه بل لزمه الرجوع بالنطق بالشهادة وإلا أجرى عليه حكم المرتد.
ومما ينقض أيضًا ما أتى به هؤلاء الثلاثة الذين هم ليسوا فقهاء ولا محدثين ما قاله الحافظ الكبير أبو عُوانة الذي عمل مستخرجًا على البخاري وكان معاصرًا للبخاري قال في ما نقله الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» ما نصه[(263)]: «وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينًا على دين الإسلام» اهـ.
وصنيع هؤلاء السبعة الذين قالوا مثل هذه المقالة سيد سابق وحسن الهضيبي وحسن قاطرجي والدكتور محمد علوي والدكتور عمر كامل ومأمون حموش وهو من رؤوس الوهابية مخالف لما اتفق عليه الفقهاء من تقسيم الكفر إلى ثلاثة أنواع: كفر قولي وكفر فعلي وكفر اعتقادي، على أن كل واحد كفر بمفرده فخالف كلامُ هؤلاء ذلك فإنهم جعلوا الكفر القولي يُشتَرَطُ أن يكون معه الاعتقاد وقصد الخروج من الإسلام إلى دين ءاخر، وهذا أمر انفرد به هؤلاء السبعة مخالفين بكلامهم علماء الإسلام الذين سبقوهم من السلف والخلف. ثم هؤلاء ليس فيهم أحد وصل إلى حد المفتي ولا إلى نصفه ولا إلى عشره لأن المفتي شرطه أن يكون حافظًا لأغلب مسائل المذهب الذي ينتسب إليه.
ومما ينقض ما أتى به هؤلاء الذين هم ليسوا فقهاء ولا محدثين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا» وفي رواية «لا يلقي لها بالاً» وفي رواية أخرى «ما يتبين فيها» ، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها أبعد مما بين المشرق والمغرب» ،فلم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا أن يكون الشخص ناويًا ومعتقدَا وقاصدًا الانتقال من الإسلام إلى غيره، ومع ذلك قال بأنه ينزل بهذه الكلمة إلى قعر جهنم، ولا يصل إلى قعر جهنّم إلا الكفار. فقوله صلى الله عليه وسلم «يهوي بها في النار سبعين خريفًا» دليل على أن الإنسان قد يعتقد اعتقادًا أو يفعل فعلا أو يقول قولا هو كفرٌ ولا يرى بذلك بأسًا أي لا يرى فيه معصية وهو في الحقيقة كفرٌ فيكون في جهنم في مكان لا يكون فيه عصاة المسلمين بل الكفار، لأن المسلم العاصي لا يصل إلى ذلك الحد. فما أبعد كلام هؤلاء من هذا الحديث.
وقال البدر الرشيد الحنفي في رسالة له في بيان الألفاظ الكفرية: «من كفر بلسانه طائعًا – أي غير مكره – وقلبه مطمئن بالإيمان إنه كافر ولا ينفعه ما في قلبه ولا يكون عند الله مؤمنًا لأن الكافر إنما يُعرف من المؤمن بما ينطق به فإن نطق بالكفر كان كافرًا عندنا وعند الله». وقال: «من تكلم بكلمة توجب الكفر وأضحك به غيره كفِّر» اهـ.
ولم يشترط أحد من علماء المسلمين اعتقادَ معنى لفظ الكفر في غير المكره.
والإمام المجتهد المطلق محمد بن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» يقول: «فيه الرد على من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالمًا فإنه مبطل لقوله في الحديث: يقولون الحق ويقرؤون القرءان ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء، ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين، وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوا من ءاي القرآن على غير المراد منه» فنسف افتراءات سيد سابق والشوكاني وحموش وحسن الهضيبي وحسن قاطرجي ومعهم محمد بن علوي المالكي المكي وعمر عبد الله كامل حيث قال في كتابه «التحذير من المجازفة بالتكفير»[(264)]: «فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب وسكون النفس إليه فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر. ولا اعتبار بلفظٍ يتلفظ به المسلم يدل على الكفر ولا يعتقد معناه». وقال[(265)] والعياذ بالله: «وإذا كان الإنسان يعجز عن تحرير معتقده في عبارة فكيف يحرر اعتقاد غيره من عبارته فما بقي الحكم بالتكفير إلا لمن صرح بالكفر واختاره دينًا وجحد الشهادتين وخرج عن دين الإسلام وهذا نادر وقوعه فالأدب الوقوف عن تكفير أهل الأهواء والبدع» اهـ.
قاعدة جليلة: قال الفقهاء من تلفظ بكلام كفر أو فعل فعلاً كفريًا وجهل أن ما حصل منه كفر لا يُعذر بل يُحكم بكفره قاله القاضي عياض المالكي والشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي وكذلك عدد من فقهاء الحنفية. ومن المتفق عليه أن القول الكفري كفر بمفرده ولو لم ينضم إليه اعتقاد ذلك الكفر بالقلب ولا عمل بالبدن، وكذلك الكفر الفعلي كفرٌ وردة من فاعله لو لم يقترن به قول أو اعتقاد، وكذلك الكفر الاعتقادي كفر بمفرده من غير أن ينضم إليه قولٌ باللسان أو فعل وهذا مجمع عليه عند الفقهاء. وقد اشتهر في كتب الفقه تقسيم الكفر إلى ثلاثة قول أو فعل أو اعتقاد.
وكلام من مر ذكرهم فيه تهوين أمر الكفر للجهال لأن من اطلع على كلام هؤلاء يرى أنه لا بأس إذا تكلم الشخص بكلمات الكفر بجميع أنواعها فيقول: «أنا أقول هذه الكلمات ولا أقصد الخروج من الإسلام فلا أكفر»، فعلى قول هؤلاء إذا قال إنسان كفرًا أو فعل كفرًا فأُتي به إلى حكام الشريعة لا يجرى عليه أحكام الردة حتى يقال له «هل كنت قاصدًا الخروج من الإسلام واخترت دينًا غير الإسلام» وهذا لم يُنقل عن حكام المسلمين في أثناء التاريخ الإسلامي من الخلفاء وغيرهم، وقتل المرتد حكم ديني أنزل على محمد كما نزل على موسى عليهما السلام فإن موسى قَتَل المرتدين الذين ارتدوا الى عبادة العجل في غيبته إلى الطور وكانوا سبعين ألفًا، وشرائع الأنبياء لا ترد بالرأي وهي حقٌّ في حياتهم وبعد مماتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذا الإمام المجتهد الأوزاعي ناظر غيلان الدمشقي في أول القرن الثاني من الهجرة لكونه قدريًا فقطعه بالحجة ثم قال للخليفة هشام بن عبد الملك: «كافرٌ ورب الكعبة يا أمير المؤمنين». فقطع يديه ورجليه وعلقه بباب دمشق ولم يُذكر عن الأوزاعي ولا هشام أنهما سألا غيلان «هل قلت هذا الكلام وأنت قاصد الخروج من الإسلام واستبدال دينٍ غيره عنه»، فليراجع تاريخ دمشق الجزء الثامن والأربعون من ترجمة غيلان أبي مروان، وذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه كان من موالي سيدنا عثمان وكان يقص في المسجد النبوي.
انتهى كلام الحافظ المحدث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله.
ـ[220] انظر فتح الباري (8/272).
ـ[221] مسألة المفاهيم المخالفة (2/317).
ـ[222] مسألة المفاهيم المخالفة (8/273).
ـ[223] فتح الباري (8/272).
ـ[224] فتح الباري (ص/373).
ـ[225] خاتمة البحث (8/273).
ـ[226] تفسير الأسماء والصفات (ص/193).
ـ[227] البحر المحيط (ج6).
ـ[228] روح المعاني (7/311).
ـ[229] روح المعاني (7/309).
ـ[230] (8/270).
ـ[231] [بتصرف من الفتح (ج8/ص269 – 270)].
ـ[232] [من الفتح (ج8/ص 269)].
ـ[233] فتح الباري (8/270).
ـ[234] روح المعاني (7/319).
ـ[235] الشرح القويم (ص/375 – 376).
ـ[236] المحرر الوجيز (3/290).
ـ[237] تنزيه الأنبياء عما نَسَبَ إليهم حُثالة الأغبياء (دار الفكر المعاصر – بيروت، دار الفكر-دمشق، الطبعة الثانية ص58).
ـ[238] التفسير الكبير (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد التاسع الجزء 18 ص93).
ـ[239] العقود الفاخرة في ما يُنجي بالآخرة (المطبعة الأدبية – بيروت 1320هـ ص47 – 48).
ـ[240] صريح البيان في الرد على من خالف القرءان (طبع شركة دار المشاريع، الطبعة الثالثة 1429هـ ص239).
ـ[241] النهر الماد (2/113).
ـ[242] زاد المسير (4/205).
ـ[243] التفسير الكبير (18/118).
ـ[244] «النهر الماد» (2/114).
ـ[245] التفسير الكبير (18/118).
ـ[246] التفسير الكبير (18/119).
ـ[247] التفسير الكبير (18/120 – 121).
ـ[248] التصوير الفني في القرءان (ص/166).
ـ[249] تأويلات أهل السنة تفسير الماتريدي (طبعة دار الكتب العلمية الطبعة الأولى سنة 1426هـ في المجلد السادس ص270 – 271).
ـ[250] معالم التنزيل (طبعة دار المعرفة الطبعة الثالثة سنة 1413هـ الجزء الثاني ص441).
ـ[251] التفسير الكبير» طبعة دار الكتب العلمية الطبعة الأولى سنة 1411هـ المجلد التاسع الجزء 18 ص147).
ـ[252] زاد المسير (طبعة ما يسمى المكتب الإسلامي الطبعة الرابعة سنة 1407هـ الجزء الرابع ص263 و264).
ـ[253] شرح لمع الأدلة (ص197، مخطوط).
ـ[254] شرح لمع الأدلة (ص/198).
ـ[255] طرح التثريب في شرح التقريب (دار الكتب العلمية، الجزء الثاني ص201).
ـ[256] طرح التثريب في شرح التقريب (ص205 و206).
ـ[257] التفسير الكبير (دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1411هـ، المجلد العاشر الجزء 20 ص37 – 38).
ـ[258] التفسير الكبير (ص/39).
ـ[259] التعاون على النهي عن المنكر (طبع شركة دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1425هـ من ص90 إلى ص99).
ـ[260] السيل الجرار على حدائق الأزهار في (4/578).
ـ[261] الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت (ص/114 – 116).
ـ[262] مجلة الهداية (ص/10).
ـ[263] فتح الباري» (12/301 – 302).
ـ[264] التحذير من المجازفة بالتكفير (ص/11 – 12).
ـ[265] التحذير من المجازفة بالتكفير (ص/52 – 53).