قال الله تعالى: {…وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي… *} [سورة البقرة]
قول الله تعالى في الكعبة {…بَيْتِي} إضافة ملك للتشريف لا إضافة صفة أو ملابسة لاستحالة الملامسة أو المماسة بين الله والكعبة. قال البغوي في تفسيره المسمى «معالم التنزيل»[(53)]: «{…أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي… *} يعني: الكعبة أضافه إليه تخصيصًا وتفضيلا» اهـ.
كذلك قول الله تعالى: {…رَبُّ الْعَرْشِ} ليس إلا للدلالة على أن الله خالق العرش الذي هو أعظم المخلوقات ليس لأن العرش له ملابسة لله بالجلوس عليه أو بمحاذاته من غير جلوس فليس المعنى أن الله جالس على عرشه باتصال، وليس المعنى أن الله محاذ للعرش بوجود فراغ بين الله وبين العرش إن قدّر ذلك الفراغ واسعا أو قصيرا كلّ ذلك مستحيل على الله، ومزية العرش أنه كعبة الملائكة الحافين من حوله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} كما أن الكعبة شُرفت بطواف المؤمنين بها. ومن خواص العرش أنه لم يُعص الله تعالى فيه لأن مَن حولَه كلُّهم عباد مكرمون لا يعصون الله طرفة عين ومن اعتقد أن الله خلق العرش ليجلس عليه فقد شبّه الله بالملوك الذين يعملون الأسرة الكبار ليجلسوا عليها ومن اعتقد هذا لم يعرف الله. فتبيّن أن الإضافة ليست إضافة صفة أو ملامسة.
فإضافة الصفة هي كقولنا: «قدرة الله وعلم الله ونحو ذلك» والملابسة هي علاقة بين شيئين بمعنى الاتّصال ونحوه، فإذا كان شىء متّصلاً بشىء قد يضاف إليه من أجل هذه العلاقة، فمثلاً إذا أريد الإخبار عن سكن زيد وإقامته بأرض فقيل فلان بلده البصرة فالملابسة بين زيد والبصرة هي السكن والإقامة فإضافة البيت إلى الله ليست من هذا القبيل. كذلك إضافة صورة ءادم إلى الله ليست من باب الجزئية فمن اعتقد أن الله روح فاقتطع من ذاته قطعة فجعلها ءادم فكأنه قال إن الله ولد ءادم، ومن قال إن معنى خلق الله ءادم على صورته أي أن لله صورة وصورة آدم تشبه هذه الصورة فقد كفر أيضا، فلم يبقَ تفسيرٌ صحيحٌ للحديث إلا أن يُقال الإضافة فيه إضافة المِلك إلى مالكه بمعنى التشريف أو أن يقال على ما هو الغالب عند السلف خلقَ اللهُ ءادمَ على صورتِه بلا كيف. وليعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإن الله خلق ءادم على صورته. أي الله خلق ءادم على الصورة التي عليها آدم.
قال الله تعالى في القرءان الكريم عن الكعبة لإبراهيم وإسماعيل {…أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي} ليفهمنا أن للكعبة عنده مقاما عاليا وأنها مشرفة عنده، وهذا ليس من باب إضافة الصّفة ولا من باب إضافة الملابسة كما في قولك صاحب زيد عمرو فعمرو صاحب أضيف إلى زيد للملابسة لأن بينهما علاقة الصحبة.
ويكفر من يعتقد المماسة، لاستحالتها في حق الله تعالى لأن ذلك يؤدي إلى جعل ذات الله مقدّرا محدودا متناهيا. إذا دخلتَ بيتا فاستندتَ إلى جداره هذا يقال له مماسة لمس جسمك الجدار الذي هو جسم.
فقولنا «المساجد بيوتُ الله» أو «الكعبة بيت الله» أي البيوت المشرَّفة المكرمة المعظمة عند الله التي بُنيت لعبادة الله وتوحيده وتعظيمه، وليس معناه أن الله تعالى يحُل في الكعبة أو في المساجد، تنزه الله عن ذلك.
والذي يقول «إن الله يحُل في الكعبة يسكنها أو هو على سطحها، بالمماسة أو محاذٍ لها في هوائها من غير مماسة» فقد شبَّه الله بخلقه وجعله حادثا كما أن الكعبة حادثة، فمن قال إن الله فيها أو عليها فإما أن يقول إن الله حادثٌ كما أن الكعبة حادثة مخلوقة وهذا كفر وخروج من الإسلام وإما أن يقول إن الكعبة أزلية مع الله وهذا نسبة الشريك لله في الأزلية، وهو تكذيبٌ لقول الله {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} وهو كفرٌ أيضًا. وقد أخبرنا طبيبٌ لبناني أنه سمع من سائق سيارة يعمل بالأجرة بين مكة والمدينة، يقول «إن الله تعالى موجود فوق الكعبة» وهو رجلٌ فوق الخمسين من العمر فما أبشع هذا الكفر.
والكعبة سُمِّيَت كعبةً لأنها مكعَّبة الشكل، وأوَّل من بناها على قول بعض السلف الملائكة، وقال بعضُهم ءادم أخذ حجارة من سبعة جبال فبناها بها، وقد جُدِّدَ بناؤها إحدى عشرة مرة.
ـ[53] معالم التنزيل (1/114).