قال الله تعالى: {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} [سورة ص]
يجوز أن يقال المراد باليدين العناية والحفظ، كما في فتح الباري[(559)] للحافظ ابن حجر العسقلاني.
وهذا تأويل تفصيلي ذهب إليه بعضُ الخلف، فدلَّ قولُهُ تعالى: {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} على أن ءادم خُلِقَ مُشَرَّفًا مكرَّمًا بخلافِ إبليس، ولا يجوز أن نحملَ كلمةَ بيديَّ على معنى الجارحة، لو كانت له جارحة لكان مثلنا ولو كان مثلنا لما استطاع أن يخلُقنا، لذلك نقول كما قالَ بعضُ الخَلَفِ أي خلقتُهُ بعنايتي بحفظي، معناه على وجه الإكرام والتَّعظيم لهُ، أي على وجهِ الخصوصيَّة خَلَقَ ءادم، أي أرادَ له المقامَ العالي والخيرَ العظيمَ. أما إبليسُ ما خلقَه بعنايتِهِ، لأنَّ الله عالمٌ في الأزل أنه خبيثٌ.
قال شافعي زمانه ورفاعي أوانه الحافظ المحدث الشيخ عبد الله الهرري في كتابه «الصراط المستقيم»[(560)]: «مثل قوله تعالى في توبيخ إبليس {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ… *} فيجوز أن يقال المراد باليدين العِنآية والحفظ» اهـ.
ومن التحريفات لمعنى هذه الآية ما قاله يوسف القرضاوي في كتابه المسمى «الإسلام والغرب»: «بل أعجب من هذا من أعداء أعدائه إبليس فيسأل الله إبليس أن يحاوره قال: {…مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ *} [سورة ص] ، فهذا يدلنا أن للحوار مجالاً رحبًا ومجالاً واسعًا في الفكر الإسلامي» اهـ.
الرد:
أولاً: قال القرضاوي «فيسأل الله إبليسَ أن يحاوره» أي أن الله طلب من إبليس الحوار وهذا كذب وافتراء ومن تلبيس إبليس عليه.
ثانيًا: إن هذا الحوار المزعوم لم يحصل إنما بكّت الله الله إبليس وقرعه بما ورد في القرءان وهل يعتبر محاكمة القاضي للمجرم حوار بينهما فهذا لا يعتبر حوارًا فمن باب أولى أن لا يعتبر الذم واللعن من الله لإبليس وأمره بالخروج من الجنة بقوله: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *} [سورة ص] .
والحوار عادة يكون بين شخصين حول فكرة أو قضية وكل من الطرفين يحاول إثبات الحق إلى جانبه ومن أصول الحوار أن يتمسك صاحب الحق بحقه وأن يتراجع صاحب الباطل عن باطله وليس كما قال القرضاوي في كتابه «الإسلام والغرب» ما نصه[(561)]: «من صفات هذا الحوار الذي ندعو إليه نحن نتحاور وكل منا يتمسك بمنهجه»، إذا كان كل من الفريقين يتمسك بمنهجه إذًا فماذا قيمة الحوار ولماذا؟ إذًا هو للمجاملة الفاسدة والتدجيل.
ـ[559] فتح الباري (13/394).
ـ[560] الصراط المستقيم (طبع شركة دار المشاريع، الطبعة الثانية عشرة 1431ه ص78).
ـ[561] الإسلام والغرب (ص/86).