الأحد ديسمبر 22, 2024

قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ… *) [سورة الأحزاب]

ظهر منذ ما يزيد على مائة وثلاث عشرة سنة تقريبًا من بلدة قاديان في الباكستان رجل من الذين خَتَمَ اللهُ على قلوبهم بالضلالة، يُسمى غلام أحمد القادياني، ادَّعى النبوة وصار أتباعُه يُسَمَّون بالقاديانية أو الأحمدية، وادَّعى هو وأتباعه مع ذلك الانتسابَ إلى الإسلام بل ادعَوا أنهم صفوةُ المسلمين، ومنذ ذلك الوقت وهم يحاولون نشر عقائدهم بين المسلمين ليخدعوا السُّذَّجَ ضِعافَ العلم والإيمان، وهم يدَّعون في كل ذلك الالتزام بالدين الإسلامي والشريعة المحمدية مكرًا وزورًا، فرأينا أنه لا بد من بيان حالهم دفعًا لشرّهم ودرءًا لفتنتهم وقيامًا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولسنا أول مَن حذّر من من هذه الطائفة المنحرفة، وإنما سبَقَنا من علماء المسلمين لا سيما في بلاد الشام مصر والهند والباكستان، فقد قام العلماءُ المعتبَرون بالرد على ادّعاءات هؤلاء الباطلة وقطعوهم بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

وقد أجمع مفسرو أهل السنة والجماعة على أن «أحمد» الذي بشَّر به عيسى عليهما السلام هو محمد رسول الله وليس غلام أحمد القادياني عليه اللعنة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «وبشارة عيسى بي» رواه أحمد وغيره، قال القرطبي في تفسيره[(488)] في قوله تعالى: {…وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} : «وأحمد اسم نبينا صلى الله عليه وسلم».

وممن نقل الإجماع في أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، عبد القاهر بن طاهر بن محمد أبو منصور البغدادي التميمي المتوفى سنة 429هـ في كتابه «أصول الدين» حيث يقول[(489)] «أجمع المسلمون وأهل الكتاب على أن أول من أرسل من الناس آدم عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم» اهـ. وقال في كتابه «الفرق بين الفرق»[(490)] في الفصل الثالث تحت عنوان: «بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة: «قد اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصولٍ من أركان الدين، كلُّ ركنٍ منها يجب على كل عاقل بالغ معرفة حقيقته». وذكر منها في الركن السابع قوله[(491)]: «وقالوا – يعني أهل السنة -: إن الأنبياء كثير والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر وأول الرسل أبو جميع البشر وهو آدم عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم » وقال: «على خلاف قول مَن زعم من الخرمية أن الرسل تَتْرى لا آخر لهم» اهـ. قال القرطبي في تفسيره[(492)] في قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} «ومعنى تترا تتواتر ويتبع بعضهم بعضًا ترغيبا وترهيبا اهـ.

ونقله النووي في «شرحه على صحيح مسلم»[(493)] نقلا عن القاضي عياض رحمه الله تعالى قال: «وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تُنسخ» اهـ.

ونقل الإجماع كذلك ابن عاشور المالكي في تفسيره بقوله[(494)]: «وقد أجمع الصحابة على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء وعُرِفَ ذلك وتواتر بينهم وفي الأجيال من بعدهم ولذلك لم يترددوا في تكفير مسيلمة والأسود العَنْسي فصار معلومًا من الدين بالضرورة، فمن أنكره فهو كافر خارج عن الإسلام ولو كان معترفًا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله للناس كلهم، وهذا النوع من الإجماع موجب العلم الضروري كما أشار إليه جميع علمائنا» اهـ.

وكذلك الشيخ حقي البروسري في تفسيره حيث قال[(495)]: «وقال أهل السنة والجماعة: لا نبي بعد نبينا لقوله تعالى: {…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وقوله عليه السلام «لا نبي بعدي» ، ومن قال: بعد نبينا نبيٌّ يكفر لأنه أنكر النص، وكذلك لو شك فيه، لأن الحجة تبين الحق من الباطل، ومن ادّعى النبوة بعد موت محمد لا يكون دعواه إلا باطلا» اهـ.

وقال يوسف بن جنيد التوقادي الرومي الحنفي المتوفى سنة 902هـ في كتابه «هدية المهديين» في ألفاظ الكفر[(496)]: «أما القسم الأول ففي بيان عقائد أهل السنة والجماعة» وتحت هذا القسم يقول[(497)]: «وأول الأنبياء آدم عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم» اهـ.

وقال القرطبي في تفسيره[(498)]: «وقال ابن عطية: هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفًا وسلفًا متلقاة على العموم التام مقتضية نصًا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم» اهـ.

قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ في تفسيره «جامع البيان عن تأويل آي القرءان»[(499)]: «ولكنه رسول الله وخاتم النبيين الذي ختم النبوة فطبع عليها فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة. وقال: «ولكن رسول الله وخاتم النبيين» أي آخرهم».

وقال الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي المتوفى سنة 450هـ في كتابه «النكت والعيون»[(500)]: «{…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} يعني آخرهم وينزل عيسى فيكون حكمًا عدلا وإماما مقسطًا فيقتل الدجال ويكسر الصليب وقد روى أبو نعيم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يخرجَ دجالون كذّابون قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي ولا نبيَّ بعدي» قال مقاتل بن سليمان ولم يجعل محمدًا أبا أحد من الرجال لأنه لو جعل له ابنًا لجعله نبيًا وليس بعده نبي، قال الله {…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}»

وقال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي المتوفى سنة 510هـ في كتابه «معالم التنزيل في التفسير والتأويل»[(501)]: «{…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ختم الله به النبوة وقرأ ابن عامر وعاصم (خاتم) بفتح التاء على الاسم أي آخرهم، وقرأ الآخرون بكسر التاء على الفاعل لأنه ختم به النبيين فهو خاتمهم، قال ابن عباس: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنًا يكون بعده نبيًا، وروي عن عطاء وعن ابن عباس أن الله تعالى لما حكم ألاّ نبي بعده لم يعطه ولدًا ذكرًا يصير رجلا».اهـ.

وقال الإمام أبو الفَرَج جمال الدين عبد الرحمـن بن علي بن محمد الجوزي رحمه الله المتوفى سنة 597هـ في تفسيره «زاد المسير في علم التفسير» ما نصه[(502)]: «ومَن قرأ (خاتِم) بكسر التاء فمعناه وخَتَمَ النبيين، ومن فَتَحَها فالمعنى آخِر النبيين. قال ابن عباس: يريد لو لم أخْتِم به النبيين لجعلت له ابنًا يكون بعده نبيًا.اهـ.

وقال العلامة الشيخ سليمان الجمل في تفسيره «الفتوحات الإلهية»[(503)]: «{…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} فإنه يدل على أنه لا يكون أبًا لواحد من رجال نفسه أيضًا لأنه لو بقي له ابن بالغ بعده لكان اللائق به أن يكون نبيًا بعده فلا يكون هو خاتم النبيين».اهـ.

وقال الحافظ الإمام جلال الدين عبد الرحمـن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911هـ في تفسيره «الدر المنثور في التفسير المأثور»[(504)]: «وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} قال: آخر نبي، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله {…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} قال: ختم الله النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان آخر من بُعِثَ.اهـ. وذكر أحاديثَ عديدة في هذا الخصوص فمن شاء فليراجع.

وقال القاضي أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العِماديُّ الحنفي المتوفى سنة 982هـ في تفسيره «إرشادُ العقلِ السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» ما نصه[(505)]: «{…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} أي كان آخرَهم الذين خُتموا به، وقُرئ بكسر التاء أي كان خاتمهم ويؤيِّده قراءةُ ابن مسعود (ولكن نبيًا ختم النبيين)، وأيًّا كان فلو كان له ابن بالغٌ لكان نبيًا ولم يكن هو عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين كما يُروى أنه قال في إبراهيم حين توفي (لو عاش لكان نبيًا)».اهـ.

وقال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور التونسي المالكي في تفسيره «التحرير والتنوير»[(506)]: والآية نص في أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده في البشر لأن النبيين عام فخاتم النبيين هو خاتمهم في صفة النبوة». وقال[(507)]: «وقرأ الجمهور {…وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بكسر التاء (خاتِم) على أنه اسم فاعل من خَتَمَ، وقرأ عاصم بفتح التاء على تشبيهه بالخاتَم الذي يختم به المكتوب في أن ظهوره كان غلقًا للنبوة».اهـ.

ـ[488]       تفسير القرطبي (18/83).

ـ[489]       أصول الدين (ص/159).

ـ[490]   الفرق بين الفرق (ص/323).

ـ[491]   الفرق بين الفرق (ص/323).

ـ[492]       تفسير القرطبي (12/125).

ـ[493]       شرحه على صحيح مسلم (17/75).

ـ[494]       ابن عاشور المالكي (22/45).

ـ[495]       (7/188).

ـ[496]       هدية المهديين (ص/3).

ـ[497]       هدية المهديين (ص/5).

ـ[498]       تفسير القرطبي (14/196).

ـ[499]       جامع البيان عن تأويل آي القرءان (12/16).

ـ[500]       النكت والعيون (4/409).

ـ[501]       معالم التنزيل في التفسير والتأويل (4/471).

ـ[502]       زاد المسير في علم التفسير (6/212).

ـ[503]       الفتوحات الإلهية (3/463).

ـ[504]       الدر المنثور في التفسير المأثور (5/385 – 386).

ـ[505]       إرشادُ العقلِ السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (5/229).

ـ[506]       التحرير والتنوير (22/45).

ـ[507]       (ص/47).