قال الله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [سورة الشورى]
اعلم أن هذا العالم بما فيه من حركةٍ وسكون واختلافٍ وتغيّر دليلٌ على وجود خالقٍ خلقه ومدبّرٍ يُدبّره، مُتَّصِفٍ بصفاتٍ ليست كصفات المخلوقين، لأنه لو كان موصوفًا بصفات خلقه لكان مثلها محتاجًا مثل المخلوقات، لأن المتماثلات والمتشابهات يجوز عليها جميعًا ما يجوز على بعضها، فالله لا يُشبه الخلقَ بأي وجهٍ من الوجوه، فهو سبحانه وتعالى متعالٍ عن كل صفات المخلوقين، موجودٌ لا كالموجودات حيٌ لا كالأحياء، ليس بجسمٍ مصوَّر ولا جوهر محدود مقدَّر، لاتحويه الجهات الست بل هو سبحانه لا يُشبه شيئًا ولا يشبهه شىء. كما قال تعالى: (ليس كمثله شيء) فمن زاغ عن التنزيه ووقع في التشبيه وعبد صورةً تخيلها في خياله يكون بذلك من الكافرين، لأنه ما عبد رب العالمين، إنما عبد صورةً متوهَّمةً في مُتَخَيَّلِه، كما قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة، ناقلا إجماع أهل السنة والجماعة: ومن وصف الله بمعنىً من معاني البشر فقد كفر.
فالآية {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، هي أصرح آية في القرءان في تنزيه الله تعالى التنزيه الكلي وتفسيرها أن الله لا يشبهه شىء بأي وجه من الوجوه، والكاف في {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} لتأكيد النفي، ففي الآية نفي ما لا يليق بالله عن الله. وأما قوله تعالى: {…وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} ففيه إثبات ما يليق بالله، السمعُ صفةٌ لائقة بالله والبصر كذلك وإنما قدَّم الله تعالى في هذه الآية التنزيه حتى لا يُتوهَّم أن سمعه وبصره كسمع وبصر غيره، فالله تعالى موصوفٌ بأنه ليس كمثله شىء من اللطائف كالنور والروح والهواء، ومن الكثائف كالشجر والإنسان. والجسم اللطيف ما لا يُضبَط باليد والجسم الكثيف ما يُضبَط باليد أي ما يُجَسُّ باليد، والله تعالى لا يُشبِه العلويات ولا السفليات.
الله تعالى نصب لنا الدليلين: دليلا شرعيا قرءانيا ينزه الله تعالى عن كل شىء يقتضي مشابهة الله لخلقه بوجه ما وهو قوله تعالى: «ليس كمثله شىء»، هذا تنزيه كليّ، هذه الآية تُنزه الله عن اللون وعن الحركة والسكون وعن الأعضاء وعن التحيز في مكان أو في جهة من الجهات الست أو في جميع الجهات الست والتأثر والتطور والانفعال، والزيادة أو النقصان عن كل هذا، هذه الآية تنزه الله.
ثم أيضا نصب لنا دليلا عقليا وهو: أن صانع العالم، خالق العالم لا يشبه مخلوقه، هذان الدليلان كافيان، دليل نقلي قرءاني ودليل عقلي وهو استحالة أن يشبه الصانع أي خالق العالم مصنوعه أي مخلوقه..
قال الحافظ العراقي في «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» في كتاب الاجتهاد: «وقوله {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} تتمته في التنزيل {…وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} فأول هذه الآية تنزيه وءاخرها إثبات وصدرها رد على المجسمة وعجزها رد على المعطلة والنكتة في نفي التشبيه أولا أنه لو بدأ بذكر السميع والبصير لأوهم التشبيه فاستفيد من الابتداء بنفي التشبيه أنه لا يشابهه في السمع والبصر غيره» اهـ.
فمن شبَّه الله بخلقه يكون مجسمًا والمجسم كافر كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: «المجسم كافر»، نقله عنه السيوطي في «الأشباه والنظائر» ثم قال السيوطي: «الأول: ما نكفره قطعًا» وعدَّ منهم «المجسمة والقائل بقِدم العالم» اهـ. وقد أطلق النووي في «المجموع» تكفير المجسمة وذلك في كتاب الصلاة في باب صفة الأئمة. وقال ابن حجر في المنهاج القويم: واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك». أي جديرون بالحكم عليهم بالكفر.
وقد قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي في «شرح عقيدة مالك الصغير»[(579)]: «ولا يجوز أن يُثبت له الكيفية – أي لله -، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشيء، ولا سألته الصحابة عنه، ولأن ذلك يرجع إلى التنقل والتحول وإشغال الحيِّز والافتقار إلى الأماكن، وذلك يؤول إلى التجسيم، وإلى قدم الأجسام، وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام» اهـ.
ونقل مُلاّ علي القاري في كتابه «المرقاة في شرح المشكاة» الإجماع على تكفير من وصف الله بصفة من صفات خلقه، فقال: «وتعالى عن صفات المخلوقين من الطلوع والنزول». ثم قال: «(كل ليلة إلى السماء الدنيا) قال ابن حجر أي ينزل أمره ورحمته أو ملائكته وهذا تأويل الإمام مالك وغيره». ثم قال بعد ذِكر مذهب السلف والمتكلمين: «يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهر كالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك مما يفهمه ظاهرها لما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يُحكم بكفرها بالإجماع، فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره». ثم قال: «وقد علمت أن مالكًا والأوزاعي وهما من كبار السلف أوّلا الحديث تأويلا تفصيليًا». ثم قال: «بل قال جمع معهم – أي مع السلف – ومن الخلف أن معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي وقال إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني وقد اتفق سائر الفرق على تأويل نحو {…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ… *} اهـ.
وقال الشيخ تقي الدين الحصني في كتابه «دفع شبه من شبه وتمرد»[(580)]: «الكيف من صفات الحدث وكل ما كان من صفات الحدث فالله عز وجل منزه عنه فإثباته له سبحانه كفر محقق عند جميع أهل السنة والجماعة» اهـ.
وقال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين»[(581)]: «وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: اعلم أن حكم الجواهر والأعراض كلها الحدوث، فإذًا العالم كله حادث. وعلى هذا إجماع المسلمين بل كل الملل، ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفته الإجماع القطعي» اهـ. يتَّضح لك أن من قال بأزلية شىء من العالم فهو كافر بالإجماع القطعي، وهذا ينطبق على المجسم لأن الجسم حادث مخلوق، فمن قال أو اعتقد الجسمية في الله فقد قال بأزلية الأجسام أي بأزلية الحوادث وبحدوث الأزلي، وهذا جَمعٌ بين كفريتين، لأن من قال بأزلية الأجسام يكون جعل لله شريكًا، ومن قال بأن الله جسم جعل هذا الجسم هو الله وقال إن هذا الجسم أزلي.
ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن الإمام أحمد أنه قال بتكفير من قال: «الله جسم لا كالأجسام» ذكر ذلك المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في «تشنيف المسامع» وقال: ونقل عن الأشعرية أنه يُفسق، وهذا النقل عن الأشعرية ليس بصحيح» اهـ.
وعلى هذا إمام أهل السنة الإمام أبو الحسن الأشعري فقد قال في «النوادر»: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به» اهـ.
الشيخ مصطفى الحمامي أحد علماء الأزهر وخطيب المسجد الزينبي سابقًا في كتابه «غوث العباد ببيان الرشاد»، وهو مُقرَّظ من علماء ومشايخ الأزهر: يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء، محمد الببلاوي خطيب المسجد الحسيني ونقيب الأشراف بالديار المصرية، محمود أبو دقيقة مدرس بتخصص الأزهر، محمد عبد الفتاح العناني المدرس بكلية الشريعة الإسلامية، محمد محمد البحيري من علماء الأزهر الشافعية بالقسم الثانوي، السيد محمد بن محمد زباره اليمني أمير القصر السعيد بصنعاء اليمن، محمد حبيب الله الشنقيطي خادم العلم بالحرمين الشريفين، دسوقي عبد الله العربي من هيئة العلماء، محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية بالآستانة سابقا، محمد حفني بلال وكيل مسجد السيدة زينب في القاهرة وأحد علماء المالكية، في ص94 في شرحه للآية {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} يقول: «تعالى ربنا أن يكون جسمًا: قال الله تعالى وهو أصدق القائلين {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ذلك قوله تعالى عن نفسه في كتابه الكريم، وهو نفي عام ينطق في صراحة ليس بعدها صراحة أنه تعالى لا يشبهه شيء، ولا يشبه هو تعالى شيئًا من هذا العالم علويه وسفليه»، ثم قال : «إذن هو عز وجل منزه عن المادة وكل خصائص المادة. ومن هنا أُخِذ القول المعروف (كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك). إذن العقول معقولة عقلا تامًا عن أن تحوم حول هذا الحمى المقدس بأكثر مما وصف تعالى به نفسه، الذي منه قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} هذا أصل قاطع لا نزاع فيه يرجع إليه كل نص جاء في شريعتنا يوهم ظاهره خلاف ذلك. إذن للاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} معنى يليق بربنا عز وجل خلاف ما يوهمه ظاهر اللفظ، وهو مما لا خلاف فيه بين أئمة الهدى من أول هذه الأمة إلى اليوم». ثم قال: «ذكر الشيخ العزّ بن عبد السلام (660هـ) في كتاب «حلّ الرموز»، أنه قال الإمام أبو حنيفة: من قال لا أعرف الله تعالى في السماء هو أم في الأرض كفر، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانًا، ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مُشَبِّه» اهـ.
وقال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في «شرح لمع الأدلة» ما نصه[(582)]: «قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [سورة الشورى] ، نفى عن نفسه مشابهة العالم إياه، ففي التحيز بجهة من الجهات مشابـهة الأجسام والجواهر، وفي التمكن في مكان مماثلة للجواهر المتمكنة في الأمكنة، ففي وصفه بالجهات قول بالانحصار فيها، وفي القول بالتمكن في المكان إثبات الحاجة إلى المكان، وفي كل ذلك إيـجاب حدوثه وإزالة قِدَمه، وذلك كله محال في حق القديـم. ومن تلك النصوص قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [سورة الإخلاص] والكفو: المساوي والمماثل، فنفى عن نفسه المماثلة والمساواة، ومنها قوله تعالى: {…سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *} [سورة الطور] فوجب تنزيهه عن صفات الخلق. ومنها قوله تعالى: {…وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ… *} [سورة محمد] فوجب إثبات تعاليه عن كل ما يفتقر إليه الخلق من الاتصاف بالمكان والجهة. ومنها قوله تعالى: {…إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ *} [سورة العنكبوت] فأثبت لنفسه الاستغناء عن جميع العالمين والجهات والأمكنة من أجزاء العالم، فوجب إثبات تعاليه واستغنائه عن العالمين وعن كل وصف من صفات المحدَثين» اهـ.
روى الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه بإسناده إلى الجنيد بن محمد البغدادي رضي الله عنه وهو سيد الطائفة الصوفية أنه قال: «التوحيد إفراد القديم من المحدث». أي تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين.
وروى الحافظ ابن عساكر في كتابه «تاريخ دمشق» عن ذي النون المصري إبراهيم بن ثوبان المتوفى سنة 245هـ أنه قال: «مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك»، أي لايشبه ذلك، وهو مأخوذ من معنى {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} .
قال المفسر الرازي في «التفسير الكبير» ما نصه[(583)]: «ثم قال تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} وهذه الآية فيها مسائل: المسألة الأولى: احتج علماء التوحيد قديمًا وحديثًا بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسمًا مركبًا من الأعضاء والأجزاء وحاصلاً في المكان والجهة، وقالوا لو كان جسمًا لكان مثلاً لسائر الأجسام، فيلزم حصول الأمثال والأشباه له، وذلك باطل بصريح قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} . ثم قال: «واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه «بالتوحيد»، وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل» اهـ.
وهو الذي تحبه الوهابية كثيرا وتنقل من كتابه لأنه وافق هواهم في حمل الآيات والأحاديث المتشابهات على ظواهرها، فشبَّه اللهَ بخلقه وكذَّب قولَه {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، وقد أصاب وصدق الرازي حيث قال عن كتاب ابن خزيمة المسمى بـ «كتاب التوحيد» كذبًا وزورًا، أنه كتاب الشرك، لأن المجسمة المشبَّهة أشركوا بربهم، عبدوا جسمًا تخيَّلوه قاعدًا فوق العرش لا وجود له، ولم يعبدوا الله. أما إمام المجسمة ابن تيمية ففي كتابه المسمى «بيان تلبيس الجهمية» يقول[(584)]: «من المتشابه، قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *}» اهـ.
ففي كتابه[(585)] هذا المسمى «بيان تلبيس الجهمية» يفتري ابن تيمية على الله وعلى سيدنا موسى وعلى ابن عباس، ويتناقض ويُكذِّبُ الآية {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، وينسُبُ لله الصورة فيقول : «وقول ابن عباس في ما يذكره عن الله تعالى – أنه قال لموسى – تعمد إلى خلق من خلقي، خلقتُهم على صورتي فتقول لهم: اشربوا يا حمير» اهـ. والعياذ بالله من مسخ القلوب.
وأيضًا يقول ابن تيمية مستشهدًا بكلام اليهود في التوراة المحرَّفة[(586)]: «فهذا المعنى عند أهل الكتاب من الكتب المأثورة عن الأنبياء كالتوراة فإن في السفر الأول منها (سنخلق بشرًا على صورتنا يشبهها)»، ثم يقول «ثم إن هذا مما لا غرض لأهل الكتاب في افترائه على الأنبياء».اهـ. انظروا كيف يحتج بكفر أهل الكتاب الصريح ويدافع عنهم لأنه وافقهم في نفس العقيدة من نسبة الصورة والأعضاء والجوارح والجسم إلى الله.
ويقول ابن تيمية[(587)]: «عُلِمَ أن نفي التشبيه من كل وجه هو التعطيل والجحود لرب العالمين، كما عليه المسلمون متفقون» اهـ. والعياذ بالله من الكذب على الله وعلى المسلمين، لا يستحي من الله ولا من الناس، ومرادُه أن الله تعالى يُشبِه خلقَه من بعض الوجوه ليؤيَّدَ عقيدَته الكفرية مِن وصف الله بالجسمية والقعود والجلوس، ولذلك قال في قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} «إنها آية متشابهة»، لأنه أراد أن يُقَرِّرَ تشبيهَ اللهِ بخلقِه من بعض الوجوه، وقد تغافل ابن تيمية أنه إذا جوَّزَ على الله تعالى الشَّبَهَ من بعض الوجوه فقد جوَّزَ عليه الشَّبه من كل الوجوه، وأجاز عليه الجوع والمرض والفناء والزوال، وتعالى الله وتنزه وتقدس عن كفر ابن تيمية وأتباعه، ويقول[(588)]: «ما لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه لا شىء». ويقول[(589)] في معرض ذَمِّهِ لعقيدة المسلمين المنزِّهين لله عن مشابهته لمخلوقاته: «وأنكروا أن يشبه الأشياء بوجه من الوجوه، فأنكروا وجوده». وأيضًا يفتري على دين الله فيقول[(590)]: «ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين، ولا الأكابر من أتباع التابعين، ذم المشبهة، وذم التشبيه، أو نفي مذهب التشبيه ونحو ذلك» اهـ. والعياذ بالله من التشبيه والتجسيم ومن موافقة اليهود في المعتقد.
أما قوله بالجسمية في حق الله تعالى فقد ذكر ذلك في كتابه «شرح حديث النزول» يقول[(591)]: «وأما الشرع فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع» اهـ.
وقال في الموافقة ما نصه[(592)]: «وكذلك قوله {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [سورة الشورى] ، وقوله {…هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [سورة مريم] ، ونحو ذلك فإنه لا يدل على نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولا على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسما بوجه من الوجوه» اهـ.
وقال في الموافقة أيضا مفتريًا على الإمام أحمد ما نصه[(593)]: «وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة فهذا لا يُعرف في كلام أحد من السلف والأئمة كما لا يُعرف في كلامهم أيضا القول بأن الله جسم أو ليس بجسم، بل ذكروا في كلامهم الذي أنكروه على الجهمية نفي الجسم كما ذكره أحمد في كتاب الرد على الجهمية» اهـ.
وقال في المنهاج ما نصه[(594)]: «أما ما ذكره من لفظ الجسم وما يتبع ذلك فإن هذا اللفظ لم ينطق به في صفات الله لا كتاب ولا سنة لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا تكلم به أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم لا أهل البيت ولا غيرهم» اهـ.
وقال في «مجموع الفتاوى» ما نصه[(595)]: «ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحد من السلف لا نفيًا ولا إثباتًا، فكيف يحل أن يقال: مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته» اهـ.
وقال في كتابه المسمى «بيان تلبيس الجهمية» ما نصه[(596)]: «وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجسامًا وأعراضًا، فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال» اهـ.
ويكفي في تبرئة أئمة الحديث ما نقله أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في كتابه «اعتقاد الإمام أحمد»[(597)]، عن أحمد قال: «وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله – أي منزه عن ذلك كله -، فلم يجُز أن يُسمى جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل». اهـ، ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب أحمد وغيرُه.
وهذا الذي صرح به أحمد من تنزيهه الله عن هذه الأشياء الستة هو ما قال به الأشاعرة والماتريدية وهم أهل السنة الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد، فليعلم الفاهم أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف، فظهر أن ما ادعاه ابن تيمية أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيح، وأنه كذب محض والكذب ديدنه، فينبغي استحضار ما قاله الإمام أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن تيمية وغيره ممن يدعون السلفية والحديث.
وهذا البيهقي من رؤوس أهل الحديث يقول في كتاب «الأسماء والصفات»[(598)]، في باب ما جاء في العرش والكرسي عقب إيراده حديث: «أتدرون ما هذه التي فوقكم» ما نصه: «والذي روي فيءاخر هذا الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة والباطن فلا يصح كونه في مكان، واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي: (أنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء»، وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان» اهـ.
وقال أبو الثناء اللامشي في «التمهيد لقواعد التوحيد» ما نصه[(599)]: «وإذا ثبت أنه تعالى ليس بجوهر فلا يُتصور أن يكون جسمًا أيضا لأن الجسم اسم للمتركِّب عن الأجزاء، يقال: «هذا أجسمُ من ذلك» أي أكثر تركُّبًا منه، وتركب الجسم بدون الجوهرية وهي الأجزاء التي لا تتجزأ لا تتصور، ولأن الجسم لا يُتصور إلا على شكل من الأشكال، ووجوده على جميع الأشكال لا يُتصور أن يكون إذ الفرد لا يُتصور أن يكون مطوَّلا ومدورًا ومثلثًا ومربعًا، ووجوده على واحد من هذه الأشكال مع مساواة غيره إياه في صفات المدح والذم لا يكون إلا بتخصيص مخصص، وذلك من أمارات الحدث، ولأنه لو كان جسمًا لوقعت المشابهة والمماثلة بينه وبين سائر الأجسام في الجسمية، وقد قال الله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [سورة الشورى] » اهـ.
لقد صرَّح إمام المجسمة ابن تيمية بالدفاع عن عقيدة التجسيم وبموافقة اليهود في معتقداتهم، وافترى على دين الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة والآل، فقد نسي ابن تيمية أو تناسى أنه كفَّر المشبِّهة في كتابه المسمى «رسالة الفتوى الحموية الكبرى» تليها «الرسالة المدنية في تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله تعالى» مطبعة المدني، الطبعة السادسة ص4 بقوله أن المشبَّهة والمجسِّمة كفار، فلماذا هذا التناقض والتذبذب والكذب على الناس؟!! ما أبعده عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن منهج السلف الصالح الذين كانوا حربًا على فرق الضلال أمثال ابن تيمية وأتباعه.
ـ[579] شرح عقيدة مالك الصغير» ص28).
ـ[580] دفع شبه من شبه وتمرد (ص/18).
ـ[581] إتحاف السادة المتقين (دار الكتب العلمية، كتاب قواعد العقائد، الجزء الثاني ص153).
ـ[582] شرح لمع الأدلة (ص/70، مخطوط).
ـ[583] التفسير الكبير (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد الرابع عشر الجزء27 ص129 – 130).
ـ[584] بيان تلبيس الجهمية (المطبوع في المدينة المنورة في مطبعة الملك فهد للمصحف الشريف، في المجلد الثالث ص455، وفي المجلد الرابع ص321، وفي المجلد الخامس ص371، وفي المجلد السادس ص491).
ـ[585] بيان تلبيس الجهمية (المجلد السادس ص441 – 442).
ـ[586] (المجلد السادس ص451).
ـ[587] (ص/484).
ـ[588] (ص/495).
ـ[589] (ص/496).
ـ[590] (المجلد السادس ص498).
ـ[591] شرح حديث النزول (ص/80).
ـ[592] الموافقة (1/62).
ـ[593] الموافقة (1/148).
ـ[594] المنهاج (1/197).
ـ[595] مجموع الفتاوى (4/152).
ـ[596] بيان تلبيس الجهمية (1/101).
ـ[597] اعتقاد الإمام أحمد (ص/7 – 8، مخطوط).
ـ[598] الأسماء والصفات» (ص/400).
ـ[599] التمهيد لقواعد التوحيد (ص/56).