الثلاثاء أبريل 8, 2025

قال الله تعالى: (…فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا… *) [سورة التحريم]

ليعلم أن الله تعالى خالق الرّوح والجسد فليس روحًا ولا جسدًا، ومع ذلك أضاف الله تعالى روح عيسى صلى الله عليه وسلم إلى نفسه على معنى المِلكِ والتشريف لا للجزئيَّة في قوله تعالى: {…مِنْ رُوحِنَا} ، قال الفخر الرازي في «التفسير الكبير» [(659)]: «وإنما أضاف الله سبحانه روح ءادم إلى نفسه تشريفًا له وتكريمًا» اهـ. وكذلك في حق ءادم قوله تعالى: {…مِنْ رُوحِي} وفي حق عيسى قوله تعالى: {…فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} ، أي أمرنا جبريل عليه السلام أن ينفخ في مريم الرّوح التي هي مِلك لنا ومشرّفة عندنا.

كلتا الإضافتين للتشريف مع إثبات الملكِ أي أنهما ملكٌ لله وخلق له، فإن قيل: كل الأرواح ملك لله وخلق له فما فائدة الإضافة؟ قيل: فائدة الإضافة الدّلالة على شرفهما عند الله. ولا يجوز عقلا أن يكون الله روحًا لأن الرّوح حادث. وعلى مثل ذلك يحمل حديث (خلق الله ءادم على صورته) رواه البخاري، ومعناه إضافة الملك والتشريف لا إضافة الجزئية أي على الصّورة التي خلقها وجعلها مشرّفة مكرّمة.

الشىء يضاف إلى الله إما بمعنى أنه خلق له هو خلقه وكوّنه، ويضاف إلى الله على أنه صفته، فإذا قلنا «قدرة الله»، «علم الله» هذه الإضافة إضافة الصفة إلى الموصوف، أما إذا قلنا «ناقة الله»، «بيت الله» هذه إضافة المِلكِ والتّشريف، فالكعبة نسمّيها «بيت الله» وكلّ مسجد كذلك.

فالأرواح قسمان: أرواح مشرّفة وأرواح خبيثة، وأرواح الأنبياء من القسم الأول، فإضافة روح عيسى وروح ءادم إلى نفسه إضافة ملك وتشريف. ويكفر من يعتقد أن الله تعالى روح، فالرّوح مخلوقة تنزّه الله عن ذلك، قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} .

حتى نعرف أن الله أعطى عيسى وءادم منزلة عنده أضاف روح عيسى وءادم إلى نفسه ليس على معنى الجزئية، وكما أضاف ناقة صالح إلى نفسه فقال {…نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} لما كان لها من خصوصية على غيرها من النّوق بالشأن العظيم الذي كان لها، لأنه هو خالقها هو الذي أخرجها من الصّخرة وأخرج معها فصيلها وكانت تعطي أهل البلد كفايتهم من الحليب فيأخذون منها الحليب في يوم ورودها الذي هي خصصت به الذي لا ترد مواشيهم به، فدل ذلك على مكانتها فأنزل الله على نبيه {…نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} وقد أُنذروا أن يعتدوا على ناقة الله وعلى سقياها أي اليوم الذي ترد فيه إلى الماء، ذلك اليوم لا تورد مواشيهم الماء.

وقول الإمام الأشعري «فلا يجوز وصفُ الله بالروح» الذي نقله عنه الإمام ابن فورك في كتابه «مقالات أبي الحسن الأشعري»[(660)]، يُفهَمُ منه بُطلانُ قول «يا روح» مرادًا به الله، فليُحذَر كما تقدمَ ما في كتاب «قوت القلوب» من إيرادِ ذلك في ذِكرٍ سِيقَ هناك، فإن الروحَ ليس وصفًا بل هو اسمٌ جامدٌ وفيه إيهامُ النقصِ لأن الروح جسم لطيف والجسم اللطيف أحد نوعي الجسم.

وقد نقل الإمام أبو منصور البغدادي الإجماع على أن حياة الإلـه بلا روح، في كتابه «الفرق بين الفرق» قال ما نصه[(661)]: «وأجمع أهل السنة على أن حياة الإلـه سبحانه بلا روح ولا اغتذاء، وأن الأرواح كلها مخلوقة» اهـ.

وقال الإمام المجتهد الحافظ محمد بن نصر المروزي: «الروح مُحدَثَةٌ بإجماع الأمة» اهـ.

وقال الفقيه الحنفي عبد الغني النابلسي في كتابه «أسرار الشريعة»: «يكفر من وصف الله بالروح».

قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني الشافعي المتوفى سنة 478هـ في كتابه «الشامل في أصول الدين»[(662)]: «وقد قدمنا أن الإضافة منقسمة: فمنها إضافة الملك، ومنها إضافة التشريف»، ثم قال «وهذا نحو إضافة الروح إلى الله عز وجل في قوله {…فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا… *} [سورة التحريم] ، وقد اتفق أهل القبلة على أن وجه الإضافة في قوله {…مِنْ رُوحِنَا} ما ذكرناه» اهـ.

فيجب الحذر والتحذير من هذه المصرية نوال سعداوي الملحدة ومن أقوالها حيث قالت في مقابلة لها على فضائية الـ (ال بي سي) المؤسسة اللبنانية للإرسال في البرنامج المسمى «بلا رقيب»: «الله روحٌ والروح أنثى فالله أنثى» وقالت الوقحة: «كان ينبغي أن يقول (قل هي الله أحد) وليس {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}» وهذا كفر صراح بواح لا يشك في كفر قائله مؤمن، ونسيت هذه المستأجَرة أن الله تعالى ليس ذكرًا وليس أنثى، ولكنه سبحانه يُخاطَبُ بلفظٍ مُذَكَّر كأن يُقال (هو الله)، وهذا تذكير للفظ وليس للمخاطَبِ سبحانه، وهذا تعظيم وتقديس وتمجيد له سبحانه، وهو الأدب والاحترام والتمجيد، وهو سبحانه لا يوصف بصفة من صفات خلقه لا بالذكورة ولا بالأنوثة وهذا التعظيم والاحترام لا يكون في لفظ (هي الله)، بل هذا يدل على الاستخاف والاستهزاء والله تعالى هو خالق الذكور والإناث يهب لمن شاء من عباده الإناث ولمن شاء الذكور، وقد قال الله تعالى في سورة الشورى {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ *} ، ولتعلم هذه الجهولة أن الروح يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ فكان ينبغي لها أن تتعلم قبل أن تتكلم، فالروح حجم لطيفٌ، الله أعلم بحقيقته، فإن ذُكِّرَ اللفظ لا يعني ذلك أن الروح بحد ذاتها تكون ذكرًا، وإن ذُكِرَت بلفظ التأنيث فلا يعني ذلك أن الروح بحد ذاتها أنثى، وهذا تذكير وتأنيث للفظ بدليل ما قاله سيد الفصحاء وإمام البُلَغَاء محمد صلى الله عليه وسلم (إذا قُبِضَ الروحُ تبِعَه البصر)، فماذا ستقول هذه المتهتِّكة بعد قول سيد العالمين محمد صلى الله عليه وسلم (إذا قُبِضَ الروحُ)، هل ستقول (الله ذكر)؟! والعياذ بالله من كفرها وفجورها، سبحانه ليس كمثله شىء لا شبيه ولا مثيل له بالمرة.ونختم هذه المسألة بقول الله عز وجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *} ، فكيف يُجمَع على زعم هذه المرأة بين قول الله عز وجل {…قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وبين قولها (الله روح)، فعلى حسب ادّعائها الفاسد الكاسد «أن الله مخلوق والمخلوق لا يخلق فكيف يكون المخلوق خالقًا للروح وللعالم»، وعلى زعمها الشاذ كان ينبغي أن يقول «قل الروح هي ربي» وليس (من أمر ربي) كما افترت هذه المخرفة التي شتمت الله واستهزأت به وكذَّبَته وكذّبت القرءان وشتمت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مقابلاتها واستخفَّت به وبالحج والكعبة الشريفة.

نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وعقولنا.

قال الحافظ المحدث شيخ الإسلام والمسلمين عبد الله الهرري رحمه الله رحمة واسعة، في رسالته في الرد على مَن قال (لمَ نقول هو الله، ولا نقول هي الله)، ما نصه:

«اعلم أرشدنا الله وإياك، أن الله تعالى ليس ذكرًا ولا أنثى ولا شيئًا يشبه شيئًا من العالم، موجود لا كالموجودات، فإذا ذُكِر يُذكر اللفظ الذي يُضاف إليه بلفظ التذكير لا التأنيث، لأن التأنيث فيه نقص واستخفاف. فيقال هو الله ولا يقال هي الله، لأن الذكر أفضل من الأنثى والأنبياء كلهم ذكور، والذكر أقوى من الأنثى جسمًا وعقلا، فتذكير الخطاب تعظيم، أما تأنيث الخطاب تحقير لله وذلك كفر. أما من حيث ذاتُ الله فهو ذات ليس كالذوات ليس ذكرًا ولا أنثى، ليس كالإنسان وليس كالضوء ولا كالظلام، وهو قبل الضوء والظلام كان موجودًا وليس ضوءًا ولا ظلامًا، وقبل الهواء كان موجودًا ولا هواء، وليس ذاتًا متحركًا ولا ساكنًا، وليس جوهرًا ولا عرضًا ولا حالًّا في الأشياء، منزَّهٌ عن الحد لأن الحدَّ لا بد له من حاد أوجدَه، لا يجوز عليه التطور والتغير لأنه لو جاز عليه التغير لكان محدَثًا يحتاج إلى خالق، غاية ما يقال فيه موجود بلا كمية ولا كيفية، موجود منزه عن الكمية وعن الكيفية، ليس الأمر كما قالت الفلاسفة إن مادة العالم هيولى لا كمية لها ولا كيفية، قالت: هذه المادة هي أزلية وكذبوا. الأزلي لا يتطور لأن التطور ينافي الأزلية، المادة تطورت على حسب اعتقادهم فلا يصح في العقل كلامهم هذا، فإن قالوا هي مادة طوَّرت نفسها، يُقال لهم الشىء لا يخلق نفسه. الحادث لا بد له من محدِث يجب عقلا أن يكون ليس له ابتداء. والله تعالى أعلم وبه التوفيق». انتهى كلام شيخ الإسلام الهرري.

ـ[659]       مقالات أبي الحسن الأشعري (مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى 1425هـ ص45).

ـ[660]       الفرق بين الفرق (دار المعرفة ص336).

ـ[661]       الشامل في أصول الدين (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى سنة 1420هـ ص323).

ـ[662]       صحيح مسلم (الجزء الخامس ص24 طبعة دار الكتاب العربي).