الأحد ديسمبر 22, 2024

قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي… *} [سورة الأنعام]

كان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء منذ صغره ونشأته مُسلمًا مؤمنًا عارفًا بربه معتقدًا عقيدة التوحيد مُنزهًا له عن مشابهة المخلوقات، ومُدركًا أنَّ هذه الأصنام التي يعبدها قومه لا تغني عنهم من الله شيئًا، وأنها لا تضر ولا تنفع لأن الضار والنافع على الحقيقة هو الله تعالى وحده.

قال الفخر الرازي في «التفسير الكبير»[(182)]: «والوجه الثاني في التأويل: أن نقول قوله (هذا ربي) معناه هذا ربي في زعمكم واعتقادكم؟!». ثم قال: «المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه لدلالة الكلام عليه» اهـ.

أما سيد قطب فيقول في كتابه الذي سمّاه «التصوير الفني في القرءان» ما نصه[(183)]: «وإبراهيم تبدأ قصته فتى ينظر في السماء فيرى نجما فيظنه إلهه فإذا أفل قال لا أحب الآفلين، ثم ينظر مرة أخرى فيرى القمر فيظنه ربّه ولكنه يأفل كذلك فيتركه ويمضي ثم ينظر إلى الشمس فيعجبه كبرها ويظنها ولا شك إلها ولكنها تخلف ظنه هي الأخرى».اهـ

الرد:

قال الله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} [سورة آل عمران] ، وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صَدِّيقًا نَبِيًّا *} [سورة مريم] ، وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ *} [سورة الأنبياء] ، وبدليل قوله تعالى وما كان من المشركين.

وكلام سيد قطب هذا مناقض لعقيدة الإسلام التي تنص على أن الأنبياء تجب لهم العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، وقول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه {…هَذَا رَبِّي… *} [سورة الأنعام] هو على تقدير الاستفهام الإنكاري كأنه قال «أهذا ربي كما تزعمون»، ثم لما غاب قال: «لا أحبّ الآفلين» أي لا يصلح أن يكون هذا ربّا فكيف تعتقدون ذلك؟! ولما لم يفهموا مقصوده بل بقوا على ما كانوا عليه قال حينما رأى القمر مثل ذلك فلما لم يجد منهم بغيته أظهر لهم أنه بريء من عبادته وأنه لا يصلح للربوبية، ثم لما ظهرت الشمس قال مثل ذلك فلم ير منهم بغيته فأيس منهم فأظهر براءته من ذلك، وأما هو في حد ذاته فكان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ *} [سورة الأنبياء] .

وقال خالد الجندي المصري المتعالم – والعياذ بالله – في الشريط المسمى «العالم المجهول» بلسانه العامي: «إبراهيم شاف الكوكب قال: الله هو ده ربي فلما النجم اختفى قال لا بد أنّ هناك كوكبا ءاخر أخفاه بيبقى النجم ده أضعف من غيره يبقى إللي أقوى منه هو يبقى ربي فلقى القمر قال بيبقى القمر ده رببي أكيد هو ده طالما إللي أخفاه ونجح في إخفائه يبقى أقوى منه شاف الشمس بازغة وقعد يتأمل في الشمس بقه الإلـه اللي اكتشفو أو يبتصورو عليه الصلاة والسلام». وهذا الكلام الساقط تكفير لنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنه كان جاهلا بخالقه لا يعرف ربه تائهًا عن الإيمان والإسلام والحق المبين، ومن قال هذا في إبراهيم فهو من أكفر الكافرين ومن أبعد الناس عن الدين والإسلام، ويكفي في براءة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما قاله الله تعالى عنه {…حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} ، ومعنى {…حَنِيفًا} أي مائلا عن الباطل وعن كل الأديان إلى دين الحق الإسلام، وليس معنى «حنيفا» أنه كان على دين اسمه «حنيفا» هو غير الإسلام، ومن قال ذلك فقد كذّب قول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} . ومعنى {…مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} أي أنه كان من طفولته إلى الممات على دين الإسلام، لم يعبد شمسًا ولا قمرًا ولا نجمًا ولا حجرًا ولا نارًا ولا وثنًا ولا شك في قدرة الله كما يفتري عليه الكفار بذلك، وإلا لم يقل الله تعالى: {…مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} . فقد ظهر الحق واتضح وبانت براءة إبراهيم وكل الأنبياء من الشرك والكفر واتباع غير الإسلام.

وقال المؤلفان البروفوسوران التركيان نور الدين محمد سولمان وإسماعيل لطفي شكان في كتابهما «مجادلة الأنبياء في التوحيد لأقوامهم على حسب ما جاء في القرءان»[(184)]: «إبراهيم لم يعبد الكواكب ولا النجوم ولا الأصنام، وإن قول الله تعالى إخبارًا عن إبراهيم {…هَذَا رَبِّي} على معنى الاستفهام الإنكاري، وأن عبادة الكواكب والنجوم من عقائد الكلدانيين، وإبراهيم عليه السلام بيَّن أن هذا الاعتقاد باطل، وعاب قومه لعبادتهم الكواكب والأصنام، وقال {…لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ *} ومعنى قوله هذا بيان لهم على أن الذي يظهر ويختفي ويتغيّر من حال إلى حال وينتقل من مكان إلى مكان لا يكون إلهًا بل يكون مخلوقًا، والذي قال {…لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ *} كيف يكون عبد النجوم؟! والذي اعترض على قومه لعبادتهم الأصنام، كيف يعبد الصنم والنجوم؟!» اهـ.

ـ[182]       التفسير الكبير (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد السابع الجزء13 ص41).

ـ[183]       التصوير الفني في القرءان (في ص133 طبعة دار الشروق).

ـ[184]       مجادلة الأنبياء في التوحيد لأقوامهم على حسب ما جاء في القرءان (مطبوع في استنبول في 10 – 2 – 1975 بتصديق وموافقة دائرة التعليم الدولي في تركيا وبموافقة وزير التربية والتعليم، في ص63).