قال الله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *} [سورة طه]
قال المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرءان» في شرحه لهذه الآية ما نصه[(426)]: «فأوجس في نفسه خيفة موسى أي أضمر. وقيل: وجد. وقيل: أحس. أي من الحيات وذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدم» اهـ.
قال الحافظ الإمام المجتهد الحجة شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الهرري الحبشي رضي الله عنه وأرضاه في كتابه «عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب» ما نصه[(427)]: «وكذلك يستحيل على الأنبياء الجبن أما الخوف الطبيعي فلا يستحيل عليهم بل الخوف الطبيعي موجود فيهم وذلك مثل النفور من الحية فإن طبيعة الإنسان تقتضي النفور من الحية وما أشبه ذلك. ولا يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم هرب لأن هرب يشعر بالجبن أما فرّ من أذى الكفار فهذا جائز ما فيه نقص وعلى هذا المعنى قول الله تعالى إخبارا عن موسى أنه قال: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} ، قال القشيري في تفسيره لقوله تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} «يجوز حمله على الظاهر وأنه خاف منهم على نفسه»، وقد قال الله تعالى مخاطبا نبيه موسى عليه السلام {…خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} وقال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *} اهـ
وهذا هو اللائق بعصمة الأنبياء لأن الله عزّ وجل حكيم عليم لا يختار للنبوة والرسالة جبانًا، إذ الجبن صفة نقص وذم وعادة الناس أنهم يعيبون من كان فيه شىء من ذلك.
ويجب الحذر أيضا مما خلط وخبط خبط عشواء فيه «الدكتور وهبة الزحيلي» في كتابه المسمى «الموسوعة القرءانية الميسرة» فقال ما نصه[(428)]: «فأحس موسى بالخوف من أن يغلب وأن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا به لأن سحرهم من جنس معجزته».اهـ
وهذه وقاحة عجيبة ومجازفة غريبة وتضليل للناس عن عقيدة أهل السنة والجماعة، فكيف يجوز بزعمه على نبي أو على رسول من أولي العزم أن يظن بربه هذا الظن وأن يلتبس أمره على الناس بحيث يغلبه السحرة والعياذ بالله تعالى، وهل يستطيع كل سحرة الأرض أن يغلبوا نبيا واحدا! حاشى وكلا.
وكيف يجوز على موسى عليه السلام أن يظن بنفسه أن يُكسَر ويُغلب من قِبَلِ السحرة وهو مؤيد من الله لا يشك، في ذلك طرفة عين.
وكيف يشبّه سحر السحرة أو يقارن بمعجزة موسى عليه السلام وبأنه من جنسها؟! فليتعلم هذا الرجل معنى المعجزة ومعنى العصمة قبل أن يتكلم.
ويجب الحذر أيضا مما قاله «محمد متولي الشعراوي» المصري في كتابه المسمى «المنتخب في تفسير القرءان الكريم»[(429)]: «سيدنا موسى جاء بمعجزة من نوع السحر» ويقول: «بدليل أن ربنا سبحانه وتعالى لما أحب يعمل بروفة لسيدنا موسى في العصا، بروفة أمامه لأنه سيذهب يواجه فرعون وهو لا يعرف شيئا عن السحر قال له اعمل البروفة امامي مثل ما تجيء بفريق الكرة وتظل تمرّنه».اهـ.
وما أبعد هذا الكلام عمن مارس دراسة عقيدة الإسلام أو تعلُّمها أو تعليمها، وكم في هذه الكلمات القليلة من مخالفات وإساءات كثيرة، أليس الله عز وجل قال في القرءان الكريم {…وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ *} ، أليس الله عالما في الأزل بما يكون من موسى من كسر السحرة وفضحهم، وهل الله تعالى يتجدد له علم؟ وهل مشيئته تتغير؟ وهل الله تعالى يُشَبَّه بمدرِّب فريق كرة القدم؟ وهل يُقال عن معجزة موسى عليه السلام من نوع السحر؟ معاذ الله حاشى لله وحاشى لرسوله. فما أبعد هذا الكلام عن العقيدة الإسلامية وآداب القرءان وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. اللهم ارزقنا الأدب الكامل مع أنبيائك وأوليائك والثباتَ على عقيدة أهل السنة والجماعة.
ـ[426] الجامع لأحكام القرءان (المجلد 11 ص222 طبعة دار الفكر بيروت الطبعة الأولى سنة 1407هـ).
ـ[427] عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب (طبعة دار المشاريع الطبعة الأولى 1429هـ ص74).
ـ[428] الموسوعة القرءانية الميسرة (دار الفكر دمشق سوريا ودار الفكر المعاصر بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1429هـ ص317).
ـ[429] المنتخب في تفسير القرءان الكريم (الجزء الثالث طبعة دار العودة بيروت 1981ر ص200).