قال الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى *) [سورة عبس]
معنى الآية أن الله تبارك وتعالى عاتب النبي صلى الله عليه وسلم عتابًا لطيفًا في ابن أم مكتوم، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عندما يراه: «مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي».
قال الإمام الماتريدي في تفسيره «تأويلات أهل السنة»[(766)]: «والثاني: أن تعبّس الوجه على الأعمى، والإعراض عنه لا يظهر للأعمى، لأنه لا يراه، فلا يعده جفاء، وكان في إقباله على أولئك القوم وحسن صحبته إياهم رجاء الإسلام منهم» اهـ.
وقال القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي في «حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي»[(767)]: «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه، ويقول إذا رآه: مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي. واستخلفه على المدينة مرتين» اهـ.
ولم يرد في كلام أهل العلم لفظ «التأنيب» ولا في كلام عامة المفسرين، ليس كما ادّعى محمد سعيد رمضان البوطي أن الله يؤنب النبي صلى الله عليه وسلم، ففي كتابه المسمى «هذه مشكلاتهم» يقول ما نصه[(768)]: «ثم إن القرءان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان ناصحًا ومعاتبًا ومؤنبًا» اهـ.
فمن أين جاء هذا القائل بالتأنيب لماذا لا يلتزم بعبارات أهل العلم.
ثم إن قول الدكتور السوري «ومؤنبًا»، هذه العبارة فيها إساءة أدبٍ كبيرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يليق برسول الله ولا بمقامه ولا بعصمته، وأما إذا قيل «عاتبه عتابًا لطيفًا» فإنه لا يُشعِر بالنقص والازدراء، لأن العتاب ليس شرطًا أن يكون على معصية أو على شىء قبيح.
قال الله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ *} [سورة الطارق] .
يجب التحذير مما شاع على ألسنة كثير من الأطباء الذين درسوا عند الكفار وتأثروا بالأعاجم والإفرنج ولم يتعلموا أحكام الشرع، من أن الجنين يخلق من مني الرجل وأن المرأة لا مني لها، بزعمهم، وهذا ما لم يقله عالم من علماء المسلمين قط، وهذا رأي كاسد فاسد مخالف لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع علماء الإسلام من أن الجنين يتكون في رحم الأم من اجتماع مني الرجل والمرأة بخلق الله ومشيئته.
وهؤلاء الأطباء الذين لا يبالون ولا يسألون عن أحكام الحلال والحرام ويخالفون صريح القرءان والسنة فساق لا يجوز الاعتماد على كلامهم ولا الالتفات إلى قولهم هذا الذي أخذوه مقلدين فيه الكفار، وعلم الدين لا يؤخذ من أمثال هؤلاء وما خالف الدين ليس علما، القرءان هو العلم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة هي العلم، وإجماع الأمة هو العلم.
قال الإمام المجتهد التابعي الجليل محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم» رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
ـ[766] حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (دار الكتب العلمية، الجزء التاسع الطبعة الأولى 1417هـ، ص412).
ـ[767] هذه مشكلاتهم (ص/176).
ـ[768] صحيح البخاري (1/397).