الأحد ديسمبر 22, 2024

سورة البقرة   الملحدون في أسماء الله تعالى:

قال الله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *}

قال الرازي في «التفسير الكبير»[(11)]: «أحدها: أن ما يفعله الله بهم جزاءً على استهزائهم سماه بالاستهزاء» اهـ.

سبب نزول الآية أن المنافقين كانوا حين يجتمعون بأمثالهم يتكلمون بِبُغضِ الإسلام وكراهيتِهِ، فالله أخبرنا أنه يجازيهم بما يليقُ بهم وهذه المجازاةُ سَمَّاها استهزاءً. والمنافقون هنا هم الذين يكرهون الإسلامَ في قلوبهم ويتظاهرونَ بالإسلام أمامَ المسلمين ويعملون أعمالَ المسلمين ولكنْ قلوبُهُم فيها شَكٌّ أو إنكار.

تنبيه: من قال يجوزُ تسميةُ الله ناسيًا وماكرًا ومستهزئًا ومخادعًا ومستدرجًا ومزيفًا كَفَرَ لأنه استخفَّ بالله كما في الكتاب المسمى «حز الغلاصم في إفحام المخاصم»[(12)] المنسوب لشيث ابن إبراهيم بن حيدره المعروف بابن الحاج القفطي، ونحن لا نعتقد في مؤلفه أنه يقول ذلك إنما هو مما دس عليه أو هو من تحريف النساخ فإننا لم نقف على نسخة معتبرة، يقول فيه عن الله تعالى: «فنسميه ماكرًا وناسيًا ومخادعًا ومزيفًا ومستدرجا» اهـ. وأمّا ورود إضافة المكر والنسيان لله في القرءان فهو من باب المقابلة وهو جائزٌ كقوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} وقوله تعالى: {…نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أي تركهم من رحمته، وأما قوله تعالى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا… *} [سورة الجاثية] ، فقد ذُكرَ على وجهِ المقابلة، ومعناه تركناكم من رحمتنا كما أنتم تركتُم طاعةَ الله في الدنيا بترك الإيمان به. وليس معناه أنه يوصف بالنسيان المعروف لأن هذا تشبيه لله بخلقه وهو تكذيب للقرءان، أما مَن استحلَّ قولَ «يا ماكرُ ارزقني» ونحو ذلك فهذا يكفرُ، وكذا يكفُرُ من يُسمّي الله المضلَّ لأنه جَعَلَهُ اسمًا لله كالرحمـن فيكونُ معنى كلامِهِ يجوزُ أن نقولَ يا مضلُّ أعِنّي أو أن يُسمي الشخص ولدَه «عبد المضل».

أما قولُ «يا الله يا جبَّارُ ارزقني» أو «يا الله يا متكبّرُ» فلا يدلُّ على النقص في حقّ الله، أما الذي يدلُّ على النقص فهو مثل أن يقال في حقّ الله «يا مخادعُ» أو «يا ناسي» أو «يا مستهزىء» أو «يا ماكرُ».

فلا يجوز تسمية الله بغير ما ورد في الفرقان أو السنة الصحيحة أو الإجماع فقد قال الإمام أبو الحسن الأشعري: «لا يجوز تسمية الله إلا بما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة أو الإجماع» نقله عنه الإمام ابن فُورك في كتابه «مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري»، وهذا هو المعتمد، وقال الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه «تفسير الأسماء والصفات»: «لا مجال للقياس في أسماء الله وإنما يُراعى فيها الشرعُ والتوقيفُ» اهـ.

وكذلك لا يجوز تسميةُ الله بالقوَّة كما فعلَ سيّدُ قطب وكأنه اقتدى بكلام بعضِ الملاحدةِ الذين يقولونَ «إن للعالم قوةً مدبّرةً» ويعنون أن الله هو هذه القوة، ولعلَّ هذا مما اكتسبَهُ منهم حينَ كان مع الشيوعيةِ إحدى عشرة سنة كما اعترف هو في بعض مؤلفاته وهو كتابه المسمى «لماذا أعدموني»، وكذلك تسميته بالقوة الخالقة أو الخارقة أو القوة الخفية أو القوة الكبرى، وكذلك تسمية سيد قطب لله بالريشة المبدعة والنبع الذي لا يغيض وبالعقلِ المدبّرِ لأنَّ العقلَ صفةٌ من صفات البشر والجن والملائكة، والتحذير من فساد هذه التَّسميةُ يدخُلُ تحت قول الإمام أبي جعفر الطحاوي في كتابه الذي ألّفهُ لبيانِ ما عليه أهلُ السنة: «ومن وصفَ الله بمعنى من معاني البشر فقد كَفَرَ»، ومثل كلام سيد قطب ما في كتاب محمد سعيد البوطي من تسميةِ الله بالعلَّةِ الكبرى والسببِ الأوَّل والواسطةِ والمصدرِ والمنبع وذلك مذكورٌ في كتابين له. الأول يسمّى «كبرى اليقينيات الكونية» والآخر المسمى «من روائع القرءان»، وذلك نوعٌ من الإلحاد، ومثله محمد راتب النابلسي الدمشقي فإنه يسمي الله بالمصدر ويصفه بالاتصال الذي هو من صفات المخلوقين ذكر ذلك في كتابه المسمى «نظرات في الإسلام»[(13)] يقول ما نصه: «وحينما يتصل الإنسان بالله رب العالمين مصدر الحق والخير والجمال» اهـ.

كيف يسمّي الله علةً وقد قال الإمام رُكنِ الإسلام عليّ السُّغديّ الحنفي وهو من علماء القرن الثامن الهجري قال: «من سَمَّى الله علّةً أو سببًا كَفَرَ» . نقله عنه الكمال بن أبي شريف في كتابه «المسامرة شرح المسايرة»[(14)].

قال المفسر أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي في تفسيره المسمى «تفسير النسفي»[(15)] عند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} : «ومن الإلحاد تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلة». اهـ

ومثل هذه الضلالات ما جاء في[(16)] كتاب محمد راتب النابلسي المسمى «نظرات في الإسلام» يسمي الله بالكنز فيقول: «وإلى الله استنادهم» ثمّ بعد ذلك يقول: «هو كنزهم».اهـ.

العجب العجب ممن يتجرّأ ويسمّي الله بالكنز مع عدم ورود هذا الاسم في الشرع من ذلك ما جاء في الكتاب المسمى «معراج التشوف إلى حقائق التصوف»[(17)] المنسوب لابن عجيبة، يقولون فيه عن الله والعياذ بالله تعالى: «النور الأزلي الكنزي»، وفي الكتاب نفسه[(18)] يقولون فيه عن الله: «فلذلك قالوا في حق الخمرة الأزلية» اهـ. والعياذ بالله من الكفر والضلال.

ومن ذلك ما جاء في كتاب محمد علوي في كتابه المسمى «أبواب الفرج»[(19)] فقال عن الله تعالى ما نصه: «وجار المستجيرين ومأمن الخائفين وكنز الطالبين» اهـ. والعياذ بالله تعالى.

أما ما رواه الديلمي في كتابه المسمى «مسند الفردوس» عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «يا جار المستجيرين يا أمان الخائفين يا عماد من لا عماد له يا سند من لا سند له يا ذخر من لا ذخر له يا حرز الضعفاء يا كنز الفقراء»، فلم يثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، كما ذكر ذلك الحافظ السخاوي في «القول البديع»[(20)] فقال: «ضعيف»، وقال ابن عرّاق في كتابه «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة» بعد أن عزاه للديلمي عن ابن عباس: «لم يذكر علته وفيه من لم أعرفهم».

ثم إن هذه الألفاظ الواردة في هذا الكلام المركب لم يثبت لا في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ولا في إجماع الأمة، فلا يعوّل عليه ولا يعتمد، وينزّه الله تعالى عن مثل هذه الأوصاف.

وما زعمه بعض الجهال حديثًا قدسيًّا «كنت كنزا مَخْفِيًّا فأردت أن أُعرف» فهو موضوع لا أصل له. ذكر ذلك الحافظ الزركشي في كتابه «اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة»[(21)] المعروف «بالتذكرة في الأحاديث المشتهرة» والحافظ العسقلاني كما نقل عنه ذلك تلميذه الحافظ السخاوي في كتابه «المقاصد الحسنة» والحافظ السيوطي في كتابه «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة»[(22)] ومُلاّ علي القاري في كتابه «الأسرار المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة»[(23)] والعجلوني في كتابه «كشف الخفا» ومحمد الحوت في كتابه «أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب»[(24)] والسخاوي في كتابه «المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة»[(25)] والعلامة محمد بن طولون الصالحي[(26)] (ت953هـ)، في كتابه «الشذرة في الأحاديث المشتهرة»[(27)] وعبد الرحمـن بن علي الشيباني الشافعي في كتابه «تمييز الطيب من الخبيث في ما يدور على ألسنة الناس من الحديث»[(28)].

هؤلاء العلماء نصوا على أن هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي لا أصل لها وأن هذا الكلام المنسوب زورًا إلى الله عز وجل، يذكره بعض مدعي التصوف تساهلا منهم. ومعناه فاسد لا يصح ولفظه موضوع فاسد. فمن أراد به الاسم فقد كذّب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ، و[كنز] اسم جماد، فكيف يسمى الله به؟؟!! فمن سمى الله «كنزًا» كفر، فالله تعالى لا يُشبَّه بخلقه. و[مَخْفِيّا] اسم مفعول أي غيره أخفاه. والله هو المتصرف في العالم كما يريد ولا أحد يتصرف في الله. وليس مقبولا أن يُتكلف له معنى لأنه مخالف للنصوص القرءانية. فهذا الكلام المنسوب إلى الله فيه كفران: الأول: زَعْمُ الراوي أن الله يسمي نفسَه بأسماء الجمادات، والكفر الآخر: زَعْمُ الراوي أن الله يقول بأن غيره أخفاه.

وقد نقل الإمام أبو منصور البغدادي التميمي الإجماع على عدم تسمية الله بالكنز في كتابه «تفسير الأسماء والصفات»[(29)] فقال ما نصه: «فأما قول العامة في دعواها يا رجانا ويا غياثنا ويا ظهر الأغنيا ويا كنز الفقرا… لا يجوز إطلاق شىء منه على الله عز وجل إلا أن يكون قد ورد بتسميته منه توقيف أو سنة إذ ليس ذلك في القرءان أو مما أجمع عليه علماء السلف، ولا يجوز أن يقال يا غياث المستغيثين وإنما يقال يا مغيث» اهـ. وكذلك يكفر من قال عن الله تعالى يا جاري اللصيق كما في كتاب «نشوار المحاضرة»[(30)] للتنوخي فقد كَفَّر فيه من قال ذلك عن الله تعالى.

وقد سَمَّى بعض الناس الله أصلاً والعياذ بالله مخالفين بهذه التسمية الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع ففي كتاب محمد راتب النابلسي المسمى «تأملات في الإسلام»[(31)] يسمي الله «أَصْلاً» فيقول: «فالله جل جلاله أصل الخير والحق والجمال» اهـ.

وهذا كفر صريح لأنه تشبيه لله بخلقه، فنحن نقول: الماء أصل العالم، والذي يسمي الله أصلا أو مصدرا فقد كذب قول الله عزّ وجل {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} .

ويكفي في الزّجرِ عن ذلك قولُ الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ولا يجوز تسمية الله بالسبب ولا بالعلة فمذهبُ أهل السنة أن السَبَبَ والمسَبَّبَ مخلوقٌ لله تعالى، وتسمية الله بالعلّة أشدُّ قُبْحًا من تسميتِهِ بالسبب لأن العلة في اللغة المرض ونحوه والله أزليٌّ أبديٌّ ذاتًا وصفاتٍ، فما أبعَدَ هذا الكلامَ من كلام مَن مَارَسَ كُتُبَ عقائدِ أهلِ السنةِ فحالُهُ كحالِ من لم يُعَرّج عليها بالمرّة.

ولا يجوز أن يسمى الله بالمستحي ولا يجوز أن يؤخذ من قولِ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [سورة البقرة] ، تسمية الله بالمستحيى، ومعنى الآية أننا لا نترك استحياءً كما يتركُ البشرُ الشيءَ استحياءً، معناه أن الله لا يُحِبُّ تركَ إظهارِ الحقّ فلا يتركُهُ للاستحياء كما يَفعَلُ الخلقُ، وهذا مستحيلٌ على الله.

ولا يجوزُ كذلك أن يشتق اسمُ المستحي لله من يستحيي في الحديث الذي رواه الترمذي «إنَّ الله حييٌّ كريمٌ يَستحيي إذا رَفَعَ الرجلُ إليه يديهِ أن يَردّهما صِفرًا خائبتين» معناه لا يُخَيّبُه، إما أن يعطيَهُ الثَّوابَ وإما أن يعطيَهُ ما طَلَبَ والثواب، ومعنى «رَفَعَهُما إليه» أي إلى جِهَةِ مَهبِطِ الرّحمةِ وهي السماء لأنها قِبلة الدعاء كما نقل الإجماع على ذلك القاضي أبو محمد عبد الوهاب المالكي البغدادي في كتابه «شرح عقيدة مالك الصغير»[(32)] فقال: «ولإجماع الأمة على أنّا متعَبَّدون في الدعاء برفع أيدينا إلى جهة العلو» اهـ. وكما نص على أن السماء قبلة الدعاء الحافظ النووي في شرحه على مسلم، وسيف الدين الآمدي وكثير من علماء أهل السنة والجماعة، والله منزه عن الجهات كلها.

ومن الإلحاد والكفر أيضا قول بعض الناس في مناجاتهم لله: «يا صاحب الصوت العالي»، فالله تعالى أزلي أبدي وكلامه أزلي أبدي فلو كان يتكلم بحرف وصوت ولغة لكان مخلوقا كالعالم لأن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات، فكلام الله تعالى لا يشبه كلام المخلوقين ولا بأي وجه من الوجوه.

ومن الإلحاد والكفر أيضا قول بعض الناس في بيروت عن الله تعالى: «أبو الخيمة الزرقاء»، وهم يفهمون معنى كلمة «الأب» ويعنون «بالخيمة الزرقاء» السماء، وقد أجمعت الأمة على تكفير من نسب الأبوة أو البنوة لله تعالى.

ومن الإلحاد في أسماء الله قول بعض الناس في حمص عن الله تعالى إذا نضج التين والتمر: «طبّاخ التين» أو «طبّاخ التمر»، وبعضهم يقول: «صبّاغ الليمون» أو «سبحان المقيم»، وهذا كله لم يرد في دين الله عز وجل فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى.

ويجب التحذير أيضا من قول بعض الناس: «الله يشعر بنا» أو «الله يحس بنا» أو «نحس بوجود الله معنا» أو «نشعر بالله معنا» وقول ابن تيمية الحراني شيخ المشبهة في كتابه المسمى «مجموع الفتاوى»: «وأكثر أهل الحديث يصفونه باللمس».اهـ. تنزه الله عن ذلك. قال الرازي في «مختار الصحاح»[(33)] ما نصه: «وقوله تعالى: {…لاَ مِسَاسَ} أي لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ» اهـ.

وقال الإمام زين العابدين في ما رواه عنه الحافظ الزبيدي: «لا إلـه إلا أنت سبحانك لا يحويك مكان لست بمحدود لا تُحَسُّ ولا تَمَسُّ ولا تُمَسّ». والإحساس والشعور صفة المخلوق ويحتاج فيها المخلوق إلى عصب وجلد وغير ذلك من صفات المخلوقين، وإطلاق هذا على الله كفر.

ومن الإلحاد والكفر أيضا نسبة الشمّ إلى الله تعالى كما فعل ابن تيمية الحراني شيخ المجسمة وإمام المشبهة، ونسب هذا الكفر كذبا وزورا إلى أئمة الأصول والعقيدة، وقد قال الله عزّ وجل {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى] ، ولا حجة له ولا لغيره في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» رواه البخاري ومسلم.

وقال المجسم ابن تيمية أيضًا في كتابه المسمى «بيان تلبيس الجهمية»[(34)]: «الله يجوز أن يُحَسَّ به بالحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس» اهـ. والعياذ بالله تعالى من التجسيم.

ويقول الوهابي ابن باز في الكتاب المسمى «مسائل الإمام ابن باز» ما نصه[(35)]: «سؤال: هل يؤخذ من الحديث (أطيب عند الله من ريح المسك) إثبات صفة الشم لله عز وجل؟ الجواب: ليس ببعيد» اهـ.

وقد تكلم علماء أهل السنة والجماعة الحفاظ في شرح هذا الحديث مُنَزّهين الله عن صفة الشمّ واصفيه بما يليق به فقد قال الحافظ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي في كتابه «طرح التثريب في شرح التقريب»[(36)] في شرحه على هذا الحديث ما نصه: «اختلف في معنى كون هذا الخلوف أطيب من ريح المسك بعد الاتفاق على أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروايح الطيبة واستقذار الروايح الخبيثة فإن ذلك من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شىء فتستطيبه، وتنفر من شىء فتستقذره» اهـ

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرحه على هذا الحديث في كتاب الصيام باب فضل الصوم: «القدوري من الحنفية والداودي وابن عربي من المالكية والقاضي حسين والخطابي وأبو عثمان الصابوني والنووي وأبو بكر بن السمعاني وغيرهم من الشافعية جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضا والقبول» اهـ.

قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في كتابه «إتحاف السادة المتقين»[(37)]: «وأما على القول بجواز إطلاق المشتق مما يثبت سمعًا اتصافه بمعناه وما يُشعر بالجلال ولم يوهم نقصًا وإن لم يرد توقيف كما ذهبت إليه المعتزلة وأبو بكر الباقلاني فخطأ أيضًا لأنه لم يوجد في السمع ما يُسَوِّغ إطلاقه ولأن شرطه بعد السمع ألاّ يوهم نقصًا فيكتفون حيث لا سمع بدلالة العقل على اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ. ومن قال بإطلاق الألفاظ التي هي أوصاف دون الأسماء الجارية مجرى الأعلام كالمصنف يعني الغزالي في المقصد الأسنى والإمام الرازي فالشرط عنده كذلك في ما أجازه دون توقيف. واسم الجنس يقتضي النقص من حيث اقتضاؤه الافتقار إلى أجزائه التي يتركب منها وهو أعظم مقتض للحدوث، فمن أطلقه عليه تعالى فهو عاص، بل قد كفره الإمام ركن الإسلام قاضي القضاة علي بن الحسين بن محمد السغدي (ت461هـ) في من أطلق عليه اسم السبب والعلة وهو أظهر، كما نقل عنه ذلك كمال الدين محمد بن همام الدين المشهور بابن الهمام في كتابه «شرح المسايرة في علم الكلام»[(38)]، فإن إطلاقه عليه وهو غير مكره عليه بعد علمه بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف بالربوبية وهو كفر إجماعًا» اهـ.

وبعد أن قُرّر أنَّهُ لا يجوز تسمية الله بصفات النقص وأنه لا يجوز تسميته بغير ما ورد في القرءان أو السنة الصحيحة أو الإجماع يُعلم من ذلك حرمة إطلاق الروح على الله، وفساد قول بعض الناس إنّ ءاه اسم من أسماء الله لأن ءاه باتفاق علماء اللغة لفظ وضع للشكاية والتوجع. وقد قرر أهل المذاهب الأربعة أن الأنين والتأوه يفسد الصلاة، وءاه من جملة ألفاظ الأنين، وقد عدَّها الزبيدي في شرح القاموس اثنتين وعشرين كلمة.

وما يروى من أن الأنين اسم من أسماء الله فلا أصل له أخرجه الرافعي في تاريخ قزوين بإسنادٍ تالفٍ وهو مناقض لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى… *} [سورة الأعراف] ، فقد فسَّروا الحسنى بالدالة على الكمال، فلا يجوز أن يكون اسم من أسماء الله تعالى دالا على خلاف الكمال. وما يدل على العجز والشكاية والتوجع مستحيل أن يكون اسمًا لله تعالى، وذلك دليلٌ على أن الحديث المذكور موضوع كما قال الحافظ أحمد بن صديق الغماري في كتابه «الحنين بوضع حديث الأنين».

ولا عبرة بما ورد في بعض كتب المتصوفة بإطلاق اسم الروح على الله سبحانه لأن «الروح» اسم جامد ليس من الأوصاف حتى ينطبق عليه قول الغزالي، ولأنه يدل على النقص؛ فالروح جسم لطيف محدَث يتعلق بالبدن والله منزه عن أن يكون كذلك.

ولا يجوز أيضًا إطلاق الفم على الله أو الأذن لأنهما من قبيل الأجسام، ويستحيل أن يكون الله تعالى جسمًا إذ لو كان جسمًا لجاز عليه ما يجوز على الأجسام من الفناء والتغير ونحو ذلك ووجب له ما يجب للأجسام كالحدوث، ولصحت الألوهية للشمس والقمر والسماء والملائكة والجن وغير ذلك، وذلك محال، وما أدى إلى المحال، وهو كونه جسمًا، محال.

أما الوجه فقد ورد في القرءان إطلاقه على الله بمعنى الذات كقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} [سورة الرحمـن] . وهنا يتعين تفسيره بالذات لأنه ورد مرفوعًا موصوفًا بـ {…ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *} ، وذو مرفوع أيضًا لأن الصفة تتبع الموصوف في الإعراب والذات المقدَّس هو الموصوف بالجلال والإكرام.

وليس في ذلك حجّة للمجسمة الذين يعتقدون أن الله تعالى له وجه بمعنى الجزء المعهود.

أما العين واليد إذا أضيفتا إلى الله فلا يراد بهما الجارحتان اللتان للإنسان ونحوه، قال البيهقي في كتابه «الاعتقاد» وغيره: «إنهما صفتان ليستا جارحتين، قال أبو حنيفة: ولكن يده صفته بلا كيف، وقال في الفقه الأبسط: ليست بجارحة.

وقال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات ما نصه: «وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: ليس في ما يضاف إلى الله من صفة اليدين شمال لأن الشمال محل النقص والضعف، وقد روي: «وكلتا يديه يمين»، وليس معنى اليد عندنا الجارحة إنما هو صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيّف، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة وهو مذهب أهل السنة والجماعة» اهـ كلام البيهقي.

ـ[11]    التفسير الكبير (2/63).

ـ[12]    حز الغلاصم في إفحام المخاصم (ص/41).

ـ[13]    نظرات في الإسلام (ص/170).

ـ[14]    المسامرة شرح المسايرة (ص/40).

ـ[15]    تفسير النسفي (2/87).

ـ[16]    نظرات الإسلام (188).

ـ[17]    معراج التشوف إلى حقائق التصوف (ص/81).

ـ[18]    معراج التشرف إلى حقائق التصوف (ص/76).

ـ[19]    أبواب الفرج (ص/272).

ـ[20]    القول البديع (ص/335).

ـ[21]    اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة (136).

ـ[22]    الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (203).

ـ[23]    الأسرار المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة (179).

ـ[24]    أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (243).

ـ[25]    المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المستقرة على الألسنة (332).

ـ[26]    في كتاب توفي سنة 953 .

ـ[27]    الشذرة في الأحاديث المشتهرة (2/51).

ـ[28] تمييز الطيب من الخبيث في ما يدور على ألسنة الناس من الحديث (142).

ـ[29]    تفسير الأسماء والصفات (582).

ـ[30]    نشوار المحاضرة (2/154).

ـ[31]    تأملات في الإسلام (28).

ـ[32]    شرح عقيدة مالك الصّغير (26).

ـ[33]    مختار الصّحاح (624).

ـ[34]    بيان تلبيس الجهميّة (3/565 – 566).

ـ[35]    مسائل الإمام ابن باز (278).

ـ[36]    طرح التثريب في شرح التقريب (4/94).

ـ[37]    إتحاف السادة المتقين (2/100).

ـ[38]    شرح المسايرة في علم الكلام (ص/28).