قال الله تعالى: {اللَّهُ الصَمَدُ *} [سورة الإخلاص]
الصمد هو السيد المصمود إليه في الحوائج، وذلك يدل على أنه ليس بجسم، وعلى أنه غير مختص بالحيّز والجهة.
بيان دلالته على نفي الجسمية:
الأول: أن كل جسم هو مركّب، وكل مركّب هو محتاج إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره، فكل مركب هو محتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير لا يكون غنيًّا بل يكون محتاجًا إلى غيره، فلم يكن صمدًا مطلقًا.
الثاني: لو كان مركبًا من الجوارح والأعضاء لاحتاج في الإبصار إلى العين، وفي الفعل إلى اليد، وفي المشي إلى الرجل، وذلك ينافي كونه صمدًا مطلقًا.
بيان دلالته على أنه تعالى منزّه عن الحيّز والجهة:
هو أنه تعالى لو كان مختصًّا بالحيّز والجهة لكان إما أن يكون حصوله في الحيّز المعيّن واجبًا أو جائزًا:
فإن كان واجبًا فحينئذٍ يكون ذاته تعالى مفتقرًا في الوجود والتحقق إلى ذلك الحيّز المعيّن، وأما ذلك الحيّز المعيّن فإنه يكون غنيًا عن ذاته المخصوص، لأنا لو فرضنا عدم حصول ذات الله تعالى في ذلك الحيّز المعيّن لم يبطل ذلك الحيّز أصلا، وعلى هذا التقدير يكون تعالى محتاجًا إلى ذلك الحيّز فلم يكن صمدًا على الإطلاق.
أما إن كان حصوله في الحيّز المعيّن جائزًا لا واجبًا فحينئذٍ يفتقر إلى مخصص يخصصه بالحيّز المعيّن، وذلك يوجب كونه محتاجًا وينافي كونه صمدًا.
قال أبو المظفر الإسفراييني في كتابه «التبصير في الدين» في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة وبيان مفاخرهم[(820)]: «واعلم أنه تعالى ذكر في سورة الإخلاص ما يتضمن إثبات جميع صفات المدح والكمال ونفي جميع النقائص عنه، وذلك قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} ، في هذه السورة بيان ما ينفي عنه من نقائص الصفات وما يستحيل عليه من الآفات، بل في كلمة من كلمات هذه السورة وهو قوله: {اللَّهُ الصَمَدُ *} .
والصمد في اللغة على معنيين:
أحدهما: أنه لا جوف له، وهذا يوجب ألاّ يكون جسمًا ولا جوهرًا، لأن ما لا يكون بهذه الصفة جاز أن يكون له جوف.
والمعنى الثاني: هو السيد الذي يرجع إليه في الحوائج، وهذا يتضمن إثبات كل صفة لولاها لم يصح منه الفعل، لأن مَن لا تصح منه الأفعال المختلفة لم يصح الرجوع إليه في الحوائج المتباينة، وقد جمع الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بين صفات النفي والإثبات» اهـ.
قال الحسن البصري رضي الله عنه في تفسير الصمد[(821)]: «الذي لم يزل ولا يزال ولا يجوز عليه الزوال، كان ولا مكان ولا أين ولا أوان ولا عرش ولا كرسي ولا جني ولا إنسي وهو الآن كما كان».
أما ابن تيمية فيقول عن قوله تعالى: {اللَّهُ الصَمَدُ *} «المجتمع بعضه إلى بعض»، والعياذ بالله تعالى.
فاعتقاد ابن تيمية أن الله متحيز له حدود وجهات وحجم وطول وعرض وارتفاع. وهو كعادته ينسب ذلك المعنى إلى جمهور الصحابة كذبًا وزورًا.
فقد قال ابن تيمية في تفسيره لسورة الإخلاص[(822)]: «وأصل هذه المادة الجمع والقوة، ومنه يُقال: يصمد المال أي يجمعه» اهـ.
ثم قال[(823)]: «وكذلك لفظ الصمد فيه الجمع، والجمع فيه القوة، فإن الشىء كلما اجتمع بعضه الى بعض ولم يكن فيه خلل كان أقوى مما إذا كان فيه خلو، ولهذا يقال للمكان الغليظ المرتفع: صمدٌ، لقوته وتماسكه واجتماع أجزائه» اهـ.
ثم قال: «والناس إنما يقصدون في حوائجهم من يقوم بها، وإنما يقوم بها من يكون في نفسه مجتمعا قويا ثابتا» اهـ.
وقال في التأسيس[(824)]: «واسمه الصمد ينفي عنه التفرق والانقسام والتمزق وما يتبع ذلك من تركيب ونحوه، فإن اسم الصمد يدل على الاجتماع» اهـ.
ثم قال[(825)]: «وحينئذ يكون مشارا إليه بحسب الحسّ»، ثم قال: «فإن الصمد فيه من معنى الاجتماع والقوة والسؤدد ما ينافي الانقسام والتفرق» اهـ. ويقول أيضا في كتابه المسمى بيان تلبيس الجهمية ما نصه[(826)]: «وأما استدلال هؤلاء المتأخرين بذلك – بأنه صمد – على نفي الجسم والحدّ فباطل أيضا، بل هو قلب للدلالة، فإن كونه الموصوف مصمدا لا يمنع أن يكون جسمًا أو محدودًا كسائر ما وصف بأنه صمد، فإن الملائكة توصف بأنها صُمد، وكذلك الأجسام المصمتة، فكيف يقال: إن كونه صمدًا أو مصمتًا ولا جوف له ينافي أن يكون جسمًا محدودًا؟».اهـ والعياذ بالله من هذا الكلام.
ومن نفس الكتاب يقول[(827)]: «إذ الاجتماع لا يكون إلا في ما له عدد. فلو لم يكن منه وله صفات تقتضي التعدد، لامتنع أن يقال له صمد».اهـ
سبحانك هذا بهتان عظيم وكفر جسيم.
وهذا من أصرح الصريح وأقبح القبيح من تجسيم ابن تيمية وتشبيهه لله بخلقه، فإنه كما ترى يحاول بكثرة ثرثرته أن يثبت أن الله تعالى جسم متركب من أجزاء متعددة ويدور ليثبت عقيدته المكذبة للقرءان بقوله إن الصمد من أسماء الله لا ينفي الجسمية والتركيب عنه تعالى، وماذا يريد من ذلك إلا أن يقول إن الله جسم مركب من أشياء كانت متفرقة فاجتمعت بعد ذلك، وهذا فيه نسبة الحدوث إلى الله وأنه محتاج إلى مخصص يخصصه بهذا الاجتماع بعد الافتراق والتركب من أجزاء متعددة، والاحتياجية تنافي الألوهية. فظهر الحق لكل ذي عينين وأسفر وبان، ولا تكن أخي المسلم في شك من حقيقة ابن تيمية وأتباعه الذين جاؤوا بدين مركب جديد يكذبون فيه القرءان والأنبياء والإسلام.
وأما ابن كثير المتوفى سنة 774هـ، فقد حاول أن يبُثَّ سُمَّ التشبيه كشيخه ابن تيمية، ففي تفسيره المسمى «تفسير القرءان العظيم» يقول[(828)]: وقال عبد الله بن بريدة أيضًا (الصمد) نور يتلألأ اهـ. والعياذ بالله تعالى. دون أن يُعَقِّبَ على ذلك بالإنكار، وهو تشبيه صريح لله بخلقه، حيث روى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وصف الجنة «هي وربِّ الكعبة نور يتلألأ» . وقول ابن كثير فيه تشبيه لله تعالى بالجنة التي هي من خلقه، وهذا تكذيب لقول الله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ـ[820] التفسير الكبير للفخر الرازي (32/167).
ـ[821] تفسيره لسورة الإخلاص (ص/16).
ـ[822] (ص/21).
ـ[823] التأسيس (2/58).
ـ[824] التأسيس (2/59).
ـ[825] بيان تلبيس الجهمية (طبعة المملكة العربية السعودية في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 7/596).
ـ[826] بيان تلبيس الجهمية (ص/598).
ـ[827] تفسير القرءان العظيم (دار ومكتبة الهلال – بيروت، الطبعة الأولى سنة 1986 المجلد 6 صحيفة 513).
ـ[828] بدع التفاسير (ص/224).