قال الله تعالى: (الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *) [سورة طه]
اعلم أن هذه الآية من الآيات المتشابهة التي لا يجوز حملها على ما يخطر للبشر من الاستقرار والجلوس ونحوه ويكفر من يعتقد ذلك.
الذي يعتقد أن معنى قول الله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} جلس أو استقر أو حاذى العرش يكفر.
فيجب ترك الحمل على الظاهر بل يحمل على محمل مستقيم في العقول فتحمل لفظة الاستواء على القهر في لغة العرب يقال استوى فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب.
ومعنى «واستعلى على الرقاب» أي استولى على الأشخاص أي على أهل البلد.
تحمل آية الاستواء على القهر، أو يقال استوى استواءً يليق به أو يقال {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} بلا كيف، أما من أراد التأويل التفصيلي فيقول «قهر» ويجوز ان يقول «استولى».
ومعنى قهر الله للعرش الذي هو أعظم المخلوقات أن العرش تحت تصرّف الله وهو خلقه وهو يحفظه، يحفظ عليه وجوده ولولا حفظ الله تعالى له لهوى إلى الأسفل فتحطّم، فالله تعالى هو أوجده ثم هو حفظه وأبقاه، هذا معنى قهر العرش، هو سبحانه قاهر العالم كله، هذه الشمس والقمر والنجوم لولا أن الله يحفظها على هذا النظام الذي هي قائمة عليه لكانت تهاوت وحطّم بعضها بعضا، واختل نظام العالم.
والإنسان قهره الله بالموت، أيّ ملك وأيّ إنسان رزق عمرا طويلا لا يملك لنفسه أن يحمي نفسه من الموت فلا بدّ أن يموت.
وليعلم أن الاستواء في لغة العرب له خمسة عشر معنى كما قال الحافظ أبو بكر بن العربي ومن معانيه: الاستقرار والتمام والاعتدال والاستعلاء والعلو والاستيلاء وغير ذلك، ثم هذه المعاني بعضها يليق بالله وبعضها لا يليق بالله. فما كان من صفات الأجسام فلا يليق بالله.
يقول الشيخ حسن البنّا في كتاب العقائد الإسلامية: «السلف والخلف ليس بينهم خلاف أنه لا يجوز حمل ءآية الاستواء على المعنى المتبادر» وهذا الكلام من جواهر العلم.
فإن قال المجسم: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} ، «على» أي فوق، يقال لهم: فماذا تقولون في قوله تعالى: {…وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *} ، هل يفهمون من هذه الآية أن العباد فوق الله؟! فإن «على» تأتي لعلو القدر وللعلو الحسي، وقد قال الله تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى *} أراد علو القهر بقوله: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى *} [سورة النازعات] .