قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ… *} [سورة الجاثية]
الإله: من له الألوهية وهي القدرة على الإبداع والاختراع، فلا يُطلق «الإله» بحسب الأصل على غير الله تعالى، إنما المشركون استعاروا هذا اللفظ وأطلقوا على معبوداتهم كلمة «الإله».
الشخص الذي يعبد حجرًا يُقال هذا إلهُه، إلـه هذا الشخص أي معبوده، وأما أن يطلق على هذه الأحجار إلـه فلا يجوز لغةً ولا شرعًا.
قال الإمام أبو منصور الماتريدي في كتابه «تأويلات أهل السنة»[(602)]: «على التحقيق، ما قاله عامة أهل التأويل: أنهم عبدوا كل شىء استحسنوه، فإذا استحسنوا شيئًا آخر أحسن منه تركوا عبادة الأول وعبدوا الثاني، فتلك كانت عادتهم، وذلك اتخاذ الآلهة بهواهم، إذ الإلـه هو المعبود عندهم، وهو التحقيق الذي ذكرنا» اهـ.
قال المفسر فخر الدين الرازي في «التفسير الكبير»[(603)]: «{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ… *} يعني تركوا متابعة الهدى وأقبلوا على متابعة الهوى فكانوا يعبدون الهوى كما يعبد الرجل إلهه» اهـ.
قال أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري المتوفى سنة 450هـ، في تفسيره «النكت والعيون»[(604)]: «الثاني: أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه ويستحسنه، فإذا استحسن شيئًا وهوى به اتخذه إلهًا، قاله عكرمة. قال سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر. الثالث: أفرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده تعجبًا لذوي العقول من هذا الجهل» اهـ.
قال القونوي في حاشيته على تفسير البيضاوي[(605)]: «قوله اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه» اهـ.
يُقال عن عبدة الشمس، الشمس إلههم وعن عبدة القمر القمر إلههم، يُقال لهم هذا إلهكم، هذه الشمس إلهكم أي تعبدونها من دون الله باطلا، على هذا المعنى يُقال، أما أن يطلق عليهم بلا تقييد فيُقال الشمس إلـه وكل شىء أحبه الإنسان وتعلق به قلبه فهذا كفر.
بعض الأشخاص ممن ينتسبون إلى العلم يقولون بوجود ستين إلهًا، هذا ضلال وكفر وإلحاد، قال الله تعالى: {…أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، بعد هذا كيف يستجيزون أن ينطقوا بهذا؟!! يقولون إلى ستين إلى مائة ألف إله، كيف يتجرؤون على هذا القول الخبيث، يُقال لهم أنتم ألا تحبون المال؟ فإن قالوا بلى، نقول لهم إذا أنتم تعبدون المال على قولكم، إلهكم المال على قولكم، شهدتم على أنفسكم بأنكم كفار.
هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ… *} ، الله تعالى أنزلها في مشركي مكة وغيرهم، العرب لما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على عبادة الأوثان، كل قبيلة كان لها طاغوت، هذا الطاغوت شيطان ينزل على إنسان يتكلم على لسانه فيجتمع الناس على هذا الإنسان تعظيمًا لهذا الشيطان الذي ينزل عليه فيتكلم على لسانه.
كل قبيلة كان لها هذا الشيء، وكانوا يعبدون الحجارة على هذا الشكل، الواحد منهم إذا استحسن حجرًا يتخذه إلهًا، يعكف على عبادته يقول هذا الحجر يقربني إلى الله على زعمه ثم يرى حجرًا آخرَ أحلى منه منظرًا فيلقي هذا ويعبد ذاك، عن هذا قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ، انظروا كيف حرفوا القرءان، قالوا كل ما تعلق به قلب الإنسان فهو إله.
إذًا أين هم من قول الله تعالى: {…إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ… *} [سورة النساء] ومن قوله: [سورة محمد] .
لفظ «الإله» وضع للدلالة على الله ليس ليستعمل في غير الله تعالى لكن المشركين عباد الأوثان استعاروه فأطلقوه على ما يعبدونه من دون الله، هكذا في المصباح المنير في حرف الألف، المصباح المنير في كتب اللغة مشهور، أما الذي يقول كل شىء يتعلق به قلبك فهو إلـه فهؤلاء حرفوا دين الله، على قولهم الذي يحب سيارةً ويتعلق قلبه بها كافر والذي يحب بناءً فخمًا كذلك عندهم مشرك عبد غير الله، ذلك الشىء صار إلهًا له معناه صار يعبده، الذي فيه عقل لا يقول هذا، يكفيهم دليلا رادعًا عن قولهم هذا قول الله تعالى: {…إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ… *} [سورة النساء] ، وقوله: {…وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ… *} [سورة المائدة] .
كان يكفيهم هذا رادعًا لهم عن هذا الكلام الخبيث لكن القلوب إذا أقفلها الله تعالى عن فهم الصواب والهدى والرشاد ترى القبيح حسن والحسن قبيحًا.
هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [سورة الجاثية] فسرها ترجمان القرءان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رجل من المشركين يعبد حجرًا ثم يلقى حجرًا آخر أحسن منه فيلقيه ويأخذ هذا فيعبده فأنزل الله هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [سورة الجاثية] ، معناه يا محمد اعجب من هؤلاء المشركين».
الله تعالى أمر عباده أن يقولوا هذه الكلمة للدخول في الإسلام وللذكر، هذا إن كان كافرًا يدخل بها في الإسلام «لا إلـه إلا الله» ومن كان مسلمًا يجدد بها إيمانه «لا إلـه إلا الله» هذا دليل على أن «الإله» إذا أطلق لا يُطلق إلا على رب العالمين أما إذا أريد غيره تعالى في معرض التحقير للمشركين نقول «إلههم – إلهكم» نقول لهم مع الإضافة مع القيد أما بدون قيد فلا يطلق «الإله» إلا على الله، العرب وضعت لفظ «الإله» ليقصد به الله رب العالمين ولذا أرادوا غيره يقيدون أما إن قال هذا اللفظ وهو جاهل باللغة العربية وهو يقصد بها بغير حق لا نُكَفِرُهُ لكن إذا قال الذي يشارك هذا أظهر ما بقي له تأويل، كذلك الخبيث الذي يقول «وإلـه الهوى الذي يشارك» ما تركت له حبلاً من التأويل، لو قال «وإلـه الهوى الذي عند المشركين عند الكفار يتخذونه إلهًا» مجرد هذا ليس كما قيل «وإلـه الهوى الذي يشارك»، مثل كلمة «لا إلـه إلا الله». لو كان «الإله» يطلق على غير الله عند الإطلاق ما أمر الله عباده أن يقولوا «لا إلـه إلا الله» هذا أكبر دليل على أن «الإله» عند الإطلاق لا يراد به إلا رب العالمين عند الإطلاق لذلك صحت هذه الكلمة وصارت هي كلمة الإخلاص وكلمة التقوى وإلاَّ لم تصح. لو كان يطلق «الإله» على كل معبود من دون الله بلا تقييد لم تصح كلمة لا إلـه إلا الله.
وأما ما يروى أن الرسول قال: «ما تحت أديم السماء إلـه يعبد من دون الله أعظم من الهوى»، هذا موضوع عند أهل الحديث ما له أساس، أما «الإله» إذا أُطلق فهو المعبود بحق وهو الله تعالى، لذلك لا تجد في القرءان إطلاق «الإله» على غير الله إلا مع التقييد إما بالإضافة كما في قوله تعالى للمشركين {…إِلَهُكُمْ… *} [سورة فصلت] ، هنا صار مضافًا ليس مطلقًا، كذلك هناك في موضع آخر الله أخبرنا عن موسى أنه قال للسامري: {…وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا *} [سورة طه] ، الآية {…إِلَى إِلَهِكَ} أضاف معناه معبود عندك ليس هو معبودا يستحق أن يعبد إنما هو عندك عُبِدَ من دون الله، من حيث البلاغة أليس فيها تحقير أيضًا؟ بل هنا في مقام التحقير {…وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} في معرض الإهانة مضاف إلى التحقير، معناه أنت اتخذته إلهًا هو ليس إلهًا، لو كان لفظ «الإله» يطلق على المعبود بحق وعلى المعبود بباطل لم تصح كلمة لا إلـه إلا الله، لكن بما أن كلمة «الإله» لا تطلق عند الإطلاق إلا على الله، لا تكون إلا على الله المعبود بحق.
فلا إشكال إذا قيل للكفار هذا إلههم بمعنى هذا معبودهم لا بمعنى الموافقة لهم بل بمعنى الذم لهم، هذا ما فيه شىء. وقال الإمام الهمام الشيخ فخر الدين ين عساكر مؤرخ بلاد الشام رحمه الله في رسالته التي أسماها «رسالة ابن عساكر» بعد كلام ما نصه: «وهكذا كل أسمائه تدل على الكمال فيستحيل عليه الاسم الذي يدل على النقص فلا يصح أن يسمى الله روحًا ولا عقلاً كما يقول بعض الجهال» فلا يجوز تسمية الله بآه، من ذكر الله بآه فقد عصى الله وبعض أهل الطرق يقولون «آه من أسماء الله» ولا يجوز ذلك لأن «آه» لا يدل على الكمال بل يدل على العجز والضعف.
وقد قال علماء اللغة أن «آه» كلمة وضعت تقال عند الشكاية والتوجع، فكيف يُذكر الله تعالى بلفظ وضِع للشكاية والتوجع؟! ولم يرد في كتاب الله ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «آه» من أسماء الله، والحديث الذي يَحْتَج به هؤلاء رواه الرافعي في تاريخ قزوين بإسناد فيه كذابٌ من حديث عائشة أنها قالت: دخل علينا رسول الله وعندنا مريض يئن فقلنا له اسكت فقال دعوه فإن الأنين اسم من أسماء الله. هم تمسكوا بهذا الحديث الموضوع، اختلف العلماء في الأنين للمريض قال بعضهم مكروه وقال بعضهم إنه مباح فكيف يُتقرب إلى الله وكيف يجوز أن يُذكر الله بلفظ اختلف العلماء فيه بين الكراهة الإباحة، لو كان اسمًا من أسماء الله لرفعوه عن هذا المقام.
ـ[602] تأويلات أهل السنة (طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1426هـ المجلد التاسع ص227).
ـ[603] التفسير الكبير (طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411هـ المجلد الرابع عشر، الجزء27 ص230).
ـ[604] النكت والعيون (طبع دار الكتب العلمية، المجلد الخامس ص265).
ـ[605] (طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى سنة 1422هـ، المجلد السابع عشر ص434).