الخميس نوفمبر 21, 2024

الْفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ

فِي الْوَقْفِ

   الْوَقْفُ لُغَةً الْكَفُّ وَاصْطِلاحًا قَطْعُ الْكَلِمَةِ عَمَّا بَعْدَهَا بِسَكْتَةٍ. وَفَائِدَةُ مَعْرِفَةِ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ تَبْيِينُ مَعَانِي الْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ وَتَعْرِيفُ مَقَاصِدِهِ وَإِظْهَارُ فَوَائِدِهِ. وَيَنْقَسِمُ الْوَقْفُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ تَامٌّ مُخْتَارٌ وَكَافٍ جَائِزٌ وَحَسَنٌ مَفْهُومٌ وَقَبِيحٌ مَتْرُوكٌ.

   (1) الْوَقْفُ التَّامُّ

   وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى أَيْ تَمَّ الْكَلامُ بِهِ وَانْقَطَعَ مَا بَعْدَهُ عَنْهُ وَلا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَ تَمَامِ الْقَصَصِ وَانْقِضَائِهِنَّ وَيَكْثُرُ أَيْضًا وُجُودُهُ فِي الْفَوَاصِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وَكَقَوْلِهِ ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.

   وَقَدْ يُوجَدُ التَّامُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْفَاصِلَةِ كَقَوْلِهِ ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ وَتَمَامُ الْفَاصِلَةِ ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولًا﴾. وَقَدْ يُوجَدُ التَّامُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْفَاصِلَةِ بِكَلِمَةٍ كَقَوْلِهِ ﴿لَّمْ نَجْعَلْ لَّهُمْ مِّنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ﴾.

   وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ وَحَسَنًا عَلَى غَيْرِهَا نَحْوُ ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ هَذَا تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ اسْمَ الْجَلالَةِ بَعْدَهُ وَهُوَ ﴿اللَّهُ﴾ وَعَلَى النَّعْتِ حَسَن.

   الْوَقْفُ الْكَافِي

   وَهُوَ الَّذِي انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَهُ فِي اللَّفْظِ وَلَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ فِي الْمَعْنَى بِوَجْهٍ أَيْ لا يَنْقَطِعُ عَمَّا بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَالْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنْ يَحْسُنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَكَقَوْلِهِ ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.

   (3) الْوَقْفُ الْحَسَنُ

   وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَلامٌ حَسَنٌ مُفِيدٌ وَلا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنَى إِلَّا فِي رُءُوسِ الآيِ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ. وَمِثَالُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ رَأْسُ ءَايَةٍ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ فَهَذَا كَلامٌ حَسَنٌ مُفِيدٌ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ غَيْرُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الأَوَّلِ فَلا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ مَا قَبْلَهُ.

   (4) الْوَقْفُ الْقَبِيحُ

   وَهُوَ مَا يَقْبُحُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِمَا بَعْدَهُ كَالْوَقْفِ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى ﴿مَالِكِ﴾ فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ قَبِيحٌ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾. وَكَذَا يَقْبُحُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَى مَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَالْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ﴾ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي﴾. وَإِذَا وَقَفَ الْقَارِئُ عَلَى ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ كَضِيقِ نَفَسٍ أَوْ غَيْرِهِ يَبْدَأُ بِمَا قَبْلَهُ لِيَصِلَ الْكَلامُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مِثْلُ الْوَقْفِ عِنْدَ انْقِطَاعِ النَّفَسِ عَلَى ﴿عَزِيرٌ ابْنُ﴾ فَلا يَبْتَدِأُ بِـ﴿عَزِيرٌ﴾ وَلا بـِ﴿ابْنُ﴾ بَلْ بـِ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ﴾ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ.