السبت سبتمبر 7, 2024

الْفَصْلُ الثَّانِي

فِي اللَّحْنِ

   اعْلَمْ أَنَّ اللَّحْنَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَلامِ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا اللُّغَةُ وَالْفِطْنَةُ وَالضَّرْبُ مِنَ الأَصْوَاتِ الْمَوْضُوعَةِ وَالْخَطَأُ وَمُخَالَفَةُ الصَّوَابِ وَبِهِ سُمِّيَ الَّذِي يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ عَلَى ضِدِّ الإِعْرَابِ لَحَّانًا وَسُمِّيَ فِعْلُهُ اللَّحْنَ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَقْصُودُنَا فِي الإِبَانَةِ عَنْهُ.

   وَاللَّحْنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ

   الأَوَّلُ لَحْنٌ مُخِلٌّ بِالْمَعْنَى وَهُوَ تَغْيِيرُ بَعْضِ الْحَرَكَاتِ عَمَّا يَنْبَغِي نَحْوُ أَنْ تَضُمَّ التَّاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ أَوْ تَكْسِرَهَا وَنَحْوُ أَنْ تَفْتَحَ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وَمِنَ اللَّحْنِ قِرَاءَةُ ﴿الَّذِينَ﴾ بِالزَّايِ وَهَذَا اللَّحْنُ فِي الْقُرْءَانِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَبْنَى أَيِ اللَّفْظِ أَوِ الإِعْرَابِ.

   وَالثَّانِي لَحْنٌ لا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى نَحْوُ أَنْ تَكْسِرَ نُونَ ﴿نَعْبُدُ﴾ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وَهَذَا اللَّحْنُ يَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ.

أَمَّا الإِخْلالُ بِالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ وَسَائِرِ الْمُدُودِ سِوَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَتَرْكُ الإِقْلابِ وَالْقَلْقَلَةِ وَالإِخْفَاءِ وَالْغُنَّةِ وَتَطْنِينُ النُّونَاتِ وَإِظْهَارُ الْمَخْفِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلا يَأْثَمُ مَنْ أَخَلَّ بِهِ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ فِي إِيجَابِ ذَلِكَ لِكُلِّ قَارِئٍ حَرَجًا [أَمَّا تَكْرِيرُ الرَّاءَاتِ فَلا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِثْمٌ] وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ اللَّحْنِ لا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْقَارِئُ الْمُتْقِنُ وَالضَّابِطُ الْمُجَوِّدُ الَّذِي أَخَذَ عَنِ الأَئِمَّةِ وَتَلَقَّنَ مِنْ أَلْفَاظِ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ تُرْتَضَى تِلاوَتُهُمْ وَيُوثَقُ بِهِمْ.

   وَقَوْلُ بَعْضٍ بِوُجُوبِ مُرَاعَاةِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ مِنْ مَدٍّ وَقَصْرٍ وَتَرْقِيقٍ وَتَفْخِيمٍ وَإِظْهَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْحَرَجِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذِ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ بِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ

وَالأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لازِمُ             

مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرْءَانَ ءَاثِمُ

بَلْ ذَكَرَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَزَرِيَّةِ أَنَّهُ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مَنْ لَمْ يُصَحِّحِ الْقُرْءَانَ ءَاثِمُ.